أخبار العالمإفريقيا

إثيوبيا وإريتريا.. من تحالف الضرورة إلى بوادر الصراع المفتوح

عادت الخلافات بين إثيوبيا وإريتريا إلى الواجهة بعد فترة من الهدوء النسبي الذي أعقب المصالحة التاريخية عام 2018، والتي أنهت عقدين من القطيعة بين البلدين. غير أن هذا التحالف لم يكن مستدامًا، بل بدأ يتآكل مع مرور الوقت، خاصة بعد توقيع اتفاقية بريتوريا في 2022، التي وضعت حدًا للحرب في إقليم تيغراي، وأدت إلى تدهور العلاقات بين أديس أبابا وأسمرا.

وفي خضم التوترات المتصاعدة، نشر الرئيس الإثيوبي السابق مولاتو تيشومي مقالًا تحذيريًا الشهر الماضي، دعا فيه إلى تحرك دولي عاجل لتجنب اندلاع صراع جديد في القرن الأفريقي، متهمًا الرئيس الإريتري أسياس أفورقي بالسعي لإشعال النزاعات في المنطقة. جاء هذا التصريح ليعكس حجم التصدع بين البلدين، وسط تصاعد الاتهامات المتبادلة والخطوات التصعيدية التي تشير إلى احتمال تطور الخلاف إلى مواجهة مفتوحة.

اتفاق سلام لم يصمد طويلًا

في عام 2018، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي عن نهاية القطيعة بين البلدين، من خلال اتفاق سلام أنهى حالة الجمود التي استمرت نحو عقدين منذ انتهاء حرب الحدود بينهما عام 2000. وبموجب هذا الاتفاق، حصد آبي أحمد جائزة نوبل للسلام، لكن سرعان ما ظهرت تحفظات واسعة حول الاتفاق، إذ اعتبره العديد من الإثيوبيين والإريتريين اتفاقًا شخصيًا بين الزعيمين، لم يأخذ بعين الاعتبار أصحاب المصلحة الحقيقيين، كما لم يتم الكشف عن بنوده بالكامل.

وبينما اعتُبرت هذه المصالحة خطوة نحو تحقيق الاستقرار في المنطقة، فإنها لم تعالج القضايا الجوهرية التي كانت أساس النزاع، مثل ترسيم الحدود، واستغلال الموانئ، والقضايا التجارية والاقتصادية، ما جعل الاتفاق أشبه بـ”هدنة ملغومة” لم تلبث أن تفجرت مع أول اختبار حقيقي للعلاقات بين البلدين.

اتفاقية بريتوريا.. نقطة التحول في العلاقات الإثيوبية الإريترية

في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وقعت الحكومة الإثيوبية اتفاق سلام مع جبهة تحرير تيغراي في بريتوريا بجنوب أفريقيا، بوساطة الاتحاد الأفريقي، لإنهاء الحرب التي استمرت عامين وأثرت على استقرار البلاد. غير أن هذه الاتفاقية لم تلق قبولًا من إريتريا، التي اعتبرتها خيانة من قبل أديس أبابا، حيث كانت القوات الإريترية قد شاركت في القتال إلى جانب الجيش الإثيوبي ضد قوات تيغراي.

ورأت أسمرا أن الاتفاق تم دون التشاور معها، رغم دورها المحوري في الحرب، مما أدى إلى تراجع العلاقات بين الطرفين، وعودة حالة الجمود إلى الواجهة. وزاد من تعقيد الوضع، أن الاتفاق نصّ على انسحاب جميع القوات الأجنبية من إقليم تيغراي، وهو ما يعني ضمنيًا انسحاب القوات الإريترية التي كانت تقاتل هناك، الأمر الذي وضع أسمرا في موقف حرج وأثار مخاوفها من احتمالية تهميشها في الترتيبات الأمنية المستقبلية في المنطقة.

تصاعد الاتهامات وتبادل الخطاب العدائي

في 17 فبراير/شباط الماضي، نشر الرئيس الإثيوبي السابق مولاتو تيشومي مقالًا تحت عنوان “الوقت المناسب للتحرك لتجنب اندلاع صراع جديد في القرن الأفريقي”، اتهم فيه الرئيس الإريتري بالسعي لإعادة إشعال التوترات في شمال إثيوبيا، والعمل على زعزعة استقرار المنطقة بأكملها.

وردًا على ذلك، وصف وزير الإعلام الإريتري يماني قبر مسقل هذه الاتهامات بأنها إنذار كاذب، واتهم إثيوبيا بمحاولة تحميل إريتريا مسؤولية مشاكلها الداخلية، لا سيما ما يتعلق بالصراعات في إقليم أمهرة، واتفاقها المثير للجدل مع إقليم أرض الصومال، الذي أدى إلى توتر علاقاتها مع الصومال.

عوامل تعميق الخلاف بين إثيوبيا وإريتريا

لم يكن اتفاق بريتوريا هو السبب الوحيد في تأزيم العلاقة بين البلدين، بل ساهمت عدة عوامل أخرى في تعميق الأزمة، أبرزها:

  1. الصراع في إقليم أمهرة ودور إريتريا المزعوم
    اندلعت مواجهات عنيفة في إقليم أمهرة عام 2023 بين الحكومة الفدرالية الإثيوبية وفصائل مسلحة تابعة لمليشيا “فانو”، على خلفية قرار دمج هذه الفصائل في القوات النظامية. واتُهمت إريتريا بتقديم دعم لوجستي وعسكري لهذه المليشيات، ما أثار استياء أديس أبابا، التي رأت في ذلك تدخلًا في شؤونها الداخلية.

  2. أزمة إثيوبيا في الوصول إلى البحر الأحمر
    فقدان إثيوبيا لمنافذها البحرية بعد استقلال إريتريا عام 1993 ظل هاجسًا يؤرق القيادة الإثيوبية، حيث تعتمد البلاد على جيبوتي للوصول إلى الموانئ. وأثار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الجدل عندما صرح في أكتوبر 2023 بأن بلاده بحاجة إلى منفذ على البحر الأحمر، عبر إريتريا أو الصومال أو جيبوتي، ملمحًا إلى إمكانية اللجوء إلى القوة لتحقيق ذلك، مما زاد من التوترات مع أسمرا.

  3. تحركات إثيوبيا ضد إريتريا
    سمحت إثيوبيا في يناير 2025 للمعارضة الإريترية بعقد اجتماعات علنية على أراضيها، وشهدت تلك الاجتماعات تنسيقًا بين فصائل معارضة، ما اعتُبر خطوة تصعيدية ضد حكومة أفورقي، التي تخشى من استخدام الأراضي الإثيوبية كنقطة انطلاق لأنشطة معارضة ضدها.

  4. التحالف الثلاثي بين مصر وإريتريا والصومال
    شكلت القمة الثلاثية التي جمعت قادة مصر وإريتريا والصومال في أكتوبر 2024 عاملًا إضافيًا في توتير العلاقات مع أديس أبابا، حيث اعتبرت إثيوبيا أن هذا التحالف يستهدفها، لا سيما في ظل تصاعد التوترات بشأن ملف سد النهضة وعلاقتها المتوترة مع الصومال.

  5. إجراءات إريترية ضد الخطوط الجوية الإثيوبية
    أوقفت السلطات الإريترية في منتصف 2024 رحلات الخطوط الجوية الإثيوبية إلى أسمرا، وجمدت حساباتها المصرفية، متهمة الشركة بسرقة الأمتعة وفرض أسعار غير مبررة، وهو ما رفضته إثيوبيا واعتبرته خطوة انتقامية تعكس عمق الخلاف بين البلدين.

سيناريوهات المستقبل: هل يتجه الطرفان نحو الصدام؟

تدل المؤشرات الحالية على أن العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا دخلت مرحلة غير مسبوقة من التوتر، في ظل الاتهامات المتبادلة والتصعيد المستمر. ورغم عدم وجود إعلان رسمي عن نية الحرب، فإن بعض التطورات تشير إلى احتمالية حدوث مواجهات، مثل استدعاء إريتريا لقياداتها العسكرية العليا، وتجديد عمليات التجنيد، وحظر السفر إلى الخارج.

في المقابل، تحاول بعض القوى الإقليمية والدولية تجنب اندلاع صراع جديد في القرن الأفريقي، لما قد يترتب عليه من تداعيات كارثية، ليس فقط على البلدين، ولكن على المنطقة بأسرها. ويبقى السؤال: هل يستطيع الطرفان احتواء الأزمة عبر قنوات دبلوماسية، أم أن التصعيد الحالي سيمهد الطريق لمواجهة جديدة تعيد شبح الحرب بين الجارين اللدودين؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق