أخبار العالمبحوث ودراسات

زيادة إمداد الغاز الجزائري للدول الاوروبية: هل يؤثر على علاقاتها بروسيا؟

اعداد صبرين العجرودي: قسم البحوث والدراسات السياسية والعلاقات الدولية

لا تقف تاثيرات الحرب الروسية الاوكرانية بمنأى عن بقية الدول الاخرى، خاصة التي تربطها علاقات وثيقة بأطراف الحرب، ويُذكر في هذا الجانب العلاقات الاقتصادية والسياسية والجوانب الامنية، ففحين تتأثر بعض الدول سلبا تستفيد دول اخرى وتسارع لاستغلال الوضع لصالحها، وهذا الامر جلي بوضوح بالنسبة للجزائر التي تعاني ازمة اقتصادية كبرى، فحاجة اوروبا الى الغاز كبديل للغاز الروسي وارتفاع اسعار النفط تدفعها للتوجه الى مصادر اخرى تتصدر فيها الجزائر المصدر الرئيسي لسد حاجة الدول الاوروبية من الغاز الروسي.

والسؤال الذي يتوارد الى اذهان المراقبين للوضع في هذا السياق هو مآل العلاقات الروسية الجزائرية، وفيما يتمثل موقف روسيا من تزويد اوروبا بالغاز، أي كيف تأثرت العلاقات بين الطرفين وما مآلها في حال اتخذت العلاقات بين الجزائر والدول الاوروبية منحى مغاير تماما عن الوضع السابق، خصوصا وقد عُرفت بالتوتر منذ تولي الرئيس تبون الحكم في عام 2019 ؟

كيف تفاعلت الجزائر مع ضغط الاوروبيين عليها من أجل زيادة إمدادات الغاز، وهل اتسم موقفها من الحرب بالوضوح؟

تأثيرات الحرب على الموارد الغذائية والطاقية

يُذكر أنّ الحرب قد أثرت بشكل كبير على الامن الغذائي للدول التي تعتمد بصفة رئيسية على حبوب روسيا، حيث تتصدّر الاخيرة المرتبة الاولى عالميا في تصدير الحبوب للدول العربية، تأتي بعدها اوكرانيا في المرتبة الرابعة دوليا، إذ أنّ جميع هذه الدول تستورد 60% من الحبوب من روسيا واوكرانيا وفرنسا ورومانيا، فمثلا مصر تستورد نسبة 50% من القمح من روسيا و 30% من اوكرانيا، أمّا تونس فتستورد 60% من القمح من اوكرانيا وروسيا، وينذر ذلك بحصول كارثة غذائية لهذه الدول إذا ما عطلت الحرب تزوّدها بهذه المادة الحيوية.


لم تؤدي الحرب الى أزمة غذائية فقط، بل تفاقم الوضع وصولا الى مجال الطاقة، فليست كل الدول نفطية، بل هناك اعتماد على روسيا ايضا في الحصول على الغاز والنفط، ومع الحرب شهدت اسعار هذه المواد ارتفاعا غير مسبوق وصل الى اعلى مستوياته، إذ ناهز سعر برميل النفط الواحد في السوق العالمية 105 دولارا ممّا خلّف ازمة اقتصادية لدى الدول الغير منتجة للنفط والتي تلبي احتياجاتها من الخارج، تمثّلت في إحداث عجز في الميزان التجاري وارتفاع في الدين العام.

فرص اقتصادية للجزائر لا يمكن تضييعها وضبابية في الخطوة القادمة

تعاني الجزائر من أزمة اقتصادية كبيرة تمثّلت في خلل واسع في الميزان التجاري وارتفاع في نسبة التضخم، وللحرب في اوكرانيا القدرة على قلب وضعها المتردي خاصّة إذا ما اعتمدت الاخيرة على استراتيجيات ناجعة وفعّالة في استغلال الحرب لصالحها، إذ تأمل الجزائر وصول أسعار النفط في ميزانيتهالعام 2022 الى 45 دولارا لبرميل النفط الخام و50 دولارا سعر السوق العالمي، لكن الحرب فرضت ارتفاع هذا السعر لأكثر من النصف لتصبح هذه الفرصة ذهبية بالنسبة للجزائر ولا يمكن تعويضها بأي شكل من الاشكال.

أمّا الفرصة التي تعد أهم من ارتفاع أسعار النفط بالنسبة للجزائر، هي تزويد مادة الغاز لأوروبا، فقد عُرفت روسيا بأنها أكبر مزود بالغاز للدول الاوروبية، ولكن مع التصعيد والتوتر الذي يلقي بظلاله على أطراف الحرب والعقوبات المتبادلة، برز نقص شديد في هذه المادة لدى الدول الاوروبية، ما انجر عنه تعطّل خط أنابيب الغاز “نور ستريم 2″(Nord Stream 2)الذّي يمثّلالنقطة المركزية في انطلاق الغاز من ألمانيا الى اوروبا، جعل الاخيرة في وضعية حرجة للغاية في ما يتعلّق بد حاجياتها من الغاز خاصة وأنّها تتزود بثلثها من روسيا، ونتيجة للنقص الشديد في الامدادات ارتفعت اسعار الفواتير واصبح الوضع الداخلي في البلدان الاوروبية حرجا للغاية، متطلّبا بذلك تداركه في اقرب وقت ممكن، لذلك وجّه الغرب أنظاره الى الجزائر، فهي تعد البلد الاول في المصدّر للغاز الطبيعي في القارة الافريقية وسابع دولة عالميا، وتبلغ مواردها من هذه المادة 2.2 ترليون متر مكعّب من الغاز.

يمثّل إمداد اوروبا بالغاز بالنسبة للجزائر فرصة لا بديل لها لإنعاش اقتصادها من ناحية، ومن ناحية اخرى ورقة ربح لهاتُكسبها وزنادوليا كبيرايمكّنها من فرض سياساتها والوصول الى العديد من الاتفاقيات مع الدول الغربية التي تشهد الكثير من التوترات.
اعتقد الاعلامي الجزائري “رياض المعزوزي” في بداية الازمة أنّ الجزائر لن تخاطر بعلاقاتها الوطيدة مع روسيا حليفها التقليدي في المجال العسكريلكسب اوروبا قائلا أنّ ” العلاقات المتينة بين الجزائر وروسيا ستكون حجر عثرة أمام استغلال النظام لهذه الفرصة”، ويأتي منطق هذا التفكير ضمن إطار أنّ العلاقات مع اوروبا لن تكون مضمونة، فهي مرتبطة بالحرب، وفي اعتقادها أنّه بمجرّد انتهائها ونفاذ الحاجة الى الغاز ستجد الجزائر نفسها في عزلة تامّة سواءَ من الجانب الاوروبي أو الروسي، لذلك لم تكن في البداية متعجّلة في القيام بأي اجراء أو اتخاذ أي خطوة سريعة تحسّبا لمصالحها مع روسيا التي تعد المصدر الرئيسي للسلاح وداعمتها في نزاعها مع المغرب حول قضية الصحراء الغربية، على عكس اوروبا التي تحفل علاقاتها معها بالعديد من النزاعات والخلافات، ومن الجهة الاخرى، ستكون روسيا قلقة بشأن مصالحها مع الجزائر التي تعتبرها منفذا هامّا نحو افريقيا ولمستقبل علاقاتها معها، كما رجّح الكثير من الخبراء في البداية أنّ الجزائر ستكون متحفّظة فيما يتعلّق بهذا الملف رغم المكاسب الاقتصادية العديدة التي يمكن لها أن تحققها بناء على اختيارها الصمت فيما يتعلّق بموقفها من الحرب وقرار الادانة.


هل يمكن فعلا اعتماد الغاز الجزائري كبديل للغاز الروسي؟


الغاز الجزائري لا يفي بالحاجة الكاملة للأوروبيين من الغاز، ولكن الدول الاوروبية تسعى للتقليل من اعتمادها على روسيا، وعموما فإن الجزائر كانت تصدّر لأوروبا سنويا 11% فقط من احتياجاتها،وهي تحتل المرتبة الثالثة بعد كل من روسيا والنرويج في تصدير مادة الغاز لأوروبا، إذ أنّ إنتاج روسيا من هذه المادة بلغ 600 مليار متر مكعب سنويا تزوّد منها الى البلدان الاوروبية ما يقارب نسبة 50%، في حين أنّ إنتاج الجزائر لا يتجاوز 130 مليار متر مكعب مليار متر مكعّب تصدّر منه اكثر من 30% الى اوروبا.


لكن يمكن القول أنّ للجزائر في الوقت الحالي القدرة على مزيد تزويد دول جنوب اوروبا بالغاز عبر ثلاثة انابيب، تمّ إغلاق واحد منها بسبب النزاعات مع المغرب (تمثّل نقطة عبور الغاز نحو البلدان الاوروبية)، أمّا الانبوب الثّاني فهو يمر من ايطاليا نحو اوروبا، وتستطيع من خلاله مزيد ضخ الغاز، وهناك ايضا أنبوب غاز جديد عابر للمتوسط ويرتبط بإسبانيا،يمكّنها من رفع كميات التّزويد لأوروبا.

تزويد الجزائر ايطاليا بالغاز لن يؤثر على علاقاتها مع روسيا

في خطوة لم يتم توقّعها، أقدمت الجزائر على ابرام اتفاقية مع ايطاليا لتزويد بقية الدول الاوروبية الاخرى بالغاز، ويعد موقف الجزائر غير واضح بخصوص الحرب، لكنّ الجلي في الامر هو ركضها وراء مصلحتها الاقتصادية على عكس ما تمّ توقّعه في الساحة الدّولية، إذ أنّها غاصت في قلب الديبلوماسية واستضافت العديد من المسؤولين الغرب، على غرار وزير الخارجية الامريكي “انتوني بلينكن” (Antony Blinken) ووزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لودريان” (Jean-Yves Le Drian) الذي تمحورت زيارتهم حول موضوع الحرب في اوكرانيا، وقد مثّلت زيارة رئيس الوزراء الايطالي “ماريو دراغي” (Mario Draghi) نقطة مفصلية في ابرام اتفاقية مزيد إمداد اوروبا بالغاز، نظرا في أنّ ايطاليا تعد أهمّ وسيط بين روسيا وبقية الدول الاوروبية والجزائر ايضا، إذ أنّها تستقبل 95% من احتياجات اوروبا من الغاز.


وقد انتهى الاتفاق الى الترفيع التدريجي في حجم صادرات الغاز الى ايطاليا التي ستزوّد به الدول الاوروبية، حيث أشارت شركة “اني” (Eni)الايطالية المخصّصة لمعاملات البترول والغاز أنّ عملية التوريد ستكون عبر خط غاز “ترانس”(TransMed).


وفي نفس السياق أشار خبير مجلس العلاقات الدولية الاوروبية “رونالد دوركين” الى أنّ الجزائر “من المحتمل أن تلتزم بسياسة متوازنة للحفاظ على علاقاتها مع روسيا وأوروبا”، ويعني ذلك أنّها ستحافظ على المصالح القائمة في علاقتها مع روسيا، ولكنّها لن تضيّع فرصتها مع اوروبا في إنعاش اقتصادها خصوصا وأنّ كمية الغاز المورّدة الى اوروبا والمقدور عليها من الجزائر لن تعوّض الغاز الروسي، لكنّها ستسد نسبة قليلة من احتياجات دول اوروبا التي وُضعت في موقف حرج للغاية، لذلك لم تبدي روسيا أي موقف رافض لخطوة الجزائر نحو مزيد تزويد اوروبا بالغاز، لإدراكها جيدا أنّ ذلك لن يُحدث تغييرا كبيرا الى جانب أنّ علاقاتها مع هذا البلد الافريقي التي يحكمها جانب كبير من المصالح تعد في غاية الاهمية مقارنة بهذه الخطوة.

إذ قال السفير الروسي في الجزائر إيغور بيلياييف، خلال تصريح صحفي: “فيما يخص غاز الجزائر، نعتقد أن المسألة متعلقة بالدولة نفسها وبالدول المستوردة، وإذا كان لدى الجزائر نية زيادة صادراتها إلى إسبانيا وإيطاليا، فلن نتدخل في هذا الأمر”، مضيفا أنّ مسألة زيادة الامداد لا تندرج إلاّ في إطار “مسألة تجارية بحته” على حد تعبيره، والدليل على ذلك هو امتناع الجزائر عن التصويت بالإدانة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة.


واشار خبراء اخرون في نفس السياق أنّه لا يُتوقّع حدوث مشاكل في العلاقات الروسية الجزائرية، خاصّة وأن الجزائر تعد مورّدا تقليديا للغاز الى اوروبا ومجرّد زيادة التزويد لن يحدث فرقا في العلاقات، فالغاز الجزائري المحدود لا يرقى الى أن يكون منافسا للغاز الروسي أو أن يحسّن كثيرا وضعية اوروبا ويؤثر على العقوبات الروسية الموجّهة ضدّها، لذلك تغاضي روسيا عن خطوة الجزائر يمكن اعتبار أنّها قدّمته لها كهدية بسيطة لها لتحسين وضعيتها الاقتصادية، وإكسابها ورقة ضغط على الاوروبيين وخدمة مصالحها في ما يتعلّق بقضية الصحراء الغربية، خاصّة وأن الاوروبيين لا يدعمون الجزائر في هذه النقطة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق