بحوث ودراسات

“الإمبراطورية الأمريكية والرمال المتحركة في الشرق الأوسط”

يُعدّ البروفسور جيفري وورو، أستاذ التاريخ العسكرى البارز بجامعة تكساس الأمريكية، واحدا من أبرز الأكاديميين في الولايات المتحدة في مجال الدراسات الإستراتيجية، وهو مؤلف كتاب “الرمال المتحركة.. سعي أمريكا إلى السيطرة على الشرق الأوسط”، نقله إلى العربية صلاح عويس، والصادر عن المركز القومي للترجمة.
يقول جيفرى وورو: بعد إنجاز مشروع قناة السويس في عام 1869، وتوفير خطوط الطيران بعيد المدى في أوائل القرن العشرين، ازدادت أهمية الشرق الأوسط، باعتباره “أقصر طريق بين التجمعين البشريين الرئيسيين، تكمن فيه القوة في عالم القرن العشرين”: بين عالم الهند وشرق آسيا والمحيط الهادئ وعالم أوروبا وأمريكا والمحيط الأطلسي. يقول البروفسور جيفري وورو: في أكتوبر عام 1954 بدأ عبدالناصر في التفاوض مع البريطانيين للجلاء عن قاعدة قناة السويس.
ومع أن البيروقراطيين المتزايد عددهم نصحوه بالتمهل لكنه كان خصما عنيدا وأدت خطبة باللهجة العامية إلى تهييج مشاعر الشارع العربي، وإلى رفع المصالح المصرية إلى الأمام بفاعلية تحت المظهر المثالى للقومية العربية. وأعرب دبلوماسي سوري عن دهشته بقوله: “لم يحدث قط منذ النبي محمد أن رجلًا تمتع بمثل هذه المكانة بين العرب مثل عبدالناصر”.
أما أنتوني إيدن وزير الخارجية البريطاني، فقد نظر إلى صعود عبدالناصر بقلق شديد، وقال لأعضاء وزرائه في فبراير 1953: “لا نستطيع أن نأمل في الإحتفاظ بموقفنا في الشرق الأوسط بأساليب القرن الماضي”، بل من المدهش أنه عرض إجلاء جميع الجنود والموظفين الحكوميين والمقاولين البريطانيين من قاعدة السويس خلال سبع سنوات.
ووافق إيدن أيضا على منح الإستقلال للسودان الذي يعتبر الظهير الخلفي الشاسع لمصر، وبذلك يرضي مطلبًا آخر من مطالب عبدالناصر الذي كان هو ومناصروه يعتبرون نهر النيل الذي تمر به مياهه القادمة غير قابل للتجزئة، كما كانوا يريدون توحيد مصر والسودان في دولة واحدة، والذي يعتبر استقلال السودان خطوته الأولى. وفي خمسينيات القرن العشرين كافحت إسرائيل لكي تضع سياجًا حول واشنطن يعزلها عن أية منظمة عربية كبيرة قد تضعف العلاقة الخاصة بين الحكومة الأمريكية وإسرائيل.
كذلك خرب الإسرائيليون الجهود الأمريكية للتوسط فى إبرام سلام مع الدول العربية المجاورة. وسأل هنري بايرود رئيس قسم الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية: “أي ثمن ستدفعه إسرائيل مقابل السلام؟”
وكانت إجابة وزير الخارجية الإسرائيلي عام 1953 هي: “لاشيء”. وأوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بن غوريون كيف أن “العرب لديهم أراض تبلغ مساحتها ستة وثلاثين ضعف مساحة إسرائيل، ولديهم الماء والنفط ومن ثم فهم لا يحتاجون أراضي إضافية”.
وكان تقدير بن غوريون أن مستقبل إسرائيل يعتمد على إنجاب الأطفال اليهود بنفس السرعة التى ينجب بها العرب أطفالهم، وكذلك على الهجرة اليهودية الضخمة. وقال لأحد الضباط الإسرائيليين في عام 1953 إن “القوى الغربية لن تقيم وزنًا لإسرائيل إلا عندما يصبح مجموع سكانها ستة ملايين نسمة على الأقل”، ولكي يحدث ذلك سعى إلى إحضار ما لا يقل عن مليوني مهاجر أوروبي شرقي في خمسينيات القرن العشرين.
وبالرغم من كراهيته لحدة الطبع لدى هؤلاء الصهاينة الجدد بعد الحرب والذين يصفهم “بالأنانيين المخنثين الذين تربوا في المدن” كان لا بد من مجيئهم.
وفي عام 1955 ترك هانك بايرود واشنطن ليصبح سفيرًا للولايات المتحدة في مصر، وقد تم اختياره بسبب وجهة نظره المناصرة للعرب وكذلك لكونه في الثانية والأربعين من عمره مما يجعله في العمر من عبدالناصر، وعندما التقى الإثنان أعجب بايرود بعبد الناصر من الوهلة الأولى.
ولما كان ناصر ما زال مهموما بضعف ترسانة الأسلحة الضعيفة الموروثة من عهد الملك فاروق، طلب مساعدة عسكرية فأوصى بايرود بصفقة قيمتها 28 مليون دولار من المدفعية والدبابات المتوسطة والقاذفات طراز بي -26 ووافقت واشنطن ولكن بشرط ألا تُستخدم هذه الأسلحة إطلاقا فى عمليات هجومية.
وكانت تلك الشروط سليمة في قانون الأمن المتبادل الأمريكي التي انتهكتها إسرائيل بحمق في عام 1956. ولما كان المصريون ينوون شن هجمات ضد إسرائيل وفي منطقة القناة التى يريدها البريطانيون، رفضوا الشروط الأمريكية باعتبارها انتهاكا لسيادتهم وتوجهوا إلى السوفيات الأكثر تسامحا.
كان السوفيات في البداية يتعالون في التعامل مع ما يخص الضباط الأحرار، إذ اعتبرت طبعة عام 1952 من دائرة المعارف السوفياتية الكبرى مجلس قيادة الثورة “تجمعا للبرجوازية الصغيرة الرجعية يخدم مصالح الأمريكيين”، ولكن نيكيتا خروتشيف نبذ تلك الإعتراضات التافهة المغالية في التمسك بالمذهب، وبعد تأمين الدفع بكميات من القطن، قام بشحن صفقة أسلحة لمصر عام 1955 قيمتها 100 مليون دولار.
وهذه التحويلات السوفياتية الأولى من الأسلحة التشيكية إلى مصر سرعان ما تبعتها طائرات الميغ والقاذفات النفاثة من طراز إليوشن والدبابات الروسية، وقد مثلت تغيرًا مفاجئا كاملا في منهج موسكو تجاه الشرق الأوسط.

( نقلا عن صحيفة البوابة المصري)
يتبع…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق