أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

اعتبارات سياسية تجبر أمريكا على قبول مشروع وقف إطلاق النار في غزّة

جرت الأربعاء 20 مارس الزيارة السادسة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الشرق الأوسط، منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، وتأتي أهداف الزيارة في إطار سعي الولايات المتحدة الأمريكية لإيجاد حل بشأن الرهائن ووقف لإطلاق النار، وهو ما يعتبر مثيرا للاستغراب مع الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل مند السابع من أكتوبر الماضي وتناقضا واضحا في مواقفها.

سبق وأن قامت واشنطن بتوظيف حق النقض (الفيتو) ضدّ القرار الصادر عن الجزائر بشهر فبراير الماضي والذي يتضمّن دعوة صريحة لوقف إطلاق النّار في قطاع غزّةلأسباب إنسانية.

وبينما حصل القرار على تأييد الأغلبية بجملة 13 عضوا من بين 15 من أعضاء المجلس الأعلى، امتنعت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة عن التصويت.

تضمّن مشروع القرار رفضا لمختلف الانتهاكات الحاصلة التي من بينها التهجير القسري للسكان المدنيين في فلسطين، وخاصّة دعا كل الأطراف التي خالفت بوضوح التزاماتها بموجب القانون الدولي وطالب أيضا بالإفراج غير المشروط لكل الرهائن.

كما طالب المشروع بإيجاد حلول فورية لضمان وصول جميع المساعدات الإنسانية بشكل آمن إلى قطاع غزة وكل المناطق دون عرقلتها، بحيث تكون هذه المساعدات تكفي حاجة المدنيين الفلسطينيين.

وكان السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع قد أشار إلى أنّ مشروع القرار جاء بعد”مناقشات مستفيضة” على حد تعبيره، مشدّدا قبل حصول عملية التصويت على ضرورة ألا يكون المجلس سلبيا في مواجهة ما يجري في غزة.

 كما أضاف: “طوال هذه العملية، سمعنا دعوات لإعطاء الوقت لمسار موازٍ، مع إثارة مخاوف من أن أي إجراء من جانب المجلس من شأنه أن يعرض هذه الجهود للخطر، ولكن بعد مرور شهر تقريبا على صدور أوامر محكمة العدل الدولية، لا تزال بوادر الأمل غائبة بشأن تحسين الوضع في غزة. الصمت ليس خيار، الآن هو وقت العمل ووقت الحقيقة”.  

لكن عملية التصويت حالت دون تطلّعات السفير في وقف جرائم الإبادة الحاصلة في قطاع غزّة، حيث عبّر عن أسفه الشديد معربا عن أنّ “فشل مجلس الأمن مرة أخرى في أن يرتقي إلى مستوى نداءات الشّعوب وتطلعاتها.

هذا الفشل لا يعفيه من القيام بمسؤولياته، ولا يعفي المجموعة الدولية من واجباتها تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل”.

وكان قد أشار في آواخر الشهر الماضي الى أنّ مشروع القرار كان قد قُدّم في وقته المناسب وهو الوقت الأمثل لتوقّف الحرب على غزّة ووصول المساعدات الإنسانية الى كل المناطق داخل القطاع، ويمثل وقف إطلاق النارعلى أنّه الطريق الوحيد لحل الأزمة الحاصلة، غير أنّ قرار مجلس الأمن 2712 و2720 على حد تعبيره لم يتمكّنا من تحقيق نتيجة.

لكنّ موقف بلاده كان واضحا ومن المفروض وفقا لما أشار إليه أن يكون هناك تجاوب لدعوات وقف الإبادة داعيا الى أنّه “على من يعرقل ذلك أن يراجع سياساته وحساباته لأن القرارات الخاطئة اليوم تحصد منطقتنا والعالم، ونتائجها غدا عنف وعدم استقرار”.

كما قال السفير “اسألوا أنفسكم وضمائركم عن نتيجة قراراتكم وكيف سيحكم التاريخ عليكم”، مشدّدا على أنّ بلاده لن تستسلم لهذه القرارات وستكرر مطالبها على المجلس لوقف “حمام الدم في فلسطين” حتى تتحمّل جميع الأطراف مسؤولياتها.

في المقابل وردّا على دعوة الجزائر أشارت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة “ليندا توماس غرينفيلد” الى أنّ المشروع الذي عرضته الجزائر على المجلس لا علاقة له بتحقيق السّلام مشيرة إلى أنّ ذلك يتعارض معه أصلا وأنّ الخطوة التي أقدمت عليها الجزائر هي “مجرّد تمنيات” وهي خطوة “غير مسؤولة”.

وبشأن المفاوضات القائمة حول إطلاق سراح الرهائن ومشروع القرار الأمريكي الذي عرضته أمريكا أمام المجلس أضافت غرينفيلد “بينما لا يمكننا دعم قرار من شأنه أن يعرض المفاوضات الحساسة للخطر، فإنّنا نتطلّع إلى المشاركة في نص (مشروع قرار)نعتقد أنّه سيعالج الكثير من المخاوف التي نشترك فيها جميعا، وهو نص يمكن وينبغي أن يعتمده المجلس بحيث يمكننا التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في أقرب وقت ممكن بناء على صيغة تتضمن إطلاق سراح جميع الرهائن.

في نفس السياق أشارت إلى أنّ مشروع القرار الجديد الأمريكي يتضمّن وقفا مؤقتا لإطلاق النار وهو أمر مهم على حد تعبيرها لتمكين المدنيين الفلسطينيين من المساعدات الإنسانية، مشيرة الى أنّه بالاعتماد على ذلك المشروع ستتمكّن الولايات المتحدة الأمريكية من إدانة حركة المقاومة ضدّ العدوان الإسرائيلي.

وسيجري في الأخير خلق مستقبل يعيش فيه المحتل الصهيوني والفلسطينيون في دولة واحدة، وتمثّل هذه الفكرة احدى المعادلات الساذجة التي تتنكّر بها كل من واشنطن وإسرائيل لتبييض الاحتلال والتملص من مسؤولية الإبادة الجماعية المرتكبة ضدّ المدنيين منذ أشهر.

أشار وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” خلال زيارته إلى المملكة السعودية الى أنّ بلاده تسعى الى تهدئة الحرب الحاصلة وأنّ المشروع الأمريكي يدعم مبادئ التهدئة والسلم في انتظار إيجاد دعم دولي قائلا حول القرار أنّه “سيبعث برسالة قوية، بمؤشر قوي”.

نذكر هذا بعد تشديد أمريكا الداعم الأكبر للكيان الصهيوني على تفعيل حق الفيتو ضدّ القرار الصادر عن الجزائر لوقف إطلاق النار.

وقد زعمت واشنطن أنّ قرارها الجديد هو تعديل لقرار الجزائر، حيث يركز المشروع الأمريكي على “دعم الجهود الدبلوماسية الجارية لتحقيق هدنة من سته أسابيع لقاء الإفراج عن رهائن لا يزالون لدى حركة الحماس في القطاع”.

وتشير الصيغة المعدلة الى “الحاجة إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار لحماية المدنيين من كل الأطراف وإتاحة إيصال المساعدات الإنسانية الأساسية وتخفيف المعاناة الإنسانية، ووصولا الى ذلك، يدعم بشكل قاطع الجهود الدبلوماسية الدولية الجارية لتحقيق وقف إطلاق نار كهذا على صلة بالإفراج عن كل الرهائن المتبقين”.

كما دعا القرار أيضا إلى تكثيف الجهود الديبلوماسية لوقف الأعمال العدائية بما يحقّق السلام الدائم ومطالبة جميع الأطراف بالامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي.

ودعا القرار أيضا في أحد بنوده حركة حماس بإيصال المساعدات لجميع الأسرى المتبقين. كما طالب الأمين العام بتكليف مسؤولين بالتسريع في توفير كل الموارد الضرورية لإنشاء آلية تابعة للأمم المتحدة لتسريع وصول المساعدات.

ومن بين البنود الأخرى هو تقييم كل الاضرار الناجمة عن العدوان الإسرائيلي من أجل إعادة الإعمار من خلال مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة بالتعاون مع البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، وشدّد القرار على ضرورة احترام كل المرافق الطبية والعاملين ووسائل النقل وفقا لما أشار إليه القانون الدولي، وتوفير كل الأجهزة الضرورية لموظفي الأممالمتحدة بما في ذلك الهواتف المرتبطة بالٌأقمار الصناعية.

وذكر القرار أيضا في بنوده رفضه تقليص مساحة قطاع غزّة أو عزل بعض من مناطقها أو تدمير أي من البنى التحتية.

وأشار بلينكن الى انّ بلاده تدعم إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها على حد تعبيره، مشيرا إلى أنّ من الضروري أيضا وضع سلامة المدنيين الذين يتعرّضون للقصف أولوية وخاصّة إيصال المساعدات.

تخفي هذه المواقف المتناقضة العديد من الأسباب والأحداث المتخفية في الكواليس وراء هذه القرارات، التي لا تبدو منطقية لمراقبي الموقف الولايات المتحدة الأمريكية من العدوان على قطاع غزّة منذ السابع من اكتوبر والتي تمثّلت في الدعم الكلي المالي والديبلوماسي لحرب إسرائيل وموقف جوبايدن الداعي للقضاء التام على حركة المقاومة ورفضه لإيقاف إطلاق النار.

ومن بين أهم الأسباب التي لا تخفى عن كل الأطراف هو اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، حيث نشرت رويترز/إبسوس مؤخرا استطلاع جديد يبيّن بوضوح وصول شعبية بايدن الى أدنى مستوياتها خلال رئاسته قبيل الانتخابات الرئاسية في 2024 بإمكانية أن يكون الحظ الاوفر من نصيب الرئيس السابق دونالد ترامب.

في حين وضعت شبكة “فوكس نيوز” الرئيس الامريكي جوبايدن على قائمتها لأكثر السياسيين فشلا في عام 2023.

كما كشف مصدر مطلع في الكونجرس على أنّ مجلس النواب الأمريكي صوّت في بداية ديسمبر على عزل الرئيس الأمريكي على خلفية تورطه في مبادرات الأعمال الخارجية لابنه هانتر بايدن.

ذلك إلى جانب تعبير عديد المسؤولين السياسيين عن إدانتهم لقرارات بايدن السياسية فيما يتعلّق بالأزمة المرتكبة في حق الفلسطينيين واستمراره في دعم إسرائيل.

ولا يمكن اعتبار المزاعم القائلة بالخلافات القائمة بين أمريكا وإسرائيل سوى مجرّد أكاذيب يسعى من خلالها جوبايدن الى تلميع صورته للفوز في الانتخابات القريبة في العام المقبل، خاصّة بعد انهيار صورته السياسية بشكل كلي على خلفية تزويد إسرائيل بالدعم العسكري لارتكاب جرائمها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق