أخبار العالمإفريقيا

الغنّوشيون والصلّابيون…حوافر الأردوغان في شمال إفريقيا

الكاتب الصحفي والإعلامي/علي شندب بيروت-لبنان-04-7-2020


بات شديد الوضوح أن علّة غالبية حركات الإسلام السياسي السنية والشيعية، تكمن في عدم ولائها لأوطانها، واندماجها في مجتمعاتها.إنها الحركات المنصاعة كليا لمرشد الولاية الخامنائية في قم، أو لسلطان الخلافة الأردوغانية في إسطنبول.

إنها العلّة أو الديفرسوار الذي بواسطته اختُرقت البلدان العربية، وباتت نهبا للفوضى والدمار والتخلف، في ظل غياب مشروع عربي يشكل قاعدة ارتكاز نهضوي في البلاد العربية.. إنه الغياب الذي عزّز الإندفاعات المتصاعدة لجحافل “تركيران” أي مخططات إيران وتركيا، اللتين هما-للمفارقة- وجهان لسيطرة وأهداف واحدة.

وقد سطت “تركيران” على شعارات العرب في تحرير فلسطين والتضامن مع غزّة قولا لا فعلا، بشهادة الصواريخ الصوتية الإيرانية القادرة على تدمير”إسرائيل” خلال 7 دقائق ونصف، والتي اجترّها ساسة ايران كثيرا، ثم وضع قائد الحرس الثوري حسين سلامي حدّا لاجترارها بحجة “أن الظروف غير مؤاتية لتدمير إسرائيل”، لكنها الظروف التي لم تمنع ايران وأذرعها من التمدّد في البلاد العربية والعمل على تقويضها وإلحاق الدمار بها.

إنها الظروف نفسها التي ينتهجها الرئيس التركي أردوغان، في سوريا والعراق وأيضا في ليبيا، برغم أن غزّة التي لطالما تباكى عليها الأردوغان، أقرب إلى تركيا من شمال إفريقيا. وبدل أن ييمّم وجهه شطر غزّة والمسجد الأقصى، يمّم الأردوغان وجهه شواطىء ليبيا كخطوة متقدمة تهدف إلى السيطرة الإستراتيجية على منابع وموانىء النفط في خليج سرت الإستراتيجي، حيث عبرت الأساطيل التركية باتجاهه شرقي المتوسط على حبل إخواني ممدود.

وإضافة إلى إشارة المرور الأميركية، كان لافتا للإنتباه تزامن غزوة الأردوغان الليبية، مع إعادة تدشين شركة العال الإسرائيلية رحلاتها الجوية إلى مطار إسطنبول للمرة الأولى منذ عشر سنوات، فيما بدا وكأنّه إشارة مرور إسرائيلية أيضا.

إذن، غياب المشروع العربي عن أولويات الدول العربية المركزية، في لحظة مكثفة بالصراع الهوياتي والإستراتيجي والطاقوي، جعل “تركيران” تتغوّل في مخططاتها التوسعية مستخدمة ومستأجرة ميليشيات طائفية، مذهبية وشعوبية لتقويض ما تبقى من دول عربية.

ما تقدم جدّ ضروري للتأكيد على أن نفوذ “تركيران” توسّع عبر الميليشيات الموالية لها في البلاد العربية، وهو النفوذ الذي تحوّل إلى دويلة مستقلة عن الدولة من جهة، وشريكة في حكم وإدارة الدولة بذاتها من جهة أخرى.


إنها خطة حركات الإسلام السياسي وازدواجياتها في التحكم والسيطرة كما الحال في تونس، ليبيا، العراق، سوريا، فلسطين، لبنان، واليمن، والحبل على الجرار، إلا إذا قَطع الحبلَ مشروعٌ عربي ما، وأوقف تمدّده أولا في ليبيا باتجاه مصر.

كثيرون قرّروا بعيد ما سُمّي ثورة الياسمين التونسية، أن حركة النهضة تعتبر وجه الإخوان المضيء، بالنظر إلى انفتاحها وتفهمها خصوصيات المجتمع التونسي المنفتح والمثقف، لكنه المجتمع المثقل بالبطالة وبسياسات رسمية “مزدوجة” ضاعفها تردٍّ اقتصادي خطير لا طاقة للتونسيين على تحمّله.

لكنهم سرعان ما أخذوا يراجعون ما قرّروه، بعدما تيقنوا وبالعقل المجرد، أن ولاء غنوشي النهضة ما قبل الأول ليس لتونس، وإنّما لأردوغان الإخوان وتنظيمهم الدولي، خصوصا بعدما بلغ تماهي الغنوشي مع الأتراك ومن منصّة البرلمان التونسي، درجةَ أن يعيد الفضل بتحرير تونس من الإستعمار الإسباني إلى “الوالي العثماني سنان باشا الذي جنّبها مصير الأندلس”.

لكنه التماهي الذي دحضه النائب عماد جبريل وتحت قبة البرلمان في رده المباشر على الغنوشي بالقول “الأتراك هم من باعوا تونس للإستعمار الفرنسي، ولا أحد لديه فضل على تونس إلا شعبها”.

تماما، فكما باع الأتراك تونس للإستعمار الفرنسي، باع الأتراك ليبيا وسلموها ليس لأهلها، وإنّما للإستعمار الإيطالي.
استدعاء التاريخ بعد تزييفه وتحويره، بعضٌ من خطة غنوشي النهضة لإقناع البرلمان التونسي أولا، وإقناع التوانسة بتبعيته الأردوغانية الإخوانية ودفع تونس بكلها وكلكلها إلى تبني خطة التبعية هذه ثانيا. إنّها التبعية القائمة على تحقيق أهداف أردوغان الإخوان بالغزو والتمدّد في شمال إفريقيا.

وإذا كانت بصمات الغنوشي واضحة في ليبيا، من خلال تحويل تونس إلى قنطرة لإدخال السلاح والمسلحين عبر موانىء تونس وحدودها البحرية والجوية والبرية، وآخرها ذلك الجسر الجوي التركي الذي قيل-ويا للسخرية- إنه نقل مساعدات طبية وإنسانية إلى غربي ليبيا، ليتردّد بعدذاك، أن بطن بعض هذه المساعدات كان محشوّا بقطع رادارية ومسيّرات بيرقدارية مفكّكة، جرى إعادة تجميعها في مدينة زوارة الليبية المحاذية لتونس، ليكون لها الدور الحاسم في سقوط قاعدة الوطية الليبية بيد القوات التركية فعليا وقوات حكومة “الوفاق” غير الوفاقية، شكليا.

باختصار شديد سقوط قاعدة الوطية جعل تركيا على تماس حدودي مباشر مع تونس والجزائر وبالتالي النيجر ومالي. كما سيضع تركيا على تماس حدودي مع تشاد وإقليم دارفور السوداني في حال سيطرت تركيا عل قاعدتي الجفرة وتمنهنت ومنطقة الكُفرة.

وإذا علمنا ببعض ممّا فعله الغنّوشي بتونس، فما الذي فعله أو سيفعله بالجزائر؟.

الجواب لم تفك كامل شيفرة حبائله السرية بعد. فتحفّظ الجزائر الإعلامي وحساسيتها الموازية لقوتها المهيبة، تجعل المخاوف مشروعة حيال احتمال سلوك مرتقب لغنوشيّي الجزائر.

يجدر التذكير بأن الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة نجح في مشروعه “المصالحة والوئام” الذي وضع حدّا لـ “العشرية السوداء” الدامية التي خلّفت نحو 200 ألف قتيل وأكثر من مليون ونصف يتيم ونحو 30 مليار دولار خسائر اقتصادية جراء أعمال العنف والإرهاب والتخريب وهدم البنى التحتية.

إنّها المصالحة التي تُفاخر الجزائر بها، وترغب في تسويقها كوصفة علاجية ناجعة لبلدان عربية شهدت وتشهد حروبا مشابهة. وباتت “المصالحة” أحد أبرز دبلوماسية الجزائر وقوتها الناعمة التي يشهرها الرئيس عبدالمجيد تبون بوصفها أداة فعّالة لمداواة ليبيا وتضميد جراحها الغائرة.

إنّها المصالحة الوطنية التي فتحت الباب أمام انخراط كوادر الحركة الإسلامية في مؤسّسات ومصالح الدولة الجزائرية الأمنية والعسكرية والإقتصادية والعلمية والإجتماعية، وهي الكوادر التي بات لها امتداد أكل من صحن الدولة العميقة ونفوذها، ما يشي بأن الحركة الإسلامية في الجزائر باتت شريكة فاعلة وفعلية في الحكم، لكن ليس على غرار وحجم حزب العدالة والتنمية المغربي.

وعبر أنسجة المصالحة هذه، دخل الغنوشي على خط عبدالعزيز بوتفليقة، قبل وبعد إسقاط الناتو عبر أدواته الإخوانية القاعدية للدولة الليبية وقائدها القذافي. وقد فتح الغنوشي خطوط التواصل بين “العصابة” كما سمّاها رئيس الأركان الراحل أحمد قايد صالح المكوّنة من شقيق بوتفليقة “السعيد والجنرال القوي توفيق وآخرين” وبين صلابيي ليبيا وصالبيها، ممّا مهّد لاستضافة الجزائر حوارات لم تنجح بين عبد الحكيم بلحاج وعلي الصلابي وبعض رموز القبائل الليبية والنظام السابق، لكنها الحوارات التي تقول إن للجزائر قنوات تواصل مع غالبية الأطراف الليبية.

إنها الحوارات التي انعكست على الحركة الإسلامية في الجزائر قوة مضافة لأنها وجدت أن “القدم العليا” باتت لأقرانهم في ليبيا وتونس، بحسب ما وشت به جلسات الصلابي في إسطنبول.

وبعيدا عن هذه الحوارات، يجهد الغنّوشيون والصلّابيون بوصفهما محافر وحوافر الأردوغان في شمال إفريقيا، لتمكين الرئيس التركي من استعادة التاريخ العثماني في كل الشمال الإفريقي، وضمنًا الجزائر، يساعدهم في ذلك أن “جيرة” الأردوغان المستجدة للجزائر انطلاقا من قاعدة الوطية وغربي ليبيا، والتي ستقذف في نفوس غنوشيّي الجزائر وكراغلتها الحنين الى زمن بربروس العثماني.

إنّها الإستعادة التي تقول إن سلطان الجزائر “سالم التومي الثعالبي” استنجد زمنذاك بالأخوين “خيرالدين وعروج بربروس” القراصنة الموالين للعثمانيين بهدف التصدي للإستعمار الإسباني.

لكنّها النجدة التي أوقعت الجزائر لأكثر من ثلاثة قرون، تحت وطأة حكم استبدادي ونظام جبائي نفعي نهب خيرات البلاد وقوت العباد اسمه “الإستعمار التركي”، الذي انتهى (بحجة ما يعرف بحادثة “منشّة الذباب” بتوقيع الوالي العثماني “الداي حسين” على معاهدة “دي بورمن” الإستسلامية عام 1830 والتي قضت بتسليم الجزائر لقائد جيش الإحتلال الفرنسي الماريشال دي بورمن.

لكن الغنوشي والغنوشيين، سيتذكرون “خيرالدين بربروس”، ويرذلون ويتجاهلون “الداي حسين”، غافلين أن ذاكرة التاريخ والجزائر والجزائريين غير مثقوبة حيال الإستعمار الإسباني والتركي وأيضا الفرنسي.
إنّه الإستعمار الذي حاول الأردوغان الإستثمار فيه على بشاعته، عندما حشر أنفه في الشؤون الجزائرية وتغطية تمدّده في ليبيا وعبرها.

ففي يناير الماضي، وخلال زيارة للجزائر، بحث خلالها التعاون الإقتصادي والوضع في ليبيا، طلب أردوغان من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبّون تسليمه وثائق عن المجازر التي ارتكبها الإستعمار الفرنسي، مدعيا أن رئيس الجزائر أبلغه “أن فرنسا قتلت 5 ملايين جزائري”.

وقد علّق الأردوغان عليها بالقول “علینا أن ننشر هذه الوثائق لیتذكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده قتلت 5 ملايین جزائري”. وخلال ندوة حول الأرشيف العثماني سبقت زيارته إلى الجزائر ومهّدت لأهدافه المبطنة، قال الأردوغان:”لا يمكن لفرنسا التي قتلت ملايين المسلمين في الجزائر أن تعطي تركيا دروساً في التاريخ”.

تصريحات الأردوغان هذه، أغضبت الجزائر والجزائريين، واستدعت ردّا من وزراة الخارجية الجزائرية قالت فيه “إنّ الجزائر لن تسمح باستغلال قضية الإستعمار الفرنسي لتحقيق مكاسب سياسية وشخصية”.

بهذا الكلام يكون الأردوغان قد فتح الطريق أمام ماكينات “الإخوان” التي لا تهدأ عن تزوير الوقائع وتحويرها، وذلك بهدف استدعاء مماثل ومشوّه للتاريخ الذي استدعاه نائب القرضاوي الداعية السلجوقي علي الصلابي في ليبيا، عندما حضّ الأردوغان عام 2011 على فتح قنصلية في مصراتة التي تعتبر ضمنا معقل “الكراغلة الأتراك”، ردّا على الأعلام الفرنسية التي رفعت في بنغازي إبان غزوة ساركوزي وبعدها.

إنّه الإستدعاء الذي فعله غنوشي تونس عبر تذكير التوانسة بأن سنان باشا العثماني هو الذي جنّب تونس مصير الأندلس وحرّرها من الإستعمار الإسباني.

وهو الاستدعاء الذي سيتولى الغنوشيون والصلّابيون محاولة تسقيطه على الجزائر، وهو أيضا الإستدعاء الذي سيستدعيه المتأيرنون ذات لحظة مؤاتية لإحياء الدولة الفاطمية في شمال إفريقيا والتي كانت عاصمتها في المهدية.
إنه استدعاء “تركيران” المهدّد للوجود العربي برمته والذي لا يلجمه إلا نهوض لمشروع عربي جديد نواته الأولى ثلاثي القوة والحلم والأمل، مصر والسعودية والجزائر.
وإلّا على العرب السلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق