عقلية الغنيمة والفرص الضائعة على تونس
افتتاحية
تونس-19-2-2020-زهور المشرقي
تعثّر تشكيل حكومة تونسية جديدة منذ انتخابات السادس من أكتوبر الماضي في ظل تواصل الصراعات الحزبية الضيقة على المناصب وتوسعها في وقت تعاني البلاد أزمة اقتصادية خانقة واحتقانا اجتماعيا ينذر بمخاطر كبيرة .
ويبدو أن النظرة الحزبية الضيقة والحسابات المصلحية لأغلب الأحزاب أصابت المجتمع ب ‘قرف’ مما أدى إلى تراجع منسوب الثقة في النخبة السياسية التي لم تفلح منذ أحداث 2011 في وضع إستراتيجية لمواجهة المشاكل التي تتردى فيها تونس .
فشلت حكومة الحبيب الجملي بسبب العقلية الحزبية السائدة وفق منطق المغانم وتعثرت المشاورات التي يجريها المكلّف بتشكيل الحكومة الجديدة الثانية إلياس الفخفاخ في متاهات ممثالة ، منذ تكليفه في العشرين من يناير الماضي .
المتابعون للشأن المحلي التونسي ووسائل الإعلام المحلية ونشطاء في المجتمع المدني يُجمعون على إن من بين أسباب هذا التردي هو القانون الإنتخابي الأعرج وما أورده الدستور بخصوص النظام شبه البرلماني المشوه الذي فصّلته النهضة في 2011 على مقاسها ولطالما اعتبرته “الأفضل في العالم”!
وهنا تجد رؤية الرئيس قيس سعيّد إلى تغيير الدستور والقانون الإنتخابي، والتي تلتقي مع دعوات أخرى من قبل العديد من الأحزاب والمجتمع المدني، تجاوبا للخروج من الضبابية والتعثر الذين ميّزا الحياة السياسية في تونس منذ قرابة 10سنوات .
هذه الرؤية تؤكّدها عدة وقائع في متاجرة واضحة بالمناصب على غرار ما حدث في البرلمان من سياحة حزبية بالإنتقال من كتلة إلى أخرى ومن حزب إلى حزب أخر ‘ لمن يدفع أكثر’، وهي ظاهرة أنتجتها” عبقرية” بعض التونسيين الذين بمجرّد دخولهم البرلمان وحصولهم على الحصانة ينفصلون عن قواعدهم الشعبية التي طالما نافقوها وتغزّلوا بها لكسب أصواتها متناسين همومها ومطالبها .
يوم واحد يفصلنا عن انتهاء الأجال الدستورية لتشكيل الحكومة الجديدة في حين لاتزال المناورات وعمليات الأخذ والرد والكواليس مستمرّة بدون بوادر لتصاعد ” دخان أبيض ” يوحي بانفراج الأزمة التي تضاف إلى أزمات سابقة في مؤشر ينبئُ بنفاد صبر أغلب الشرائح الإجتماعية ما قد يدفعها إلى انتفاضة جديدة مثلما أوضح أمس أمين عام الإتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي ،محذرا من”ثورة الجياع”.
في هذه الأثناء كثر الحديث خيار الإنتخابات المبكرة التي هي مسألة على غاية من التعقيد بالنظر إلى الوضع الإقتصادي والإجتماعي المتأزم واستمرار الصراع بين رأسي السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية..علما أن عديد الأحزاب تحاول تجنب إعادة الإنتخابات التشريعية خشية فقدان الأصوات في ظل عزوف واضح عن التصويت سائد في عديد الأوساط الشعبية.