أخبار العالمبحوث ودراسات

تايوان في معترك …الصراع الأمريكي – الصيني

اعداد رباب حدادة قسم البحوث والدراسات الدولية والاتصال السياسي

مراجعة : الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية

تصاعدت حدة الخطاب بين واشنطن وبكين في الفترة الأخيرة حول تايوان، وضع ليس بالجديد، ولكنه لم يشهد درجة مماثلة من التوتر منذ اكثر من 25 سنة. وتايوان احدى الجزر الهامة الواقعة في بحر الصين الجنوبي الذي يمثل منطقة صراع وازمات مختلفة خاصة بين الصين ودول المنطقة كالخلاف مع الفلبين على الحدود البحرية.

وتسعى الولايات المتحدة الامريكية لدعم خصوم الصين من اجل السيطرة على النقاط القريبة جغرافيا من منافسها لخلق تهديد امني مباشر، ما جعل بحر الصين الجنوبي يتحول الى منطقة من النار في السنوات الاخيرة بالرغم من التاثير الكبير لتلك النزاعات على الحركية الاقتصادية العالمية.

تايوان الى جانب القرب الجغرافي من اقليم الصين تجمعها مع بكين علاقات تاريخية وسياسية مختلفة تجعل من بكين تعتبرها الى اليوم احدى مقاطعتها.

1/  تايوان: بطاقة استفزاز امريكية للصين

بدات التحذيرات المتبادلة بين رئيسي الدولتين منذ العاشر من اكتوبر المنقضي، تاريخ احتفال تايوان باليوم الوطني لتاسيسها،حين ازدحمت سماء الجزيرة بطائرات دفاعية ليس احتفالا فقط وانما استعدادا لرد اي هجوم من الطائرات العسكرية الصينية، التي دخلت منطقة الرصد والدفاع الجوي لتايوان”Adiz” والتي تمتد على طول 200 كلم حول الجزيرة، وذلك في دوريات أصبحت كثيفة منذ بداية 2021.

تضاعفت اسراب طائرات الصيد الصينية التي حلقت في مجال تايوان والتي بلغت 700 وحدة عسكرية في 2021 مقابل 380 في السنة الماضية في اطار ضغط بيكين على الجزيرة التي مازالت تعتبرها احدى مقاطعاتها.

في 21 اكتوبر صرح جو بايدن في حوار مع “سي.ان.ان” بأن الولايات المتحدة الامريكية “ملتزمة بالدفاع عن تايوان إذا تعرضت لهجوم من الصين” في اطار “اتفاق عسكري مقدس” واظاف “الصين وروسيا وباقي العالم يدركون اننا نملك اكبر امكانيات عسكرية في العالم”.

لم يتأخر رد بيكين الذي كان واضحا ومباشرا على لسان وزير خارجيتها وانغ وينبين “مسألة تايوان هي من شؤون الصين الداخلية البحتة ولا تسمح بالتدخل الأجنبي… فيما يتعلق بالقضايا التي تمس سيادة الصين وسلامة أراضيها والمصالح الجوهرية الأخرى، لا يتوقع أحد أن تفسح الصين المجال لأي تنازلات أو مساومات.”

وطالبت الخارجية الصينية واشنطن بـ”تجنب إرسال إشارات خاطئة إلى القوى الانفصالية المطالبة باستقلال تايوان، خشية أن يلحق ضررا خطيرا بالعلاقات الصينية الأمريكية والسلام والاستقرار عبر مضيق تايوان”

تبادل للتحذيرات بين واشنطن وبيكين خلق مخاوف من جعل الصدامات كلامية تتجسد واقعيا في مواجهات مسلحة، خاصة وان العلاقات بين الطرفين تشتعل بشكل متواصل بشان قضايا مختلفة في العالم، لكن  تايوان أكثرها إحراجا وحساسية بالنسبة للصين ما يفسر حدة موقفها وخطابها الديبلوماسي على غير المعتاد.

2/ عودة الى التاريخ… لماذا تعتبر بكين تايوان خطا احمر؟

تايوان وتعرف رسميا بـ”جمهورية الصينROC))”وهي سلطة سياسية تشكلت على اقليم “جمهورية الصين الشعبية (PRC)”في 1912. انتقلت سلطتها الى جزيرة تايوان والأقاليم الصغرى المتصلة بها اداريا منذ 1943 واستقرت على الاقليم فعليا في 1949 وهاجر الى تايوان اكثر من مليون ونصف صيني.

تاريخيا مرت على الجزيرة إمبراطوريات متعددة أخرها “إمبراطورية شينغ” منذ 1644 وهي إمبراطورية صينية حكمت كامل إقليم الصين بما في ذلك تايوان.

غير أن خسارة الإمبراطورية في الحرب الصينية -اليابانية الأولى(1894-1895) جعلتها تتنازل عن الجزيرة لفائدة اليابان ضمن اتفاق شيمينوسكي (Treaty of Shimonoseki) حتى 1945.

بين 1911 و1912 بدات الحركات المتمردة ضد الحكم الإمبراطوري لشينغ وتأسست سلطة سياسية لـ”جمهورية الصين “في 1912 وظلت سلطة سياسية حاكمة في الصين الى ان اطاح بها الحزب الشيوعي الصيني وتولى الحكم فعليا في 1949 وتم اعلان تأسيس “جمهورية الصين الشعبية PRC”

 في الحرب العالمية الثانية انتقلت السلطة السياسية الى تايوان بمقتضى اتفاق القاهرة لسنة 1943 الذي جمع بين ممثل حكومة جمهورية الصين شيانغ كاي شيك (Chiang Kai-shek)و الرئيس الامريكي فرونكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ويسطن تشرشل والذي اقتضى تسليم االيابان وجزر بينغهو الى الـ(ROC )ولم يتم تنفيذ الاتفاق سوى في 1949 حين اجبرت اليابان على التخلي عن الجزيرة بقوة السلاح.

منذ 1949 والصين ممثلة بسلطتين سياسييتن الاولى لجمهورية الصين متركزة في تايون والثانية حكومة جمهورية الصين الشعبية ومتركزة في الصين وظلت حالة التوازي بين السلطتين حتى  25 اكتوبر 1971حين اعلنت جمعية الامم المتحدة حسب قرار 2758 ان حكمومة جمهورية الصين الشعبية هي السلطة الشرعية الوحيدة الممثلة لدولة الصين.

انسحبت بعد ذلك حكومة الـ (ROC ) من المنظمة الاممية، وبالرغم من حفاظها على تسميتها الرسمية الا انها تعرف غالبا باسم تايوان واعلنت “تايبيه” عاصمة لها وعملتها الدولار التايواني والى الان لم تحظ باعتراف دولي باستقلالها كدولة وتعتبرها الصين الشعبية كاحدى مقاطعاتها.

 لم تعترف بتايوان سوى 15 دولة في العالم وبالرغم من انها  تملك على المستوى الداخلي كل مقومات الاستقلال كدولة من  منظور قانوني الا انها لا تحظ باي تصنيف دولي واضح ولن تسمح الصين الشعبية بذلك خاصة في اطار محاولاتها ضم الجزيرة الى اقليمها من جديد.

3/  الوجه الخفي للعلاقات الامريكية -التايوانية

ساعد انفصال تايوان عن الصين عامل الجغرافيا حيث ان اقليمها جزيرة منفصلة ترابيا عن اقليم الصين ولا يربطهما سوى مضيق يعرف بمضيق تايوان،والى جانب الجغرافيا عامل اكثر قوة وهو الدعم الامريكي منذ الحرب العالمية الثانية حين استغلت واشنطن الـ (ROC ) ذات التوجه الديمقراطي الليبيرالي كسلاح لمقاومة الجبهة الاشتراكية ممثلة في الحزب الشيوعي الصيني وواصلت دعمها الى اليوم.

تعد تايوان احد اهم النقاط التي تفرض فيها واشنطن سيطرتها لتضييق الخناق على الصين في اسيا وقربها الجغرافي ووضعيتها السياسية كقليم منفصل عن الصين تجعلها بطاقة ضغط وستفزاز لبكين في الوقت ذاته.

غير ان العلاقات بين تايوان والولايات المتحدة الامريكية بالرغم من تصريحات بايدن الاخيرة الا انها تمر بمرحلة ضعف.كانت تايوان من اهم الداعمين لنظام ترامب ولم تكن من المتحمسي لحكم بايدن الذي نجح في كسر مخاوف تايوان واستعادة القيادة الامريكية في اسيا انطلاقا من تايوان.

 لكن ما مدى هذه الثقة بين الشريكين؟

حسب البعض ملفات ثنائية بين واشنطن وتايوان ستجعل العلاقة بينهما هشة على مدى الثلاث سنوات القادمة على اقل تقدير، فمن أهم مطالب تايوان هي اقامة علاقات تجارية وصناعية رسمية مع الولايات المتحدة الأمريكية ما قد يفسح المجال لباقي الدول للتخذ نفس الخطوات غير ان اقدام الادارة الامريكية الديمقراطية على القيام باتفاقية اقتصادية رسمية تبدو صعبة في الوقت الراهن خاصة وان الدولة تعمل على اعادة تشكيل سياساتها الاقتصادية من اجل ذلك كان رد بايدن على طلب تايوان هو استئناف الحوارالاقتصادي في ظل الاطار التوافقي للاستثمار والتجارة (TIFA) وهي الخطوة التي تسبق عادة اقامة اتفاقيات التعاون الاقتصادي وتاسيس مناطق التجارة الحرة.

أزمة أخرى قد تطرأ بين الدولتين فيما يتعلق بصناعة أشباه الموصلات semiconductors)) الذي تعد من أهم الصناعات التي تختص بها تايوان وتحتل فيها المراتب العالمية الأولى.

فالولايات المتحدة الأمريكية تعمل حاليا على إعادة هيكلة الوظائف ومواطن الشغل الى جانب تأمين سلاسل التوريد مما قد يدفعها لوضع شروط على الشركات التايوانية تقتضي اعادة تركيز مزيد من المصانع غير ان تايوان لن تتنازل على بعض من مجالات احتكارها في هذا المجال والمتعلقة خاصة بالبحث والتطوير، كما أن تصاعد التنافس المستقبلي في هذه الصناعة قد يجعل تايوان في صدام مع منافسيها وهما الصين والولايات المتحدة الامريكية.

الوعود الامريكية تتزايد وتتزيد معها توقعات تايوان لكن الجميع يدرك أن واشنطن لن تكون قادرة على تلبية كافة الوعود التي قدمتها وهذه الحقيقة تخلق تخوف في نفوس التايوانيين اللذين يجدون فيها الخيار الوحيد والحصري في ظل الصراع مع بكين، وفقا لأحد صانعي السياسات التايوانيين في تصريح لصحيفة  “THE DIPLOMAT”:

“إذا أعطيتم المزيد من الأمل سيكون هناك المزيد من خيبة الأمل في المستقبل… ويتجذر هذا في الخوف والقلق التايوانيعندما تكون الولايات المتحدة راغبة في تقديم المزيد من الدعم، فإننا نخشى أن يكون الدعم مؤقتاً ومشروطاً، وأن تسعى إلى الحصول على التزامات أكثر قوة لفائدتها”.

بالرغم من التعاون العسكري والاقتصادي الا ان فسحة من انعدام الثقة بين البلدين قد تتسع في المستقبل وستسعى الصين لاستغلالها من اجل الحسم في مسالة انفصال تايوان وقد بدأت ضغطها يتضاعف منذ بداية 2021 وقد اعتبر وزير الدفاع التايواني ان الوضع العسكري لتايوان هو الاخطر منذ 4 عقود في وقت يجزم فيه خبراء عسكريين ان الصين ستكون قادرة على استعادة السيطرة على تايوان بمطلع 2025 ولكن الامر يتوقف على التوازنات الدولية والاقليمية المتغيرة باستمرار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق