مساعي جديدة لحلحة الأزمة بشأن سدّ النهضة الاثيوبي
يبدأ وزراء الموارد المائية والري في كل من مصر والسودان وإثيوبيا اجتماعاتهم في العاصمة السودانية،اليوم الجمعة لتتواصل إلى غاية السبت،لاستكمال المفاوضات بشأن سد النهضة الإثيوبي وكانت اجتماعات اللجنة البحثية الفنية المستقلة المكونة من السودان ومصر وإثيوبيا قد استهلت اجتماعتها يوم الإثنين الماضي،بالخرطوم، واستمرت إلى غاية يوم أمس،للبت في موضوع ملء وتشغيل سد النهضة،تمهيدا لاجتماع الوزراء المعنيين في الدول الثلاث.
وعادت الأزمة من جديد إلى الظهور على السطح بعد أن ساد اعتقاد بأن نوعا من الإنفراج قد لاح بين البلدين في أثناء زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في يونيو 2018 إلى مصر أجرى خلالها مباحثات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي ،وقد أعلنت الرئاسة المصرية آنذاك أن السيسي توافق مع آبي أحمد على احترام حق التنمية دون مساس بحقوق الطرف الآخر،خلال مناقشة تطورات الموقف بشأن سد النهضة.
وقال بيان الرئاسة إن السيسي وآبي أحمد أشارا إلى “توافر الإرادتين السياسية والشعبية للتوسع بآفاق العلاقات بين البلدين لتشمل كافة المجالات،لا سيما على الصعيدين السياسي والإقتصادي”.
وتختلف القاهرة وأديس أبابا على حجم المياه التي ستتدفق سنويا لمصر وكيفية إدارتها خلال فترات الجفاف،حيث تعتمد مصر على النيل لتلبية 90 بالمئة من احتياجاتها من المياه العذبة،وتريد أن يسمح خزان السد بتصريف كمية من المياه أكبر مما تريده إثيوبيا،وتؤكد مصر حاجتها إلى تدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من السد سنويا.
وكان الرئيس المصري قد أكد،في أثناء حواره مع عدد من الشخصيات المؤثرة بالمجتمع الأمريكي خلال زيارته الأخيرة إلى نيويورك،أن مصر ليست ضد التنمية في إثيوبيا،وأنها ليست ضد إقامة السدود لكن ليس على حسابها والإضرار بها.
وقال:”لن يتم تشغيل السد بفرض الأمر الواقع، لأننا ليس لدينا مصدر آخر للمياه سوى نهر النيل”،مشيرا إلى أن 95% من مساحة مصر صحراء، وأن أي إضرار بالمياه سيكون له تأثير مدمر على المصريين.
وأضاف أن استمرار المشكلة سيؤدي إلى عدم استقرار المنطقة،وأعاد التأكيد على أن قضية المياه بالنسبة لمصر هي مسألة حياة ووجود، موضحا أن إعلان المبادئ الموقع عام 2015 وما تلاه من مفاوضات لم يؤد إلى نتائج،في حين نقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن رئيس الوزراء أبي أحمد قوله إن”وضع السد في صيغته النهائية وفقًا للجدول الزمني المحدد، هو الأولوية الرئيسية لحكومته”.
من جانبهم أطلع وزيرَا المياه والشؤون الخارجية الإثيوبيان،سفراء عدد من الدول الإفريقية والأوروبية على مستجدات سد النهضة وموقف أديس أبابا فيما يتعلق بعملية ملء خزان السد وغيرها من القضايا ذات الصلة.
وخلال الاجتماع،قال وزير المياه الإثيوبي،سيلشي بيكلي،إن بلاده رفضت الإقتراح المصري لأنه”ينتهك الإتفاقية الموقعة بين الدول الثلاث حول الإستخدام العادل والمعقول لمياه نهر النيل”.
من جانبها،قالت الرئيسة الإثيوبية،ساهل ورك زودي، أمام الجلسة العامة للأمم المتحدة إن”التعاون في حوض النيل ليس خيارًا بل ضرورة” مشيرة إلى”اعتقاد إثيوبيا الراسخ بأن استخدام نهر النيل يجب أن يكون مبنيًا على مبادئ الاستخدام العادل والمعقول للموارد الطبيعية التي لا تسبب أي ضرر”.
في هذه الأثناء،دخلت الولايات المتحدة على خط الأزمة،حيث أعلنت، أمس الخميس، دعمها للمفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة، وذلك بعد أيام من رفض أديس أبابا اقتراحا قدمته القاهرة لتشغيل السد. وفي بيان للمتحدثة الصحفية باسم البيت الأبيض، دعت الولايات المتحدة “الأطراف الثلاثة إلى بذل جهود حسنة النية للتوصل إلى اتفاق مستدام”.
يذكر أن سد النهضة،جرى تصميمه منذ عام 2011،ليكون حجر الزاوية في مساعي إثيوبيا لتصبح أكبر مصدر للطاقة في إفريقيا، إذ سينتج أكثر من 6000 ميغاوات.وذكرت إثيوبيا أن السد سيبدأ إنتاج الطاقة بحلول نهاية عام 2020،وسيعمل بكامل طاقته بحلول عام 2022.
وكانت مصر وإثيوبيا والسودان،قد وقعت في مارس 2015،اتفاقا يتضمن 10 مبادئ أساسية لحفظ الحقوق والمصالح المائية والتعاون على أساس التفاهم والمنفعة المشتركة،وعدم التسبب بضرر لأي من الدول الثلاث.
وتخشى مصر من أن تؤدي الخطة الإثيوبية لتشغيل السد النهضة إلى اقتطاع نحو 15 مليار متر مكعب من المياه،مما سينجم عن ذلك تدمير آلاف الأفدنة الزراعية ووقف عملية استصلاح الزراعة، حسب تقدير الكاتب المتخصص بالشؤون الإفريقية بصحيفة الأهرام، عطية عيسوي.
وفي الوقت الذي تريد إثيوبيا ملء الخزان في ثلاث سنوات،ترى مصر أن الأمر يحتاج إلى سبع سنوات حتى تتفادى الخسائر المحتملة،كما ترفض إثيوبيا المقترح المصري الآخر المتمثل في التنسيق بين”المنظومة الهيدروليكية لإدارة سد النهضة والسد العالي في مصر وسدود السودان”.
ويبدو أن النزاع الذي استمر في التأثير على العلاقات بين البلدين منذ توقيع تلك الإتفاقية، سيأخذ مزيدا من الوقت والجهد لبناء جسور الثقة بين الأطراف المعنية ولتفادي الأسوإ في تطورات هذا الملف الساخن، استنادا إلى حكمة القيادة في البلدين،وتأسيسا على مبادرات الصلح والسلام التي قام بها رئيس الوزراء آبي أحمد في المنظقة.