أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

جهاز الإستخبارات العسكرية الإسرائيلي”أمان”: الأخطر والأفشل

قسم البحوث الأمنية والعسكرية

الإشراف والمراجعة الدكتورة بدرة قعلول

تونس 05-01-2024

يمتلك جهاز الإستخبارات العسكرية “أمان” قدرات تكنولوجية متطورة، تمنحها ميزة نسبية على المستويين المحلي والدولي، في فك الشفرات وجمع المعلومات.

يتبع جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان” تنظيمياً وإدارياً، رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، وتعد موازنته المالية جزءاً أساسياً من موازنة الجيش، ويترأسه الجنرال “أهارون حاليفا”، ومن أبرز مهامه:

  1. جمع المعلومات الاستخباراتية بواسطة العملاء.
  2. تقديم التقييمات الاستخباراتية حول الوضع والخطط العملياتية، وخطط العمل للجيش الاسرائيلي المصادق عليها من قبل رئيس هيئة الأركان.
  3. تزويد الملحقين العسكريين الإسرائيليين في السفارات بالمعلومات المتعلقة بعملهم.
  4. إبلاغ رئيس الوزراء ومجلس الوزراء، بجميع التهديدات المحتملة من الدول “المعادية”، عبر تقرير سنوي يتضمن معلومات محينة ودقيقة.

يعمل في جهاز “أمان” أكثر من 7 آلاف شخص، وينقسم  الجهاز إلى 3 وحدات رئيسية:

  • وحدة 8200: وتعد أكبر الوحدات الرئيسية، مسؤولة عن جمع المعلومات الرئيسية في الاستخبارات العسكرية، ويتولى الجنود فيها مسؤولية تطوير واستخدام أدوات جمع المعلومات، وتحليل ومعالجة وتبادل المعلومات المجمعة مع المسؤولين، وتعمل في جميع المناطق ووقت الحرب، والمقر الميداني القتالي من أجل ضمان تدفق أسرع للمعلومات، وتلعب دوراً رئيسياً في الحرب الإلكترونية، كونها مكلفة بجمع معلومات الإشارة”SIGINT” وفك التشفير.
  • وحدة 9900
  •  ووحدة 504.

هذه المؤسسة الاستخباراتية مرتبطة مباشرة برئيس الحكومة ومنفصلة في نفس الوقت عن المؤسسات السياسية، وهو جهاز مستقل عن الجيش الإسرائيلي منذ 1954.

 وكان تأثير جهاز “أمان” الرئيسي خلال ستينيات وسبعينيات، يأتي من “حكومة المطبخ” في تعبير للمداولات غير الرسمية التي كانت تُجرى في “مطبخ” منزل رئيسة الوزراء السابقة “جولدا مائير” ويحضرها عدد قليل من الحكومة ومدير “أمان” ورئيس “الموساد” ورئيس الأركان. وعكست هذه الاجتماعات اليد العليا لـجهاز “أمان” على القرار الأمني والعسكري، بفضل ما تمتلكه من موارد غير محدودة مقارنة بالأجهزة الأخرى أو وزراء المجموعة الأمنية. واستمرت هيمنة “أمان” على الاستخبارات الإسرائيلية دون منازع.

وامتد دور “أمان” خلال العقود الماضية ليشمل مجموعة واسعة من المجالات، بما فيها الجوانب السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية والدينية.

ومن الأدوار الحاسمة لـ”أمان” وجود عناصرها من ضباط المخابرات في الإطار العملياتي لهيئة الأركان العامة، لتسهيل تبادل المعلومات السرية مباشرة مع القادة والوحدات القتالية، وتحسين الفعالية القتالية للجيش بشكل كبير لضمان اتخاذ قرارات أكثر كفاءة على الأرض. مما يمنحه معلومات عن واقع الصراع لا تتوفر لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الأخرى.

عقب هجوم المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023، انهالت الانتقادات على المؤسسات الاستخباراتية الإسرائيلية، بشأن الإخفاق في منع الهجوم أو تحذير الحكومة من أي تهديدات محتملة، لذا أقر رئيس الاستخبارات العسكرية “أهارون حاليفا” في 17 أكتوبر و في بداية نوفمبر 2023، بمسؤوليتة عن الفشل في إعطاء تحذير مسبق قبل الهجوم، مؤكداً أن “أمان” تتحمل مهام الهجوم والدفاع في المعركة الحالية، وأن وجود إسرائيل ليس على المحك، وفي 26 نوفمبر كرر اعترافه بتحمل المسؤولية بشأن الإخفاقات، وتقديم الاستقالة في أقرب وقت ممكن، وبعد هذه التصريحات ظهرت منافسة داخل “أمان” على رئاسة أركان الجيش، حتى بدأت بعض المشاورات حول الحرب دون إشراك “أهارون حاليفا”.

قدمت “أمان” تقديرات بعد هجوم المقاومة الفلسطينية، تفيد بأن رئيس حركة حماس بغزة يحيى السنوار مسؤول عن الهجوم، وأن إيران وحزب الله لم يحصلا على بلاغ مسبق منه بشأن الهجوم وتوقيته. ورغم أن تقديرات “أمان” في السابق كانت تشير إلى أن يحيى السنوار امتنع عن المواجهة العسكرية مع إسرائيل منذ عملية “حارس الأسوار” في مايو 2021، وأن حماس تريد استمرار التهدئة، وراضية عن التعهدات الإسرائيلية بزيادة عدد تصاريح العمل في إسرائيل للعمل من غزة، إلا أن المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” “عاموس هرئيل” أشار إلى أن خطة الهجوم كانت معروفة لإسرائيل منذ أكثر من سنة.

وكشفت “أمان” عن أسباب محتملة لتغيير حماس توجهاتها، وتتعلق بمخاوف الحركة من جمود التفاوض حول تحرير الأسرى الفلسطينيين، واقتراب اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل، في ظل توسع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، مستغلة التوتر في الداخل الإسرائيلي حول التعديلات القضائية.

الإصلاحات الكبرى التي تجرى الآن في الاستخبارات الإسرائيلية لإستدراك الوضع الأمني وخاصة مستقبل دولة الإحتلال تضمن:

  • التعاون الوثيق بين جامعي المعلومات والمحللين، وزيادة مساحة التفاعلات بين الاستخبارات والسياسة، واستخدام منتجات الذكاء الرقمي.
  • التركيز على الآثار المترتبة على ظاهرة الويب “2.0”.
  •  التعاون الأفضل بين الهواة والمحترفين.
  • ضرورة السماح لـجهاز “امان” تقديم التقييم الاستخباراتي الشامل، بحيث تشمل مهامه البحث في كافة المواضيع في الساحة الخارجية.
  •  التركيز على “الاستخبارات متعددة الأبعاد”، وهو مفهوم جديد بدأ جهاز “أمان” في تطبيقه، مما يدل على تفاعل ثوري بين جمع المعلومات والتحليل.
  • زيادة القدرة على تحليل المعلومات بل وتسريع عملية التحليل.
  •  تعزيز دور قسم الأبحاث الذي يعد الوحدة الرئيسية المسؤولة عن تحليل وتفسير المعلومات الاستراتيجية داخل أمان، المعروف أيضًا باسم مكتب المعلومات، وهي وحدة شديدة الأهمية تتميز بإمكانية لا مثيل لها “إسرائيلياً” للوصول إلى البيانات الاستخباراتية والموارد ونطاق واسع من التحليل، يجعلها كياناً لا مثيل له داخل الإطار الأمني ​​الإسرائيلي.
  • تعزيز المهام المسندة لـ “أمان” إلى أهمية دورها وسط باقي الأجهزة الاستخباراتية بإسرائيل، قبل وقوع الخطر بتحديد التهديدات المحتملة، وسد أي ثغرات أمنية تعرض أمن إسرائيل للخطر، وأثناء الحرب من خلال التواجد بميدان المعارك، وتحليل المعلومات وقدرات الخصم، ووضع الخطط العسكرية الهجومية والدفاعية.

كشفت حرب غزة عن خلل داخل جهاز الإستخبارات العسكرية “أمان” بالرغم من كل الإمكانيات الهائلة وخاصة مساحة الإستقلالية التي يحضى بها هذا الجهاز، يعني أنه خارج على السيطرة السياسية والجيش، ولكنه فشل والى اليوم وبعد ثلاثة أشهر من الحرب على غزة لا يزال هذا الجهاز “المتغطرس” يجني الفشل، حتى أنه هناك من يقول قد “فقد السيطرة الشبه كلية في الداخل”.

فلقد فقد الثقة من كل الأجهزة العسكرية والسياسية وخاصة وأنه هناك خلافات كبرى منذ القدم بينه وبين جهازي الإستخبارات “الشباك” و”الموساد”، كذلك كل المؤشرات وفقاً للمعلومات لم تشر إلى أي هجوم متوقع، الأمر الذي تسبب في نشوب خلافات بين باقي أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مع “أمان” وفي المرحلة المقبلة ستتعمق الخلافات أكثر لأن جهاز “أمان” بدأ يفقد السيطرة على وحداته في دول العالم خاصة في تركيا وأوربا وأمريكا، وفقدان ثقة الإسرائيليين في الحكومة وأجهزتها العسكرية من ناحية أخرى.

والفشل الذي يتخبط فيه هيكل جهاز الإستخبارات “أمان” منذ عملية طوفان الأقصى يرجع بالأساس الى وحدة “محامي الشيطان”، التي يتمحور دورها حول التحقق من التقييمات ومعارضتها حتى أن يثبت العكس، تجنباً لأي فشل استخباراتي.

يبدو أن الخلاف قائم بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، بشأن التعامل مع الحرب في غزة، وهو خلاف ليس بالجديد حول استهداف الأنفاق في غزة أو قيادات حماس والإغتيالات وتحريك الإرهاب، ما ينعكس على تطورات الصراع الراهن، وقرارات الحكومة الإسرائيلية في العملية العسكرية، وفرص وقف إطلاق النار وإبرام صفقة جديدة لتبادل الأسرى…

 ولكن الخطير في هذا الجهاز الإستخباراتي “المتغطرس” والذي لا يريد ضباطه أن يفقدوا “الإمتيازات” هو أنه بدأ يلعب لعبته في توسيع نطاق الحرب ولفت أنظار العالم اليها حتى يتمكن الجيش الصهيوني من عملية الإبادة الجماعية وتهجير ما تبقى من فلسطينين وبالتالي الخروج من الهزيمة بأي شكل من الأشكال والتكفير عن السقطة التي وقع فيها في 07 أكتوبر 2023 وإسترجاع هيبة إسرائيل التي “ضاعت” وانتهت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق