بحوث ودراسات

البيعة عند تنظيم الإخوان المسلمين

إعداد الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية والأمنية والعسكرية


تؤكد دراسات عديدة عربيا ودوليا، أن جماعة الإخوان المسلمين تسعى إلى التمكن من العملية السياسية المدنية عن طريق كل الأساليب الممكنة،مشيرة إلى أن تنظيم الجماعة أصبح يشكل خطرا على الدول العربية والإسلامية خاصة أن جل عناصر التنظيمات المتطرفة قد خرجت من رحم هذا التنظيم.
تنظيم له مناهجه وبرامجه ولوائحه القانونية وهياكله التنظيمية ومستوياته الإدارية، مما يلزم أعضاءه بعدم الخروج عنه.
كما للتنظيم مكاتب تنفيذية على رأسه المراقب العامُّ في القُطر وهو أعلى قيادةٍ إداريةٍ وتنفيذية في الجماعة، التي تعتمد على مجلس للشورى الذي يعتبر أعلى سلطة تشريعية ورقابية فيها.
وتُظهر التجربة منذ تسع سنوات على حكم الإخوان في عديد البلدان العربية أن الجماعة لم تخرج للساحة السياسية كادرا يمتاز بالمواصفات التي يجب توافرها في عضو الحزب المدني الحديث، ومن بينها ميزة النقد واحتمال الإختلاف وتنوع الآراء، بل إنها فرّخت جنودا مقاتلين مطيعين.
وما دامت المنظومة الفكرية للجماعة وما يرتبط بها من تشكيلات تنظيمية تبنى على مفاهيم تتعارض مع مبادئ العمل الديمقراطي بالكامل فإنه يصبح من الصعب أن تلتزم الجماعة أو الأحزاب المشتقة منها بالعملية السياسية التعددية وبقواعدها التي تسمح بالتنافس الحر والتداول.
ونطرح في هذا البحث موضوعا يتعلق بالإنضباط والإنتماء وهو مصطلح “البيعة للتنظيم”. البيعة للتنظيم يعرف الإخوان البيعة بأنها ” شرط أساسٌ للحصول على عضوية التنظيم، والحفاظ على وحدة الجماعة، وضمان استمرارها متآلفةً قوية، وصونها من التفلُّت أمام مغريات الواقع، ووساوس الشيطان باستثقال الحمل، وبعد الطريق، وكثرة العقبات، وتألب الأعداء. والبيعة في محيط العمل الإسلامي بيعتان: خاصةٌ للجماعة سعياً لإقامة الدولة، وعامةٌ للخليفة بعد قيامها.” حسن البنّا هو مبدع مصطلح البيعة عندما كان عمره لا يتجاوز 23 سنة..
ومن المضحك أن البنّا قد بايع نفسه بنفسه سنة 1928 لتصبح المبايعة تقليدا راسخا داخل الجماعة منذ ذلك الحين.
وقد تختلف طريقة أداء البيعة من فرع إلى آخر في إطار التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بالرغم من تطابق صيغتها، لكن يبقى دائما الأساس أو المضمون واحدا وهو أن البيعة تتم على مرحلتين: الأولى عند قبول الإنتساب للجماعة، والثانية عند الترقية إلى مراتب قيادية في الجماعة كعضوية مجلس الشورى، حيث تتم البيعة للمراقب العام.
كما يعتبر الإخوان أن الإنضمام إليهم يجب أن يمر عبر بيعتين :
1-البيعة الأولى ويشبهونها ببيعة الرسول عليه الصلاة والسلام للأنصار قبل الهجرة لإقامة شرع الله. وهذا نصها (بايَعْنا رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- على السّمْعِ والطّاعَةِ في عُسْرِنا ويُسْرِنا ومَنْشَطِنا ومكْرَهِنا، وأَثَرَةٍ عليْنا، وألاّ نُنازِعَ الأمْرَ أهلَهُ، وأنْ نقولَ بالحقِّ أيْنَما كُنّا، لا نخافُ في اللهِ لومَةَ لائِمٍ)
2- البيعة الثانية يشبهونها ببيعة المسلمين لأبي بكر رضي الله عنه بالخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
3- أما بيعة الإخوان، فيعطيها كل عضوٍ في الجماعة لأميره فرداً كان في هيئةٍ عامة، أو عضوَ هيئةٍ إدارية أو مجلس شورى أو مكتبا تنفيذيا، كما يعطيها كلٌّ من رئيس الهيئة الإدارية (نائب الشعبة) أو مجلس الشورى، أو المكتب التنفيذي (المراقب العام) لمن هو مسؤولٌ أمامهم.
وهذا نص بيعة العضو في الهيئة العامة لتنظيم الإخوان المسلمين ، يقول العضو المبايع: أعاهد الله العظيم على التمسّك بأحكام الإسلام الحنيف والجهاد في سبيله، وأعاهدكم على القيام بشرائط عضوية جماعة الإخوان المسلمين والسمع والطاعة لقيادتهم في المنشط والمكره في غير معصية، والله على ما أقول وكيل).
كذلك هناك نص ثان يقسم به العضو المرتقي للقيادة، ويقول نص البيعة: “أبايعك بعهد الله وميثاقه على أن أكون جنديا مخلصا في جماعة الإخوان المسلمين، وعلى أن أسمع وأطيع في العسر واليسر والمنشط والمكره إلا في معصية الله، وعلى ألا أنازع الأمر أهله، وعلى أن أبذل جهدي ومالي ودمي في سبيل الله ما استطعت إلى ذلك سبيلا. والله على ما أقول وكيل، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما”.
وبعد هذا القسم أو المبايعة توضع اللبنة الأولى وحجر الأساس للتحول إلى عضو فينخرط قلبا وقالبا ليتحول من إنسان عادي يعيش حياته وسط المجتمع الأم، إلى إنسان داخل تنظيم في وسط مجتمع مغلق “كجندي مخلص” في أتم الإستعداد لتنفيذ جميع الأوامر والتعليمات، فالبيعة تكرس تبعيته الكاملة للجماعة ولقيادتها ممثلة في المرشد أو المراقب العام الذي تمت مبايعته.
وبالنظر لنص البيعة فإننا نجد أنه يؤسس لمبدإ السمع والطاعة “على أن أسمع وأطيع” كقاعدة لتشكيل العلاقة بين العضو والمرشد، وهي علاقة تابع بمتبوع، لا مجال فيها للإختلاف والتباين في الآراء.
فالأوامر تتنزل من أعلى إلى أسفل، وحتى إذا وجدت مؤسسات تنظيمية عليا تتداول في تلك الأوامر مثل مكتب الإرشاد أو مجلس الشورى فإن القاعدة العظمى من عضوية الجماعة لا تكون جزءً من تلك المداولات وإنما هي أدوات لتنفيذ الأوامر.
وبذلك تكون البيعة في التنظيم ليس أساسها الفرد وإنما “الجماعة” وذلك إلاّ بعد أنْ يقتنع اقتناعاً تاماً واختيارياً بفكرة الإخوان حسب آدبياتهم أي الإقتناع “بالهدف الأسمى الذي يسعوْن إليه، وهو تحكيم شرع الله في الأرض، وعلى طريق ذلك نشر تعاليم الإسلام بين الناس، وخدمة قضاياهم المختلفة، مع السعي إلى الوحدة العربية ومن ثم الإسلامية، والعمل الجاد لتحرير فلسطين قضية العرب والمسلمين المركزية بالجهاد.”
و الغريب في هذا التنظيم كيفية جعل العضو أداة طيعة حتى لا يفكر بصافة عامة ولا خاصة، فالعضو المبايع للجماعة يتعهد بالطاعة تحت كل الظروف “العسر واليسر والمنشط والمكره” ومعلوم أن المنشط هو الأمر الذي يقوم به المرء بأثرة ورغبة، بينما المكره هو ما يؤديه مكرها، وهذا يعني أنه سيقوم بتنفيذ الأوامر في جميع الأحوال ولا يستطيع التملص منها حتى وإن لم يكن مقتنعا بها في قرارة نفسه ..يعني أنه يصبح ليس ملك نفسه
كذلك في ضمنيات نص المبايعة يجب على العضو أن يتعهد بتقديم مصلحة الجماعة على مصلحته الخاصة- طبعا كما تقدرها وتقررها القيادة – على مصلحته الشخصية ومصلحة أسرته “وعلى أثرة علي” أي بمصطلح العسكري “نكران الذات”، وهذا أمر في غاية الخطورة لأن تقديرات المصلحة التي لا يتم التدوال حولها بطريقة حرة وأسلوب جماعي، ستنحرف حتما لتمثل مصالح فئة محدودة وتخدم أغراض دوائر معينة،بالرغم من أنهم يتكلمون كثيرا على مصطلح “الشورى” ثم تجد في نصوصهم “الأمر والطاعة” هذا العضو الذي رضي عنه القادة والمرشد والجماعة يتنازل بكامل إرادته وطوعا عن حقه في التفكير وإبداء الرأي في مختلف القضايا ويمنح هذا الحق حصريا للمرشد أو القيادة “وعلى ألا أنازع الأمر أهله”، وهذا الجانب من جوانب البيعة يفسر قيام الأعضاء بتنفيذ مهام قد لا يدركون عنها شيئا بسبب تنازلهم عن حقهم في المعرفة، وهذه المهام يمكن أن تكون على قدر عال من الخطورة بما في ذلك الإغتيال.
و من الغريب في هذا التنظيم أنه يشرعن للعماليات الإرهابية والإغتيالات وينزع عن المنفذ صبغة التفكير أو حتى الجدال، فقد طرح المؤرخ المصري الدكتور عبد العظيم رمضان في كتابه “الإخوان المسلمون والتنظيم السري” أن المجرم ” عبد المجيد حسن” المتورط في اغتيال “محمود فهمي النقراشي ” قال ضمن التحقيق معه “إن أشد وسائل التأثير وقعا عليه لتنفيذ جريمته من دون تفكير هي الدراسات الروحية والبيعة والإعتقاد بمشروعية الأعمال”.
مع العلم أن المنظّر حسن البنّا قد استنكر هذا الفعل أي جريمة الإغتيال في بيان مما جعل “عبد المجيد حسن” يعترف بكل شيء وأن التخطيط للإغتيال كان من التنظيم بعد أن كان سيتحمل وحده الجريمة ، إلا أن مفعول البيان دفعه إلى التفكير ثم الإعتراف. وكذلك نفس الشيء، يتنصل التنظيم من مسؤوليته، فحسن البنّا استنكر فعل أعضاء الجماعة الذين نفذوا عملية اغتيال المستشار الخازندار ويقول عبارته الشهيرة “ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين”!
وتتمثل خطورة البيعة في قسَم العضو والتزامه بأن يبذل دمه في سبيل الله في المطلق ومن دون تفكير “أن أبذل جهدي ومالي ودمي فى سبيل الله”..
ومن المعلوم أن عبارة “في سبيل الله” هى عبارة مبهمة وشاسعة وتتحمل كثيرا من التعريفات. و
قد تبين من خلال ما أسلفنا ذكره في استعراضنا لأركان البيعة أن محتوى هذه العبارة يحدده المرشد وقيادة التنظيم، وبالتالي فإن العضو سيتورط في استخدام العنف وإراقة الدماء بحسب توجيهات صادرة عن بشر مثله تحركهم دوافع مختلفة من بينها أسباب ذاتية ومطامح ومطامع شخصية مرتبطة بالقوة والنفوذ والسلطة وجمع المال كما نشاهده في جل البلدان التي حل بها الإخوان وليست لها علاقة بمفهوم “في سبيل الله”.
ويقارن عديد المتابعين للحركات الإسلامية بين نص البيعة الإخوانية وبين البيعة لدى تنظيمات أخرى، حيث يقول نص بيعة تنظيم “داعش”: “أبايع خليفة المسلمين أمير المؤمنين أبي بكر البغدادي الحسيني القرشي الفاطمي على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر ولا أخالف السمع والطاعة إلا أن أرى كفرا بواحا عندي فيه من الله برهان والله على ما أقول شهيد”.
فالغرض هو إحكام السيطرة على العضو المنتمي إليهم والمبايع لهم وسلب إرادته في مقابل إرادة المرشد وبالتالي تحويله إلى أداة قابلة لتنفيذ الأوامر دون تفكير أو تردد بما في ذلك أوامر القتل والعمليات العسكرية والتفجيرات وخاصة “الإنتحار” الذي يسمونه “الإستشهاد”.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق