أخبار العالمبحوث ودراسات

“القيادة الصهيونية ومأزق الاجتياح البري، تخبّط غير مسبوق بين المستوى السياسي والعسكري” 

فاتن جباري قسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية  

تقديم : 

   في مواصلة جرائم الحرب المروعة وعملية الابادة الجماعية لسكان غزة وبين القيام بإجتياح بري عواقبه وخيمة ، يقبع الاحتلال الصهيوني في مأزق كبير خطير وعواقبه وخيمة بين الاجتياح وفتح الجبهة القتالية اللبنانية و الأسرى و الوضع الاقتصادي الذي بات عاجزا و بين تخبط غير مسبوق في القيادة .  

 على الرغم من أن القانون الإسرائيلي ينص على أن الجيش يتلقى التعليمات من الحكومة وهو تابع للحكومة برئاسة وزير الدفاع ، إلا أن عملية طوفان الأقصى كشفت مدى قطيعة دبابير القيادة الصهيونية  السياسية و العسكرية . ان عسكرة إسرائيل  تعني وان السياسي في إسرائيل هو العسكري ذاته لأن معظم القادة السياسيين، كانوا عسكريين قبل تقلّدهم المناصب السياسية وبالتالي فان الفشل الصهيوني خلال المفاوضات وهدنة وقف النار مرده هيمنة القيادة الصهيونية العسكرية على الرأي السياسي .  

نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، دراسةً بعنوان: “الانحرافات في العلاقات بين الرتب السياسية والعسكرية في عصر عدم الاستقرار السياسي: معانيها وسبل تصحيحها”، دراسة جاءت فيها «… في السنوات الأخيرة، يبدو أن التوازن المطلوب قد تم تقويضه بسبب التسييس المتحيز لاعتبارات شخصية وحزبية بدلاً من اعتبارات الدولة « أي الكيان ، واستشهد الدراسة بمواقف عدة أظهرت التخبط بين الجيش والحكومة في السنوات الأخيرة، مثل عدم إشراك الجيش في مناقشات صفقة القرن كمثال، وكذلك اتفاقات السلام مع الدول العربية مثل “اتفاق أبراهام”، وترى الدراسة أن من أسباب الصراع غموض المستوى السياسي عند اتخاذ القرارات وعدم إشراك المستوى العسكري فيها، وهو ما يدفع العسكريين لمهاجمة السياسيين حال الفشل في الحروب والعمليات او تراجع القيادات اثناء خوض الحرب . 

لقد تم وضع الأمن في مركز الوجود الإسرائيلي فبسبب موقع إسرائيل الجيو-سياسي والتهديدات وحالات الصراع الدائم ، تحمل ادارة نتانياهو الجيش  مسؤولية السردية الأمنية الإسرائيلية ،علاوة على تقييم التهديدات و الخطر وعمليات صنع القرار وتنفيذه في شؤون الأمن القومي للكيان الصهيوني . 

أولا – عملية طوفان الأقصى افقدت اسرائيل حالة التوازن السياسي العسكري ن كيف ذلك ؟  

يقول أمين عام حزب الله اللبناني  حسن نصر الله ان الحرب الدائرة اليوم قد أفقدت الإسرائيليين الثقة بالقيادة العسكرية والسياسية. 

وبحسب تقرير نشرته مجلة الدراسات الفلسطينية حول نتائج التحقيق في الحرب من الجانب  الصهيوني : كان هناك تخبط بين المستويين العسكري والسياسي في الحرب ورد في اهمها  

  • وجود  قصور خطير وعيوب في طريقة اتخاذ القرارات في المستويين السياسي والعسكري والتعامل بينهما. 
  •  وجود  إخفاقات وتقصيرات خطيرةً في ما يخص مدى الجاهزية وطريقة اتخاذ القرارات وتنفيذها في المستوى القيادي الأعلى في جيش الدفاع، خاصةً في القوات البرية. 
  •  وجود  إخفاقات وتقصيرات خطيرةً في انعدام التفكير والتخطيط الإستراتيجيين، على المستويين السياسي والعسكري على حد سواء. 
  • وجود إخفاقات وتقصيرات خطيرةً في ما يخص حماية المدنيين ومواجهة حقيقة تعرّضهم للاعتداءات الصاروخية. 

ما لا تدركه اسرائيل ان  نقاط الضعف مصدرها جزئياً الاستعداد والتخطيط الإستراتيجي والعملياتي غير الملائم  ومن ذلك قرار الدخول في عملية الاجتياح البري و التركيز على المنطقة الحدودية مع لبنان وهذا بحسب الإخصائيين هو مخاطرة من القيادة الصهيونية و التي يصفها الناطق الرسمي باسم الإعلام العسكري لفصائل المقاومة المسلحة بعملية الانتحار و يصفه كذلك امين عام حزب الله بحالة الغباء و هو ما يفسر ، تخبطاً متكرراً بين المستويين العسكري والسياسي  وعدم الانسجام في اتخاذ القرارات . 

ثانيا – طوفان الأقصى”… و انطلاق العملية البرية في غزة  

اقتربت عملية “طوفان الأقصى” التي بدأت في السابع أكتوبر الماضي، من اكتمال شهرها الثاني ، وهي الأعنف من حيث شراسة الاحتلال تجاه المدنيين في غزة، فقد تجاوز عدد الشهداء عشرة آلاف، والأرقام تزيد كل لحظة، وبرغم أنها أكثر حرب دمويةً خاضها الكيان الصهيوني الغاشم حتى الآن بما يعبر عن حالة الإختراق التام في صف القيادة العسكرية الصهيونية ، لكن التخبط بين المستوى السياسي والعسكري هو الحاكم والفارض نفسه وبقوة على سيناريوهات الحرب، خاصةً في ما يتعلق بعملية الاجتياح البري الشامل للقطاع، فالجيش بقيادة يوآف غالانت، يصرّ على عملية الاقتحام، بينما يرفض نتنياهو ذلك، وبين الحالتين، نجد تخبّطاً غير مسبوق تشهده إسرائيل بين المستوى السياسي والمستوى العسكري. 

عقد كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع والوزير جانتس مؤتمرا صحافيا منفردا، ما دلل على وجود خلافات. نتنياهو قال إن الحرب على غزة تتقدم وأن مدينة غزة محاصرة، وشدد على أنه لن يتم وقف إطلاق النار أو إدخال وقود إلى القطاع إلا في حال إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. إسرائيل مع ذلك، قلقة من إمكان أن تتعرض لضغط أمريكي في غضون عشرة أيام لوقف إطلاق النار، ولهذا تحاول تسريع العملية البرية في قطاع غزة، حيث تتواصل الاشتباكات أيضا مع مقاتلي حماس والفصائل. 

أصبحت عملية اقتحام القطاع معضلةً كبيرةً وتحدياً أمام الجيش والحكومة على حد سواء،  فيرى نتنياهو أن الأفضل هو عدم التعجل في الاقتحام، وممارسة سلاح الجو لمهامه حتى يتم تدمير الأنفاق، بينما يرى الجيش ضرورة الاجتياح البري  لكن الحدث الأبرز هو الاتهامات  التي يوجهها  نتنياهو للقيادة الاستخباراتية  بالفشل، خاصةً رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية وكذلك الشاباك، حيث لم تتوقع الأجهزة الأمنية فكرة شنّ هجوم من قبل حماس  وبهذه الكيفية، وبعدها تراجع نتنياهو عن حديثه،  معترفا  بأنه أخطأ في حديثه، واعتذر عن ذلك وأعلن دعمه بعدها لقادة الأذرع الأمنية، لكن موقفه الهجومي على الجيش لم يكن حالةً لحظيةً، بل بدأت منذ الشهور الأولى لولاية نتنياهو الحالية في الحكم، حينما حاول إقالة غالانت من منصبه كوزير للدفاع. 

معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي،  كان قد حذّر من الخلافات بين المستوى السياسي والعسكري في الحكومة الحالية، وهو ما خلق حالةً من الإرتباك في  خلافات الحكومة السياسية المتمثلة في نتنياهو والمستوى العسكري المتمثل في وزير الدفاع وباقي الأجهزة الأمنية، خاصةً بعد خطة الحكومة ورغبتها في إنفاذ إصلاحات قضائية وقانونية، وهو ما لم يلقَ ترحيباً وسط ضباط الاحتياط بالجيش. وتشير الدراسة إلى أن الخلافات بين المستويين السياسي والعسكري انعكس في لغة الخطاب الموجهة إلى الإسرائيليين ، ما خلق أزمة ثقة  حتى أن موقف قادة الجيش الحالي المعارض لسياسة نتنياهو انتقل إلى الجنود أنفسهم وعكس حالة العصيان و الفرار الجماعي في صفوف جيشه وهو ما أخفته الألة الإعلامية الصهيونية. 

خلاصة ،

رغم توجيه الألة الإعلامية نحو التغاضي في التركيز عن المشاكل الداخلية للكيان الصهيوني وهو امر مفتعل  ، لأنها طغت على المعركة الدائرة حالياً،  الا أن إسرائيل تشهد حالةً من التباري بين مستواها السياسي ومستواها العسكري في عملية “طوفان الأقصى”، خاصةً ان نتنياهو  يخفي مسؤولية الهزيمة في العملية، ويؤجل عملية التحقيق  بسبب أن التقارير التي وردت إلى مكتبه من القيادات الأمنية كانت تشير إلى أن حماس لن تشنّ حرباً، وحالة الخلاف الحالية ومزيد الاتهامات المتبادلة بين المستويين السياسي والعسكري في اخماد الرأي العام و قضية الأسرى الصهاينة وفشل مفاوضات الهدنة و الانهيار الاقتصادي الكارثي وكل نشاطات الخدمة مع استمرارية وتيرة الحرب . 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق