ما هي أسباب تقديم الجزائر موعد الانتخابات الرئاسية؟
إعداد صبرين العجرودي: قسم الدراسات والبحوث الإستراتجية والعلاقات الدولية 05-04-2024
هل قطع الرئيس تبون الطرق أمام المزايدات الخارجية والداخلية بتقديم موعد الإنتخابات الرئاسية في الجزائر؟
بذكاء وحنكة سياسية كبيرة قطع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أبواب المؤامرات والجدل والمزايدات، فقد أعلن في 21 من شهر مارس الماضي عن موعد الانتخابات التي ستجريها بلاده، مقرّرا تأجيل الانتخابات بحوالي تلاث أشهر قبل انتهاء ولايته الرئاسية الأولى.
كانت هذه الخطوة مفاجئة بالنسبة لمراقبي الشأن السياسي في الجزائر خاصّة وقد جاء هذا القرار في بيان صادر عن الرئاسة الجزائرية دون ذكر أي أسباب واضحة لتقديم تاريخ الانتخابات، حيث كان مقرّرا إجرائها في شهر ديسمبر القادم، وأصبحت وفقا للبيان في السابع من شهر سبتمبر.
كما أشارت مصادر الى أنّ الرئيس تبون كان قد أعلن عن قراره بشأن تأجيل الانتخابات في موعد مبكر بعد حضوره اجتماع مع المجلس الشعبي الوطني وهي الغرفة الأولى للبرلمان الى جانب رئيس مجلس الأمة ممثّلة الغرفة الثانية للبرلمان، ورئيس المحكمة الدستورية ورئيس الوزراء.
فما هي الأسباب التي يمكن من خلالها تفسير قرار الرئيس غير المتوقّع؟
خطوة استباقية بشأن الجدل القائم حول إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية في الجزائر
شهدت الفترة الأخيرة جدلا سياسيا واسعا حول إمكانية تأجيل العملية الانتخابية الخاصة بالرئاسة في الجزائر، وأشار مراقبون أنّ قرار الرئيس تبون حول تقديم موعد الانتخابات بثلاثة أشهر جاء كرد على الجدل القائم حول التأجيل، والذي نتبيّن بعد البيان أنّه لم يكن سوى مجرّد جدلا لا أساس له من الصّحة.
ويجدر الإشارة الى أنّ الرئيس تبون بإعلانه عن قراره كان يرد على جهات سياسية داخلية وأخرى خارجية، الى جانب بعض الوسائل الإعلامية في الداخل والخارج، سواء منها الإقليمية أوالدولية، ذلك بسبب أنّها كانت المسؤولة عن إثارة مسألة تأجيل الانتخابات الرئاسية لبث البلبلة و”التشويش” على الإستقرار الجزائري في مرحلة تعرف فيها الجزائر تطورا ونموا إقتصادي وإستثماري كبير.
ويأتي قرار التأجيل إذا كتأكيد لهذه الأطراف على استمرار بلاده في تكريس مسار الاستقرار السياسي والدستوري وأنها لن تنأى عن هذا المسار ولن تعود الى فتح الإشكاليات القديمة التي كلّفت البلاد كثيرا مثلما جرى خلال عهدة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، حيث دخلت البلاد في أجواء سياسية مشحونة كلّفها ما يطلق عليه “حراك 2019”.
تكريس مبدأ التداول الديمقراطي على السلطة
يعطي سعي الرئيس تبون لتقديم الانتخابات عن موعدها الأصلي دلالة على أنّ الرئيس “غير متمسّك بالسلطة” وغير متشبّث بمنصب الرئاسة ما لم تؤيد نتائج العملية الانتخابية الديمقراطية ذلك، بل أنّه على العكس من ذلك مستعد لترك منصب الرئاسة لغيره من خلال التأييد الشعبي، ويشير المحلّلون الى أنّ هذه الرسالة تستهدف حتى الدول الخارجية التي تسعى لتقديم صورة الرئيس الجزائري على انّه غير مستعد للتنازل على السلطة وأنّه حتى الانتخابات المقرّر إجرائها في شهر ديسمبر القادم لن تتم، لكنّ البيان الذي يقضي بتقديم هذه العملية السياسية كان ردّا قاسيا على هذه الأطراف الخارجية.
وما يؤيّد هذا التّوجه الذي يسير ضمنه الرئيس الجزائري هو عدم إشارته الى حد الآن إلى إمكانية الترشح الى عهدة ثانية وخوض انتخابات الرئاسة، حيث أشار الى ضرورة تأجيل الحديث عن هذا الموضوع، في الأثناء علّق بشأن قرار تقديمه موعد الانتخابات المحدّد “المنطق الأساسي لهذا التغيير هو أنّ شهر ديسمبر ليس التاريخ الحقيقي للانتخابات.
نعرف أنّه بعد استقالة الرئيس المرحوم عبد العزيز بوتفليقة، تولى الرئاسة رئيس مجلس الأمة وتم تجديد موعد الانتخابات لكن للأسف لم تحدث وتمّ تمددي المرحلة الانتقالية.
مشيرا إلى أنّ “الأسباب تقنية محضة ولا تؤثّر على سيرورة الانتخابات”، موضّحا أنّه “في سبتمبر يكون المواطن أكثر استعدادا للإدلاء بصوته بعد العطلة الصيفية، ويكون كل الناس قد رجعوا إلى الوطن” وبشأن الترشح قال الرئيس تبون أنّ “الوقت لم يحن بعد”.
كما أشارت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية في تفسيرها للدوافع التي تقف وراء تقديم موعد الانتخابات الرئاسية الى سببين رئيسيين للإجابة على مختلف الأسئلة حول، تمثّلا في التالي:
- “الإشارة الرسمية للخروج من أزمة حراك 2019”.
- “الدولة الجزائرية اليوم ليست في أزمة أو في حالة طوارئ، بل استعادت استقرارها”.
كسب الدعم الشعبي
من جهة أخرى، يشير مراقبون الى انّه بصرف النّظر عن الرسائل التي يريد تبون إيصالها لبعض الأطراف الخارجية منها والداخلية، بشأن أمن بلاده وسيرها في المسار الديمقراطي، فإنّه من الطبيعي أن يخدم ذلك أيضا المصالح السياسية للرئيس، خاصّة وأنّه كان من الممكن الرد على الأطراف التي تزعم إمكانية تأجيل الانتخابات في الجزائر بأن تجري العملية في موعدها دون اللجوء الى تقديمها بثلاثة أشهر، لكن قرار التقديم مع غياب أي مبرّرات كحصول أحداث سياسية سلبية أو توترات أخرى تعبّر عن نية تبون كما تمّ الإشارة الى ترشّحه الى لولاية رئاسية أخرى، رغم إصراره على تأجيل الحديث بشأن ذلك الى وقت آخر.
وتعبّر الخارطة السياسية الجزائرية وفقا لمصادر، عن مدى ضعف الأطراف السياسية الحالية في البلاد، على غرار الأحزاب السياسية الناشطة في الوضع الراهن، ويُذكر أنّ العديد من الشخصيات الحزبية أو المستقلة متردّدة حول إمكانية الترشح لهذه الانتخابات، والى جانب ذلك يتسم الوضع السياسي العام في الجزائر بالاستقرار، وهو ما يزيد في فرصة توجّه الدعم الانتخابي الشعبي للرئيس تبون ومطالبتهم بترشّحه مرّة ثانية، وهو ما يعني رغبة الرئيس في العودة الى السلطة لكن بالمرور نحو المسار الديمقراطي وكسب التأييد الشعبي.
أسباب تقنية أخرى
ذكر الرئيس تبون أنّ سبب تقديم الانتخابات الرئاسية تقف ورائه أسباب لا تعدوا إلاّ مجرّد إجراءات من أجل ضمان سير العملية الانتخابية في الظّروف المناسبة التي تضمن الإقبال الشعبي على الانتخابات في مناخ معتدل، وبالتالي فإنّ تقديم الانتخابات الى شهر سبتمبر سببه الابتعاد عن فصل الخريف والشتاء، وإجرائها بالتوازي مع انتهاء العطلة الصفية ورجوع الجزائريين المقيمين بالخارج الى البلاد، وبطبيعة الحال قبل انتهاء العام، حيث يرى الرئيس التبون أنّه من شأن الأحوال المناخية التأثير سلبا على السّير الفعّال للعملية الانتخابية والحملات الانتخابية خاصّة وذلك خلال عدد المشاركين في عملية الاقتراع الذي يمكن أن يكون غير كافي.
وضع حد للضغوط السياسية على المستوى الداخلي والخارجي
يشير خبراء سياسيون الى أنّ هناك نوع من الضغوط الموجّه ضدّ تبون سواء من أطراف داخلية أو خارجية، وفي هذا الإطار يأتي قرار تقديم موعد الانتخابات كمخرج لاستباق هذه الإكراهات والضغوط التي لا تريد وجود دولة الجزائر ضمن قائمة البلدان الديمقراطية التي يقع خلالها التداول الديمقراطي على السلطة، بالتالي وكما تمّ الإشارة تحاول هذه الأطراف “إرباك الأطراف الأخرى التي تحاول إعاقة التغيير” من خلال الضغط على الرئيس وتعطيله عن تطبيق أي سياسة من أجل التغيير، وقد ساعدت في ذلك سياسات تبون الخارجية، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، حيث تعرّضت لإخفاقات شديدة، أدّت بدورها الى تقوية هذه الضغوطات، مثلا تراجع دور الجزائر في الجوار الإقليمي، عبّرت عنه أزمة دول الجوار (مالي، النيجر، ليبيا).
وعلى المستوى الدولي، لا يخفى التوتر الكبير بين الجزائر وفرنسا، والذي بالرغم من مختلف المساعي الرامية لتحسينها إلاّ انّها لم تنجح في ذلك، ويُذكر أنّ هناك بعض البلدان الأوروبية التي تختلف الجزائر معها، على غرار اسبانيا، كذلك تفوّق المغرب في كسب المزيد من الدعم بشأن سياساتها تجاه قضية الصحراء. وأخيرا عدم نجاحها في كسب الدعم الروسي والصيني بشأن انضمامها للبريكس.