إفريقيا

هل تدخل روسيا مرحلة تصفية الحسابات مع أردوغان؟

موسكو – 05-02-2020

تؤشر التطورات الأخيرة في إدلب إلى أن روسيا تعامل أردوغان كمتعاون محلي يجب ألّا يبالغ في تقييم مكانته وأن وضعه لا يسمح له بفرض رؤيته على المنطقة والوقوف في وجه الخطة الروسية التي تهدف إلى التوصل إلى تسوية شاملة في سوريا.
وقال مصدر دبلوماسي روسي إن “أنقرة تواصل وضع العراقيل أمام جهود دمشق وموسكو لتطبيق اتفاق سوتشي الموقع في سبتمبر 2018، بعد تقاعس الجيش التركي عن تنفيذه”.
ورجح المصدر في تصريح لجريدة(العرب)الصادرة بلندن، أن تتصاعد الخلافات في منطقة شرق الفرات، لافتا إلى أن “موسكو راعت في السنوات الأخيرة قلق أنقرة تجاه المسألة الكردية، وقامت بالمساهمة في معالجة ما يسمى بالتهديد الكردي، وإبعاد الفصائل الكردية عن الحدود التركية”.

وبرغم ذلك- يضيف المصدر- تواصل أنقرة عرقلة جهود موسكو الهادفة إلى تسوية شاملة في سوريا، وتسعى إلى فرض رؤيتها السياسية والديمغرافية في المنطقة، وتستغل المسلحين المدعومين من قبلها في مساومات سياسية”.
وردا على تجاوز أردوغان الخطوط الروسية الحمراء بتكرار عدم اعتراف بلاده بروسيّة شبه جزيرة القرم وإعلانه نيته تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، أطلقت وسائل إعلام روسية مقربة من الكرملين حملة بدأتها بنشر تقرير مفصل عن إرسال أنقرة للمرتزقة إلى ليبيا لدعم الميليشيات الإرهابية المسلحة التي يحتمي بها السراج.
وأعدت وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية (فان) تقريرا كشف بدقة الطرق التي اعتمدتها تركيا لنقل المتطرفين من سوريا إلى طرابلس لدعم ميليشيات حكومة الوفاق المسيطرة على العاصمة طرابلس.
وذكر التقرير أنه منذ 24 ديسمبر الماضي أرسلت أنقرة أكثر من 1200 إرهابي سوري عبر حدود الدولة إلى الجانب التركي من خلال ممرات نقل معدة خصيصًا، وبعد وصولهم إلى تركيا تلقى الجهاديون تدريبات خاصة في معسكرات تقع بالقرب من مدينة إزمير في غرب البلاد لمدة أسبوعين. بعد ذلك، تم نقل المتطرفين على متن طائرات تابعة لخطوط الأجنحة (يملكها الإرهابي بالجماعة الليبية المقاتلة عبدالحكيم بلحاج) والخطوط الإفريقية حيث هبطت الطائرات في مطار معيتيقة بالقرب من طرابلس.
وأكد التقرير أن مراسلي الوكالة حصلوا على وثائق تؤكد تكفل قطر بشراء الأسلحة في حين تقوم شركتا “بي أم سي” و”سادات” التركيتان بتجنيد متطرفين في سوريا.
وينسف تقرير الوكالة، الذي تداولته وسائل إعلام روسية على نطاق واسع، ما راج من أنباء مؤخرا بشأن وجود صفقة بين تركيا وروسيا تنص على استرضاء روسيا في سوريا مقابل التخلي عن دعم الجيش الليبي والسماح بتدفق المسلحين السوريين إلى طرابلس، ما يسمح بسيطرة تركيا على الملف الليبي.
ويبدو ان الرئيس التركي استشعر جدية موسكو التي تبدو عازمة على التصدي لتحركاته وهو ما دفعه الثلاثاء إلى إطلاق تصريحات في محاولة لتهدئة التوتر. وقال أردوغان “ليست هناك ضرورة للدخول في نزاع مع روسيا خلال هذه المرحلة، لدينا معها مبادرات استراتيجية جادة للغاية”،حسب قوله.
وتتعرض العلاقات الروسية التركية إلى أقسى اختبار لها منذ نوفمبر 2015 حين أسقطت تركيا مقاتلة روسية تسببت بقطيعة بين البلدين. وبرغم حرص الجانبين على عدم الوصول إلى مواجهة مباشرة على الأرض، فإن وقوف جيشي البلدين في خندقين متقابلين، وسقوط قتلى من الجانبين في الأيام الأخيرة يزيدان من مخاطر الصدام العسكري خاصة مع حشد أنقرة العسكري الكبير في الأيام الأخيرة، واستمرار موسكو في دعم حملة النظام جوا وبرا على محافظة إدلب والمناطق المحررة غربي حلب.
وفي تجاوز للخطوط الحمراء الروسية، كرر أردوغان عدم اعتراف بلاده بروسيّة شبه جزيرة القرم، وإعلانه عن نية تقديم دعم عسكري لأوكرانيا يتمثل في صفقة طائرات مسيرة بقيمة 200 مليون ليرة تركية خلال زيارته إلى كييف يوم الإثنين الماضي، حيث ووقع اتفاقات مع وزارة الدفاع الأوكرانية التي تناصب روسيا العداء وتعتبرها العدو الأول منذ ربيع 2014.
وقال أردوغان إن بلاده تعتبر تتار القرم” إخوة للأتراك” مشددا على ضرورة عودتهم إلى بلدهم الأم القرم. ولم تنتظر موسكو طويلا، وسارعت إلى رفض تصريحات أردوغان، على لسان المتحدث باسم الرئيس الروسي دميتري بيسكوف، الذي قال للصحافيين “نختلف بشدة مع شركائنا الأتراك، نحن لا نتفق مع اللغة المستخدمة في هذا السياق، لقد تحدثنا مرارا وتكرارا عن عدم وجود أي مخاوف بشأن تتار القرم”.

ولم تكتف تركيا بتصعيد لهجتها تجاه روسيا في موضوع القرم والتتار، بل أعلنت يوم الإثنين عن نيتها تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا.
وفي ضوء التطورات الأخيرة يرى مراقبون أن مغامرات أردوغان قد تؤدي إلى خسارة تحالفه مع روسيا وتراجع دور بلاده في ملفات سوريا وليبيا إضافة إلى أضرار اقتصادية كبيرة في مجال السياحة والتبادل التجاري، مع عدم قدرتها على التخلي عن مصادر الطاقة الروسية التي تؤمن أكثر من 55 في المئة من احتياجات الغاز في البلد.

وطالب جوزيف دانا رئيس التحرير بمؤسسة(إيمرج 85) الرئيس التركي أردوغان بالتخلي عن الطموحات الإمبراطورية من أجل مصلحة تركيا نفسها وكتب دانا في مقال بموقع (سنديكيشن بيورو) للرأي بعنوان “كيف تحولت تركيا من سياسة الحفاظ على علاقات طيبة مع الجوار إلى إثارة المتاعب في كل مكان”: على أردوغان وداعميه في حزب العدالة والتنمية التخلّي جميعهم عن طموحات الإمبراطورية العثمانية الجديدة، وإذا نظرنا إلى الإخفاقات الأخيرة في ليبيا كمثال، فإن تلك العملية ستكون في غاية الصعوبة.

ملاحظة:الصورة مقتبسة من وكالة الانباء الفرنسية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق