إفريقيا

تأكل مع الذئب وتبكي مع الراعي.. ماذا تريد النهضة؟

تونس–تونس-22-5-2020


نشر موقع(نواة) مقالا بقلم ناجي البغوري،جاء فيه بالخصوص:
يوشك الإئتلاف الحاكم الذي يقوده إلياس الفخفاخ، والذي يتكوّن من أحزاب حركة النهضة والتيّار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس، أن ينفرط، وبالتّالي ينذر بسقوط الحكومة أو تغيّر تركيبتها بعد أقلّ من مائة يوم في عمرها، ما يجعل الفخفاخ وكأنّه يسير على رمال متحركة.

في عشاء الإفطار الذي دعا اليه رئيس الحكومة حلفائه في الحكم يوم الخميس 14 ماي، انفضّ اللقاء دون التوصّل إلى حلول للخلافات العميقة التي تشقّ هذا التحالف المزعوم. وكان الفخفاخ طرح خلال اللّقاء أرضيّة للتعامل وحل الخلافات لكنّها جوبهت بالتجاهل من الجميع، بالرّغم من أن هذه الأرضية التي أسماها رئيس الحكومة بوثيقة عهد التضامن والإستقرار احتوت على مفاهيم عامّة وبديهيات المفترض أن الجميع متّفق عليها.

وتضمّنت الوثيقة سبع نقاط وهي: نبذ خطاب التخوين والإقصاء، الإلتزام بالشفافية والنزاهة في تيسير المرفق العام، الإنخراط في مقاومة مظاهر الإرهاب والجريمة، التضامن من أجل ضمان الإستقرار السياسي، دعم استقرار مؤسسات الدولة السيادية، التسليم بعلوية القانون وأحكام القضاء وتحييد المرفق العام والنأي بالإدارة عن الولاءات والمحسوبية.

يبدو أن مضمون الوثيقة الحقيقي يتلخّص في النقطتين الرابعة والخامسة والمتعلّقتين بالتضامن من أجل الإستقرار الحكومي ودعم استقرار مؤسسات الدولة السيادية، إذ لا تخفى اليوم الصراعات العميقة التي تشق الإئتلاف الحكومي، ودور حركة النهضة في تعميق هذا الصراع والخروج به إلى العلن، وربّما إفشال هذا التحالف ومن ثمّ إسقاط الحكومة والعودة إلى نقطة الصفر، وهو ما طالبت به الوثيقة في نقطتها الرابعة حركة النهضة بالكفّ عن الجلوس على مقعدين في الوقت نفسه، والإيفاء بالتزامات التحالف السياسي وعدم “الأكل من الحساء ثم البصق فيه”.

فحركة النهضة تشارك في الحكم بأكبر عدد من الوزراء، ولم تتوقّف في كل مرة عن ابتزاز الفخفاخ لتحصيل مزيد من المقاعد للمستشارين وفي مواقع مختلفة، من جهة، وتكوّن ائتلافا في المعارضة يضم معها كلا من قلب تونس وائتلاف الكرامة من جهة ثانية ، حيث “تأكل مع الذئب وتبكي مع الراعي” أي انها تتمتّع بمزايا الحكم وتجني ثمار غضب المعارضة.

ويدرك الياس الفخفاخ جيّدا أن ذهابه في شهر جوان القادم إلى البرلمان بمناسبة مرور مائة يوم على انطلاق حكومته لن يكون سهلا وأنه بحاجة لأن تتحمل معه النهضة انتقادات التقييم ودعم خارطة الطريق لما بعد أزمة كورونا. وفي المقابل نصّت النقطة الخامسة من وثيقة التضامن على دعم استقرار مؤسسات الدولة السيادية، وهي بمثابة الجزرة التي يلوّح بها الفخفاخ لراشد الغنّوشي الذي يواجه دعوات متزايدة بسحب الثقة منه في رئاسة مجلس النواب.

يعرف راشد الغنّوشي جيّدا أن الدعوات إلى إقالته وسحب الثقة منه ليست مجرّد شطحات ومزايدات من خصومه، وهو يلمس باستمرار تزايد حملات المطالبة والضغط على الكتل النيابية بعدم التحالف معه، وأصبح الأمر أكثر جدّية بعد الإستقالات المتتالية في حزب قلب تونس حليف النهضة وراشد الغنوشي تحديدا، بل إن التحرّكات بدأت حثيثة لتشكيل كتلة برلمانية جديدة معارضة للنهضة وبذلك يكون الغنّوشي قد خسر الأغلبية المريحة التي تمكّنه من مواصلة المحافظة على مقعد رئيس مجلس النواب، الأمر الذي جعل الحركة تصدر بيانا من الواضح أنه كتب على عجل وهو لا يشبه كثيرا بيانات النهضة المعدة بعناية، لغويّا وسياسيا، واستند الى جملة أثارت كثيرا من التعاليق وهي “تحرّكات داخل البرلمان بغاية تشكيل كتلة نيابية جديدة”.

وذهب البحيري رئيس كتلة النهضة البرلمانية بعد ذلك إلى حد اعتبار أن “استقرار البلاد مرتبط باستقرار البرلمان” وهو ما يعني المحافظة على التوازنات الحالية داخله وحماية راشد الغنوشي وبقائه رئيسا للمجلس. وقد التقط الفخفاخ رسالة البحيري التي ترجمت في النقطة الخامسة بدعم استقرار مؤسسات الدولة السيادية.

ولا يخفى اليوم أن راشد الغنّوشي بنى كل تكتيكات السنوات الماضية من أجل الظفر بمقعد رئيس مجلس النواب، وأن خسارة هذا المقعد بأي شكل سيكون انهيارا لمجده الشخصي ولحركته، وهو مستعد لفعل أي شيء، بما في ذلك التحالف مع من أسماهم قبل الإنتخابات بالفاسدين وقوى الثورة المضادّة(…).

وإذا كانت المعركة بين النهضة والتيّار الديمقراطي قد خفّت حدّتها بشكل ملحوظ واقتصرت على تلميحات من هذا القيادي وذاك أو حملات على صفحات التواصل الإجتماعي، فإن الخلاف بين النهضة وحركة الشعب ليس وليد اليوم، بل تعود جذوره إلى عقود من الصراع الأيديولوجي بدأ بين الزّعيم جمال عبد الناّصر وحركة “الإخوان المسلمين” وتواصل بعد الثورة مع اغتيال القيادي العروبي محمّد البراهمي، عملية اتهمت حركة النهضة بالتورط فيها.

ويسعى الفخفاخ الى إزالة كل هذه التوترات من أجل تحالف حكومي حقيقي وصلب، يساعده للذهاب مطمئنّا إلى البرلمان لتقديم حصيلة المائة يوم من حكمه، وأيضا لمواجهة المصاعب الإقتصادية والتوتّرات الإجتماعية التي ستظهر بعد فترة كورونا.

وفي الوقت الذي يسعى فيه كل من التيار الديمقراطي وحركة الشعب إلى أن لا يواجها مصير حزبي التكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية (حليفا النهضة في حكومة الترويكا بين2012 و2014) ودفع ثمن أخطاء حركة النهضة التي تتقن دائما في أن تكون في المعارضة والحكم في نفس الوقت، لا أحد يعرف فيما تفكّر النهضة وراشد الغنوشي تحديدا: عزل رئيس الجمهورية وإضعاف رئيس الحكومة والمحافظة على رئاسة البرلمان وجعله مركز تسيير الدولة أم الإطاحة بالحكومة وإعادة خلط الأوراق؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق