أخبار العالمبحوث ودراسات

صراع الأقطاب العالمية في السودان

هديل بن عمر: متربصة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس

المقدمة:

مع اندلاع الثورة والتحرر من اغلال المستعمر البريطاني سنة 1955ظن السودان أنه سيعيش السلام. الا انه ومنذ ذلك الحين، ما فتئت عمليات الانقلاب العسكري والمعارك الدامية تتالى خاصة بين جنوب وشمال البلاد.

لعل من أبرز عمليات الانقلاب العسكري التي شهدها السودان هي احداث ثورة 11 ابريل 2019 التي انهت ثلاثين سنة من الحكم الديكتاتوري والمجازر المرتكبة في حق الشعب السوداني، حيث أطاحت هذه الثورة بصاحب أطول فترة حكم في تاريخ السودان الحديث “عمر حسن احمد البشير” انجحها مكر وغدر حاشيته التي جمعها لحماية حكمه من الأُفول.

 مؤامرة خططت لها القوات المسلحة السودانية بقيادة “عبد الفتاح البرهان” وقوات الدعم السريع المتكونة من ميليشيات بقيادة “محمد حمدان دقلو” او “حمديتي”.

غير ان علاقة التحالف هاته لم تدم طويلا، حيث نشبت خلافات حادة بين القوتين العسكريتين بداية من عدم توصلهما الى اتفاق حول قرار ادماج قوات الدعم السريع في قوات الجيش وحول توقيت وضع الجيش رسميا تحت سيطرة القوى المدنية.

ومع حلول يوم 15أبريل 2023، استيقظ الشعب السوداني على دوي القصف والطلقات النارية نتيجة اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم وما جاورها.

أثار هذا النزاع الداخلي مخاوف دول الجوار على غرار مصر، التشاد وليبيا حول كونه مهددا لأمنهم القومي. ولكن هذه الفوضى تخلق فرصة استراتيجية مثالية لتموقع القوى العالمية في الساحة السودانية، خاصة وان السودان الملقب ب”سلة غذاء العرب” يتوفر على ثروات طبيعية ومنجمية هائلة فضلا عن جغرافيته المميزة التي تجعله ممرا استراتيجيا نحو البحر الأحمر.

  • ماهي أسباب الصراع المسلح في السودان؟
  • ماهي الغايات المخفية للأطراف المتنازعة؟
  • فيم تتمثل مواقف الأطراف السياسية السودانية؟
  • ماهي انعكاسات هذا الصراع على الشعب السوداني وعلى دول الجوار؟
  • وكيف يتجاوز هذا الصراع حدوده الإقليمية ليثير اهتمام القوى العالمية؟

نحو انتقال ديمقراطي وهمي: الأطراف المتصارعة والغايات المنشودة:

مع انتهاء الحرب الدامية بدارفور، انقسمت السودان سنة 2011 الى السودان وجنوب السودان، الدولة التي ولدت من رحم ويلات حرب اهلية، لكن هذا الاستقلال كلف السودان 75% من احتياطيات النفط الموجودة في الجنوب مما تسبب في ارتفاع نسبة التضخم خاصة في أسعار المواد الغذائية وأدى الى حالة من العجز المالي في حكومة البشير الذي لم يعد قادرا على مواصلة سياسات تكريمه ورشوته للنخبة السياسية في الجيش، مما يفسر سبب الانقلاب عليه إضافة الى الثورة التي قادها شعب السودان الجائع والمفقر.

ان تفاقم الاشتباكات المسلحة بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع في الآونة الأخيرة لم يتم بصفة مفاجئة، بل كان نتيجة تسلسل لاتهامات متعددة من كلى الطرفين خدمة لمصالحهم الشخصية والتي من شانها ان تلمع صورتهم امام القوى المدنية، خاصة بعد حل مجلس السيادة الذي تكون من عسكريين ومدنيين واقالة الحكومة الانتقالية للرئيس عبد الله حمدوك في 25 أكتوبر 2021.

وبدء السباق نحو إقامة التحالفات بينهما وبين القوات المدنية المنقسمة بدورها، فالحميدتي سبق وان أعلن دعمه لمطلب نقل السلطة كاملة الى القوى المدنية، كما قام بانتقاد الانقلاب على الحكومة الانتقالية مصرحا انه كان “خطئا” كونه “بوابة لعودة النظام السابق”، أي عودة مؤيدي الرئيس السابق البشير من الإسلاميين الذين نجحو في استعادة مكانتهم السياسية على الساحة السودانية خاصة في ظل وجود عملائهم من الضباط العسكريين الذين حالوا دون إتمام العملية الانتقالية سابقا.

ردا على ذلك، اتهم البرهان بدوره قوات الدعم المسلحة بكونها تتحرك مستقلة متجاهلة اوامرالجيش مما يفرض ضرورة ادماجها في القوات المسلحة السودانية. فكرة الدمج هاته كانت القشة التي قسمت ظهر البعير حيث اعتبرتها قوات الدعم المسلحة تهديدا لسيادتها وحدا من سلطتها ولهذا سارعت في بناء تحالفات مع القوى السياسية المدنية وتبني مطالبها والدفاع عنها في ورشات الاتفاق الإطاري الذي وقع بين الطرفين العسكري والمدني بوساطة دولية وإقليمية في الخامس من ديسمبر 2022، خاصة المطالب المتعلقة بإدراج بند ينص على ضرورة تشكيل حكومة مدنية تتزعم الجيش وتقصيه من الحياة السياسية وتجرده من موارده الاقتصادية المستقلة عن الحكومة مانعة أي نشاط تجاري او استثماري للجيش مادام لا يتعلق بالتصنيع الحربي والمهمات العسكرية، إضافة الى تجريده من مهمة الاشراف على شركاته وتحويلها الى وزارة المالية.

 اعتبر البرهان بدوره خطوة كهذه تحديا لهيمنة الجيش السوداني وتهديدا لا يستهان به ولم يدعم الجيش ما توصل اليه الاتفاق الاطاري  الذي اعتبره وسيلة للاستقواء عليه، متشبثا بالفقرة (3) من بند القوات المسلحة التي تجيز لمجلس الوزراء إشراك القوات المسلحة في مهمّاتٍ ذات طبيعة غير عسكرية.

ثم اشترط البرهان ادراج قوات الدعم السريع في مدة لا تتجاوز سنتان على اقصى تقدير مقابل القبول بتمرير السلطة الى القوى المدنية، ولكن حميدتي رفض واقترح بدوره ان تتم عملية الادماج في فترة لا تقل عن عشر سنوات.

وبذلكيبقى الجنرالان على طرفي نقيض مما يشعل فتيلة الحرب بينهما لتندلع اشتباكات مسلحة وعنيفة في العاصمة الخرطوم 15 نيسان/ أبريل 2023مسفرة عن مقتل 300 مدني وسقوط 3000 جرحى بعد خمسة أيام فقط بحسب منظمة الصحة العالمية.

ولكن ما يحدث في السودان لا يقع على عاتق الجنرالان البرهان وحميدتي فحسب، اذ تعتبر “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان” المتعاونة مع واشنطن والتي ترأسها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة “فولكر بيرتس” بداية من سنة 2021، مسؤولة عن اندلاع هذه الاشتباكات كونها فشلت في تمرير العملية الانتقالية الديمقراطية.

تم رفض واتهام الألماني “فولكر بيرتس” من قبل “لجان المقاومة “كونه يضفي شرعية دولية على الانقلابيين لحسن علاقته بحميدتي والتهاون في معاملته مع أطراف النزاع اثناء سعيه الدائم لجمعهم على طاولة التفاوض.

نظرا لتزامن الاحداث والتوقيت المثالي لتحركات البعثة الأممية في السودان فمن المنطقي ان نعتبر فشل البعثة الأممية في تحقيق العملية الانتقالية نجاحا في حقيقة الامر,كونه يخفي مخططا متكاملا للتشبيك بين الجنرالان عن قصد والتسبب في حرب أهلية من خلال ما يدعى بال”اتفاق الاطاري”.

مواقف التيارات السياسية السودانية:

يعتبر البحث في مواقف التيارات السياسية بالسودان بالغ الأهمية حيث يتسنى لنا كشف الحاضنة السياسية لكل طرف من أطراف الصراع القائم. تنوعت المواقف من مؤيدين ومعارضين لحالة الحرب الاهلية الراهنة; نجد مثلا في صفوف” قوى الحرية والتغيير -المجلس المركزي”،” قوى الحرية والتغيير-الكتلة الديمقراطية”،” اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني “و”تنسيقات لجان المقاومة-الخرطوم “حالة رفض للحرب ودعوة مستمرة لوقف القتال والعودة الى طاولة الحوار والتفاوض مع ضرورة اخراج الجيش والميليشيات من المدن.

 نجد أيضا “تحالف قوى التغيير الجذري” التي ترفض الانحياز وتستنكر التحركات العسكرية لكلى الطرفين على حد السواء نظرا لاعتبارهم دمى متحركة تتحكم بها قوى إقليمية ودولية. يأتي في هذا السياق وصف رئيس “التيار الإسلامي العريض” محمد علي الجزولي على صفحته الرسمية بفيسبوك قوات الدعم السريع ب “وكلاء المشروع الأجنبي” وتعليق الأمين العام “لحركة المستقبل للإصلاح والتنمية” هشام عثمان الشواني كونهم يخوضون “معركة ضد المشروع والمخطط الأجنبي لتفكيك البلاد وقوات الشعب المسلحة” جنبا الى جنب مع قوات البرهان.

بينما يرجع “التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية ” سبب الازمة الى الاتفاق الاطاري الذي لا يمثل أساسا مصالح جميع القوى السياسية في البلاد.ختاما,تنقسم مواقف “القوى المدنية” حسب معيار وحيد وهو التوقيع على الاتفاق الاطاري من غيره، وليس وفقا لإيديولوجيا وانتماءات الطرف الاخر(علمانية-دينية/يسار-يمين).

انعكاسات الصراع على الشعب السوداني:

يدفع شعب السودان ضريبة الحرب القائمة بين القوتين العسكريتين في البلاد، حيث سجلت احصائيات كل من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مقتل أكثر من 450 مدني وسقوط أكثر من 4000 جريح ناهيك عن خروج ما يقارب 20 مستشفى عن الخدمة بسبب نقص في المعدات الطبية والطاقم الطبي إزاء اعداد متزايدة من الضحايا إضافة الى ضغط الميليشيات التي تستغل هذه المنشآت في عملياتها المسلحة.

كما اضطر الاف السودانيين الى الفرار نحو مناطق أكثر امانا داخل السودان وخارجها، هي اعداد مهولة من المهاجرين تطرح ضرورة تدخل المجتمع الدولي في تقديم المساعدات خاصة للدول المستقبلة العاجزة كمصر والتشاد.

تعاني النساء السودانيات أيضا من هذا الصراع المسلح اذ تعتبرن أضعف حلقة في المجتمع، وقد اتهم حميدتي باستعماله للاغتصاب أداة في الحرب منذ الصراع السابق في دارفور، نظرا للانتهاكات المتواصلة التي ترتكبها قوى الجنجاويد التابعة له في حق النساء والأطفال.

ناهيك عن شبح الجوع الذي يواجهه الشعب السوداني في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية وقلتها نتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج، وضعف سعر الصرف، وارتفاع الأسعار الدولية للأغذية، مما يسهم في استمرار ارتفاع معدلات التضخم في البلد.

 التهديدات التي تواجهها دول الجوار:

ان ما يحدث في السودان يتخطى كونه شئنا داخليا لا دخل لبقية الدول فيه، حيث تتجاوز تداعيات هذا الصراع حدوده الإقليمية لتطئ بقية الدول المجاورة.

 مصر اولهمكونها تعاني من موجات هجرة بأعداد هائلة خاصة مع صعوبة مجاراة ما تتطلبه الهجرة الإنسانية من تدابير امنية وتوفير لمخيمات وحاجيات اللاجئين. ولكن الأخطر من غزو المهاجرين، هو تواجد الحليف الأول والواسطة بين مصر واثيوبيا فيم يخص قضية تعبئة سد النهضة الاثيوبي على حافة الانهيار، مما يفسر تحركات مصر نحو إرساء السلم في السودان من خلال عرض الوساطة لوقف القتال والدعوة الى اجتماع طارئ لجمعية الدول العربية بموافقة من السعودية، وهي محاولات لإنقاذ امنها المائي والقومي خاصة وأنها تعاني أساسا من انتشار الجماعات الإرهابية على الحدود الجنوبية.

 اما بالنسبة لأثيوبيا، فهذه الأوضاع الفوضوية تخلق فرصة مثالية لتسريع عملية التعبئة الرابعة لسد النهضة، حسب الجيولوجي المصري د. عباس شراقي.

 اما في ليبيا فان هذا الصراع لا يزيد وضع البلاد الا مزيدا من الفوضى والانقسام، خاصة فيم يتعلق بملف المرتزقة السودانيين المتواجدين بكثرة في المنطقة الجنوبية الغربية “فزان” والذي كان من المتفق عليه بين الدولتين اعادتهم الى موطنهم الأصلي نظرا لأعدادهم المهولة والتي تقدر بأكثر من 10 الاف مرتزق ناهيك عن أولئك المسجونين القادرون على الفرار بغية المشاركة في الاشتباكات المسلحة الحالية في السودان. اضافة الى ذلك، إمكانية مشاركة الجماعات الإرهابية الليبية المتمركزة بكثرة على الحدود الجنوبية في الصراع السوداني يزيد من خطورة الوضع خاصة مع سهولة تهريب البشر والأسلحة والتي من شانها ان تهدد سلامة المنشآت النفطية التي يرتكز عليها الاقتصاد الليبي المتداعي,ناهيك عن موجات الهجرة اللانظامية التي تجعل من ليبيا ممرا بين السودان والقارة العجوز ليتحطم بذلك مفهوم “الدولة” وتتلاشى هيمنتها على مجالها الحيوي، وتغدو ليبيا رقعة جغرافية بلا حدود حقيقية، آيلة الى الاندثار…

اما التشاد، فهو بلا شك ضد حالة الحرب على الأراضي السودانية كونه يواجه بالفعل حالة امنية هشة متداعية مما يجعل حدوده سهلة الاختراق من قبل الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة السودانية الباحثة عن ملاذ امن للتخطيط والتزود بمزيد من الأسلحة خاصة في حالة انتصار قوات الدعم السريع حيث تصبح منطقة دارفور منفذا للمتمردين العرب المعاديين للحكومة التشادية، خاصة مع بداية وحف الصراع نحو هذه المنطقة مؤخرا.

 ناهيك عن دور التشاد المهم في الحفاظ على أمن المنطقة ومراقبة الجماعات الإرهابية، والذي سيكون اضعافه ذا تأثير كبير على استراتيجياته المعتمدة التي ستحتاج التعديل.

البلاد التونسية بدورها معنية بهذا الصراع كونه سيتسبب في هجرة اعداد مهولة من الفارين من الحرب، لكنها لا تبدو مستعدة نظرا لعجزها على التعامل مع الأعداد  المتدفقة لأفارقة جنوب الصحراء في الأشهر الأخيرة ومواجهتها لمعادلة مهددة للسيادة الوطنية اقترحها الاتحاد الأوروبي والتي تكمن في إقامة مخيمات لاستقبال اللاجئين مقابل اقراضها لتخطي الازمة المالية الحادة التي تمر بها البلاد.

لماذا السودان؟

من المفارقات العجيبة كون السودان يعاني من ديون بقيمة 56 مليار دولار وتضخم سنوي يتجاوز 58% بل ونقص حاد في النقد الأجنبي بالبنك المركزي. ناهيك عن نسبة البطالة المرتفعة،العجز عن تلبية الاكتفاء الغذائي الذاتي والفقر المدقع الذي يعيشه نصف سكانه.

في حين انه يقع في أحد أكثر المواقع الجغرافية استراتيجية، فهو في الجزء الشمالي الشرقي للقارة الافريقية مما يجعله جسرا استراتيجيا بين كل من مصر التي تحده من الشمال، اثيوبيا واريتريا وجنوب السودان من الجنوب والبحر الأحمر من الشمال الشرقي وليبيا من الشمال الغربي. اضافة الى كونه نقطة انطلاق لمنطقة القرن الافريقي وامتلاكه لساحل طوله يقارب 750 كم يطل على البحر الأحمر الذي يعتبر أحد اهم الممرات التجارية البحرية في العالم.

كما تثبت الاحصائيات توفره على ثروات طبيعية هائلة من مساحات أرضية صالحة للزراعة تقدر بأكثر من 50 مليون فدان وقادرة على اطعام مليار شخص حسب الأمم المتحدة. إضافة الى ثروة حيوانية تقدر ب 150 مليون رأس وثروة مائية تقدر ب 433 مليار ونصف مليار متر مكعب مصدرها الامطار والمياه الجوفية ونهر النيل بفرعيه الأزرق والأبيض اللذان يلتقيان في العاصمة الخرطوم.

يبلغ احتياطي النفط في السودان 65.4 مليون برميل ويقدر احتياطي الغاز الطبيعي ب 300 مليار قدم مكعب، ولعل من اغنى المناطق طاقيا هي دارفور، كردفان، المناطق الصحراوية في الشمال الغربي، وحوض النيل الأزرق ومنطقة البحر الأحمر.

ويملك ثالث أكبر احتياطي لليورانيوم الخام في العالم يقدرب1.5 مليون طن,وهوالمكون الرئيسي في بناء المفاعلات النووية التي صارت معيار قوة وتفوق استراتيجي للدول.

اذن لم السودان? لماذا يجوع شعب ويشرد في كل الانحاء رغم الكنوز العظيمة التي يحتويها وطنه?

ان الجواب على هذا السؤال يكمن في السؤال ذاته، اذ ان السبب وراء كل هذه الفوضى هي ثروات هذا الوطن وموقعه الاستراتيجي بالغ الأهمية. فان تتبعنا خريطة الصراعات في العالم وخاصة في القارة الافريقية لوجدنا انها تحدث حيثما توفرت الثروات الطبيعية وخاصة الطاقية. ان استغلال القوى العالمية لثروات القارة الافريقية لم يكن ليكون ممكنا لولا فساد النخب الحاكمة وتفاقم الفتن الداخلية التي زرعتها وعملت على استمرارها…

 صراع الأقطاب العالمية في السودان:

مع تلاشي مفهوم القوة المركزية الواحدة الحاكمة للعالم وتعدد الأقطاب زادت حدة التنافس على المجالات الحيوية الاستراتيجية، لذلك تتغلغل القوى العالمية وتتموضع جغراسياسيا في القارة الافريقية.

اثارت الأوضاع السودانية اهتمام القوى الإقليمية العربية أيضا، على غرار مصر التي اتهمها حميدتي بالتحالف مع الجيش السوداني ومده بالأسلحة، والسعودية التي لعبت دورا في احتضانها للمفاوضات ودعوتها لهدنة إنسانية ووقف التصعيد بين القوتين العسكريتين، معززة بذلك طموحاتها المتمثلة في قيادة القاطرة العربية وتحوير الخريطة الجغراسياسية للعالم العربي.

اما الكيان الصهيوني، فهو يعمل جاهدا على وقف الصراع حتى يتم ابرام اتفاقية السلم مع السودان التي تأجلت بحكم سقوط حكومة عبد الله حمدوك السابقة وخروج الوضع السياسي عن السيطرة.

اذ لم ينحاز الى جانب دون الاخر،اذ اتصلت وزارة الخارجية الإسرائيلية بالبرهان، بينما كانت وكالة المخابرات الإسرائيلية الموساد على اتصال بحميدتي لتوضيح قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب.

ويشكل هذا الصراع أساسا فرصة للكيان المحتل لفرض هيمنته على البحر الأحمر وثرواته النفطية والغازية والذي سبق وان اقام فيه مناورات بحرية أمريكية-إسرائيلية. ناهيك عن ثروات اليورانيوم السودانية اللازمة لبناء مفاعلات نووية، فتحركات اسرائيل كلها تفضي الى نتيجة واحدة، هي تحقيقها للتفوق الاستراتيجي في المنطقة، طموح نابع من الخوف والاقتناع بكونها ضحية مهددة منذ فجر التاريخ.  

اليوم، تفقد دول القارة الأوروبية والولايات المتحدة الامريكية سيطرتها على أراضي القارة السمراء امام التنين الاسيوي والدب الروسي.

فالصين، بسياساتها الناعمة المتمثلة في الاستثمارات والقروض السخية لدول القارة الافريقية تشكل خصما لدودا للولايات المتحدة الامريكية. ولكن ترى العديد من الدول في التعامل مع الصين فرصة للاستفادة المتبادلة اذ تتميز الصين بسياسة”الاخذ والعطاء  The win-win policy”.

ان ما يفسر اهتمام روسيا بالقارة الأفريقية في السنوات الاخيرة هي طموحاتها التوسعية خاصة في المجال البحري الذي تفتقر له بسبب جغرافيتها. ويتجلى دور روسيا خاصة في توفيرها للأسلحة للأطراف المتنازعة في أكثر البقاع توترا على غرار ليبيا، مالي، جمهورية افريقيا الوسطى وحتى السودان من خلال قواتها الخاصة “فاغنر Wagner” التي تربطها علاقات مصلحة مع قائد قوات الدعم السريع حميدتي، حيث تتحقق معادلة الأسلحة مقابل الذهب بواسطة القوى الليبية التابعة لحفتر. هذا الأخير الملقب ب”رجل الذهب والصفقات الغامضة” قد نجح في بناء ثروة من تهريب الذهب الى روسيا وكذلك الامارات، متسببا بذلك في ضياع ثروات السودان طبعا هذه المعلومات من وسائل اعلام غربية وأمريكية…

كما ناقشت موسكو سنة 2017 اتفاقا حول بناء قاعدة عسكرية روسية في المنفذ البحري الاستراتيجي الذي يتوسط ساحل البحر الأحمر “بورتسودان” مع الرئيس السابق البشير وتمت الموافقة عليه.

يدور الاتفاق حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية مقابل توفير الأسلحة والمعدات العسكرية اللازمة للسودان. يثير هذا الاتفاق مخاوف الولايات المتحدة الامريكية حيث سبق ان حذرت الخرطوم من إعادة النظر فيه كونه سيسمح للقوى الروسية بالتمركز في البحر الأحمر ومنه في المحيط الهندي مما يمنحها قوة تأثير على المنطقة، وخطوة أولى لبناء أكثر من قاعدة عسكرية مستقبلا.

 ولكن الجيش السوداني قد أنهى مراجعة الاتفاق في الآونة الأخيرة واعتبره حميدتي خيارا مناسبا خصوصا لكونه ضامنا لأمن وسلامة الشعب السوداني.

يبقى السؤال مطروحا:

هل ستنجح روسيا في بناء هذه القاعدة خاصة في غياب حكومة مدنية في السودان ؟

وهل ستنشغل روسيا عن القضية السودانية في ظل ما يحدث الان من تمرد لمجموعة “فاغنر” وتحركات اوكرانيا ؟

خاتمة:

ان الصراع السوداني الحالي لا يكشف أي احتمالية للانفراج وتحقيق السلام،اذ تتعقد الأوضاع وتزيد فوضوية يوما بعد يوم مع احتداد الفتن بين القوتين العسكريتين للبلاد. بات حلم الديمقراطية وهما بالنسبة الى الشعب السوداني، يطارده عبثا املا في حياة أفضل، خاصة في ظل فساد النخبة الحاكمة وتواطؤها في إنجاح المخططات الأجنبية على حسابه.

وتستمر بذلك القوى العالمية في تهيئة ربيع عربي جديد بخطط محكمة تناسب خصوصيات كل دولة…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق