إفريقيا

إينال تركان ؟ من ضابط يقود الجماعات الإرهابية في شمال سوريا إلى المقيم العام الإستعماري التركي في ليبيا؟


إعداد بدرة قعلول : رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية و العسكرية

لم تعول تركيا كثيرا على الميلشيات الليبية في تحقيق طموحاتها ولا تراهم إلا وسيلة عميلة مقيتة مكرهة على التعامل معهم، ضمن آلية تربك بها المشهد وتخيف بها الشعب، ولكنها في حربها الميدانية والتكتيكية تتجاوزهم وتنزل القيادات الأتراك إلى الميدان، وتدير الخطط وكأننا اليوم أمام الإستعمار الفرنسي أو الإيطالي أو الإنكليزي الذي طالما قرأنا عنه وطالما شاهدناه في المسلسلات التاريخية والأشرطة الوثائقية.
يمكن الحديث اليوم عن ليبيا المحتلة من الأتراك علنا وبمباركة من بعض الليبيين.. يظهر في كل مرّة ذلك “المقيم العام” وله السلطة المطلقة في إدارة البلاد والعباد ..يظهر في هذه المرحلة “المقيم العام الإستعماري التركي” الضابط التركي “إينال تاركان” كلمة السر في التطورات العسكرية الأخيرة في صبراتة وصرمان، وقبلها قاعدة الوطية.


يحضر إلى جانب “تاركان”، سفير تركيا في ليبيا سرحت أكسن، ويتولى الإثنان عملية تنسيق وإدارة العملية التركية في ليبيا كما كان يفعل الإستعمار في الماضي..إلا أن “تاركان” يلعب الدور الأبرز والأكبر وذلك من خلال ترتيب الخطط مع الميليشيات وتحريك هذه الأخيرة وفق أجندته بما يقرب تارة ويؤجج نيران الخلافات والفتنة تارة أخرى، ضمن لعبة تم فيها تغييب رئيس حكومة الوفاق فايز السراج لأن الأتراك مدركون تماما أنه شخص لا يعوّل عليه ولا يصلح إلا لتنفيذ الأوامر وتوقيع العقود والإتفاقيات.
أخذ اسم ضابط تركي شاب، يدعى إينال تاركان، يتردد، منذ بضعة أسابيع، في أوساط قادة الجماعات المسلحة في شمال غربي ليبيا، خاصة في طرابلس ومصراتة والزاوية.

تقول الأخبار عنه إنه شاب مكلف بمهمة من قبل أردوغان والقيادات العسكرية التركية، هو ضابط خطير ويعمل بلا كلل ولا ملل على عرقلة تحركات الجيش الوطني الليبي، حتى لو كان ذلك باستهداف بلدات مسالمة تؤيد الجيش ، مثلما حدث في صرمان وصبراتة مؤخرا.
ظلت تركيا طوال الشهور الأخيرة تنظر إلى الحرب في شمال غربي ليبيا باعتبارها تدور بين قوّتين رئيسيتين، هما قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، وقوات حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج. العالم أيضا لا يزال يتعامل مع هذا الأمر كواقع مسلم بها، بينما الواقع الحقيقي يقول عكس ذلك،إذ أن كل ميليشيا من الميليشيات التابعة للسراج تدير نفسها كغرفة علميات منفصلة عن الغرف الأخرى، يرغم أنها جميعا تحارب ضد الجيش الليبي.
الضابط تاركان (وينطق أيضا طارقان) يتعامل مع الفسيفساء المسلحة في شمال غربي ليبيا بطريقة مختلفة، مستعينا بخبرته التي اكتسبها من خلال مشاركته في إدارة شؤون الجماعات الإرهابية في شمال سوريا.


هذا الضابط الخبيث يقود عملياته ومهامه في ليبيا بطريقة بسيطة “اضرب في أي مكان حتى تستطيع أن تربك الخصم”. تسعى تركيا إلى كسر قوة الجيش الوطني الليبي منذ أن اقترب من أبواب طرابلس في أبريل العام الماضي، وتصمم على هدفها هذا برغم هزيمة الميليشيات والجماعات المسلحة الموالية لها على يد الجيش نفسه في بنغازي ودرنة ومدن الجنوب في الأعوام الثلاثة الماضية.

وتعي أنقرة أن سيطرة الجيش على كامل تراب ليبيا تعني خسارتها لموارد مالية ضخمة تأتي إليها على طبق من ذهب من ثروات الليبيين، لذلك وقعت مع فايز السراج في نوفمبر الماضي، اتفاقيات لترسيم الحدود البحرية والتعاون الأمني والعسكري.

استغل أردوغان هذه الإتفاقيات في إدارة الصراع في ليبيا بنفسه.. وإضافة إلى الدعم العسكري الموجه إلى الميليشيات مباشرة، أشرف في الأشهر الأخيرة على تغييرات أخرى غير عسكرية، منها ما يخص البنية التشريعية والمصرفية والمحاسبية. كما أكدت مصادر أمنية في طرابلس أن رجال أردوغان في ليبيا كانوا في ذلك الوقت يخططون للدفع بوجوه عسكرية جديدة أكثر حنكة وشراسة وخبرة من بينهم الضابط تاركان الذي يرون فيه الخبرة في التعامل مع المليشيات والإرهابيين في شمال سوريا.


وحسب تقديرات أمنية في طرابلس فإن قيمة الأسلحة التي اشترتها حكومة السراج من تركيا بلغت أكثر من عشرين مليار دولار من أجل إبادة الليبيين، خلال الفترة من تاريخ توقيع اتفاقية نوفمبر 2019 إلى شهر أبريل 2020، ناهيك عن رواتب المقاتلين المرتزقة الذين ترسلهم تركيا للقتال مع قوات السراج.
وعززت أنقرة أيضا من قدرات ما يسمى بـ”برلمان طرابلس”، المنشق عن البرلمان الشرعي. كما تمكنت من تحصيل فواتير بملايين الدولارات بحجة علاج الجرحى الليبيين في مستشفياتها.

ووقفت وراء تأجيل ملفات التحقيق مع متهمين (محسوبين على جماعة الإخوان) بتبديد الأموال العامة في طرابلس. وبالتزامن مع ذلك كله، أشرف عملاء تركيا في ليبيا على تنفيذ عمليات قذرة ضد الجيش الوطني، وضد مرافق الدولة، منها مثلا ما حدث في مدينة غريان من جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب حين استهدفت مجموعة إرهابية جرحى الجيش في مستشفى المدينة، في عملية غادرة، في شهر يوليو 2019.

كما حاولت قوات تابعة لقائد المنطقة العسكرية الغربية المدعو أسامة الجويلي استهداف قوات الجيش في قاعدة الوطية (نحو 140 كيلومترا غرب طرابلس) في الشهر الماضي، لكنه كان هجوما فاشلا.

وفقا لتصريح مصدر أمني ليبي شارك الضابط “تاركان” في مناقشة فشل خطة الوطية، وكان ذلك أول ظهور لهذا الضابط في طرابلس، كان السفير سرحت أكسن (سفير تركيا في ليبيا) يعول عليه.
تعي أنقرة أن سيطرة الجيش على كامل تراب ليبيا تعني خسارتها لموارد مالية ضخمة تأتي إليها على طبق من ذهب من ثروات الليبيين..

وبرغم الإنفاق الضخم للسراج على الأسلحة والطائرات المسيرة والمستشارين العسكريين الأتراك والمرتزقة، إلا أن نظام أردوغان كان يشعر بأن الجيش الوطني يتقدم بخطوات حثيثة ويستحوذ على تعاطف القوى الشعبية، ويقيم التمركزات العسكرية والدفاعية في نقاط يصعب على الطائرات المسيرة الوصول إليها.

بدأت تحركات الجيش عموما تثير القلق لدى النظام التركي، ووجد أردوغان أحلامه العثمانية في ليبيا تتبخر أو على المحك، والفشل يمكن أن يزيد من عزلته السياسية في الداخل التركي، وفي العالم أيضا..

التراجع “الأردوغاني” في ليبيا تتبعه حسابات أخرى لسياسة أنقرة في سوريا ومع روسيا ومع دول أوروبا خاصة الواقعة على البحر المتوسط، لذلك غيرت أنقرة من طريقة عمل مستشاريها من عسكريين ورجال مخابراتها في ليبيا بشكل لافت في الأسابيع الأخيرة.

ووفقا لمصدر أمني ليبي في طرابلس، اعتمدت أنقرة على خططٍ أخذ تاركان ينفذها بحرفية كبيرة، بإشراف من “أكسن”.

تعتمد هذه الخطط على التواصل والتنسيق مع قادة الجماعات المسلحة، من خلف ظهر السراج، ومنح كل جماعة ما تريد بشرط تنفيذ التوجهات التركية في النهاية.

لم يعلم السراج بأسباب انسحاب مقاتلي مدينة الزاوية بشكل مفاجئ من طرابلس، ولم يعلم أيضا بما يدور من تنسيق يشرف عليه “تاركان” بين قوات من مصراتة والزاوية، ومع كل من له مصلحة في اقتحام صرمان وصبراتة.
علم السراج بالأمر بعد بدء الهجوم، وكما يحدث عادة، نسب السراج ما حدث كله إليه باعتباره تفوقا لقواته على قوات الجيش الوطني، مع احتفاء كبير من جانب المنظومة الإعلامية التابعة لتركيا ولجماعة “الإخوان” ، منذ دخول الميليشيات صرمان وصبراتة حتى اليوم، رصد أحد الأجهزة الأمنية الليبية في العاصمة نشاط تاركان منذ منتصف مارس، ومنه يُفهم أن عمل هذا الضابط التركي ينصب على منهجين. الأول مهاجمة المدن الهشة الموالية للجيش الوطني أي التي لا توجد فيها قوات عسكرية بشكل كبير تابعة لقوات الجيش مثل صرمان وصبراتة، حيث كان أمن المدينتين تشرف عليه قوات الشرطة الموالية للحكومة المؤقتة دون وجود قوات عسكرية تذكر.


أما المنهج الثاني فهو أن “تاركان” يتجنب جمع زعماء الجماعات المسلحة في بوتقة واحدة، أو إخبار السراج بما يقوم به مسبقا لأنه لا يثق به ولا بالمليشيات..يقول ضابط في الإستخبارات الليبية “لم يجتمع تاركان معهم على طاولة واحدة أبدا، منذ قدومه إلى طرابلس، ويدير أغلب عمليات التنسيق الحربية على الأرض بالإتصالات اللاسلكية والهواتف المرتبطة بالأقمار الإصطناعية، ينسق مع السفير أكسن، ولا ينسق مع السراج ولا يتواصل معه، بل يتعالى عليه.
من بين ما يمكن تصوره من واقع ”دردشة“ قادة في ميليشيات قريبة من قاعدة الأتراك في معيتيقة بطرابلس، أن “تاركان” يخطط إدارة المعارك على الخرائط المكومة فوق مكتبه، كما يقوم بتوزيع شحنات الأسلحة والطائرات المسيرة التي ترسلها بلاده في سفن وفي طائرات شحن، وكان السفير أكسن يظهر بنفسه بين الضباط الأتراك في القاعدة في أثناء تفريغ حاويات الأسلحة.
وظهر اسم الضابط “تاركان” على الساحة الليبية عقب تغييرات أجراها نظام أردوغان في المنظومة الأمنية التركية مطلع هذا العام، كما يعتقد مسؤول في الجهاز الأمني المشار إليه في طرابلس، “يبدو أنهم سحبوه من جبهة سوريا، وأعادوا تأهيله في أنقرة، ثم دفعوا به أخيرا إلى هنا”.
بعض الأجهزة الأمنية الليبية تعمل بحرفية كبيرة ولديها محددات وطنية، تنظر إلى النشاط التركي في ليبيا باعتباره تدخلا سافرا، وهي الآن تراقب الضابط “تاركان” باعتباره من أخطر رجال المخابرات الأتراك الذين وصلوا إلى ليبيا، بالرغم من ضعف إمكانيات هذه الأجهزة وخشية قادتها من الميليشيات المدججة بالأسلحة في طرابلس.فهم يعلمون جيدا أنها يمكن أن تنقلب عليهم المليشيات الليبية في أية وقت وأن نفسية عناصر هذه المليشيات انفعالية ولا يؤتمن جانبهم والخيانة مطبوعة فيهم.
السفير أكسن يتابع بإعجاب خطط الضابط “تاركان” الذي تمكَّن من أن يبرهن على قدرته على إدارة العمل على البر، كما كان يفعل في سوريا، مع أن تخصصه الأساسي هو “ضابط مخابرات في سلاح البحرية التركية”
ويتردد على مكتب الضابط “تاركان” في قاعدة معيتيقة بين حين وآخر قادة ميليشيات محسوبة على حكومة الوفاق، إلا أنهم قادة لا يحبون بعضهم بعضا، وبينهم خلافات تصل إلى حد الإشتباكات المسلحة بين عناصرهم في قلب العاصمة، لهذا لم يكن “تاركان” يستقبل مثل هؤلاء القادة إلا فرادى وبمواعيد مسبقة متباعدة.
وحسب المعلومات الواردة فإنه في عملية صرمان وصبراتة، لم يوجه “تاركان” القوات الميليشياوية للتصدي للجيش بشكل مباشر، كما يحدث في الحروب العسكرية، لكنه وجهها إلى هاتين المدينتين الهادئتين لأسباب أخرى، وهو يعلم أن مدينة مصراتة، على بعد 200 كيلومتر شرق العاصمة، تريد أن تخفّف من الضغط الواقع عليها من جراء اقترب الجيش الوطني منها من جبهة سرت، لهذا دخلت بقوة في الهجوم على صرمان وصبراتة.

تعاقد السراج على شراء 21 طائرة مسيرة جديدة وأسلحة أخرى من تركيا،وفقا لمصادر قريبة من المجلس الرئاسي الليبي، إلا أن معظم هذه الأسلحة بما فيها الطائرات المسيرة يتم إنزالها وتسليمها إلى ميليشيات مصراتة، وهذا ما يغضب السراج وجماعته ويدخل الشك في نفسه تجاه النوايا التركية خاصة وقد خصصت مصراتة 10 طائرات مسيرة في الهجوم على صرمان وصبراتة، وهي تسعى بذلك إلى كسب ود ميليشيات الزاوية، وتحمل اثنتان من أخطر المجموعات المسلحة والمتطرفة اسما واحدا هو “الفاروق”. وتوجد المجموعتان في كل من مصراتة والزاوية.
اليوم مصراتة لديها حساباتها الخاصة، إذ لم يعد يعنيها موضوع حرب الجيش في طرابلس كثيرا، بقدر ما يعنيها خطر تقدم الجيش على جبهتها الشرقية في سرت. ووجدت في مخاوف الزاوية من الجيش فرصة لتنفيذ عملية في غرب العاصمة تخفف بها الضغط على قواتها على جبهة سرت، ومنها تبلغ رسالة إلى الزاوية بأنها تساندها.
أدرك “تاركان” مبكرا رغبة ميليشيات مثل “الفاروق” بفرعيها في اقتحام سجون صرمان وصبراتة لإخراج عناصر إرهابية شديدة الخطورة منها، من بينهم حوالي 150 إرهابيا كانوا في سجون صرمان، ومن بين هؤلاء العشرات من جماعة “أنصار بيت المقدس” المصرية.

كما أن سجون صبراتة كان فيها ما لا يقل عن 100 من الإرهابيين، بعضهم من التابعين لجماعة الغرابلي، وهذه الجماعة يقودها قائد ميليشياوي من صبراتة، كان هاربا في مصراتة، وله علاقات قوية مع مجموعات “الفاروق” الإرهابية، وينفذ تعليمات الأتراك في ما يخص تحريك المرتزقة القادمين من تركيا، و الإرهابيين المحليين في طرابلس.
لعبت جماعة الغرابلي دورا مهما في اقتحام مدينته التي سبق وأن طرده سكانها منها لرفضهم نشاطه الموالي للإرهابيين ولمهربي الأسلحة والوقود.

كما أن الضابط التركي “تاركان” وجد استعدادا من جانب عناصر مسلحة مما يعرف بـ”سرايا الدفاع عن بنغازي”، المصنفة كتنظيم إرهابي، لإشراكها في هذا الهجوم، مع العلم أنه يقبع في سجون مدينتي صرمان وصبراتة، بضعة عشرات من “سرايا الدفاع عن بنغازي”، وهم مقاتلون فروا من شرق ليبيا سنة 2017 ، وتمركزوا بين مصراتة وطرابلس، وجرى استخدامهم على يد الأتراك والمجلس الرئاسي وميليشيات أخرى لإرباك تقدم الجيش في طرابلس.

وقع عشرات من رجال الشرطة خاصة في المباحث الجنائية في مدينتي صرمان وصبراتة ضحية موجة من الإنتقام من جانب الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية التي دفعت بها تركيا إلى هاتين المدينتين لمزيد من زرع الفتنة والدم والثأر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق