إفريقيا

القمة الإفريقية الثالثة والثلاثون : إسكات البنادق أم إسقاط البنادق

تونس-تونس-12-2-2020

أطلق الإتحاد الإفريقي سنة 2013 وعدا يعمل بمقتضاه على إنهاء كل النزاعات في القارة الإفريقية بحلول ،2020 ولكن من الواضح أن الوصع في إفريقيا أكثر تعقيدا مما يحسبه قادة القارة الذين أطلقوا وعدهم المتفائل آنذاك ووجدنا أنفسنا من جديد أمام قمة إفريقية تحمل عنوان إسكات صوت البنادق، دون أن يخطر على بال أحد أن الأمر لا يتم إن تم إسقاط البنادق.
وقد رَسم رئيسُ مفوضية الإتحاد الإفريقي موسى فقيه، صورة قاتمة للوضع في القارة من الساحل إلى الصومال، معتبرا أن الوقت الذي مر منذ 2013 سمح بكشف “مدى تعقيد الإشكالية الأمنية في إفريقيا أكثر مما أتاح تسوية النزاعات”. وقد وجد زعماء القارة أنفسهم أمام زهاء ستين ملفا أمنيا تتعلق بحالة السلم والأمن في القارة الإفريقية، وتعنى بدراسة حالات النزاعات في مناطق عدة، مثل ليبيا وجنوب السودان ومنطقة الساحل وفي غرب إفريقيا.
وامتدت القمة الافريقية على مدار يومين وشهدت مشاركة دولية واسعة حضرها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي عبّر عن دعمه لفكرة تنظيم اجتماع إفريقي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في ليبيا، وقال إن الحل السياسي وحده سيجلب السلام إليها.
وأكد أن ليبيا ما كانت لتواجه هذا النزاع المدمر لولا تواطؤ بعض أعضاء المجتمع الدولي، مشيرا إلى أن قرارات مجلس الأمن تُنتهك قبل أن يجف حبرها، بما فيها قرار حظر تصدير السلاح إلى ليبيا.
وفيما يخص السودان، قال غوتيريش، إن الوقت قد حان لشطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
من جهته دعا رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية الدول الإفريقية إلى تأكيد رفضها لخطة السلام الأميركية، والعمل على عقد مؤتمر دولي للسلام، وقال إن خطة ترامب لا تشكل الحد الأدنى من العدالة والحقوق للشعب الفلسطيني، ولا تتضمن المعنى الحقيقي للسيادة الفلسطينية والحرية على المعابر، وتضرب بعرض الحائط أسس القانون الدولي.
أما الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط فقد دعا إلى تثبيت الهدنة القائمة بين الأطراف الليبية والوصول إلى ترتيبات دائمة لوقف إطلاق النار ومراقبته، وإيقاف كافة أشكال التدخلات الخارجية بالشأن الليبي…
وكان من الطبيعي أن يكون الملف الليبي من أبرز اهتمامات قادة ورؤساء القارة الإفريقية غير أن العناوين العامة والشعارات الفضفاضة كانت السمة الأبرز في كل ما قيل حول الملف الليبي باستثناء وحيد مثله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أتى في كلمته على مختلف الجوانب المتعلقة بليبيا …
وبعد أن أكد أن استمرار النزاعات وزيادة مخاطر الإرهاب والتطرف هي التي تعد أساس التحديات أمام القارة الإفريقية، قال الرئيس السيسي إن جهود التنمية الشاملة في إفريقيا لن تتم دون تحديث للبنية التحتية، مؤكدا حرص مصر على الإضطلاع بمسؤوليتها.

وأضاف: “إننا ندرك قيمة أمننا وحقوقنا والحفاظ على مقدرات شعبنا”، مؤكدا أن مصر سيتواصل دورها الداعم للعمل الإفريقي وحل مشاكل القارة وتفعيل كافة مبادرات التعاون بين دولها.
ووجه سهامه نحو أطراف إقليمية ودولية اتهمها بخرق وانتهاك الإجماع الدولي في مؤتمر برلين حول ليبيا وأوضح أن نقل المرتزقة من سوريا إلى ليبيا ستكون له تداعيات خطيرة على دول جوار ليبيا.
وقال إنه لن يكون هناك استقرار أمني في ليبيا إلا إذا تم إيجاد وسيلة لتسوية سلمية للأزمة تقضي على حالة التهميش لبعض المناطق الليبية، وتتيح التوزيع العادل لعوائد الثروة والسلطة.كما دعا إلى السماح بإعادة بناء مؤسسات دولة في ليبيا تكون قادرة على الإضطلاع بمسؤولياتها تجاه مواطنيها، فضلاً عن دورها ومسؤوليتها في ضبط حدودها لحفظ أمن ليبيا والحيلولة دون تهديد أمن دول جوارها انطلاقاً من أراضيها.
كما أعرب عبد الفتاح السيسي عن استعداد بلاده لاستضافة قمة أفريقية مخصصة لبحث إنشاء قوة إفريقية لمكافحة الإرهاب.
من ناحيته كان رئيس مفوضية الإتحاد الأفريقي موسى فقيه قد أتى في كلمته لدى افتتاح القمة على التأكيد على أن إفريقيا تحتاج إلى تعاون جميع الشركاء الدوليين لحل الأزمة القائمة في ليبيا، معبرا عن تقديره لانطلاق مبادرة السلم والمصالحة في ليبيا بالتزامن مع مسار مؤتمر برلين.كما طالب بوضع حد للتدخل الخارجي في ليبيا، ودعا أطراف الصراع هناك إلى اللجوء للحوار، مؤكدا أنه لا حل عسكريا للأزمة الليبية
بالإضافة إلى ذلك دعا الولايات المتحدة إلى رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأعرب عن القلق من تحول الشباب نحو التطرف.
وكان قادة الدول الأعضاء في مجلس السلم والأمن في إفريقيا قد طالبوا المجتمع الدولي بإشراك القارة بفعالية في جهود تسوية الأزمة الليبية، وإلى وقف التدخلات الخارجية في هذه الأزمة.
أما الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون فقد قال إن “حل الأزمات في قارتنا يجب أن يكون سلميا، وبدون أي تدخل أجنبي، وأشار إلى أن “الجزائر ستساهم بقوة في إقرار السلم والأمن في القارة الإفريقية”
وبخصوص أزمة ليبيا، كشف تبون عن أن “الوضع في ليبيا مصدر قلق للجزائر، وأن الشعب الليبي لا يستحق الويلات التي يعيشها اليوم”.
من جهته قال رئيس جمهورية الكونغو دينيس ساسو نغيسو إن الإتحاد الإفريقي يبحث مقترحا لتشكيل قوات إفريقية في ليبيا، مضيفا أن الإتحاد يسعى إلى حل الأزمة الليبية عبر آليات إفريقية.
ويرى دينيس ساسو نغيسو أن الأمر بات يتعلق بأن “نسأل أنفسنا عن الأسباب العميقة” للنزاعات وتقديم “حلول مبتكرة لها تحدّ من الحل العسكري عبر إرفاقها بإجراءات في مجالات أخرى، مثل التنمية”.
من جهته أكد وزير خارجية جنوب إفريقيا ناليدا باندور، أن الإتحاد الإفريقي “يجب أن يكون أكثر حيوية” في تصديه للنزاعات بدلا من ترك هذه المهمة لأطراف خارجية. وقال “يجب أن نتحرك بسرعة أكبر”،موضحا أنه في ظل الخلافات الداخلية والتمويل غير الكافي لمهمات حفظ السلام، سيواجه الإتحاد الإفريقي صعوبة في أن يصبح جهة فاعلة لها وزنها في تسوية النزاعات.
والى جانب الملف الليبي لم تثمر النشاطات المكثفة على هامش قمة الإتحاد الإفريقي عن انفراج في النزاع بشأن عدد الولايات في جنوب السودان، وهي قضية شائكة لأن الحدود ستخلق انقسامات في السلطة والسيطرة في البلد الناشئ.
وكانت الهيئة الحكومية للتنمية إيغاد ،قد ذكرت أن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية “تأجل مرتين في شهري مايو ونوفمبر2019، وأن أي تمديد آخر غير مرغوب فيه وليس قابلا للتنفيذ في هذه المرحلة من مسار السلام”،وهو ما كان موضوع اللقاء الذي جمع بين الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش وسلفا كير من بين مجموعة كبيرة من اللقاءات عقدها الأمين العام مع جملة من القادة الأفارقة على هامش القمة. وشدد في اللقاء على الحاجة إلى مواصلة تنفيذ الإتفاق المعاد تجديده لحل النزاع في جنوب السودان، مؤكدا دعم الأمم المتحدة الكامل لجميع الجهود الرامية إلى إحلال السلام والإستقرار في جنوب السودان على المدى الطويل.
وقد غرق جنوب السودان في حرب أهلية عام 2013، بعد عامين فقط على استقلاله عن السودان. وبدأ الأمر عقب توجيه كير، المنتمي إلى إثنية الدنكا، الإتهام لمشار، المنتمي إلى إثنية النوير، بالتخطيط لتنفيذ انقلاب عسكري ،وشهد النزاع ارتكاب فظائع، بينها القتل والإغتصاب وأسفر عن سقوط 380 ألف قتيل وعن أزمة إنسانية كارثية.
كما تحدث الأمين العام للأمم المتحدة مع رئيس وزراء جمهورية السودان عبد الله حمدوك وناقشا قضايا الإنتقال السياسي وعملية السلام الجارية في البلاد، والإنتقال من حفظ السلام إلى بناء السلام في دارفور. وقد أشاد الأمين العام بجهود الإصلاح الجارية التي يقوم بها رئيس الوزراء السوداني وتعهد بدعم الأمم المتحدة الكامل للسودان.
كما التقى أمين عام الأمم المتحدة أيضاب رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى فاوستن آرتشانج تواديرا، ورحب بالجهود المستمرة لتنفيذ الإتفاق السياسي للسلام والمصالحة الموقع في فبراير 2013، وناقشا تقييم التقدم والتحديات في التحضير للإنتخابات الرئاسية والتشريعية المقرر إجراؤها في أواخر عام 2020 وأوائل عام 2021.
كذلك التقى الأمين العام رئيس رواندا بول كاغامي، وناقشا التطورات الإقليمية، حيث أعرب الأمين العام عن تقديره لالتزام رواندا بالعمل من أجل حفظ السلام، ومساهماتها وجهودها في مكافحة تغير المناخ.
أما في اللقاء الذي جمعه برئيس جمهورية مصر العربية، عبد الفتاح السيسي فقد ناقشا التطورات الإقليمية، بما في ذلك الحالة في ليبيا وعملية السلام في الشرق الأوسط، وقد أثنى الأمين العام على دور مصر خلال رئاستها الإتحادَ الإفريقي.
وهكذا انتهت قمة إفريقية أخرى دون أن ندرك تماما هل أننا ننتمي إلى القارة الإفريقية أم أن علاقتنا بها كتونسيين انتهت منذ أن منحناها اسم إفريقيا لنتخلص تماما من الإنتماء إليها دون أن نستبدلها بما هو خير أو ما هو أدنى.. فالغياب غير المبرر لرئيس الجمهورية لم يغطه حضور مبعوثه وزير الخارجية المؤقت لنغرق في حالة هي أقرب إلى الذهول منها إلى الوعي بأهمية تمتين علاقاتنا داخل القارة الفتية سواء على المستوى الإقتصادي أو المستوى السياسي بل وحتى على المستوى المعرفي والثقافي، إذ أن وجودنا الجغرافي على رأس القارة لم يغفر لتونس تذيل مؤشرات التنمية في القارة التي تشهد تطورا غير مسبوق يسيل لعاب كل القوى الدولية التي تبحث لنفسها عن موطئ قدم ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق