إفريقيا

ماذا وراء التحركات القطرية التركية في العمق الإفريقي؟

إفريقيا– 08-02-2020

غريب أمر من يمتلك المال الذي يعمي الأبصار ويدوس على كل الأخلاق و القيم والمواثيق الإنسانية في سبيل قهر الشعوب وابتزاها .. ذلك هو ديدن أمريكا وعديد الدوائر الغربية وحكام بلدان حباها الله بثروات على غرار إمارة قطر!
ماذا لو صرفت عشرات المليارات من الدولارات لإنقاذ المحرومين والفقراء وبناء المدارس والمستشفيات،بدل التدخل لزعزعة الإستقرار والهيمنة؟
سلسلة التدخلات في عديد البلدان العربية والإفريقية تسببت في عمليات قتل وتشريد كثيرة واضطرابات مدمرة كما ترصدها الأحداث على أرض الواقع، وتلتقي في ذلك دول كبرى الغنية وأخرى إقليمية على حد سواء، سواء حين تقاطع المصالح أو في تناغم خطط مشتركة.
التدخل القطري-التركي في مناطق عديدة من القارة الإفريقية مثال صارخ على أجندات مشبوهة تستغل الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية الهشة هناك،من السودان ومنطقة القرن الإفريقي مرورا بمنطقة الساحل والصحراء وصولا إلى وسط إفريقيا وغربها،حيث يتستر القائمون على تنفيذ أجنداتهم خلف المساعدات الإنسانية تارة،وبعض البرامج التنموية تارة أخرى.
ولعل أبرز ما يكمن وراء إنشاء الجمعيات والمؤسسات بتسمياتها المتعددة
هو استغلالها أولا للنفاذ داخل المجتمعات الإفريقية وثانيا لاستخدامها في محاربة خصوم آخرين من القوى المتصارعة من أجل النفوذ الجيو-سياسي والحسابات الإقتصادية.
قوى سياسية عديدة بدأت تتوجس من التغلغل القطري التركي ومراميه.وفي هذا السياق،ألقت الشرطة السودانية نهاية الشهر الماضي، القبض على خلية تجسس تعمل لصالح قطر، في المؤسسات الحكومية بالسودان، وفي أثناء التحقيقات اعترف جميع المتهمين، بأنهم يعملون لصالح قطر، مقابل مبالغ مالية.
وتمت مؤخرا إقالة على أحمد حامد، رئيس مجلس ولاية البحر الأحمر، بسبب تورطه في هذه القضية، وكذلك مدير جهاز المخابرات بالولاية،وكان من ضمن التهم الموجهة إلى حامد “التخابر مع دولة أجنبية ومحاولة نشر الفتن في ولاية بورتسودان” حيث تعرضت الولاية لأزمات طائفية ، أدت إلى حدوث قتال عنبف، وتم تسريب عدد كبير من الأسلحة إى المنطقة.
من جانبه، قال عبدالله مجاهد المحلل السياسي السوداني: يوجد بالفعل عدد كبير من الموظفين التابعين لجماعة “الإخوان” يعملون حتى هذه اللحظة في المؤسسات الحكومية، مشيرا إلى أن الذي تغير فقط منذ الثورة، هو الرئيس عمر البشير، كما يتمثل الحضور القطري في المشروعات التي تؤسسها والمساعدات التي تقدمها،الأمر الذي يجعل الجماعة تتوغل أكثر من السابق في السودان.
وأوضح مجاهد، في تصريحات خاصة لـصحيفة(البوابة) أن قطر ترغب في زعزعة استقرار السودان، من خلال عناصر الجماعة، مشيرا إلى أن معظم العناصر الإخوانية الموجودين في المؤسسات الحكومية، يعملون لصالح قطر وتركيا.
ومنذ عزل الرئيس مرسى في مصر عام 2013، أولت الدوحة اهتمامًا كبيرًا بعناصر “الإخوان” لا سيما الفارين إلى السودان من مصر، بتأمين الحماية الكاملة لهم، ساعية إلى تثبيت وضعهم في الخرطوم لدعم البشير ومساعدة حكومته على التماسك في وجه عاصفة الغضب الشعبي لمنع الإطاحة به.
وبعد إسقاط البشير،وفّرت الدوحة ممرًا آمنًا لإخوان السودان، للتوجه إلى تركيا بتسهيل انتقالهم وعائلاتهم وأموالهم إلى أنقرة، عن طريق شبكة منظمة يقودها مستثمر نفطى كبير ومعه سودانيان يحملان الجنسية التركية، إضافة إلى نجل عنصر إخوانى كبير، وبمساعدة مجموعة أخرى تضم أتراكا وعربا يرتبطون بعلاقات وثيقة مع النظامين التركى والقطري والتنظيم العالمى للإخوان، وذلك بحسب سكاى نيوز.
واستقبلت تركيا أكثر من 17عضوا بارزا من تنظيم “الإخوان” بالسودان، عقب الإطاحة بنظام البشير،وكان من بين تلك الأسماء:العباس وعبد الله حسن البشير، شقيقا عمر البشير،اللذان تربطهما علاقات قوية مع النظام التركي، إلى جانب ذراعه اليمنى في السودان أوكتاي أرغان، بالإضافة إلى تسهيل انتقال خمسة وزراء سابقين ومسؤولين في أجهزة أمنية تابعين للبشير.
وكانت صحيفة (نيويورك تايمز) قد كشفت في يوليو الماضي، عن تورط قطر في تفجيرات شهدتها العاصمة الصومالية مقديشو. وأوضحت الصحيفة أنها حصلت على تسجيل صوتي للسفير القطري حسن بن حمزة هاشم،يؤكد تورط الدوحة في تفجيرات بمقديشو نفذتها عناصر إرهابية متطرفة.

وأشارت نيويورك تايمز إلى أن التسجيل الصوتي كان عبارة عن مكالمة هاتفية للسفير القطري في الصومال، مع رجل أعمال مقرب من أمير قطر، قال فيها الأخير إن مسلحين نفذوا تفجيرات في ميناء بوصاصو لتعزيز مصالح قطر.
وبحسب الصحيفة، قال رجل الأعمال، خليفة كايد المهندي، في المكالمة في 18 مايو، أي بعد حوالي أسبوع من التفجير: “عمليات التفجير والقتل، نعرف من يقف وراءها”.
ونوهت الصحيفة إلى أن السفير القطري لم ينف التسجيل الصوتي، ولم يعرب عن استيائه من تنفيذ تلك التفجيرات لصالح بلده، وكذلك لم يبد أي امتعاض من إشراف قطريين عليها.
وبات الصومال ضمن عدد من بلدان القرن الإفريقي يشكل ساحة تشترك فيها الدوحة مع أنقرة للضغط على مصالح مصر والسعودية والإمارات عبر البحر الأحمر.
وفي الثامن من شهر يناير الماضي، عقد لقاء بين رئيس الأركان القطري، ونظيره الكيني في نيروبي، ضمن جولة شملت رواندا والسودان وإثيوبيا.
ومع تقلص مجالات دعم الجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط تحت وطأة الضغوط السياسية العربية والدولية، كثّفت قطر من تحركاتها في العمق الإفريقي حيث تنتشر الفوضى الأمنية في بعض المناطق وحيث تبدو بعض الحكومات ضعيفة أمام تنامي نفوذ الجماعات المتطرفة.
وتمتلك الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل والصحراء، ومنها ‘أنصار الدين’ و’التوحيد والجهاد’ وأفرع أخرى للقاعدة، جمعيات خيرية ومدارس دينية وجدت فيها الدوحة مدخلا للتغطية على تمويل تلك الجماعات تحت عناوين الدعم الإنساني والخيري.
وكان عمدة مدينة غاو فى شمال مالي، سادو ديالو،قد سبق أن وجه استغاثة إلى السلطات الفرنسية يناشد فيها بضرورة وضع حد لتمويل المتطرفين من جانب الدوحة. وقال إن “المساعدات تصل إليهم من قطر عبر مطاري غاو وتومبكتو، ودعمهم دائما ما يكون تحت غطاء إنساني”.
كما تسعى قطر إلى امتلاك أوراق ضاغطة في المحيط الإقليمي لليبيا من جهة تشاد أو النيجر المرتبطتين بالنزاع الليبي من جهة الجنوب، بما يمكنها من دعم حليفها التركي الساعي إلى التغلغل في غرب ليبيا.

يشار أيضا إلى أن تقارير أمنية أمريكية كانت قد أكدت أن قطر ضالعة في تمويل حركة الشباب الإرهابية في الصومال،ولعب ممولون معروفون يعيشون في قطر دورا محوريا في تمويل الحركة المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، بشكل مباشر وغير مباشر،وعلى رأس هؤلاء، القطري عبد الرحمن بن عمير النعيمي، الذي تربطه- حسب تقرير لوزارة الخزانة الأميركية – علاقة وثيقة بزعيم حركة الشباب حسن عويس.
وكانت معلومات مستقاة من وثائق قضائية قد أفادت بأن وكالة الإستخبارات التركية أرسلت مئات الآلاف من الدولارات إلى حركة الشباب الصومالية، عبر عميل كان سجينا سابقا في معتقل غوانتانامو.

وذكر موقع (نورديك مونيتور) التابع لشبكة الشمال للأبحاث والرصد المتخصصة في تتبع الحركات المتطرفة، أن الحكومة الأمريكية اكتشفت عملية تحويل الأموال من الإستخبارات التركية إلى “حركة الشباب” وأبلغت أنقرة بالأمر، وطالبتها بتحقيق لكشف الشبكة الإرهابية التي تعمل على تمويل الحركة المتطرفة،لكن السلطات التركية أوقفت التحقيقات التي انطلقت بعد الإخطار الذي أرسله مكتب مساعد وزير الخزانة الأمريكي لشؤون الإرهاب والإستخبارات المالية، ديفيد كوهين، في ذلك الوقت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق