أخبار العالمبحوث ودراسات

انهاء المرتزقة في ليبيا والغياب أو التغييب التونسي الجزائري

عادل الحبلاني : قسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية

يحتل ملف انهاء المرتزقة في ليبيا اليوم حيزا هاما على الصعيدين الدولي والاقليمي, وتتكاثف الاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات من الداخل الليبي وخارجه, مجتمعة كلها على ضرورة ايجاد مخارج وحلول تنهي حالة الفرقة الداخلية والأزمة التي ألقت بظلالها على الساحة الدولية منذ سقوط نظام معمر القذافي. إلا أن ما يحول دون انهاء الأزمة السياسية في ليبيا ومن وراءها أنهاء ملف المرتزقة,على الرغم من الاتفاق حول جوهر عملية انهاء الازمة في ليبيا, يكمن اساسا في طريقة انهاءها والخطط المزمع تنفيذها لإعادة تجميع وتوحيد السلطة في ليبيا تحت راية واحدة موحدة وجامعة بين أفراد الشعب الواحد وبين جميع الفرقاء السياسيين  عبر اعادة تركيز مؤسسات الدولة وتوحيدها, ويتمثل تباعا في اختلاف وجهات نظر الأطراف الخارجية المتدخلة, حيث تسعى كل دولة إلى تحقيق مصالحها الخاصة وتمرير أجنداتها سيما في ظل  أزمة طاقة خلفتها العملية العسكرية في أوكرانياوتكالب العديد من الأطراف لتأمين مصادر جديدة للطاقة. الأمر عطل تقريبا كل المقاربات السياسية من الداخل والخارج ودفع العديد من الأطراف إلى اقصاء وتغييب دول الجوار على غرار تونس والجزائر اللتان ارتأتا الحل الليبي الليبي من خلال حوار شامل مع تدخل الأطراف الخارجية على قاعدة تجميع الأطراف والبحث عن الحلول السلمية وأن لا يكون عملها تحت راية الأمم المتحدة إلا ضمانة وتثمينا لهذا التوجه.

فماهي الأطراف المتدخلة لأنهاء الأزمة في ليبيا واخراج المرتزقة منها ؟

لماذا تم اقصاء كل من تونس والجزائر مع العلم أنهما دولتا الجوار بامتياز ؟

يعود اقصاء تونس والجزائر من ملف انهاء المرتزقة في ليبيا والبحث عن حل سياسي قادر على اعادة توحيد الدولة الليبية إلى تعدد المسارات وكثرة المتدخلين الاقليميين والدوليين وتعدد الأجندات الخارجية التي تسعى إلى تحقيق مصالح خاصة في الداخل الليبي وهو ما خلق بدوره  مناهج وخطط وتصورات مختلفة وغير مترابطة وفيها من الأجندات الخاصة ما يعمق أزمة ملف انهاء المرتزقة, فإلى جانب مسار القاهرة الذي يسعى إلى التأسيس لقاعدة دستورية تلتأم من خلالها جراح الفرقة وتتوحد من وراءها المؤسسة العسكرية, هناك المسار الأبرز والأكثر ديناميكية في المشهد السياسي الليبي وهو المسار التركي الذي تدور في فلكه الاخوان وبقايا المقاتلين وأمراء الحرب من المنطقة الغربية, بالإضافة إلى ذلك فالمسار الاقليمي الأبرز والأصعب في المعادلة والذي يتمثل في الغرب وأمريكا من جهة وروسيا الاتحادية من جهة أخرى, حيث تحول الصراع الداخلي إلى صراع مخططات وأجندات اقليمية ودولية.

وإذ تستند الدول في اقصاءها لدولة الجوار تونس على عدم توضح رؤيتها في علاقة بالأزمة السياسية الليبية وتذبذب موقفها خاصة في ظل الانقسام بين الشرق والغرب وتعطل أعمال وزارة الخارجية سيما بعد اقالة وزير الخارجية خميس الجيهناوي, بحيث لم يكن هناك موقف رسمي تونسي في ذروة الأزمة الليبية, إلا أن الأمر ليس على هذا النحو أساسا, حيث أن الأسباب الرئيسية تعود بالأساس إلى الداخل الليبي و إلى الخطأ التاريخي الذي ارتكبته الدولة التونسية ابان التروكيا والذي انتهى بتسليم البغدادي المحمودي في ضرب صارخ للأعراف والمواثيق الدولية ما دفع العديد من الأطراف إلى الحيلولة دون تواجد تونس في مؤتمر برلين على الرغم من عمق العلاقات مع ليبيا ومن الحدود المترامية الأطراف ومن الموقع الاستراتيجي والمبادلات الاقتصادية، فضلا عن وجود أكثر من مليوني ليبي على أراضيها بين فار ومغادر وعائد إلى تونس، زيادة على كونها البلد الوحيد الذي يسمح بالدخول من ليبيا إليها دون تأشيرة، والبلد الوحيد الذي سيتحمل عبء موجة الهجرة المتوقعة في حال حدث تصعيد عسكري في ليبيا, ويعود أيضا إلى دفع قوى اقليمية ودولية إلى فك الارتباط السياسي بين تونس وليبيا الجارتين ولعب الدور الحيوي في الملف الليبي على غرار المغرب التي استطاعت أن تحول اتفاق الصخيرات من تونس إلى المغرب. وقد دفعت كل الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي نحو اقصاء دور الدولة التونسية في مؤتمر برلين والذي دائما ما كان ملتزما بالحياد حيال الأطراف السياسية الليبية على حد سوى والذي يقوم أساسا على قاعدة الحل الليبي الليبي والحوار الجاد بين جميع الأطراف بعيدا عن الاكراهات والتدخلات الخارجية في شأن الدولة الليبية, الأمر الذي ينتج عنه نوايا واضحة من الأطراف المتدخلة في عدم انهاء الأزمة والمحافظة على المرتزقة في الداخل الليبي كورقة ضغط تعتمدها الدول النافذة إذا ما تعطلت مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية, والدفع نحو اقصاء تونس هو بالأساس دفع نحو تغيير موقف الدولة التونسية, أي دفعها إلى التخلي عن ديبلوماسية الحياد وحثها على الاصطفاف وأن تكون في صالح طرف على طرف آخر, وكلنا يعلم جيد أن الجهة الداخلية والخارجية التي دفعت نحو هذا الاتجاه هي الجهة التي حاولت أن تحسم الصراع في سرت وفي مصراطة وفي طرابلس بالقوة العسكرية لولا تدخل القوات الروسية على الخط.

بالإضافة إلى ذلك فإنه من الضروري بما كان التذكير بالدور الحيوي والمحوري  الذي لعبته الدولة التونسية في بحث كل سبل احلال السلام في ليبيا, خاصة من خلال طرحها مؤخرا مبادرة سياسية لتسوية الأزمة الليبية مع المحافظة على الحيادية وتجنب الاصطفاف والالتزام بالمسافة من كل الأطراف, بطريقة لا تتورط فيها مع طرف على حساب اطراف أخرى. هذه المبادرة على أهميتها والتي تترجم عمليا الخطط الرامية إلى احلال السلام في ليبيا والتي تتماهى أهدافها مع أهداف الأمم المتحدة تم ركنها والدفع نحو تقزيمها وسط رغبة من الأطراف الاقليمية التي تسعى إلى المحافظة على حالة الفوضى في الداخل الليبي.

الحوار حول السلام في ليبيا ليس إلا مسرحية

إن تعمد اقصاء تونس من الملف الليبي وتهميش دور الجزائر والمغرب باعتبارهم  دول الجوار بامتياز, لهو دلالة واضحة عن فلكلور تتقاسم أدواره الدول الفاعلة والقوى الاقليمية على غرار تركيا وأمريكا والغرب حول تحصيل النصيب الأكبر من مقدرات الشعب الليبي وتركيز أجندات سياسية واستراتيجية وتحقيق مصالح اقتصادية مرتبطة أساسا بملف النفط والغاز, حيث نشهد اليوم انعقاد صفقة تاريخية غير معلنة حول ليبيا بين القوى النافذة والمتدخلة مباشرة في الشأن الليبي, فالتقارب التركي المصري يمثل اليوم الصفقة الحقيقية حول الملف الليبي ومصالح كل دولة على حدى, ولعل الزيارات الماراثونية بين وفود تركية ومصرية والاجتماعات المكثفة بينهما حول الملف الليبي خير دليل على أسبقية المصالح على احلال السلام في ليبيا. بالإضافة إلى ذلك في التمعن والنظر في القائمة التي أعلنت عنها ألمانيا للدول التي ستشارك في ملف الأزمة الليبية والذي شمل كلمن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا والصين والكونغو وتركيا ومصر والجزائر (التي فرضت نفسها) والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، كما وجهت الدعوة إلى رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج وقائد الجيش الليبي خليفة حفتر, يمكن ادراك حجم التنافر واللاتقارب بين الدول المعلن عنها وعدم تقارب الرؤى والسياقات والخطط في ما بينها, كما يمكن فهم لماذا اقسيت الدولة التونسية من هذا الملف لأنها الدولة الوحيدة تقريبا وفق العديد من التحليلات التي التزمت المسافة من كل الأطراف, ونستطيع تباعا استشراف فشل مؤتمر برلين مسبقا لأن مقدمات انطلاقه غير سليمة وبالضرورة سوف تكون نتائجه غير محمودة…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق