أخبار العالمإفريقيا

عذراً فخامة الرئيس

بقلم الكاتب الليبي / يوسف بن داوود


أنا المواطن الليبي الذي يعيش منذ عشر سنوات دمارَ وطنه ويحس بألم ووجع كل حبة تراب من ليبيا..أنا الليبي الذي يموت في اليوم ألف مرة وهو يشهد وطنه يباع ويهان، والأغراب تستبيحه وتغتصبه.. يتألم ولا يقدر على فعل شيء وهو يرى اللئام تحوم حول طعام الأيتام.

أنا المواطن الليبي الذي ينتظر مصيره ومصير وطنه يرسمه الأغراب والطامعون والعصابات، وأنا الذي ماتت أمه وأخوه وحبيبته بالقهر والغبن وبالسلاح الذي يشترى بمال الليبيين ليقتل الليبيين.

أنا المواطن الليبي الذي هجّرت عائلته وأصدقاؤه وخلاّنه، والذي سُجن وعذّب وسُحبت منه أمواله.. أنا المواطن الليبي الذي يُحاسَب بأشد أنواع العذاب، لأنني كنت موظفا أعمل في وطني وفي أجهزة الدولة الليبية، وكنت أؤمّن المواطن وأسهر على راحته.. أنا الليبي المواطن أرفع قلمي لأخاطب أبناء الوطن العربي وأبعث رسائل إلى حكام وسلاطين وأمراء ورؤساء هذا الوطن الكبير الذي أمنتُ به ولا زلت برغم انحرافاته،لأنني تربيت وتعلمت أن هذا الوطن ليس بعاقر وسيأتي الرجال من أرحام الحرائر من أجل تحرير العروبة المغتصبة.

سأكتب إلى زعماء العرب رسائل وأخاطب فيهم ما تبقي من انتماء..

أصحاب الجلالة والسمو.. أصحاب الفخامة والمعالي.. يطيب لنا أن نرفع إليكم أسمى آيات الشكر والتقدير من شعب ليبيا العظيم الذي قدّمتموه من مجلس جامعتكم العربية في سنة الإنقلابات الكونية، سنة 2011، إلى مجلس الرعب الدولي على طبق من ذهب، ليأمر حلف الأطلسي بأن يستبيح أرضنا ويقصف ويقتل ويشتت أبناء ليبيا الأحرار، لا لشيء إلا لأن كرهكم وبغضكم لشخص الراحل معمر القذافي جعلكم أدوات لا أكثر في أيدي القوى الإستعمارية وأجندة مشروع برنار ليفي “عرّاب الخراب العربي”، الذي صيغت فصوله الشيطانية منذ عام 1983م في غفلة منكم، ولم تتعضوا من تجربة العراق.

سأبدأ رسالتي إلى رئيس الجمهورية التونسية..تونس هذا الوطن القريب الحبيب، سأكتب إلى شعب تونس الخضراء وإلى من أختار لتمثيله.. وهذه رسالتي إليك يا رجل تونس الأول، وفيها ما يلي:

    ليبيا -السابع من جويلية 2020 

السيد رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد


تحية طيبة،


فخامة الرئيس قيس سعيد.. إن ليبيا بعد عقد من الزمن ، ذاق فيه الليبيون شتى صنوف العذاب و مورس عليهم كل فنون الإرهاب، إرهاب الدول وإرهاب التنظيمات الإسلاموية الإرهابية مدفوعة الأجر، نحن الليبيين الذين لم يغادروا أرض وطنهم وينتظرون الموت في كل يوم على تراب ليبيا الوطن الغالي، نأمل أن يسمح وقتك ويتسع صدرك للإطلاع على رسالتنا هذه، ولن نطيل عليك.

1- إن ليبيا وإن كانت فيها للقبيلة مكانة كبيرة، إلا أن المجتمع الليبي بعيد كل البعد عن مجتمع “اللويا جرغا” في أفغانستان، حيث لا مجال لتقوم القبائل بصياغة دستور في هذا القرن الــ 21 في حين أننا نأمل في مجتمع ليبي مدني يتنازل عن انتماءاته القبلية والعشائرية لصالح الدولة الوطنية على ركائز مدنية.

2- إن القبائل وشيوخها المزعومين لا يعدو كونهم ظواهر صوتية وأبواقا تعمل بنهج الدفع المسبق لمن يدفع أكثر، هذا ليس تجنياً عليهم وإنما واقع ملموس منذ عهد جماهيرية العقيد الراحل، فــجلهم دخل خيمة معمر القذافي مبايعاً بأحرف من دم، لينقلب على أعقابه في أقل من 72 ساعة، لا لشيء إلا لأنهم في جلهم لا يحكمون ولا يتحكمون حتى في منازلهم وأبنائهم.

3- فخامة الرئيس.. أملنا كبير في أن ينفتح مستشاروك على الواقع كما هو من خلال التحقيقات الميدانية والوقائع الموثقة التي يعيشها شعبنا منذ قرابة عشر سنوات من تشريد ونهب للثروات وخطف وتدمير وجريمة منظمة تهريبا وتجارةً بالبشر، بفعل تغول الميليشيات المسلحة التي لها الكلمة العليا في غرب البلاد والتي تحتمي بها جماعة”الإخوان”، ولا شك في أنكم تدركون ما آلت إليه الأوضاع باستقدام أكثر من 12 ألف مرتزق من سوريا كثيرون منهم ينتمون إلى تنظيم”داعش”الإرهابي وما يمثله أيضا وجود مقاتلين تونسيين في الغرب الليبي وبخاصة في مدينة صبراتة من خطر على الشقيقة تونس.

4- سيادة الرئيس:لا ندري إن كان مستشاروك قد أبلغوك بحقيقة المجلس الرئاسي الحالي في ليبيا الذي انتهت صلاحياته- وفق اتفاق الصخيرات ذاته- في 17 ديسمبر 2017،وأن هذا المجلس لم يتحصل على تزكية البرلمان الليبي المنتخب مباشرة من الشعب عام 2014. وهنا تحديدا نود أن نحيّي الموقف الذي عبّرت عنه بكل شجاعة في أثناء زيارتك إلى باريس مؤخرا من أن”شرعية الوفاق مؤقتة ولا بد من استبدالها”.فهذه”الشرعية”هي التي تم استغلالها لتوريط ليبيا في أتّون التدخل العسكري الإحتلالي التركي وجلب المرتزقة وإغراق البلاد بالسلاح.

5- إنصافك لنا-سيادة الرئيس- وأنت الذي تدافع عن قيم إنسانية نبيلة وتنحاز إلى الجموع الكادحة وتنادي بأن يكون القرار نابعا من الشعب لا من تمثيلية الأحزاب ذات المصالح الضيقة – هو انتصار للحق وللمغبونين الذين ذاقوا الأمرّين طيلة السنوات الماضية بفعل سطوة الميليشيات المسلحة واستغلال “شرعية” غير شرعية للتسلط على مقدرات شعبنا.. أملنا أن ترفع شعار:كفوا أذاكم عن ليبيا وشعبها وترابها”.

6- إن روابط القربى والأخوّة بين شعبي ليبيا وتونس ، تحتم علينا جمعياً – وأولنا أنت فخامة الرئيس -أن تكون تونس وقرارها السيادي ومواقفها الرسمية على مسافة واحدة من كل أطراف الأزمة الليبية، لتؤلف بين قلوب الليبيين حتى بعد زيغها.

7- سيذكر التاريخُ المحسنَ والمسيء، ونحن نؤمن بأن المستقبل للدول القائمة على مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وليس للميليشيات وعصابات الإجرام والتهريب، وعلى ثقة بأن الأزمة والإقتتال بين أبناء الوطن الواحد لن يستمرّا إلى الأبد، وحتماً سيلقي الكل أسلحتهم ويحتكمون إلى كلمة سواء يأخذ فيها ومنها كل ذي حق حقه، ولهذا نكرر لنقول -سيادة الرئيس- وأنت رجل القانون قبل أن تكون حاكم قرطاج، إن الشعب الليبي كذلك هو يريد ،،، الشعب الليبي يريد منكم فخامة الرئيس موقفاً تصدح به بالحق وللحق وأن لا تسمحوا بمن تسول له نفسه الإصطفاف وراء من يريد مزيدا من معاناة الليبيين أو الإساءة إلى العلاقات المصيرية بين أبناء الشعب الواحد في تونس وليبيا .. ويحدونا أمل كبير في قدرتكم على إطلاق مبادرة تاريخية لحقن دماء الليبيين بعيداً عن حسابات الربح والخسارة .

أرجو أن لا أكون قد أطلت عليكم وشكراً فخامة الرئيس، وشكراً لشعب تونس الخضراء الرائعة العظيمة.. العظيمة بمدنيتها وقانونها وديمقراطيتها،وحضارة قرطاج والزيتونة والقيروان، الرائدة في المنطقة والإقليم.


من مواطن ليبي يعيش مأساة وطنه ويكتب بدموع من دم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق