طريق الحرير

الصين قوة التوازن العالمي للحفاظ على السلام.. العلاقات الصينية العربية -الإفريقية

إعداد الدكتورة بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية

أمام التحولات الجيواستراتجية والتاريخية التي يشهدها العالم،ومنطقة شمال إفريقيا بالتحديد، أضحت العلاقات التقليدية عبءً على المصالح الإقتصادية والسياسية لبلدان المنطقة سواء بشمال إفريقيا أو الشرق الأوسط، بل فقدت مصداقية التعامل والثقة، من هنا دعت الحاجة إلى إعادة النظر وبناء تحالفات جديدة تتماشى ومصالح المنطقة، كما أصبحت سياسة ملحة في خضم كل هذه التحولات وكذلك محل نظر وتطبيق من قبل العديد من دول القارة الإفريقية والعالم العربي ، خاصة فيما تطرحه القوى البديلة من استراتيجية تعامل جديدة تحترم فيها استقلالية البلدان على قاعدة منطق الشراكة وليس الهيمنة.
والملاحظ في هذا المقام،أن الإستراتيجية بشأن العلاقات الدولية التي تطرحها الصين هي بالأساس ضمان الأمن والسلم العالمي تحت عنوان كبير:”شراكة رابح رابح” مع حزام البناء للتنمية الإقتصادية والإجتماعية.
وفي خضم بهذه التحولات والتغيرات الإستراتجية تنفتح الصين وتدخل اقتصاديا العالم العربي، حيث تحولت إلى أهم الشركاء الإستراتيجيين خاصة بمشاريع تنموية كبرى وتطوير العلاقات والإهتمام المتبادل من الجانبين بعد الخيبة من الشركات والسياسات الأوروبية والأمريكية التي أثبتت عبر التاريخ أنها معاملات استعمارية واستنزاف لطاقات هذه البلدان وثرواتها،وخصوصاً في مجالات الطاقة والمعادن، إضافة إلى سوق داخلية كبرى وتتميز بوضعية جيواستراتيجية استثنائية على أهم الممرات البحرية:البحر الأحمر والبحر المتوسط والمحيط الأطلسي.
وفي إطار سياسية التوسع الإقتصادي الحثيثة التي تنتهجها بكين لتقوية انفتاحها على العالم العربي، تكتسي دول شمال إفريقيا أهمية جيوسياسية مميزة.
وسيتم تخصيص قسم من ميزانية الـ60 مليار دولار الضخمة، التي أعلن عنها الرئيس الصيني شي جين بينغ لتقوية استثمارات بلاده في القارة السمراء وفي العالم العربي.
وبالرغم من هذه الميزانية الضخمة إلا أن العلاقات مع شمال إفريقيا حسب خبراء صينيين وإفريقيين لم تصل إلى المستوى الذي يشبع طموحات الجانبين لأن هناك خوفا من الإرهاب وبسبب هشاشة الوضع السياسي والإقتصادي لتأمين هذه المشاريع الضخمة،كما أن هناك عاملا آخر يعوق التعاون وهو العلاقات الكلاسيكية التقليدية مع أوروبا التي تدافع وبشراسة على تموقعها في المنطقة.
وتكتسي العلاقات الصينية الإفريقية العربية أهمية كبيرة لكونها تجمع بين الربح والفرص والنمو والإعتماد على مبدإ التعامل المتكافئ، وتستفيد البلدان العربية وخاصة الإفريقية من الحضور الصيني بشكل مخالف عن الوجود الأوروبي، استنادا إلى كون هذا الحضور يؤدي إلى نمو مستدام وتحسين البنى التحتية والأوضاع الإجتماعية والإقتصادية، وتدفق استثمارات جديدة، ومزيد من العلاقات التجارية ارتكازا على توجهات أقل تسييسا وبعيدة عن الإملاءات السياسية والثقافية.
ويمكن القول إن الإستثمار وعلاقات الشراكة التي تعتمد على مبدأ “شراكة رابح-رابح” بدأت مع الجزائر الحليف التقليدي للصين منذ سنة 2013 حيث تحولت الصين إلى أقوى شريك اقتصادي للجزائر، وذلك أمام فرنسا التي أصبحت في المرتبة الثانية، وكذلك أمام أعين ألمانيا صاحبة أقوى اقتصاد في أوروبا، مع الإشارة إلى أن بعض الدوائر الغربية حاولت التدخل لخلق وضع من عدم الإستقرار لأنها تدرك أهمية الإستقرار الأمني داخل البلدان التي تريد الصين الإستثمار فيها.
ودخلت الصين في الأعوام الأخيرة السوق الجزائرية عبر مجالات البناء والأشغال العامة ومشاريع البنية التحتية العملاقة، على غرار مشروع الطريق السيار الذي يمتد إلى مسافة 1216 كيلومترا، كما تولت بناء جامع الجزائر الكبير ليصبح ثالث أكبر مسجد في العالم، إضافةً إلى توسعة مطار الجزائر.
يضاف إلى كل هذا مشروع ميناء الحمدانية الذي سيتم ربطه بثلاث مناطق صناعية كبرى وخط جديد للسكك الحديدية، وقدرت ميزانية المشروع بنحو 3.3 مليار دولار أمريكي.
ومن المنتظر أن يرتفع حجم الإستثمارات الثنائية بين الجانبين في السنوات القادمة، خاصة في ظل سياسية الدولة الجزائرية التي تبتعد عن الحليف المهيمن المستعمر لتبنى تحالفا مع الصين وروسيا أو ما يطلق عليه القطب الشرقي الذي يعتمد بالأساس على الشراكة والبناء و التنمية.
في المقابل تقدم الصين للجزائر قروضا بنسب منخفضة، ما يتماشى مع أهداف الجزائريين الذين تضرروا بشكل كبير من تراجع أسعار النفط.
من جانبها أدركت مصر أهمية التعامل مع الصين كشريك استراتيجي لتبلغ حجم المعاملات سبع مليارات دولار عام 2016.
وتلقَّى التعاون المصري الصيني دفعة جديدة من خلال مبادرة “الحزام والطريق” التي تتولى في إطارها بكين تنفيذ مشروعات ضخمة مثل شبكة الكهرباء والقطار المكهرب، إلى جانب توقيع اتفاقية تبادل العملة بين البنك المركزي المصري والصيني.
و ما يعطي الصين مصداقية هو انتهاجها مبدأ التعامل والتعاون مع البلدان الإفريقية والعربية على قاعدة عدم التدخل في الشأن السياسي أو الإجتماعي الداخلي.
كما أن المقاربة التي تتبناها الصين في علاقاتها هي أكثر مرونة بشأن سياستها الإفريقية فهي لا تدعم التدخل في إفريقيا بل تقوم بالوساطة المحايدة في الصراعات ، كما فعلت في دارفور بالسودان سنة 2007، وتوسطت من أجل صفقة سلام بين شمال السودان وجنوبه في موضوع التنازع على مناطق حدودية غنية بالبترول في شهر أغسطس 2012، وتوسطت لحل الصراع بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا.
كذلك تحاول الحفاظ على السلام في الشرق الأوسط ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والقضايا العادلة في المنطقة العربية، عكس عمليات التدخل والعدوان للسياسات الخارجية الأوربية والأمريكية.
العلاقات الإستراتجية الصينية الإفريقية ليس صحيحًا أنه يسمح للصين والشركات الصينية بارتكاب أعمال غير مشروعة في إفريقيا وشمال إفريقيا، كما تدعي وسائل الإعلام الغربية، فالصين تنظر إلى إفريقيا على أنها عنصر مركزي في مشروع استدامة نمو اقتصاد الصين وتطويره على المدى البعيد. وبحسب بنك الصين، فإن إفريقيا مصدر مهم لتزويد الصين بحاجتها المتزايدة للمادة الخام، إذ أن إفريقيا لديها واحد من أضخم احتياطيات المواد الخام، كما أنها المصدر الرئيسي للموارد الطبيعية الخام و لكنها للأسف من أفقر القارات نتيجة النهب الإستعماري والحروب الأهلية ،لذلك نلاحظ تغيرا كبيرا وتحولا من قبل بلدان إفريقية نحو الصين.
الحضور المتبادل والعلاقات المتبادلة بين الصين وإفريقيا ليس بالجديد فهناك تاريخ طويل من التواصل بين الصين والقارة يعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، كما كانت هناك علاقات حكومية بين الصين وإفريقيا بعد الحرب العالمية الثانية حيث قدمت الصين الدعم لحركات التحرير ثم دعمت استقلال الدول الإفريقية، أضف إلى ذلك الأهداف المشتركة التي جمعت الصين مع العديد من الدول الإفريقية تحت مظلة حركة عدم الإنحياز في أثناء الحرب الباردة
. لذلك من الطبيعي الإشارة إلى أن العلاقات بين الصين وإفريقيا تتجه نحة “شراكة إستراتيجية” ضمن التفاعل مع صعود القطب الشرقي الروسي – الصيني من اأجل خلق توازن عالمي جديد وبناء تحالفات جيوسياسية وجيواقتصادية جديدة.
إن ما يدفع البلدان الإفريقية وخاصة شمال إفريقيا إلى الإتجاه نحو تفعيل وترسيخ العلاقات مع الصين الشعبية هو ما تتحلى به الصين من مبادئ أكثر نزاهة وشفافية في علاقتها بإفريقيا. وتعود حماسة الحكومات الإفريقية للإستجابة للنشاط الصيني إلى أربعة أسباب:

  1. احترام الإستقلال السياسي، وفلسفة عدم التدخل في الشأن الداخلي. وباختصار، يقوم منهج الصين على”عدم إملاء الشروط السياسية”، واعتماد منهج تفاعل اقتصادي لقي قبولاً لدى القادة الأفارقة وذلك لسبابين أساسيين هما : – تاريخ الإستعمار الغربي ورغبة إفريقيا في حماية استقلالها السياسي. –
    تفضيل القادة الأفارقة أنظمة وسلطات سياسية مركزية، وليس مثل الأنظمة الغربية القائمة على النظام التفويضي.
    . 2. وعد الصين بشراكة تحقق “الكسب للجميع”، خاصة عزم الصين على الإستثمار والدعم في مجال التنمية في البنية التحتية الإجتماعية والإقتصادية وخاصة في بناء الجسور والموانئ والمستشفيات والمدارس في استجابة لاحتياجات الدول الإفريقية. وهذا يشمل قروض ائتمان تفضيلية للزبائن، وقروضا امتيازية من المساعدات الخارجية.
  2. اعتماد الصين منهجا فريدا في تقديم المعونات التنموية والتمويل، حيث تمزج بين المنح الخاصة، والقروض الخالية من الفوائد، وتخفيض الدين والقروض الإمتيازية لتمويل المنح الدراسية، وبناء منشآت البنية التحتية وتجهيزات الإتصالات، وبناء القدرات في مجال الزراعة والتعدين في إفريقيا.
    4تزويد الصين الدول الإفريقية وقادتها ببديل معتبر لخريطة الطريق الغربية التقليدية للتنمية الإجتماعية والإقتصادية والتطوير، كما لا تفرض الصين لغتتها أو ثقافتها.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق