ماذا وراء مؤتمر برلين في غياب المعنيين ؟
زهور المشرقي-ليبيا 20نوفمبر2019
لم يعد يفصل الليبيين الكثير عن انعقاد مؤتمر برلين الذي تحتضنه العاصمة الألمانية برلين، وتتجه الأنظار إلى متابعة التحضيرات لعقد المؤتمر الدولي حول ليبيا، وسط تكتم وحذر شديدين.
وأشارت التسريبات إلى عزم ألمانيا على توفير أكبر قدر من شروط النجاح عبر مشاورات غير معلنة للتوصل إلى توافق دولي لإنهاء الصراع القائم منذ سنوات والمحتد منذ أبريل الماضي..
وبرغم تصريحات المستشارة الألمانية “أنغيلا ميركل”، منذ سبتمبر الماضي، بسعي بلادها إلى إنجاح هذا المؤتمر ، إلا أن الأطراف الليبية فضّلت الصمت ومتابعة ما سينجر عن الإجتماع ،علما أنها قد أُقصيت من حضور المؤتمر.
وكانت ميركل قد تحدّثت عن وضع متطوّر في ليبيا قد يأخذ أبعاداً مثل تلك التي عاشتها سوريا، وبذل الجهود لضمان عدم تصعيد الوضع إلى حرب بالوكالة، باعتبار أنه إذا لم تستقر الأوضاع في ليبيا فسيتزعزع استقرار المنطقة الإفريقية بأكملها.
يذكر أن جملة المتغيرات الدولية الجديدة دفعت ليبيا وأطرافا دولية أخرى، إلى المناداة بعقد المؤتمر.. فأي آمال وأفاق للنجاح وأي عوائق يمكن أن تفشله ؟وأي مطامع لبرلين في ليبيا؟وبما يفسّر دخولها المفاجئ على الخط؟
في هذا الإطار، يرى الباحث المختص بالملف الليبي عبد الهادي ربيع، في حديث مع صحيفة “استراتيجيا نيوز” اليوم الأربعاء 20نوفمبر2019، أن مصالح برلين الإقتصادية في ليبيا أحد أبرز أسباب دخولها المفاجئ في هذا الملف بعد سنوات من تركه لإيطاليا وفرنسا وبريطانيا.
وأكد ربيع، أن حكومة الوفاق تفاوضت مع برلين وسفيرها في ليبيا عدة مرات في الفترة الأخيرة لضمان موقف إيجابي لصالح الوفاق مقابل ضمانات اقتصادية للشركات الألمانية العاملة في ليبيا تقدر بمليارات الدولارات،كاشفا عن أن ألمانيا تسعى إلى تقاسم ‘الكعكة الليبية’ مع الشركاء الدوليين مثل إيطاليا وفرنسا، مشددا على أن ألمانيا لا يعنيها الإستقرار في ليبيا ولا وجود إرهابيين من عدمه إنما تعنيها مصالحها الإقتصادية المتمثلة في شركاتها.
ولفت المختص في الملف الليبي، إلى أن من أبرز الشركات الألمانية العاملة في ليبيا شركة فينترسهال للنفط،وسيمينس للإلكترونيات، وشلومبرغر،موضحا أن فينترسهال هي إحدى أكبر وأقدم الشركات النفطية العاملة في ليبيا منذ سنة 1958 ويتركز نشاطها في القيام بعمليات استكشاف وإنتاج النفط والغاز، وقد منحت منذ عام 1966 امتيازين في حوض شرق سرت،حيث تدير الشركة في ليبيا، ثمانية حقول ، في الإمتيازين البريين (96) و(97)، وذلك بالتعاون مع “غازبروم”، وهي المشغل لهذه الحقول.
وأشار محدثنا إلى أن أعمال الشركة تعطلت منذ عام 2013 على أثر هجمات على الحقول النفطية إلا أنها عادت إلى العمل مع تأمين الجيش للهلال النفطي عقب مفاوضات مع المؤسسة الوطنية للنفط.. أما شركة شلومبرغر النفطية فتقوم بشكل أساسي على التعاون مع الشركات الليبية والأجنبية في ليبيا في إطار إصلاحات الأنابيب والمعدات النفطية، كما تقوم شركة سيمنس بدور مهم جدا في إمداد جميع المؤسسات الليبية باللوحات الكهربية والمولدات الهامة للعمل في المؤسسات النفطية انتهاء بالنهر الصناعي العظيم الذي أنشأه نظام الزعيم الراحل معمر القذافي لإيصال المياه الجوفية من الجنوب الليبي إلى الشمال الليبي.
وغير بعيد عن نفس السياق، أبدى كبار المسؤولين في موسكو وباريس وواشنطن، انزعاجهم من تواصل الحرب في ليبيا وفي محيط طرابلس،ما أدى أحيانا إلى توقف الحياة والحركة ونشاط المؤسسات مايفسر تعطّل مصالح هؤلاء الشركاء .
وقبل انعقاد المؤتمر يمكن رسم ملامح المشهد في ليبيا وتقسيمه إلى قسمين حيث توجد أطراف داعمة للمشير خليفة حفتر سياسيا وعسكريا، وهي بدرجات متفاوتة: الإمارات، مصر، روسيا.. بينما تتفاوت أشكال الدعم لحكومة الوفاق ، بين تأييد سياسي ينطلق من كونها حكومة معترفا بها وهو الموقف الذي تصطف فيه دول الجوار الأوروبي والمغاربي وراء الأمم المتحدة، بينما تقدم بعض الدول، وعلى رأسها تركيا، دعما عسكريا معلنا، وذلك لأسباب إيديولوجية وجيواستراتيجية. ويشكل الإرتباك والتذبذب حالة مشتركة في الموقفين الأوروبي والأمريكي.
وكان محلّلون قد تحدثوا عن سلبيات التدخل الأجنبي في ليبيا حيث ساهم في مزيد تقسيم الليبيين.. ومن المفارقات في هذا البلد ، أن معظم أطراف الأزمة يرفضون التدخل الأجنبي لحلها، بينما هم يعتمدون بالأساس على أطراف أجنبية لفرض أنفسهم على الخصوم.
أما بخصوص موقف رئيس البعثة الأممية في ليبيا،غسان سلامة،فقد عبّر عن أمله في أن ينتهي المؤتمر بتوصية جماعية لمجلس الأمن الدولي، لإصدار قرار ملزم بوقف تصدير السلاح إلى ليبيا، ودفع الأطراف الداخلية إلى استئناف العملية السياسية.
وأعرب المبعوث الدولي إلى ليبيا،عن ثقته في نجاح مؤتمر برلين ، داعيا المجتمع الدولي إلى توفير مظلة لإنهاء النزاع الليبي والعودة إلى الحوار،مشددا على أن بيان برلين لا يعني نهاية العملية، وإنما بداية مسيرتنا لتعود ليبيا إلى طريق السلام والإستقرار.
من جانب أخر، قال المحلل السياسي الليبي محمد الزبيدي، في تصريح لموقع “استراتيجيا نيوز” اليوم الأربعاء 20نوفمبر2019، إن مؤتمر برلين بخصوص الأزمة ليبيا هو بمثابة المحاولة للألمان لجمع شتات الأوروبيين وتجميعهم حول ما يقع في ليبيا ، متابعا أن الوضع الأوروبي أصبح مهدّدا بعد انسحاب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي والخلاف الحاد بين إيطاليا وفرنسا على ‘الكعكة الليبية’ وتقاسم النفوذ، معتبرا أن ذلك الصراع هدفه الأساسي ”النفط الليبي ومختلف الثروات ” ،لافتا إلى أن الصراع اليوم بين شركة ‘طوطال’ الفرنسية وشركة ‘إيني’ الإيطالية.
وأضاف محدثنا، أن الألمان حريصون على عدم تصدع الإتحاد الأوروبي بسبب مطامعه في ليبيا، مذكرا بأن مؤتمر برلين من أجل التجميع هو التجربة الثانية لألمانيا للمّ شتات أوروبا بعد تجربة 1885 خلال المؤتمر الذي عقد للتوفيق بين المطامع البلجيكية والمطامع الفرنسية في الكونغو.. حينها تم الإتفاق على تقاسم النفوذ في إفريقي.
وتوقع المحلّل السياسي الليبي عدم نجاح مؤتمر برلين، معتبرا إياه أشبه “بحفل زفاف في غياب العروسين’، وفق وصفه، خاصة في ظل غياب أهم طرف المتمثل في الليبيين.
وقال إنها” أول مرة في التاريخ يحدث أمر كهذا منذ الإحتلال عندما كان الأوروبيون يتقاسمون النفوذ في غياب البلدان المعنية، فهم تعودوا على فرض الآراء والأجندات وخارطة الطريق على الليبيين وغيرهم”.
وتوقّع محمد الزبيدي، أن الجيش الليبي سيحسم المعركة قبل مؤتمر برلين ،مشيرا إلى أن الدول الأوروبية وأمريكا على يقين من ذلك، ما دفعهم إلى وضع مهلة إضافية للقوات المسلحة الليبية في سبيل دخول طرابلس وتحريرها ، مذكرا بأن المؤتمر المذكور كان سيعقد في 20 أكتوبر ثم تأجّل إلى 20 نوفمبر ثم إلى 12 ديسمبر،وهي مهل للقوات الليبية لحسم معركة طرابلس وطرد الإرهابيين، حيث لن يصبح حينها لهذا المؤتمر أي قيمة وآي صلاحية ،وفق تعبيره.
وشدّد المحلل السياسي الليبي، على أن المليشيات التي تدعمها حكومة الوفاق التي يقودها فائز السراج ستفرّ فى تركيا وغيرها بمجرد دخول الجيش العاصمة،وسيجلس الليبيون للإتفاق على طبيعة النظام السياسي ومسارات المرحلة الانتقالية ومن يقودها ومن يشرف عليها ، مشيرا إلى أن الجيش لايبعد سوى 10 كيلومترات عن قلب العاصمة.