إفريقيا

تنظيم الإخوان يستغل الثروات السودانية والبشير يفتح خزائن السودان للإخوان

الدكتورة بدرة قعلول:مركز الدرسات الامنية والاستراتيجية

دبر حسن الترابي إلى انقلاب في السودان و نفذه عمر البشير سنة 1989، و فعلا تمت العملية بنجاح و انقلاب عمر البشير على نظام الحكم في السودان، وعلى النظام السائد آن ذاك.

“كانت الجبهة الإسلامية القومية” حينها تستعد للانقلاب و تدرك أنها ستكون في سدة الحكم لان الرأس المدبر آن ذاك هو قائدهم حسن الترابي، و فعلا وصلوا إلى الحكم و تغلغلوا داخل مفاصل الدولة و قلبوها و احتكروا البنية الاقتصادية لأنهم كانوا يدركون تماما ان التحكم في الشعوب و السيطرة عليهم يأتي من التحكم في الاقتصاد، و فعلا حكم عمر البشير أكثر من ثلاثة عقود بالحديد و النار لكن في افريل  2019 انفجر الشعب السوداني و قال كلمته و وضع زعيم الإخوان بالسجن و بدأت الدائرة تدور على تنظيم الإخوان في كامل العالم العربي و قال الشعب السوداني لهم شكر الله سعيكم إن دوركم و مهامكم قد انتهت.

فكيف كان عمر البشير يغتصب أموال السودانيين من اجل تنظيم الإخوان؟

بداية الجريمة المالية : تغيير العملة والتمكن من الكتلة النقدية

1991 بدأت العملية المؤثرة في الاقتصاد، حين اخذ البشير قرارا بتغيير العملة في طبعة جديدة من (الجنيه) إلى (الدينار). واستهدف القرار جمع السيولة المتداولة خارج النظام المصرفي وإدخالها إلى المصارف.

وبإجراءات تبديل العملة نجحت حكومة الإخوان في التمكن من الكتلة النقدية، وفي الوقت نفسه محاربة النظام الاقتصادي الموجود في البلاد، الأمر الذي أقصى غير الموالين من المنافسة الاقتصادية وأصابهم بالإفلاس، حيث اختفت أو تراجعت أسماء اقتصادية لامعة، مثل الشيخ مصطفى الأمين وأبو العلا وقرنفلي.

بروز البورجوازية الاخوانية الجديدة

و منذ أن اعتلى البشير الحكم و بدأت سياسة الإخوان الممنهجة في إسقاط الاقتصاد السوداني و إفلاس المصانع و ضرب رؤوس الاقتصاد ” القديم” و رجال الأعمال من اجل بروز البورجوازية الاخوانية الجديدة و ذلك ضمن سياسات حكومة البشير الاقتصادية وأفراد ينتمون إلى تنظيم الجبهة الإسلامية.

وفي مقابل الأسماء التي اختفت من المشهد الاقتصادي و دمرت، لمعت أسماء لأثرياء جدد تنتمي للتيار الاخواني، مثل جمال الوالي وعبد الحليم المتعافي ومأمون حميدة، الأعضاء في حزب المؤتمر الوطني الذي كان يترأسه الرئيس المعزول عمر البشير، إلى جانب أشقائه علي وعبد الله، وزوجته الثانية وداد بابكر، المتهمة لدى الرأي العام بإدارة استثمارات ضخمة داخل وخارج البلاد.

لكن ما هو معلوم بين السودانيين أن البورجوازية التي ظهرت هم جميعا انحدروا من أسر فقيرة قبل مجيء انقلاب تنظيم الإخوان المسلمين إلى السلطة.

شبهات الفساد

وأظهر تقرير أعده خبراء سودانيون في شهر جويلية 2019، امتلاك أعضاء في النظام السابق وحلفائهم و كلهم ينتمون للتيار الاخواني و التنظيم العالمي للإخوان بان أكثر من 100 كلية و جامعة و معاهد عليا بالعاصمة الخرطوم على ملكهم الخاص و متحصلين على تصريحات قانونية رغم افتقارها للمواصفات.

كما يذكر أن التقارير الإعلامية تشير إلى أن الثراء الفاحش تركز في نحو مئة شخصية تلتف حول البشير و كلم يعتبرون من لقيادات الاخوانية و ينتمون للتنظيم العالمي للاخوان و لهم علاقات وطيدة مع القيادات الاخوانية في بلدان مختلفة و خاصة من تونس و مصر و ليبيا و الجزائر و غيرها من البلدان.

و من اهم مؤشرات الفساد المالي لدي اخوان السودان هو امتلاك قادة الجبهة الإسلامية لما يقارب 600 شركة تجارية في وقت وجيز من اعتلاء البشير الحكم و ذلك ضمن سياسة التمكين الاقتصادي، أخذت تعمل في مجالات الاستيراد والتصدير والأراضي والطرق والجسور والمقاولات وتشييد السكن الفاخر والشقق السكنية. ولاحقا اجتاح العاصمة والمدن الرئيسية انفجار في المعمار خاصة بعد تدفق عائدات البترول الذي تم تصديره لأول مرة في العام 1997.

وأثناء عملية تبديل العملة في 1991 قررت حكومة البشير تحميل كلفة التغيير لأولئك المواطنين الذين سعوا لتبديل عملتهم في المصارف، وقامت بخصم 2% من أرصدتهم، وحجز 20% من كل رصيد يزيد عن 100 ألف جنيه (حوالي 300 دولار في ذلك الوقت و هي تعتبر اكبر عملية تحيل في السودان قام بها حكم الإخوان من اجل التمكن من البلاد و تفقير الشعب و في المقابل ساهمت تلك الخطوات في تكوين مجموعة اقتصادية غلب عليها الولاء السياسي و خاصة الولاء لتنظيم إخوان المسلمين، و طبعا كانت هذه المجموعة امتيازات كبرى و أهمها أنها استفادت من الإعفاءات الجمركية التي كانت تمنح لفئة سياسية معينة.

كما تراكمت لدى هذه المجموعة الاخوانية ثروة كبرى و حتى تصل الى الفحش و ذلك بالاستيلاء على أصول القطاع العام عن طريق البيع والإيجار

و كعادة الإخوان أخذت الجبهة الإسلامية القومية في السودان تتمدد قليلا في الحقبة الأخيرة من عهد النوميري، وأصبح بإمكانها التوغل في الحياة السياسية رويدا رويدا، مستفيدة من الزخم الذي حصل عليه زعيمها حسن الترابي في ثورة أكتوبر (1964). و بخبث كبير خطط الترابي بطريقة أخرى لما هو أبعد، إذ كشفت صحيفة الميدان التابعة للحزب الشيوعي السوداني (الخصم اللدود للإخوان) في العام 1981عن مساهمة حسن عبد الله دفع الله (الترابي) في بنك فيصل الإسلامي بـ 300 ألف دولار عند تأسيسه في العام 1977 و هذا لمبلغ كبير جدا على حسن الترابي و اثر الكثير من التحفظات و التساؤلات لأنه لم يكن ليتناسب مع وضعه الذي عرف وقتها بأنه سياسي معارض  وأستاذ للقانون في جامعة الخرطوم.

وأسس البنك بقرار جمهوري صادر عن رئاسة الجمهورية إبان تحالف الجبهة الإسلامية مع جعفر النميري فيما عرف بالمصالحة الوطنية 1978.

وقال مقترح صادر من خبراء بشأن إدارة الفترة الانتقالية، إن ما يقارب 700 شركة تقع في وضع رمادي وتجنب أموالها بعيدا عن الخزانة العامة. وربما تأتي تهمة البشير التي يقف بها أمام المحكمة نموذجا لتجنيب وإدارة الأموال، حيث توجه له تهمة الآن بحيازة مبالغ قيمتها 6,9 مليون يورو، و351,770 دولار، و5,7 مليون جنيه سوداني وجدت داخل منزله.

و قد أشار تقرير المراجع في العام 2004، قبل عام واحد من توقيع اتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية، إلى أن جرائم الفساد واختلاس المال العام شملت كل الجهاز الحكومي، وقفز الفساد من 4.4 مليار جنيه سنة 2000 إلى 32.2 مليار جنيه في 2004. كما بينت كل التقرير من أن نظام الجبهة الإسلامية نجح بصورة كبيرة في إخفاء عائدات البترول الذي بدأ تصديره في أواخر التسعينيات في عملية تحيل كبير و ربما جزء كبير من العائدات كانت تذهب إلى التنظيم الاخواني .

كما أكدت نتائج التحقيقات إلى وجود تزوير واسع النطاق في المنتج من البترول وأسعار البيع خلال العشرين سنة الماضية و إن الجزء الكبير من عائدات النفط ظل في بنوك خارج السودان بدواعي المقاطعة الأميركية لنظام عمر البشير.

و خوفا من ثورة شعبية كما حدثت في بلدان عربية أعلن عمر البشير في 2012- 2018، عن مشروعين منفصلين لمحاربة الفساد، لكن أيا منهما لم يكن فعالا، بل بالعكس ارتفع الفساد بنسب كبيرة أظهرتها تقارير المراجع العام السنوية  المقدمة للبرلمان، وقال رئيس آلية الفساد وقتها الطيب أبو قناية لوسائل الإعلام إن “أي عملية فساد بها عشرات المطبات”، مشيرا إلى “تعدي البعض على ممتلكات الدولة وتحويلها إلى ملكيتهم”. وأظهر تقرير المراجع العام 2018، نسبة فساد تفوق 90%، ذكر أنها موجودة حتى في وزارة المالية نفسها، لكن الجهات العدلية المختصة أو البرلمان لم تحقق في الاتهامات.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق