أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

ما هي العلاقة بين الإرهاب وإسرائيل وأمريكا في الشمال السوري؟

فجر يوم 29مارس 2024 عاد الكيان الصهيوني ليقصف عدداً من النقاط في ريف حلب، ترافق ذلك مع هجمات شنتها التنظيمات الإرهابية مما أدى ارتقاء شهداء من المدنيين والعسكريين.

لم يكتف الكيان باستهداف ريف حلب، بل قصف حياً سكنياً في دمشق مما أدّى إلى ارتقاء شهيدين اثنين.

عدوان بات يتكرر بوتيرة كبيرة. وثمة ما يخشاه الكيان ومن ورائه الأميركي من تنامي قدرة المقاومة العراقية والسورية في شمال سوريا، مترافقاً ذلك مع تنامي قدرة الجيش العربي السوري بعد ثلاثة عشر عاماً من القتال والخبرة في حرب العصابات التي بات يتقنها.

فالحرب تتوسع اقليمياً بعد أن دخلت اليمن على خط النار منذ نوفمبر العام الماضي، ودخول البحريتين البريطانية والأميركية في الحرب مباشرة.

هناك ما يحضّر لسوريا في هذه الأيام، ويبدو أنه يسير بخطى سريعة، قبل ان يفقد الأميركيون زمام المبادرة بشكل مباشر.

يمكننا تقسيم ساحة العمليات في الشمال السوري إلى قسمين:

الأول الشمال الشرقي، حيث تنتشر قوات قسد الإرهابية المدعومة من الإحتلال الأميركي، وجيش مغاوير سوريا وهي التسمية المبتكرة لتنظيم داعش الإرهابي.

والقسم الثاني، يقع في وسط الشمال في منطقة إدلب وريف دمشق، حيث تتواجد عناصر النصرة المدعومة من الإحتلال التركي، وهي تفرعات عن تنظيم القاعدة.

وخلال السنوات الثلاث عشر الماضية، قامت مليشيات النصرة وما تفرع عنها من تنظيمات في إدلب وريف حلب بالاقتتال وإفناء بعضها البعض، طمعاً بالمغانم والسلطة.

ولم يبق سوى هيئة تحرير الشام التي يقودها أبو محمد الجولاني، والتي تتنافس بقوة مع ما يُسمى “الجيش الوطني السوري” الذي يحاول الاحتلال التركي إعادة تنظيمه وترتيبه منذ بداية العام 2024 في إدلب.

لنبدأ أولاً على المقلب الشمالي في إدلب حيث يحتل التركي المحافظة وجزءً من ريف حلب. فمنذ الـ 19 مارس، انطلقت المظاهرات في إدلب مطالبة بإسقاط الجولاني وحل جهازه الأمني ومناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”.

يريد البعض أن يجعل الأمر يبدو وكأنه ارتدادات من أجل إعادة ترتيب مشروع الربيع “العربي” العبري، الذي انطلق في عدة دول عربية في العام 2011، والحقيقة أن ما يحدث هو مطلب تركي- أميركي، يُراد منه إلغاء التسميات المرتبطة بالحركات المصنفة إرهابية، وبدء تشكيل نظم عسكرية بأسماء عَلمانية.

 والمطلوب في المنطقة التي بات يحتلها الأتراك عسكرياً وثقافياً واقتصادياً، بسط سلطة ما “الجيش الوطني السوري”، والذي قام الأتراك بتشكيله منذ العام 2017، ضمن عملية درع الفرات. ويعمل الأتراك اليوم على إعادة تركيب هذا الجيش وتدريبه وضبطه منذ الـ 25 من شهر فبراير من هذا العام.

وهنا السؤال المهم، ما الذي يريده الأتراك والأميركيون من زعزعة هذا الوضع المستقر بالنسبة لهم منذ فبراير 2022، أي منذ بدأت الحرب الأميركية- الروسية في أوكرانيا وحتى اليوم؟

بالتأكيد نعم! ليس بشكل مباشر، فأهداف الحرب هي ضعضعة الأمن والإستقرار الإقتصادي الروسي وبالتالي تقسيم روسيا ما أن تغدو ضعيفة.

ولكن من جهة اخرى، جعلت الحرب في أوكرانيا التركيز الروسي على أمن بلاده القومي، وعلى ما يحدث عند حدوده الجنوبية. هذا الأمر جعل الحرب على الإرهاب في سوريا، وحجز مكان لها في المياه الدافئة في البحر المتوسط، أو البحر السوري كما كان يسميه الإغريق والرومان، ليس أمراً ثانوياً، وإنما يمكن العمل على إنهاء الوضع فيه في المراحل القادمة.

كما أن الأمر تطلب انفتاحاً روسياً أكبر على تركيا ومحاولة تجنب الخلافات معها، وخاصة عندما بدأ فتح خط تصدير القمح الروسي للعالم عبر وساطة تركية. وأما من الجانب الأميركي، فقد بدأ الأميركيون تشكيل ما يسمى بجيش سوريا الحرة، جيش السحجة، والذي هو عبارة عن تجميع لجيش المغاوير (داعش سابقاً) وقوات قسد الكردية.

ثم بدأ الأميركي ابتداءاً من منصة التنف بافتعال الأزمات في محافظة السويداء، وتصاعدت الأزمة إلى حد بات يشكل الجنوب السوري خطراً إرهابياً جديداً بدعم خارجي فرنسي وبريطاني وأميركي، وكانت المحاولة من أجل خلق دولة، تبدأ من معبر البوكمال على الحدود السورية العراقية وتمتد حتى السويداء، بمسايرة الحدود الأردنية- السورية وصولاً إلى محافظة درعا ومنها إلى الجولان، لتشكيل دولة درزية مستقلة منسجمة مع الدولة اليهودية.

هدف إيجادها الأول هو منع وصول السلاح إلى المقاومات في فلسطين ولبنان عبر الأراضي السورية قادماً من إيران والعراق، ويكون قوام القوة العسكرية الحامية للكيان المؤقت هو جيش السحجة. وهو ما تأجل العمل به بعد ظهور المعادلات الجديدة التي رسمتها المقاومات في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان، بدعم يمني خارق.

عبر جيش السحجة يكون ربط الساحات على الطريقة الأميركية. ولكن بعد انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من اكتوبر في العام الماضي، اتضح للجميع أهمية وحدة الساحات الذي انطلق مع عملية سيف القدس، والتي أطلق فيها تعبير وحدة الساحات للمرة الأولى في العام 2021، وإن دّل التعبير في البداية على وحدة الساحات في فلسطين ما بين الضفة الغربية وغزة والأراضي المحتلة في العام 1948 في فلسطين.

 مفهوم “وحدة الساحات” بعد عملية طوفان الأقصى امتد ليصل مداه إلى العراق وسوريا وإيران واليمن، وإلى العالم بأجمعه عبر المظاهرات العالمية التي نددت بما يفعله الكيان في غزة من مجازر وإبادة جماعية، والتي وقفت مع فلسطين حرة من النهر إلى البحر.

أمام هذا المشهد كان لابد من العمل على ترتيب الأوراق في سوريا، فإذا فعلها الأميركيون وخرجوا، لا سيما مع استمرار المقاومة العراقية دك معاقلهم في سوريا والعراق، وقد بدأت الإدراة الذاتية وقسد بتحسس رأسها، والقلق ينتابها حول مصيرها وعلاقتها مع الدولة السورية، خاصة وأن العلاقة التي ربطتها مع الولايات المتحدة والموساد الصهيوني خلال العشر سنين الماضية تعد بمثابة خيانة عظمى.

ومن أهم هذه الترتيبات بالنسبة للتركي هو محاولة المضي بتحقيق حلمه بضم أراضي ادلب والريف الحلبي عبر منطقة عازلة يدافع عنها ضد الأكراد المتمردين بواسطة ما يُسمى “الجيش الوطني السوري”، والذي سينضبط من خلال ربطه لوجستياً بالجيش التركي، وأهم مرحلة في مراحل الضبط تكون بالتخلص من الجولاني وهيئة تحرير الشام وخاصة في اهم موقع استراتيجي في محافظة ادلب، في مدينتي جسر الشغور وأريحا المرتفعتين، واللتين تسيطران عسكرياً على الشمال السوري حتى الرقة، وتسيطر عليهما قوات الجولاني.

هناك بالتأكيد ترتيبات أخرى تتعلق بشرق الفرات، وهي ترتيبات خطيرة، وقد تجلّت بوادرها مع قصف ديرالزور في شمال شرق سوريا منذ يومين، وبالذات في المنطقة التي تم تحريرها من الإرهاب على يد الجيش العربي السوري بمساندة حلفائه.

وثمة ترتيبات أخرى لها علاقة بإعادة تموضع قسد، وهي ترتيبات متعددة الإتجاهات وتنذر بتحضيرات أميركية يأمل منها زيادة أمل بقائها في شرق الجزيرة السورية، في شرق الفرات، أو على الأقل دعم عملائها من قسد وغيرهم ليكونوا بوابة في طريق السلاح الذي يصل إلى المقاومتين في لبنان وفلسطين.


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق