أخبار العالمإفريقيا

“إندبندنت”البريطانية:عشر سنين من”الخريف والشتاء” في”الربيع”

لندن-بريطانيا-09-12-2020


كان رئيس الوزراء البريطاني الراحل هارولد ويلسون يقول “أسبوع في السياسة زمن طويل”، لكن عشر سنين من الإنتفاضات الشعبية في عدد من الدول العربية تبدو كأنها زمن قصير.. فلا الإنتفاضات انتهت، ولا ما قادت إليه من أوضاع هو ما بدأت به وطالبت بتحقيقه تحت شعار مختصر “عيش، كرامة، حرية”.


في 17 ديسمبر 2010، أقدم بائع الخضار على عربة، محمد البوعزيزي، على إحراق نفسه..كانت تلك الحادثة الشرارة التي أشعلت الأوضاع في تونس وأدت إلى سقوط النظام، ثم امتدت النار إلى ليبيا ومصر وسوريا واليمن، قبل أن تلحق بها متأخرة ثورة سلمية شعبية في الجزائر والسودان، ثم في لبنان والعراق.


غير أن ما قاد إلى كل ذلك ليس انتحار الرجل بل كون أن الظروف صارت ناضجة للإنتفاضات بحسب المبدإ الديالكتيكي الماركسي القائل إن “التراكم الكمّي البطيء يؤدي إلى تحوّل كيفي سريع”.تيارات الإسلام السياسي المتطرفة جاهزة لركوب الموجة المطالِبة بالحريات، ثم حرفها لإقامة أنظمة فاشية باسم الدين وممارسة الإرهاب على طريقة “القاعدة” و”داعش”.

والقوى الإقليمية والدولية حاضرة لتوظيف الإنتفاضات في خدمة مصالحها.

الرئيس التركي أردوغان رأى فرصة لزيادة النفوذ السياسي والتوسع العسكري وحصد المنافع الإقتصادية وتركيز “العثمانية الجديدة”.

الرئيس فلاديمير بوتين جاءته فرصة لاستعادة دور روسيا كقوة عالمية، والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لعب ورقة دعم “الإخوان المسلمين” وإقامة توازن بين قوة سنية بقيادة “الإخوان” في مصر وتونس وسوريا تحت زعامة أردوغان وبين قوة شيعية بقيادة إيران. لكن الصورة مخيفة بعد عشر سنين من ثورات ما سُمّي “الربيع العربي” على غرار “ربيع الشعوب” في أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر.

الثورات الأوروبية فشلت وعادت الأنظمة القديمة إلى أسوإ ما كانت عليه.. “الثورات” العربية تعثرت وفشلت، حتى تونس التي كانت الإستثناء، فإن النظام الذي يديره تحالف حركة “النهضة” الإسلامية وعدد من الأحزاب العلمانية عجز عن تحسين الوضع الإقتصادي وأدى إلى انحباسات سياسية، بحيث ترتفع الدعوات حالياً للعودة من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.

في مصر استردّ الجيش أمانته. ف

ي ليبيا حرب أهلية مدعومة بقوى إقليمية ودولية تحول عملياً دون اتفاق الليبيين وتمركز في البلد 20 ألف مرتزق، بحسب إحصاءات البعثة الدولية.

في اليمن حرب أهلية.
في سوريا تقاسم نفوذ بين روسيا وأمريكا وإيران وتركيا والنظام والكرد والتنظيمات الإرهابية، مع “حرية” إسرائيل في القصف. في الجزائر بقي الجيش هو الحاكم الفعلي.

في السودان تحديات هائلة وتحالف هش بين العسكر والمدنيين.

في العراق تتعرّض الإنتفاضة للرصاص حيناً والقمع حيناً آخر، وتتكاثر اغتيالات الناشطين وهجمات “الحشد الإيراني” للسيطرة على الشارع بعد السلطة. وفي لبنان أزمة مستمرة تهدد البلد بالإنهيار الكامل حتى “الزوال”.

يقول جورج لوسن من جامعة كامبريدج في كتاب “تشريح الثورة” إن الثورات “ليست دائماً أحداثاً في اضطراب سياسي، فهي لصيقة تغييرات اجتماعية عميقة”.

وتلك هي المشكلة في ثورات “الربيع العربي”، إذ إنها، حيث نجحت، أقامت “سلطة مكان سلطة” وفشلت في تغيير المجتمع وضمان الحياة الكريمة والتقدم والحق في الحرية والسعادة.

أما حيث لم تنجح، فإنها تركت البلدان في فوضى وخسائر هائلة.

حتى أن أحد قادة حركة “النهضة” بتونس حمادي الجبالي الذي استقال وترك الحركة، سارع إلى القول حين صار رئيساً للحكومة “نحن في الخلافة الراشدة السادسة”.. الشعوب حائرة بين حلم المستقبل المضيء وبين واقعها المفروض بقوة مَن سمّاهم نيتشه “مرضى تخمة التاريخ”.

عشر سنين من “الشتاء والخريف” في “الربيع العربي” والمأساة هي أن ينطبق علينا قول بول فاليري: “الثورة تنجز في يومين عمل مئة سنة، وتخسر في سنة إنجاز خمسة قرون”!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق