الشرق الأوسط

القواعد العسكرية الأجنبية في المنطقة.. تعاون عسكري أم إحتلال ؟

الباحث/حازم محمد خليل -مصر


كان شهر سبتمبر عام 1969 شاهداً علي قيام القذافي بالإطاحة بالأسرة الملكية، معلناً عن قيام الجمهورية العربية الليبية،وفي العام التالي أعلن القذافي عن طرد القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية بليبيا وإلغاء اتفاقيات التعاون العسكري والتكنولوجي والإقتصادي التي أبُرمت بين الملك الليبي وأمريكا ،وهكذا خسرت الولايات المتحدة أهم قاعدة عسكرية في منطقة شمال إفريقيا والبحر المتوسط ،ومنذ ذلك الحين تدهورت العلاقات الأمريكية الليبية لتتعرض ليبيا إلى العديد من الإعتداءات العسكرية الجوية والبحرية بزعم اتهامها بأنها ملجأ للعناصر الإرهابية(إمدادهم بالأسلحة والأموال وتدريبهم)، ولم تتوقف أمريكا وحلفاؤها عن عدوانها المستمر على ليبيا إلى وقتنا الحالي ..
فهل هذا جزاء من يطهر أرضه من القواعد العسكرية الأجنبية ويحرر بلاده من سطوتها؟ للإجابة على هذه الإستفهام نبدأ بشرح ماهية التعاون العسكري.
.. • إن الدول التي يهددها خطر مباشر أو غير مباشر يمس أمنها القومي تبادر إلى اتخاذ أحد الخيارات لدعم أمنها وصيانة مصالحها العليا وذلك عن طريق: ( أ) إضعاف قوة الخصم بحرمانه من بعض حلفائه عن طريق تحييدهم أو كسبهم أو إضعاف قدراتهم الذاتية والإقتصادية والعسكرية. (ب) مضاعفة قوتها الإقتصادية والعسكرية بصورة تتفوق بها على مصدر التهديد. (ج) إضافة قوى أخرى حليفة إلى قوتها الحالية عن طريق التعاون والإندماج وهو ما يتطلب درجة من التماثل في المصالح العليا والغايات المشتركة. (د) إعلان حيادها شرط أن يكون لهذا الحياد له مصداقيته واحترامه.
وتتمثل أشكال التعاون العسكري في: (أ‌) الأحلاف والقواعد العسكرية. (ب‌) التسهيلات العسكرية. (ج) اتفاقيات التعاون الإستراتيجي. (د) مذكرات التفاهم. (هـ) اتفاقيات الدفاع المشترك. (و) التدريبات العسكرية المشتركة. وتقام القواعد العسكرية بمقتضي معاهدات أو أحلاف عسكرية في المقام الأول نظير مقابل مادي أو معونة عسكرية أو أي نوع آخر من المعنويات التي تنص عليها المعاهدة العسكرية وتحدد مدة استخدام القاعدة طبقا لنوعية الحلف (دائم – مؤقت). ).
وتعتبر الدولة صاحبة الإمتياز لاستخدام القاعدة أن لها السيادة المطلقة على قاعدتها وكأنها قطعة من أراضيها، ويحق لها وضع القوات والأسلحة فيها، وكذلك استخدام هذه الأسلحة والقوات في أي غرض يخدم مصالحها وإن كان لا يتطابق مع مصالح الدولة المقامة على أرضها القاعدة.
وهنا يكمن بيت القصيد .. من له السيادة علي القواعد العسكرية؟. إذا كانت دولة مقر القاعدة ليس لها السيادة عليها فهل تتنازل عن سيادتها علي هذا الجزء من أرضها؟.
هذا يأخذنا إلى اعتبار السيادة منقوصة لأي دولة لا تملك سيادتها الكاملة على أرضها ، حتي وإن كان ذلك في صورة تعاون عسكري أو اقتصادي أو سياسي..
هذا في حالة قاعدة واحدة ، فما بلك بتعدد القواعد العسكرية وهو الأمر الذي ينقلنا من حالة الإستفسار إلى حالة الإتهام .
أما بخصوص استخدام القواعد، فهي إما دفاعية وعادة ما تكون قريبة من الدول المعادية حتى تشكل عليها سلسلة من الحصار والضغط ،أو هجومية وهي في الغالب ليست قريبة من الدول المعادية وتمتلك وسائل تدميرية بعيدة المدى بحسب نوعية السلاح ..وهي قواعد إما برية أو بحرية أو جوية.
وهنا يبرز التساؤل: لماذا الهدف الأول المحبّذ لدى الدول الأجنبية هو إنشاء القواعد العسكرية خلافا لباقي أشكال التعاون العسكري؟ للأجابة، من المهم مراجعة خريطة تمركز القواعد العسكرية في المنطقة من حيث الدول صاحبة الإمتياز..
فهي أمريكية وإنجليزية وفرنسية وروسية، لتلتحق الصين واليابان وألمانيا وتركيا..جميعهم خرجوا من سكونهم العسكري وتوجهوا إلى إنشاء أذرع خارجية لهم بهدف الهيمنة وكسب مناطق النفوذ والثروات الإستراتيجية والأسواق التجارية، والسيطرة على أكبر قدر من وسائل الإخضاع لفرض قيودهم على الآخرين.
حتى ألمانيا خرجت عن دائرة التهميش التي ظلت عليها منذ الحرب العالمية الثانية،للعودة إلى لعب دور لها في العالم لحماية مصالحها الإقتصادية.
وتأتي الحالة السورية كصورة لسباق النفوذ والهيمنة عبر القواعد العسكرية الأجنبية (أمريكا – روسيا) والإقليمية(تركيا) التي أنشئت على أرضها بقوة الإرغام بدون موافقة الدولة السورية ،بل إنها أصبحت ساحة سباق للحصول على حصة أوسع من قبل كل الأطراف. وما يُثير الدهشة أن تكلفة هذه القواعد في عديد البلدان تكون من ميزانية دولة المقر(استعمار مدفوع الأجر)،في حين تشكل هذه القواعد مصدر دخل قومي بالنسبة لبعض الدول، (استعمار ذات عائد للدخل القومي ).
وتتخذ دول المقر مبررات متنوعة لقبول هذه القواعد ،منها تأمين الأمن القومي لها أو تأمين الممرات الملاحية أو الحرب على الإرهاب،أو لتهديد الدول المعادية لها ،إلا أن هذه الحجج تذكرنا بمثل شعبي”سلموا القط مفتاح الكرار”.
وإذا كانت مثل هذه المبررات هدامة للثوابت الوطنية فمن الطبيعي أن تمتد إلى العقيدة العسكرية التي من أسسها واجب التضحية والفداء من أجل الحفاظ علي كل ذرة من التراب الوطني.
وفي ظل وجود هذه القواعد، تبرز سيناريوهات محتملة:

  • إذا قامت دولة صاحبة الإمتياز بالهجوم على إحدى الدول مستخدمة قاعدتها في دولة المقر التي ليس معها أي نوع من العداء ،وقامت الدولة المعتدى عليها بالرد على هذا الهجوم ،فإن القاعدة لن تكون وحدها المستهدفة بل دولة مقر القاعدة أيضاً ، مما يؤدي إلى توسع دائرة الصراعات.
  • تتحول دولة المقر إلى ساحة حرب في حالة حدوث صراع ما بين دول الإمتياز في دولة المقر الواحدة ،كما أنها تمدد إلى دول الجوار في المنطقة بأكملها.
  • وبخصوص سيناريو السيادة.. إذا أراد حاكم دولة المقر زيارة قاعدة عسكرية على أرض دولته هل سيسمح له ،وهل سيستأذن لدخول؟ الخلاصة : أثارت كثرة القواعد العسكرية الأجنبية في منطقة الشرق الأوسط علامات استفهام واستنكار متعددة يصعب حصرها على جميع الأصعدة ،إما بين الدول وبعضها البعض أو ما بين الشعب الواحد، حيث لا تزال الصورة الإستعمارية في القرن التاسع عشر،ماثلة للأذهان،والتي بدأت بأنماط ومبررات متعددة،منها الحماية أو الإنتداب،إلى أن ظهرت القواعد العسكرية في عصرنا الحالي التي شكلت صورة استعمارية حديثة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق