أخبار العالمالشرق الأوسط

مستقبل البشرية بانفجار الرأسمالية؟

بيروت-لبنان-03-4-2023

  • نصري الصايغ

عندما نتحدث عن هذا العالم، نلتفت أولاً إلى دول الغرب تحديداً، لأنها كانت السباقة الى تبني الحداثة، والتبشير بالحرية، والتمسك بالديمقراطية، والتطلع إلى المزيد منها.. التجربة نظرياً كانت غنية.. الممارسة كانت عنصرية وتمييزية.. الأمر الأساسي الذي ارتكزت عليه أوروبا، بوجوهها كافة، هو غزو القارات كلها، وارتكبت الديموقراطيات الجشعة، جرائم إبادة، أخضعت مئات ملايين البشر إلى رقٍ حديث، واستتباع ذليل، عبر وكلاء سياسيين، يعاملون البشر كأحذية للسير الى الوراء.. معظم الدول، غير العظمى، باتت ذيلية.

غرب فاحش، مسيحيته حرائق (يقتضي أن يمتنع المسلمون هنا، عن التشفي والتعالي، فشرق القارة الإسلامية، عرف فنون القتال والإبادات.. الأديان متعادلة ومتساوية في الارتكابات، فقط تتغير الخريطة). إذاً، غرب فاحش وقارات تنقاد برسن الرأسمال. والرأسمال، دين لا يرتوي ولا يشبع، إذا جاع الرأسمال أشعل حرباً، إذا حلم، خطط لاجتياح، وإذا تدلى في أزمة، صدَّرها فوراً إلى بلاد يطيب فيها الإنفاق العسكري.. ليس مهماً أبداً عدد القتلى أكان بالآلاف أم بالملايين أم بضحايا لا تحصى.. المشهد الراهن، يكشف أن الكرة الأرضية تتنفس قتلاً وعنفا..

هذه السطور أعلاه، هي مقدمة ضرورية، لمعرفة الماضي ومآلات المستقبل(…).. ما بشَّر به فلاسفة التنوير وما أقدم عليه ألكسي دوتوكفيل، انتهى إلى استعمار العالم، وتلقينه سياسة القبضة واقتصاد النهب واحتقار كل من ليس أبيض البشرة.

ثم، لماذا دخل هذا العالم بحروب مجنونة؟.. لم تكن تلك الجرائم غير المسبوقة قابلة للتفسير، على نطاق فلسفي وأكاديمي. جرائم الغرب لا تشبه كُتَّابها وفلاسفتها، كما أنها أفلتت من كل محاسبة.
الأفكار والعقائد والفلسفات والتنبؤات العلمية، غير قابلة للحياة، هي حية ترزق في الكتب. للكتب مجد الأفكار والإفهام والريادة، لكنها جمل جميلة ومفيدة ومقنعة. الواقع “أخو ملعونة” بكل ما تعنيه هذه الكلمة.. ليست شتيمة أبداً، إنها ملعونة، لأنها ليست وليدة فكر ريادي، تقدمي، إنساني، أخلاقي، بل هي وليدة زواج قديم ومستدام، بل وأبدي، بين ثلاثة: المال، السلطة، والأديان (أو الفلسفات المارقة والمدعية).. رأس المال يرضع من كل الأثداء، يسيطر على الأديان، يُوظف الأحزاب، يُطوع النقابات، يُنتج التفاهات ويُصدِّرها.. رأس المال إله لا تقوى عليه آلهة الأديان، وفصاحة العقل، وكتب الفلاسفة، وحدهم الشعراء والفنانون يستطيعون الإبداع، وجعل هذا العالم معقولاً، غير أن أنيابا رأسمالية قبضت على شركات إنتاج الفنون، وروّجت لبضائع سافلة فنياً وإنسانياً. لذا، أردّد دائماً في سري أعوذ بالله من المال الرجيم، لأنه الأقوى..

لماذا هو قوي أكثر من القيم والأخلاق والأديان واليوتوبيا؟ لأن الإنسان ليس جماداً ولا روحاً، الإنسان جسد، والجسد لا يطيع الأخلاق والقيم والـ.. إلى آخره.. هو حواس خمس، عقل شهوات، نزوات.. هو أحياناً مفترس.. المصالح أقوى من أي قيمة.. حتى قصة الخلق، التي كانت الفصل الأول من دين التكوين، متبوعة بصراع المصالح والمنافع.. قابيل قتل هابيل (نموذج).. هل فهمنا أن العلة فينا، إذا كنا أقوياء أتقنَا الاستبداد، وإذا ضعفنا التحقنا بالقافلة. العالم، منذ البدء، مقسوم بين سيد وعبد ، وبين قوي وضعيف.. المجد الديني هو للأثرياء، لرأس المال.. القديسون ليسوا من هذا العالم أبدا.

المشكلة ليست في الفلسفات والأفكار والعقائد والمذاهب، المشكلة أن صناعة الواقع ليست فعلاً فكرياً فقط، هناك شبه طلاق بين الفكر والواقع.. وهذا ليس خطأ مقصوداً، إنه واقع.. الصلوات ليست برهاناً على الإيمان.. انهيار الاتحاد السوفياتي بهذه السرعة، لم يكن نتيجة الفكر الماركسي، بل نتيجة قوى انتفاعية. الشعب غير موجود، البروليتاريا اكتشاف ثم حلم ذات صيف.. الإنجيل لا علاقة له بالمسارات المسيحية المتناقضة.

إنما، هناك رؤية جديدة متداولة اليوم في الغرب، يشير اليها الدكتور مالك أبو حمدان، وهي انفجار الرأسمالية.

لعل هذا الانفجار يقود البشرية إلى التعقل، أو يكون صك عبور مستداما إلى الجحيم.
العالم، كل العالم، ينتمي راهناً إلى فسطاطين:
فسطاط النهب وفسطاط القهر.

*كاتب صحفي- لبنان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق