هكذا تحجب إسرائيل خسائرها العسكرية: جهاز الرقابة يكتب الرواية من وراء الستار

قسم الأخبار الدولية 18/06/2025
فعّلت إسرائيل منذ تأسيسها جهاز الرقابة العسكرية كأداة استراتيجية لتشكيل الرواية الإعلامية، وضبط تدفّق المعلومات، خاصة خلال الحروب والمعارك. ويقع هذا الجهاز تحت إدارة شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) في الجيش، ويُمنح سلطات قانونية وتنظيمية تُمكّنه من حجب أو تأخير النشر، والتنسيق مع وسائل إعلام محلية ودولية بهدف إخفاء الخسائر الميدانية، والتحكّم في وعي الجمهور.
يتولّى قيادة الرقابة العسكرية ضابط برتبة عميد، حاليًا العميد كوبي ماندلبليت، ويشرف على مراجعة المحتوى المنشور في الصحف والمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي وحتى في وسائل الإعلام الأجنبية. ويستند عمل الجهاز إلى اتفاق غير معلن يُعرف باسم “اتفاق لجنة المحررين”، يُلزم وسائل الإعلام الإسرائيلية بعرض أي مواد قد تمس الأمن القومي على الرقيب العسكري قبل النشر.
وتشمل الرقابة المجالات التالية: تحركات الجيش ومواقعه، عدد القتلى والجرحى، الاستعدادات العسكرية، العمليات السرية، والمفاوضات الحساسة. وتزداد هذه الرقابة شدة في أوقات التصعيد، كما حدث في حرب تموز 2006، حين أُخفيت أعداد القتلى في معارك بنت جبيل ومارون الراس، ولم تُكشف إلا لاحقًا بعد ضغوط داخلية وتقرير لجنة فينوغراد. وتكرّر النهج ذاته في معركة “العصف المأكول” بغزة عام 2014، حين مُنعت تغطية الكمائن التي أوقعت خسائر فادحة في صفوف القوات الإسرائيلية، خاصة في حي الشجاعية وخزاعة.
في معركة “طوفان الأقصى”، فرضت الرقابة صمتًا تامًا على خسائر في وحدات النخبة، وسقوط طائرات مسيرة وتدمير مدرعات، مبررة ذلك بـ”ضرورات أمنية” و”رفع معنويات الجبهة الداخلية”.
لكن تطوّر وسائل التواصل الاجتماعي، وتنامي التقارير الميدانية في الصحافة الأجنبية، باتا يشكلان تهديدًا متصاعدًا للرقابة، حيث تنتشر صور ومقاطع فيديو توثق الخسائر قبل أن تتمكن إسرائيل من احتوائها. دفع هذا التطور الرقابة إلى تعزيز مراقبتها الرقمية، والعمل مع مؤثرين إسرائيليين للتشويش على هذه المواد، والضغط على شركات مثل “ميتا” و”غوغل” لإزالة أو تخفيض ظهورها، تحت ذريعة “مكافحة المحتوى التحريضي”.
بهذا، لا تكتفي إسرائيل بإخفاء خسائرها فحسب، بل تُعيد صياغة السرديات المتعلقة بالحرب ضمن إطار يحدده الجيش، مما يُبرز الرقابة العسكرية كلاعب رئيسي خلف كل معركة، لا تقل أهميته عن الفرق الميدانية على الجبهات.