القذافي: الزعيم الذي شوّهوه وكفّروه
بقلم : سوسن احمد أبو عجميه
قالوا عنه إنه مجنون، ومجرم، وكافر، وساحر، ومهرج ، ومصاص دماء ، ومهووس .. لقد اصبح العقيد معمر القذافي في مستهل عام 2011 رمزا لكل الشرور في هذا العالم ، وشخصا يخلو تماما من المزايا والإيجابيات..
لقد كرست وسائل الإعلام المختلفة في تناغم وتوقيت مشبوهين كل جهدها في تشويه صورة هذا الرجل وشيطنته وتجريده من آدميته ، وقد وصل الأمر بالبعض إلى أن يصرح بأن”الإستعمار أرحم بكثير من حكم هذا الرجل الذي هو على استعداد لإبادة شعبه على بكرة أبيه”.
لم يكن من السهل الحديث عن هذا الرجل في ظل ما يسمى بالثورات العربية التي كانت تمر بها ليبيا والبلاد العربية، ولم يكن مقبولا مجرد التفكير بأية إيجابيات أو إنجازات للقذافي، فقد كان ذلك أقرب إلى الكفر، ويتهم الشخص فورا بالجنون أو بأنه مأجور لدى القذافي ، ولم يكن مسموحا حتى التساؤل حول مصداقية أي تهم وافتراءات توجه له وللنظام الليبي ، لأن البديهي في نظر الكثيرين أن “هذا الديكتاتور حكم شعبه على مدار 42 سنة بالحديد والنار وأنه لم ينجز أي شي لبلاده بل قادها إلى التخلف” ، بل إن البعض صدق الدعايات المغرضة بأنه لا يوجد في ليبيا مستشفيات ولا جامعات ولا مراكز صحية ولا طرق!
حرب إعلامية شرسة لم يسبق لها مثيل، تعتمد على الكذب والتدليس والتلفيق وقلب الحقائق كوقود أساسي، تعتمد على إحداث الإبهار والصدمة لدى المتلقي ، وتجعل المتلقي على تسليم تام وقناعة غير قابلة للشك، بل واستماتة في رفض التشكيك بأي معلومة حتى لو كانت بالأدلة والحقائق.. لقد أبدعت وسائل الإعلام المشبوهة في تشويه صورة هذا الرجل وشيطنته وتجريده من آدميته، من خلال استثمار كل التقنيات والإتصالات الحديثة في محطات الآخبار والفضائيات والمواقع الإلكترونية والفيديو وصور الكاريكاتير وغير ذلك..
إن شراسة هذه الحرب الإعلامية وتجاوزها لكل حدود الأخلاق والمنطق تثير الريبة والشك، وتدفع إلى الفضول والتساؤل عن حقيقة معمر القذافي، فمن هو هذا الرجل الذي تكالب عليه الأعداء وتنكر له الأصدقاء؟
والجواب:نغنر القذافي هو الذي قام بانقلاب أبيض لم تسفك فيه قطرة دم واحدة .. هو الذي أطلق عليه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لقب أمين القومية العربية والوحدة العربية.. هو من قام بتطهير ليبيا من القواعد الأمريكية والبريطانية والايطالية التي كان لها دور أساسي في العدوان على مصر عام 1967، وهو الذي جعل أمريكا تفقد أهم قواعدها العسكرية خارج أراضيها مما تسبب في شل حركة الأسطول السادس على البحر الابيض المتوسط، وجعلها تخسر بوابة العبور إلى إفريقيا.. هو الذي رفض كل محاولات الإحتواء والهيمنة الإستعمارية عندما رفض الإنضمام إلى “الأفريكوم” وإلى “الإتحاد من أجل المتوسط”..هو الذي جعل ليبيا تحتل المركز الأول على الصعيد الإفريقي والخامس على مستوى العالم العربي في مؤشر التنمية البشرية، حسب ما جاء في تقرير برنامج الأمم المتحدة الانمائي 2010.. هو الذي جعل ليبيا تحتل الترتيب الـ53 على مستوى العالم في مؤشر التنمية البشرية.
القذافي هو الذي قام بإنشاء مشاريع الإسكان الضخمة في ليبيا، وقضى على مساكن الصفيح والأكواخ التي تشتهر بها بلدان كثيرة في شمال إفريقيا .. هو الذي قام بتنفيذ مشروع النهر الصناعي العظيم الذي يعد أضخم مشروع لنقل المياه في العالم عرفه الإنسان.. هو الذي قام بتأميم قطاع النفط وحرم أمريكا والغرب من الإستحواذ عليه ونهبه..
هو الذي أسس مشروع الإتحاد العربي الإفريقي كي يتمكن العرب والأفارقة من حل مشاكلهم بدون تدخلات أجنبية.. هو الذي قام بتمويل إنشاء القمر الصناعي الإفريقي بدلا عن استخدام الأقمار الصناعية الغربية ، وبهذا يكون قد حرم أوروبا من ملايين الدولارات ومن الهيمنة الثقافية والإعلامية على القارة الإفريقية..
هو الذي مزق ميثاق الأمم المتحدة الذي داست على مبادئه الدول الكبرى، وطالب بالتحقيق في 65 حربا نشبت منذ إنشاء الأمم المتحدة،وهو الذي أثار قضايا مسكوتا عنها عانت منها البشرية على غرار الدعوة إلى التحقيق في إعدام الرئيس صدام حسين وفضيحة سجن أبو غريب وتسميم الرئيس الفلسطيني عرفات والعدوان على غزة، وغير ذلك من الجرائم.
القذافي هو الذي أجبر إيطاليا على الإعتذار عن حقبة استعمارها لليبيا.. هو الذي روع الغرب عندما اقترح التعامل بالدينار الذهبي في إفريقيا والوطن العربي بدل الدولار واليورو..
هو الذي وقف موقفا شجاعا برفضه الغزو الأمريكي للعراق..
هو الذي طبق الديمقراطية الحقيقة من خلال سلطة الشعب والمؤتمرات الشعبية التي يجهل فلسفتها وتفاصيلها للأسف حتى الذين انتقدوها وحاربوها..
هو الزعيم العربي الوحيد الذي طرح عدة مبادرات للوحدة، وهو الوحيد الذي حاول جمع كل الدول العربية وعمل على فتح الحدود أمام الجميع، وهو الذي أسس جمعية الدعوة الإسلامية العالمية التي تميزت بنشر الدين الحنيف كما أنزله رب العالمين بعيدا عن المذاهب والتعصب وأنشأت مئات المدارس والمساجد والمستوصفات خدمة للمسلمين ..والقذافي هو الذي أسلم على يديه الملايين خاصة في القارة الإفريقية..
هو الذي ساعد حركات التحرر والشعوب المظلومة ، في كفاحها ضد قوى القهر والإستغلال ..
هو شخص يكره النفاق والتبعية ، فقد رفض مصافحة وزيرة الخارجية الامريكية المجرمة كونداليزا رايس.. وهو الذي فتح أبواب ليبيا أمام بني قومه ليساهموا في معركة البناء ولإعطاء المثل بضرورة تجاوز حدود سايكس بيكو التعسفية..كما وظف إمكانيات عديدة في خلق الإستثمارات المشتركة مع مصر والسودان والمغرب وتونس واليمن وغيرها.. هو الذي منع الخمر والإتجار بالنساء في ليبيا،مباشرة بعد قيام الثورة عام 1969.
القذافي هو من أنتج ومول فيلم عمر المختار، وفيلم الرسالة الذي دخل بسببه ألوف الناس في الإسلام.. هو الزعيم العربي الذي ظل متمسكا ومعتزا بلغته، وعروبته وخيمته، ولباسه العربي.
في الحقيقة كنت أجهل الكثير عن القائد معمر القذافي، وفي كل مرة كنت أكتشف المزيد من الحقائق المشرفة والمواقف الوطنية والإنسانية عن الزعيم الليبي والتي تتناقض تماما مع الحملة الظالمة التي تستهدف الأرض الليبية والشعب الليبي قبل كل شيء، وأشعر بالأسف الشديد لمدى تأثير تلك المحاولات التي تسعى إلى اغتيال رموزنا، وتشويه تاريخنا، وتسفيه عقولنا.
لقد أظهرت الحرب على ليبيا مزايا وإنجازات معمر القذافي التي كانت خافية على الكثيرين، والتي يحاول عملاء الإستعمار وأصحاب النفوس الظلامية المريضة طمسها وتشويها، لكنّ كل ذلك يذكرني بقول الشاعر” أبو تمام”:
وإذا أراد الـلـه نشــر فـضـيلـة ** طـُويـت أتـاح لهـا لسـان حسـود
لولا اشتعال النار فيما جاورت**ما كان يُعرف طيبُ عَرف العود .
بالفعل لا يمكن معرفة رائحة طيب العود إلا بالنار،
وبالنار والحرب الظالمة على شعب ليبيا وعلى شخص معمر القذافي عرفنا الكثير من المزايا والحقائق التي كانت مخفية .. فسحقا للحاقدين والأعداء وسحقا لمؤامراتهم. .