أخبار العالمبحوث ودراسات

الوجه العالمي الجديد للدبلوماسية الرقمية وبناء الصور الذهنية الاتصالية

بحث واعداد: خولة كلاحشي باحثة في العلوم السياسية والاتصال السياسي

غيرت التكنولوجيا الرقمية الوجه التقليدي للذوات المعنوية والطبيعية، واكتسحت حياة الملايين من البشر والمؤسسات وحتى الدول، وتغيرت معها طرق التواصل والتفاعل بين الأفراد والدول. حيث اعتمدت الدبلوماسية في مفهومها التقليدي ولسنوات طويلة على التفاعلات المباشرة والحضورية خاصة بين المسؤولين الحكوميين، فكان التواصل أحادي الجانب بين حكومات دون مشاركة شعوبها.

ومع تطور وسائل التواصل وظهور منصات مثل التوتير والفاسبوك… حيث أصبح للمسؤولين الحكوميين القدرة على التواصل مع جمهور أوسع واشمل في النطاق واشد في التأثير والسرعة.

كما أصبحت السياسة الخارجية في احتدام في أحد أبرز أبعادها التي تهم الصراعات بين الخطابات التفسيرية للدول المتنافسة على النفوذ الإقليميوالدولي، فحاولت كل دولة الترويج لرؤيتها الخاصة وإضعاف دبلوماسية الدول المنافسة لها، وذلك من خلالالاستعانة بمختلف النشطاء السياسيين وغيرهم لبناء علاقات دبلوماسية تمتد من الشعوب إلى الحكومات دون هرمية أو تسلسل معياري، وتهدف بذلك للتأثير على الجمهور من خلال تشكيل صورة ذهنية للدولة تخدم مصالحها الخاصة وتزيد من نفوذها العالمي.

صعود الدبلوماسية الهجينة:

مر ما يقرب من عامين منذ أن أجبرت جائحة COVID-19 الدبلوماسية على الانتقال الضروري إلى الإنترنت، اعتبارًا من مارس 2020، تم إغلاق أبواب وزارات الخارجية والمؤسسات المتعددة الأطراف، وحث السفارات على تسوية الوضعيات الملحة بطرق غير مباشرة، وتعرض الدبلوماسيون للعزلة الاجتماعية والحجر الصحي. على الرغم من مفاجأة التحول الاستثنائي، يبدو أن الاستراتيجية التكنولوجية المتطورة قد عملت بشكل جيد بشكل مدهش وغير متوقع.

كما أصبحت “زوم دبلوماسية” اليوم امتدادًا روتينيًا للدبلوماسية ووجهًا من وجوهها، حيث يتم استخدامها لعقد اجتماعات رفيعة المستوى بين قادة العالم، ولتنظيم جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو لترتيب مشاركات ثنائية في وزارة الخارجية.

ونظرًا لأن الدبلوماسية المادية التقليدية عادت الى نصابها الطبيعي، فإن السؤال الذي يواجه الدبلوماسيون هو ما إذا كانت الاجتماعات الافتراضية ستصبح سمة دائمة للدبلوماسية ومدى أهمية المهارات التي اكتسبوها خلال العامين الماضيين بعد انتهاء الوباء.

بمعنى آخر، هل هناك حياة للمشاركة الافتراضية والتسليم بالانتقال إلى الوسيط الافتراضي عوض الدبلوماسية المباشرة؟

لا أحد بنكر بأن الدبلوماسية على وشك الدخول في مرحلة جديدة من التحول الرقمي أو ما نسميه “الدبلوماسية الهجينة”، غير انه لا يُتوقع الاستغناء نهائيا على المشاركات المادية، لكن بدمج وتكامل مع التعاملات الافتراضية التي تساعد كلا منها الاخر.

وعليه، يمكن دراسة استراتيجيات التواصل والاتصال الدبلوماسي لنقف على عتبة الحجة وسياقها من خلال تتبع تطور الموجتين السابقتين من التحول الرقمي للدبلوماسية: “وسائل التواصل الاجتماعي “و”التواصل الاستراتيجي”في جزء اول، ثم دراسة أوجه التشابه والاختلاف بين الأنماط السابقة للتكيف الرقمي والموجة الحالية في جزء ثان.

من التكيف الرقمي الاستثنائي إلى التبني الرقمي الاصلي:

 تتغير وتيرة وشكل الدبلوماسية الهجينة لدمج الوجود المادي والافتراضي تحت الضغط والاستثناء في بداياتها، لتصبح أكثر تداولية واستراتيجية ومنهجية لاحقا.

ويمكن حوصلة التحولالدبلوماسي من التكيف الى التبني الرقمي، مع ظهور التقنيات الرقمية الجديدة عبر التسلسل الاتي:

أولاً، من الواضح أن تصورات التقنيات الناشئة التي تمثل مصدرًا جديدًا للقوة لديه القدرة على ممارسة تأثير كبير على السياسات الحكومية حيث تمثل اليوم عاملا حاسما امام الدول ،و قد أظهر الربيع العربي ، على سبيل المثال ، أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تعجل بسقوط الحكومات الاستبدادية من خلال تضخيم التوترات الاجتماعية والسياسية الكامنة و بطريقة مماثلة ، أظهر الصراع السوري والسياق الجيوسياسي أن المعلومات المضللة الرقمية يمكن أن تكون فعالة للغاية في تشويه تصورات المستخدمين وتغيير سلوكهم في اتجاه محدد مسبقًا عبر تكوين صورة ذهنية راسخة. ومعظم الدول والسياسيين والدبلوماسيوناقتنعوا وتعلموا أنه لا يمكن تجاهل تأثير التقنيات الرقمية في الشؤون العالمية، وان ذلك قد يكون له آثار ضارة على نفوذ وصورة الدولة التي قد تمس من تنفيذ أهداف سياستها الخارجية.

ثانيًا، يعتمد نجاح التبني الرقمي أيضًا على المدى الذي قد تثبت فيه التقنيات الجديدة قدرتها على تعزيز الأساليب الراسخة للدبلوماسية غير المتصلة بالإنترنت بدلاً من تهديدها. على سبيل المثال ، تم تبني وسائل الإعلام الاجتماعية بسرعة من قبل[3]MFA ،المصادقةمتعددةالعواملهيطريقةمصادقةتتطلبمنالمستخدمتوفيرعاملينأوأكثرمنعواملالتحققللوصولإلىموردمثلالتطبيقأوالحسابعبرالإنترنتأوVPNووزارةالخارجيةعنصرأساسيفيسياسةقويةلإدارةالهويةوالوصول، حيث سمحت لهم هذه القنوات بمتابعة الدبلوماسية العامة واستراتيجيات الاتصال في الأزمات بشكل أكثر فعالية من نسخهم التناظرية الافتراضية. ومن ناحية أخرى، استكمل الاتصال الاستراتيجي الرقمي الجهود التي تبذلها السفارات لمعارضة أو فضح الأخبار السلبية المنشورة في وسائل الإعلام المكتوبة.

الموجة الرقمية من الدبلوماسية الحديثة:

التحول الرقمي: ماذا يعني ذلك؟

شهد العقد الماضي استخدام الدبلوماسيين المتزايد للتقنيات الرقمية في عملية يشار إليها غالبًا باسم “الدبلوماسية الرقمية”. فمنذ عام 2008، أتيحت الفرصة الى تجربة الخدمات الدبلوماسية بإنشاء سفارات افتراضية عن بعد، وإنشاء قنوات وسائط اجتماعية للتفاعل مع السكان الأجانب، وإطلاق تطبيقات الهواتف الذكية، وإنشاء فرق عمل رقمية جديدة، وتجميع وحدات البيانات الضخمة، وتجديد إجراءات الاتصال في المنظمات متعددة الأطراف، وكتابة الخوارزميات الخاصة بها وهو ما ساعد على رقمنة الدبلوماسية في جميع ابعادها.

وبناء على ذلك يتضح الدليل على مدى ترسيخ الدبلوماسية الرقمية في عمل مؤسسات التمويل الأصغر في الاستخدام الروتيني من قبل الدبلوماسيين لوسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية للتعليق على التصورات العامة للأزمات ومحاولة تشكيلها.

كما ارتكزت رؤية الاتحادالأوربيبصفة ملحوظة على ضرورة إشراك مختلف فئات المجتمع من فنانين ونشطاء ومنظمات في عمليات الحوار والتفاعل التي تهدف إلى بناء جمهور عالمي بأفكار داعمة للإرث الثقافي الأوروبي، واعترفابمدى تأثير ورسوخ “القوة الناعمةفي جميع الأوساطوقع اختيارها لتكفل نشر الرؤية الأوروبية لشعوب العالم، والذي تعدأحد صور الدبلوماسية الرقمية التي تغير الرؤية والصورة الذهنية للأفراد والدول بخلق حوارات بين الاتحاد والجمهور العالمي.

وفي هذا الإطار انقسمت الآراء الى رافض وداعم لهذا التوجه العالمي للدبلوماسية الرقميةالتي تأثر بها الدبلوماسيون ومؤسساتهم ومعاملاتهم،فبالنسبة للبعض، تتشكل هذه العلاقة من خلال الوظائف الرقمية والإمكانيات التي تمكن أو تقيد العمل الدبلوماسي، على سبيل المثال في سياق المفاوضات الدولية. تساعد وسائل الإعلام في التغلب على قيود الدبلوماسية غير المتصلة بالإنترنت أثناء مفاوضات السلام.

اما بالنسبة للآخرين، غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي المساحة التي يتواصل فيها الدبلوماسيون ويتفاعلون ويتعاونون مع بعضهم البعض أو حتى منطق وإجراءات عمل المؤسسات الدبلوماسية وعرف العمل الدبلوماسي، مما شوه رونق الأصل والمبدأ الدبلوماسي، في محاولة إلى نسخ تلك الخصائص بطرقة هجينة رقمية لا تعتمد على الاتصال الانساني.

ويمكن بعد حوصلة اهم النقاط الأساسية في إطار الدبلوماسية الرقمية وتهافت الشعوب والدول على تقويم استراتيجيات المتطورة لدعم نفوذها و ترسيخ الصورة الذهنية التي تخدمها للأخر، لسائل أن يتساءل اين الدبلوماسية التونسية في كل هذا…؟

المراجع:

Julian Borger, ‘Biden–Xi virtual summit: leaders warn each other over future of Taiwan’, https://www.theguardian.com/us-news/2021/nov/16/xi-biden-virtual-summit-us-china-conflict-taiwan-hong-kong.

Patrick Wintour, ‘Bye byebilaterals: UN general assembly to embrace Zoom diplomacy’ https://www.theguardian.com/world/2020/sep/19/bye-bye-bilaterals-un-general-assembly-embrace-zoom-diplomacy.

 Isabel Bramsen and AnineHagemann, ‘The missing sense of peace: diplomatic approachment and virtualization during the COVID-19 lockdown’

United Arab Emirates MFA, ‘UAE and Greece host virtual edition of their 2nd Strategic CooperationForum’, https://www.mofaic.gov.ae/en/mediahub/news/2020/7/25/25-07-2020-uae-greece.


Elsa Hedling and NiklasBremberg, ‘Practice approaches to the digitaltransformations of diplomacy: toward a new research agenda’.

Bramsen and Hagemann, ‘The missing sense of peace’.

Lina Khatib, William Dutton and Michael Thelwall, ‘Public diplomacy 2.0: a case study of the US digital outreach team’.

Philip Seib, Real-time diplomacy: politics and power in the social media era (New York: Palgrave Macmillan, 2012).


[1]الاستعمال المكثف من طرف الناشطين والدبلوماسيين وهيئات المجتمع المدني ومختلف الشرائح الاجتماعية من أفراد ومجموعات للوسائل التي تتيحها الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعيك”الدبلوماساية الفيس بوك ،” Facebook diplomacyو”الدبلوماسية التويتر “Twiplomacy، للدفاع عن الافكار ونشر القيم والدفاع عن القضايا التي لها التأثير على الرأي العام.

[2]اتخذ مفهوم الصورة الذهنية الصدارة في الدراسات الاتصالية المتعلقة بالعلاقات العامة، وكان له اثر مهم فيها، وله سمات معينة ارتبطت بطبيعة هذا الحقل المعرفي الاتصالي واستعمالاته العملية.

“فالصورة “تعني ظاهر الشيء وحقيقته وشكله الذي يتميز بها، أما “الذهنية” فهي تشير إلى الذهن أي العقل والفهم، أي فهم الشيء وتصوره فالصورة الذهنية هي مجموعة الانطباعات التي تتكون في الأذهان عن قيم معينة سياسية أو شخصية، يساعد على تكوينها ما تبثه وسائل الاتصال الجماهيرية.

[3]L’authentification multifacteur: Multi-factor Authentication(MFA) est une méthode d’authentification dans laquelle l’utilisateur doit fournir au minimum deux facteurs de vérification pour accéder à une ressource de type application, compte en ligne ou VPN. La MFA est une composante essentielle à la base de toute politique de gestion des accès et des identités (IAM, pour Identity and Access Management) se voulant solide. Au lieu de se contenter d’un nom d’utilisateur et d’un mot de passe, la MFA exige un ou plusieurs facteurs de vérification supplémentaires, ce qui réduit la probabilité qu’une cyberattaque puisse réussir.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق