أخبار العالمبحوث ودراساتملفات 📁

الهجرة الوافدة في تونس:بين منظومة حقوق الإنسان وتحديات الأمن القومي

فاتن الجباري.. باحثة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية بتونس

مراجعة: الدكتور بدرة قعلول: رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية بتونس

بين منظومة حقوق الإنسان وتحديات الأمن القومي

تقديم عام :

لقــد تطــورت ظاهــرة الهجــرة الوافدة بتطــور المجتمعــات البشــرية وبتطــور الأنظمة السياســية والقانونيــة التــي وضعــت حــدودًا لحــق التنقــل للتصــدي للهجــرة وتحديــد شــروط اســتقبال الوافديــن نظــرًا لارتباطها الوثيــق بمفهــوم الســيادة و الامن القومي ، لتتحــول هــذه الوســيلة التــي كانــت تعتمــد لكســب الــرزق وتحقيــق التنميــة إلــى أخطــر الظواهــر الاجتماعية و الامنية ، الأمر الــذي جعلهــا تتخـذ مكانـة مهمـة ضمـن تحديـات المجتمـع الدولـي.

 فلـم تعـد مجـرد ظاهـرة مرتبطـة ببعـض الـدول اوبعـض المجتمعـات بـل أضحـت ظاهـرة عالميـة تُعانـي منهـا جميـع الـدول سـواء الـدول المتقدمــة أو الــدول الناميــة. وعلــى الرغــم مــن أن ظاهــرة الهجــرة غيــر النظاميــة تُعــد ظاهــرة دوليــة  الا أنــه تمــت مجابهتهًا بطـرق مختلفـة طبقـا لاختلاف الـدول المعنيـة بهـا، ونقصـد بذلـك دول الاسـتقبال التي يقصدها المُهاجــر ودول المعبــر التــي يعبرهــا المُهاجــر لبلــوغ وجهتــه ودول  المنشأ وهــي الــدول المُصــدرة التــي ينتمــي لهــا المُهاجــر.

لطالما كانت تونس دولة للهجرة والعبور او مايعرف بضاهرة الترانزيت، ولكنها أصبحت في السنوات الأخيرة بلدًا للإقامة يستقر فيها عدد هام من المهاجرين و طالبي اللجوء الوافدين في أغلب الأحيان من دول إفريقيا جنوب الصحراء. وتتعدد الأسباب التي دفعت الوافدين إلى اتخاذ قرار مغادرة بلدانهم الأصلية منها الهروب من الفقر، وغياب الأمن، والنزاعات المسلحة الداخلية، والكوارث الطبيعية. 

ولا زالت هذه الأسباب تحفز آلاف الأشخاص على القيام برحلات طويلة عالية المخاطر ومرتفعة  الكلفة نحو ليبيا ثم تونس او الجزائر ومنها الى الاتحاد الاوروبي فليبيا التي جعل منها موقعها تمتلك حدودًا برِّية مع ست دول ك (السودان ومصر والتشاد والنيجر وتونس والجزائر…)، ونقطة مهمة لخطوط المهاجرين الذين جعلوا منها نقطة عبور نحو أوروبا حيث تتوفَّرُ ظروف عيش أفضل، لكنَّ آمالهم تخيب بمجرد إحباط دول الاتحاد الأوروبي لرحلاتهم البحرية، فيجدون أنفسهم إمَّا عمالا في مهن وضيعة كلّها استغلال بدخل لا تكفي لتوفير قوتهم اليومي أو العيش في أماكن غير صالحة للحياة الإنسانية بأحياء عشوائية بضواحي المدن إلى حين إيجاد فرص افضل او أن تعتقلهم الجهات الأمنية، أو التواجد  بأحد مراكز حجز المهاجرين غير الشرعيين.

لقد خلق تواجد الاف من اللاجئين الأفارقة في تونس مشكلة سياسية واقتصادية و اجتماعية و ثقافية اخلاقية معقدة بحيث طالت هؤلاء المهاجرين عمليات تحيل ونصب و ميز عنصري وعنف جسدي  ناهيك عن حالات الهرسلة الأمنية و الإيقافات التعسفية وخارج اطار القانون وصلت هذه الجرائم حد البشاعة منها الاتجار بالبشر و الاعضاء تحت شبكات دولية عابرة للقارات استغلالا لضعفهم وقلة حيلتهم هروبا من الفقر و الحرب بحثا عن لقمة عيش او مكان احتماء…بالمقابل شهدت تونس حالات اعتداء وتحيل مختلفة اقترفها بعض المهاجرين اسالت كثيرا من الحبر و تسببت في صدور العديد من المواقف بين التنديد و التعاطف.

 فهل هي سيناريوهات خارجية  بإخراج اوروبي  تضع تونس موضع حارس السواحل في اطار صفقة استهدفت الدولة التونسية في فخ مصادق عليه منذ سنة 2014  ام هي تأليب للراي العام الوطني لخلق موجة من الفوضى بين التونسيين والجاليات الافريقية قد توصف بحرب اهلية وبالتالي ازمة دبلوماسية لتونس و الدول التي ينتمي  لها هؤلاء المهاجرين في وقت توصف فيه دولتنا بقلب القارة الفرنكوفونية حيث تسعى تونس الى جلب الاستثمار الافريقي ؟ ام هي مشروع استيطان يصطدم بسيادة تونس في عقر دارها متى تستباح لمن يوصفون بالميليشيات  التي قد تسعى الى فرض مشروعها الاستيطاني (انشاء مركز شرطة و محكمة خاصة ومستودع يتحول الى كنيسة في ولاية صفاقس وسوق خاص في ولاية أريانة )ناهيك عن اختراق الحدود الافتراضية وانشاء صفحات وشبكات تواصل افريقية ممولة و مشبوهة مؤداها الدعم الحاشد لاستقطاب الأفارقة واستقدامهم الى تونس  …  هذا الوضع غير الطبيعي،  كان بفعل ترتيب إجرامي تمّ إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس كان من ورائها جهات تلقت أموالا طائلة بعد سنة 2011 من أجل توطين المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس.

وتكمــن أهميــة التطــرق اليــوم إلــى المقاربــة الوطنيــة والدوليــة لظاهــرة الهجــرة غيــر النظاميــة و توافد الجاليات الافريقية الى تونس باعتبارهــا إحــدى أهــم الشكالات التــي تواجههــا تونس المُهاجريـن غيـر الشـرعيين بوصفهـم حسب مواقف واراء اغلب التونسيين مصـدر كل المخاطـر والأزمات وسـببًا مباشـرًا فـي انتشـار الجريمـة المنظمـة وتجـارة المخـدرات والتطـرف الدينـي والعرقـي والعامـل المباشـر فـي عـدم الاستقراروالانفلاتالأمني، الأمر الـذي زاد فـي تبريـر اسـتعمال وسـائل التصـدي والـردع لمواجهـة هـذه الظاهـرة دون إيـلاء اهتمـام جـدي بحقـوق المُهاجريـن، ممـا أدى إلـى هشاشـة مراكزهــم القانونيــة.

أولا : الخريطة الجغرافية التي يسلكها مهاجري افريقيا جنوب الصحراء

في السنوات الستّ الماضية، أنشأ الاتحاد الأوروبي، الذي سئم التكاليف المالية والسياسية للمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، نظاما غامضا يوقفهم قبل أن يصلوا إلى شواطئ أوروبا. قام الاتحاد بتمويل خفر السواحل الليبي وتدريبه وتجهيزه، وأصبح هذا الجهاز منظمة شبه عسكرية تقوم حاليا بدوريات في البحر الأبيض المتوسط حيث تمنع بذلك عمليات إنقاذ المهاجرين الذين تعتقلهم قبل إعادتهم إلى التراب الليبي. بعد ذلك يتمّ احتجاز المهاجرين إلى أجل غير مسمّى في نظام معسكرات الاعتقال في ليبيا الامر الذي جعل معظمهم يفرون الى تونس هروبا من الاوضاع التي يعيشونها .

تُدار السجون عادة من قبل إحدى الميليشيات القوية المتنافسة في ليبيا، وتؤكد التقارير الامنية وانه تم إرسال حوالي 6000 مهاجر إلى هذه السجون ونُقل معظمهم إلى سجن “المباني” بليبيا وقد وثقت وكالات الإغاثة الدولية مجموعة من الانتهاكات على غرار تعرّض المعتقلين للتعذيب بالصدمات الكهربائية واغتصاب أطفال من قبل حرّاس وابتزاز العائلات من أجل الحصول على فدية، إلى جانب بيع الرجال والنساء للعمل القسري.

يدخل الكثير من مهاجري جنوب الصحراء وخاصة من الكوت ديفوار إلى تونس بشكل قانوني عبر المعابر الحدودية (مطار تونس قرطاج الدولي أساسا)، ولكنهم يبقون فيها بعد انتهاء مدة الإقامة، فيما يتسلل إليها عدد آخر عبر الحدود الجزائرية  أو الليبية بطريقة غير شرعية ثم ينطلق غالبيتهم في رحلة البحث عن مأوى ثم عن شغل عشوائي، فتراهم يعملون في المقاهي والمطاعم والمنازل أو باعة متجولين أو عملة في بعض المصانع والحقول وحضائر البناء ومستودعات بيع المواد الغذائية ومواد البناء بأبخس الأثمان.كيف وقع الزج بتونس في هذا النظام الدولي الغامض ؟

شهدت تونس منذ عام 2011، وبعد قرار محمد المنصف المرزوقيانذلك إلغاء التأشيرة للقادمين من عدد من الدول الإفريقية “هجمة” غير مسبوقة من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين بهدف الإبحار خلسة نحو السواحل الايطالية انطلاقا من شواطئ ولاية صفاقس ما حوّل عاصمة الجنوب إلى عاصمة للإتجار في البشر وعاصمة لـ”الحرقة”، كذلك تحولت بعض المدن في ولايتي تونس وأريانة إلى مناطق إقامة مؤقتة للأفارقة يجمعون فيها ثمن “الحرقة” ثم يغادرون نحو صفاقس للإبحار خلسة.

وفي هذا السياق كشفت إحصائيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأخيرة أن 53% من المهاجرين غير النظاميين الواصلين إلى إيطاليا خلال الأشهر الأولى من العام 2021 من تونس هم من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
ولغاية الآن لا يوجد رقم رسمي دقيق لعدد الأفارقة المقيمين بطريقة غير قانونية في تونس، فقد أصدر مركز الدراسات الإستراتيجيةوالدولیة الأمريكي سابقا تقريراً يرصد فيه ظاهرة الھجرة من افريقيا نحو بلدان المغرب العربي، وقدر عدد الوافدين على تونس بـ 60 ألفاً، وعلى الرغم من أن عدد المھاجرين من منطقة أفريقيا، جنوب الصحراء، إلى تونس يُعد الأقل، أشار التقرير إلى أن عددهم تضاعف في تونس بين عامي  2014 و 2022 ويأتي ھؤلاء أساساً من مالي والكاميرون وكوت ديفوار والنيجر والسينغال…

 يفوق الرقم المائة ألف وقد يصل إلى 150 ألفا، بينهم اكثر من عشرين الفا في صفاقس، فيما تفتقد الأرقام المسجلة لدى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الدقة نظرًا لأن أغلب الأفارقة المقيمين في تونس غير مسجلين بها رغم أنَّ أعدادًا كبيرة منهم يحملون ما يسمى “البطاقة الصفراء” لتجنب الإيقافاتوالتتبعات وعمليات الترحيل .هذه البطاقة عبارة عن وثيقة تمنحها المفوضية، تثبت أنَّ هذا الشخص يطلب اللجوء لكنَّه غير مسجل بعد، ويتعمد جل الأفارقة الإبقاء بهذه الوثيقة دون رغبة ملحة في إنهاء الشروط المطلوبة من أجل الحصول على البطاقة الرسمية لهم كلاجئين، لأن هذا يعني أنهم لا يستطيعون الخروج من تونس ولا يقدرون على السفر لأي بلد آخر إلا للعودة لبلادهم مرة أخرى .

بين مختلف برامج التّعاون والاتّفاقيات الثّنائية والمعدّات الممنوحة إلى حرس السّواحل، تنفق البلدان الأوروبيّة والاتّحاد الأوروبي الملايين من اليوروات على ملفّ الهجرة في تونس. بيد أنّه تحت ستار التّعاون المتبادل و “تعزيز حرّيّة التّنقّل”، تبقى الأولويّة المطلقة للبرامج الأوروبيّة المتعلّقة بالهجرة هي الاستعانة بأطراف خارجيّة لتأمين حدودها. حُدّد لبرنامج “إدارة حدود المغرب العربي” هدف واضح المعالم : حماية الحدود البحريّة وحراستها ومراقبتها بهدف الحدّ من الهجرة غير النّظاميّة. فعلى سبيل المثال، تمّ توفير ثلاث غرف عمليّات علاوة على نظام تجريبي للمراقبة البحريّةللحرس الوطني التّونسيوتتمّ إدارة هذا البرنامج من قبل المركز الدّولي لتنمية سياسات الهجرةبالتّعاون مع وزارة الدّاخليّة ومختلف أجهزتها من حرس وطني وديواني.

غموض الاتّفاقيات الثّنائيّة

تتعاون العديد من الدّول الأوروبيّة كألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبلجيكا والنّمسا… مع تونس من خلال إبرامها للعديد من الاتّفاقيّات المرتبطة بملفّ الهجرة. يتعلّق جانب هامّ من هذا التّعاون بإعادة استقبال التّونسيّين المرحّلين وفي هذا الإطار، أُبرمت أربع اتّفاقيّات مع إيطاليا بين سنتي 1998 و2011 ثم تتالت هذه الاتفاقيات بعد 2014  وإن كانت هذه الاتّفاقيّات تكتسي ظاهريّا طابعا متبادلا، فإنّها تخفي في الواقع علاقة بعيدا عن أن تكون متكافئة ومتماثلة. ففي ما يتعلّق بإعادة استقبال المهاجرين، من البديهي أنّ أغلب عمليّات التّرحيل تشمل التّونسيّين في أوروبا وهذا التّناقض الصّارخ بين خطاب الاتّحاد الأوروبي الذي ما فتئ منذ سنة 2011، يشدّد على حرصه على دعم الانتقال الديمقراطي في تونس لا سيّما في مجال الهجرة، بينما في واقع الأمر لا يركّز هذا الحرص المزعوم سوى على الجانب الأمني.لتبقى تونس مجرد حارس للسواحل وتارة تتخاذل عن تعهداتها وهذا ما لا يعجب الاتحاد الاوروبي الذي قذ يكون فكر في صناعة سيناريوهات تستهدف تونس .  

 هل هو مخطط استيطاني ام هي مليشيات في خدمة الاتحاد الاوروبي ؟

نبذة عن ابرز حركات الاستيطان في العالم ” مشروع بن غريونارث للاستيطان حديث “

بعيدا عن كل تجاذب عنصري و في سياق تحريري  لتحليل الظاهرة  تبدو هذه السيناريوهات الثلاثة على خطورتها مؤشر خطر من جهة اذا ما اخذنا انسياق الذاكرة التاريخية الى فترة ما بين (1919-1948) التي تحدث عنها الكتاب الشهيرلتوم سيقف “ارث بن غوريون”في كتابه  “الأرض والعمل وأصل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”1882-1914” وهذه احدى مقتطفات مقالة منه نشرت في مجلة jacobin   :

“تطور هذا الواقع والوعي القومي في سياق سيرورة تاريخية بدأت مع الموجات الثلاثة الأولى (وخاصة الثانية والثالثة) من المستوطنين المدفوعين أيديولوجيًا والذين على الرغم من قلة عددهم نسبيًا إلا أنهم أصبحوا قادة فكريين وسياسيين (الجالية اليهودية في فلسطين قبل قيام الدولة الإسرائيلية عام 1948)، وبعد ذلك لدولة إسرائيل في عملية نموها المتزايد من خلال تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين اليهود. فقط أقلية من المهاجرين يمكن اعتبارهم مستوطنين بالمعنى الصحيح للاستيطان لحظة وصولهم إلى فلسطين، إما من الناحية الإيديولوجية أو الاجتماعية. لكن الغالبية العظمى من هذه الكتلة من المهاجرين واللاجئين اليهود تبنت عاجلًا أو آجلًا الفكر السياسي للمستوطنين واتبعت قيادة المستوطنين المؤسسين.

من المهم إدراك أنه وعلى النقيض من موجات الهجرة الثلاثة الأولى، فقد وصل المهاجرين الجدد إلى فلسطين (لاحقًا إسرائيل) لأنه لم يكن لديهم مكان آخر ليذهبوا إليه وليس بسبب الجذب الأيديولوجي الاستيطاني-الاستعماري والذي ميز الهجرات السابقة. صارت هذه القومية المبنية حديثًا بقمعها المنهجي للعرب الفلسطينيين، أمة اضطهاد وقمع وإلى حد كبير، لقد كانت هجرة اليهود إلى فلسطين في تلك الفترة هربًا إجباريًا ولم تكن خيارًا أيديولوجيًا أو سياسيًا، إذ وصل 35,000 لاجئًا يهوديًا إلى فلسطين عام 1933 ، ووصل أكثر من 45,000 في عام 1934 وأكثر من 65,000 في عام 1935.كان العامل الأكثر أهمية هو هجرة اللاجئين اليهود الناجين من الهجوم النازي إلى فلسطين، إما من مئات الآلاف من اليهود البولنديين الذين نجوا من المحرقة (معظمهم في الاتحاد السوفييتي والأراضي التي يسيطر عليها السوفييت) أو أولئك الذين وصلوا إلى مخيمات النازحين. لم يكن متخيلًا بالنسبة لهؤلاء الناجين التفكير في العودة إلى بولندا، سيما بسبب موجة معاداة السامية والمذابح التي كانت تحدث هناك، سواء خلال الحرب …”

من الملاحظ وان فلسفة الكتاب تسرد وقائع ابرز حركات الاستيطان في العالم التي مهدت لها حركة الاستيطان الصهيوني حيث كانت فلسطين في البداية مجرد محطة مؤقتة للعبور نحو الاقاليم الاخرى كاليمن الى ان اصبحت اقلية ثم فئة ثم جالية كونت حزبا ثم دويلة الى دولة تامة السيادة معترف بها دوليا  بمقتضى وعد بولفورالبريطاني لعام 1917 والذي وعد بإنشاء وطن قومي للشعب اليهوديهي  اليوم الكيان الاسرائيلي لتجنب مايسميها الغرب و المطبعين دولة اسرائيل …

ثانيا : حاضنة شعبية قد تتحول من مجرد نقطة ترانزيت الى مستوطنة

وصفت العشرية السوداء بالفترة التي كثرت فيها الدسائس و المؤامرات من داخل الدولة وخارجها فمع صعود ترويكا النهضة انذلك للحكم شهدت تونس طفرة غير مسبوقة من توافد الاجانب وخاصة النازحين الافارقة من جنوب الصحراء وبدأت هذه الموجات تطور يوما بعد يوما بأعداد اكبر . وهي اليوم بحسب الاحصائيات الرسمية الاخيرة وتدارس وتيرة الوضع الحالي للبلاد مشكلة امن قومي وديمغرافي بين السكان المحليين المرسمين ضمن سجلات الحالة المدنية و الاجانب المتواجدين بصورة مؤمنة وتحت طائلة القانون و خاضعين للقانون الرسمي للبلاد ومراقبون من الدولة و بين اغلبية الوافدين الأفارقة الذين لا يمتلكون هويات او وثائق رسمية تضمن تواجدهم الامن ببلادنا وتحمي حقوقهم وكرامتهم من كل انتهاك او ميز او ظلم خاصة بعد حصول جرائم في حق هؤلاء المهاجرين .

لعل اهم ما يمكن الحديث عنه و الاشارة اليه في ظل تعالي الاصوات و احتدام الراي العام الوطني منادية بترحيل هؤلاء اللاجئين هي ان المشكلة قد تفاقمت تشعبت حتى باتت مدار مناكفات سياسية مشبوهة اضافة الى تدخل بعض الاطراف المحسوبة على مؤسسات وتنظيمات هناك شبهات تحوم حول ارتباطها بأجندات اجنبية مشبوهة تتربص سوءا بالدولة اين تحاك لها الدسائس و المخططات بيد اجنبية خبيثة . لذلك يجب ان الا تكون تونس ارض ميعاد من أي جنسية تشكل خطرا وتهديدا جديا خصوصا منها القادمة من بؤر التوتر قد تكون خلايا نائمة او قنابل موقوتة .

ان مناقشة قضية تواجد النازحين الأفارقة في تونس تتطلب كثيرا من الرصاصة و الموضوعية نظرا لتشعبها وارتباطها ضرورة بعوامل داخلية وخارجية على اكثر من صعيد فما نلاحظه منذ فترة  هو نمو مشاعر الغضب ونوعا من التعبئة القومية الممنهجة او العفوية وهي التي ادت الى شعور هذه الجاليات بنزعة عنصرية تخويفية تتجه نحو اجبارهم على مغادرة البلاد دون تمكينهم في بعض الاحيان من ابسط حقوقهم .

ملف يحتاج الى الرصانة و ضبط النفس:

على الرغم من غياب اطار قانوني يؤطر وضعية اللاجئينالأفارقة الى تونس وحرص الدولة على اعتماد سياسة متوازنة في ملف الهجرة بإمكانها ان يتلاءم مع المواثيق والتشريعات الدولية الكافلة لحقوق الانسان لكن يتبين مع الوقت وان المشكلة لم تعد في سن التشريع او كيفية تطبيقه بل فيما يراد من اثارة هذا الملف بين ظرفية و اخرى في مواقيت اقل ما يقال عنها وانها مشبوهة ومحتكرة تؤكد للمتابع وان هناك من يسعى الى خلق بؤرة متعفنة تستغلها بعض الجماعات الارهابية لتفريخ ارهاب من نوع جديد بإحضار صانعي احداث جدد وخلايا جديدة تحل محل القاعدة البشرية الارهابية التي سقطت في ليبيا وسوريا وربما تعود هجرة هؤلاء المواطنين الافارقة الى اسباب مختلفة ومتعددة يمكن اختزالها في الهروب من الظروف الامنية و السياسية و الاقتصادية حيث تداس الحريات وترتكب ضدهم ابشع المجازر و الجرائم ناهيك على اعتبار وان تواجدهم على الاراضي التونسية يشكل تحد بما يمكن ان تكون هذه الافواج التي تتنقل من بلد لآخر وعبر الحدود وخارج مسالك المراقبة الدولية .

لماذا تتبنى الإتحادات ملف المهاجرين غير النظامين الى تونس ؟

يمتلك الاتحاد اجهزة تنصت بشرية تنتشر في كافة القطاعات و الميادين الحيوية بالبلاد وهذا الامر من شانه ان يعزز قاعدته الشعبوية من منظوريه وخاصة الطبقة العمالية واسعة النطاق بكل اختصاصاتها ورتبها الوظيفية …لقد ساهم ذلك في تشكل شبكة معلومات يتمتع بها الاتحاد فلا تخفاه لاخافية ولا صغيرة او كبيرة قد تحصل . تتسع هذه القاعدة سالفة الذكر بضم فئات الاجانب وخاصة بعد ان اشتمل تركيزه على الجاليات الافريقية ومبرر ذلك ان الاتحاد يدعم المنظومة الحقوقية الدولية لشؤون اللاجئين ،ويأتي ذلك عقب الزيارة الاخيرة التي ادتها  الأمينة العامة للكونفدرالية الأوروبية للنقابات إيستر لينش بعد مشاركتها في مظاهرة نظمها الاتحاد العام التونسي للشغل وألقت خلالها كلمة انتقدت فيها السلطات . واعتبرت الرئاسة التونسية في  بيان رسمي أن “العلاقات الخارجية للاتحاد العام التونسي للشغل أمر يعنيه وحده، ولكن لا مجال للسماح لأي جهة كانت من الخارج للاعتداء على سيادة الدولة وسيادة شعبها، فالسلطة والسيادة بيد الشعب”.في هذا الصدد يطرح السؤال ما دور النقابات العمالية في تكوين الحاضنة الشعبية للجاليات الافريقية خصوصا في وضع تعرف فيه تونس ضيقا أمنيا ووضعا اقتصادي صعبا وتوتر شعبي غير مسبوق .

رابعا : مقاربة انسانية – حقوقية يصعب معالجتها لدواعي أمنية وتحديات … خطيرة

لا تبتعد شواطئ إيطاليا عن شمال إفريقيا إلا بضع مئات الأميال ” فأوروبا عندما تدير ظهرها عن الجثث الموجودة في البحر لا تستحق أن تطلق على نفسها صفة حضارية”. وتشير تقارير مختلفة الى تصاعد ملحوظ في اعداد المهاجرين الافارقة القادمين من ليبيا حيث تشير شهادات مروعة جمعتها بعثة تقصي الحقائق الأممية في ليبيا حول معاناة المهاجرين في مراكز الاحتجاز المنتشرة في البلاد. البعثة أفادت بأن الكثير من الشهادات تحدثت عن مقابر جماعية في الصحراء الليبية، بالقرب من مدينة بني وليد، دفن فيها عدد كبير من المهاجرين ممن قضوا تحت التعذيب و الحرق و السعق الكهربائي ومن بينهم اطفال ونساء   أو نتيجة الإهمال لأوضاعهم الصحية كما تتعرض النساء الى الاغتصاب و الحرق و الاتجار حيث تنتشر فيديوهات كثيرة توثق كيف انمهاجرون يباعون في “أسواق النخاسة” بليبيا. تسيطر جهات متعددة على مراكز اللاجئين والإحتجاز مهاجرين أفارقة في ليبيا ، بعضها يعود لسلطة إحدى الحكومات المتنازعة على السلطة في البلاد. وبعضها الآخر يقع تحت نفوذ ميلشيات مسلحة اين يتعرض المهاجرون لضروب من الاستغلال و”تجارة البشر

إن التطــرق إلــى موضــوع الهجــرة غيــر النظاميــة و الهجرة الوافدة اتخــذ أشــكاًل مختلفــة ومقاربــات متنوعــة بتنـوع الإشكالات المطروحـة فـي عالقـة أساسًـا بمواجهتهـا كظاهـرة تـؤرق المجتمـع الدولـي والتـي يتـم تكييفهـا بوصفهـا مصـدر كل المخاطـر التـي قـد تهـدد دول الاستقبال وكوضعيـة تسـتحق مزيـدًا مـن الإحاطة والحمايـة عندمـا يقـع التطـرق إليهـا مـن منظـور حقوقـي وإنسـاني بالأساس، لذلــك كان التطــرق إلــى مســألة الهجــرة فــي زمــن غيــر بعيــد مرتبــط أساسًــا بحقـوق العامليـن المُهاجريـن وأسـرهم وبمسـألة التمييـز والاضطهاد الـذي قـد يتعـرض لـه العامـل المُهاجـر فـي دول الاستقبال التـي كانـت أثـر الحـرب العالميـة تسـتقطب المُهاجريـن بوصفهـم يـد عاملـة، بـل كانـت هـذه الـدول تُجبـر العامليـن علـى مغـادرة موطنهـم األصلـي للمُشـاركة فـي عمليـات الاعمار .

لقـد تضافـرت جهـود المجتمـع الدولـي لمُكافحـة ظاهـرة الهجـرة غيـر الشـرعية مـن خـال إبــرام الاتفاقيات الدوليــة ومــن أهمهــا اتفاقيــة الأمم المتحــدة لمكافحــة الجريمــة المنظمـة عبــر الوطنيــة وبروتوكولهــا الملحــق الخــاص بمكافحــة »جريمــة تهريــب المُهاجريــن عــن طريـق البـر والبحـر والجـو« والتـي مهـدت الاتفاقيات إقليميـة  بيـن دول العبـور ودول الاستقبال وبيـن الـدول المنشـأ ودول الاستقبال بهـدف ترسـيخ التعـاون الدولـي للقضـاء علـى هـذه الظاهـرة، خاصـة مـن خـال إحـداث لجنـة حقـوق الإنسان التابعـة للأمم المتحـدة والمقـرر الخـاص المعنـي بحقـوق الإنسان للمُهاجريـن، حيـث حثـت اللجنـة علـى إيجـاد السـبل الكفيلـة لحمايـة حقـوق المُهاجريـن ،غيـر أن تحقيـق المُعادلـة بيـن حقـوق الإنسان وحمايـة دول الاستقبال واســتقرارها وأمنهــا يبــدو صعبًــا.

ثالثا : الإرهاب المجهول و الخلايا النائمة

في اطار بلورة ورفع اللبس عن ملف وجود الافارقة من جنوب الصحراء في هذه الفترة بالذات حيث تتوافد على الحدود التونسية افواج يومية مسترسلة يبدو الوضع حساسا و ليس بالأمر العفوي وان استمرار وجودهم خاصة في ضل هشاشة الوضع الامني و تعاظم قوة المهربين و المحتكرين و السوق السوداء الحدودية و بعض الجماعات الارهابية التي لا تزال تنشط جنوب الصحراء التونسية …مما يثير احتمال استغلال بعض المهاجرين القادمين من بؤر التوتر و القادمين من الصراعات و اللذين لهم سوابق اجرامية مع جماعات ارهابية اخرى ك بوكوحرام وتنظيم داعش و الكتائب و المعسكرات التدريبية و القتالية  وهؤلاء كانوا مجندين ومستخدمين أي متدربين على حمل السلاح و استعماله وصنعه و العتاد العسكري بمختلف ما فيه من انشطة متنوعة و كل الخوف هو ان بعض هذه الفئات غير حاملة لهوية ومجهولة المصدر بما يصعب مباشر التعرف عليها او مراقبتها من قبل الوحدات الامنية التونسية او حتى في اطار اجهزة التعاون الامني الدولي المشترك .

تنبأ العديد من المتخصصين بانتقال شبكات الإرهاب إلى مناطق أخرى في العالم و التي ستتركز على جبهة المتوسط  ومع عودة فصائل القاعدة وظهورها في دول أفريقيا خاصة في الصومال ومالي ونيجيريا، فضلاً عن شمال أفريقيا، أشار المراقبون إلى أن أفريقيا سوف تصبح مستقبلاً “أرض الجيل الثالث لتنظيم القاعدة” بحيث تكون “أفغانستان جديدة” اذ .يتغلغل في قارة أفريقيا خمس مجموعات إرهابية مسلحة شديدة الخطورة، ولديها صلات بتنظيم القاعدة، وهي: “بوكو حرام” في نيجيريا، و”القاعدة في المغرب الإسلامي” شمال الصحراء الكبرى، وحركة “الشباب المجاهدين” الصومالية، وحركة “أنصار الدين” السلفية الجهادية في مالي، وحركة “التوحيد والجهاد” في غرب أفريقيا.

كما ان انتشار التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء هو نتاج تضافر العديد من العوامل، من أبرزها تردي الأحوال المعيشية في الدول الأفريقية، والتدخل الأجنبي السافر في شؤون القارة، وانتشار الجماعات التبشيرية بشكل كثيف، وسهولة التنقل بين الدول وبعضها البعض، والاحتكاك بمجموعات جهادية كثيرة خارج الإقليم في أفغانستان والسودان وغيرهما، هذا علاوة على الطبيعة الداخلية، الاقتصادية والعرقية والقبلية، للعديد من الدول التي تشجع على إفراز تنظيمات متشددة، في كل من موريتانيا و ونيجيريا ومالي وبقية الدول المجاورة في الغرب والوسط.فالبيئة في أفريقيا صالحة لاستمرار وتصاعد وتوغل الحركات الإرهابية، ذلك أن “التدخلات الغربية ما هي إلا ادعاءات غير حقيقية، فالغرب يعمل لمصالحة التي قد ترتبط باستمرار الإرهاب في المنطقة لضمان استمرار سيطرته على المصادر الأفريقية”.

بالرغم من حداثة مشكلة الهجرة غير الشرعية في إطار العلاقات الدولية، فإنَّ الاهتمامَ بها من قبل السياسيين والأكاديميين والعامة قد زاد بشكلٍ ملحوظٍ ، حيث أصبح عشرات الآلاف من الأفارقة والعرب يُهَاجِرُونَ على مَتْنِ ما يُعْرَفُ بِقَوَارِبِ الْمَوْتِ من الشواطئ التونسية إلى السواحل الإيطالية.

المصادر :

المعهد الوطني للإحصاء

وكالة الامم المتحدة للهجرة

المنظمة الدولية للهجرة

المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الانسان

منظمة العفو الدولية

المفوضية السامية لحقوق اللاجئين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق