هل ثار الشعب التونسي ليرهن مصيره لدى التحالفات الخارجية؟
تونس-تونس-06-6-2020
إذا كان مفهوم الثورة المتعارف عليه هو علم تغيير المجتمعات نحو الأفضل على أنقاض واقع سيئ،فإن الملاحظ في ما سمي”ثورات الربيع العربي”أن مفهوم الثورة لا ينطبق عليها أولا بحك النتائج وهي كارثية مهما حاول الذين ركبوها واستفادوا منها ،وثانيا بحكم نتائجها بعد عشر سنوات من التخبط السياسي.
والواضح أن ذاكرة الكثيرين من العرب قصيرة للغاية لنسيانهم أن الصهيوني هنري برنار ليفي هو عراب هذا”الربيع” والذي قال في كتابه(الطريق إلى طبرق):”إن كل ما فعلته هو خدمة لإسرائيل ولصهيونيتي”؟
وكثيرون هم الذين لم يتابعوا تأكيد رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق عام 2011،سيلفيو برلسكوني،في لقاء تلفزيوني وفي حديث لوكالة(آكي) الإيطالية في 11 يناير 2013،أن “ما حدث في ليبيا
لم يكن ربيعاً عربياً أو ثورة للشعب،وإنما هو تدخل عسكري جرتنا إليه فرنسا وقدمت أمام المجتمع ما يحدث في ليبيا على أنه ثورة”..مضيفا أن “العقيد معمر القذافي كان محبوباً من قبل مواطنيه”.
هذه شهادة أحد الأعضاء الفاعلين في حلف شمال الأطلسي،والمطلع على كل أسرار ووثائق ما حدث.
وبالرجوع إلى تونس..إذا كانت الثورة تعني هدم الفاسد وإقامة النافع،فما الذي حدث تحديدا؟
عشر سنوات من المراهقة السياسية التي نجم عنها أزمة اقتصادية خانقة وتفشي الإرهاب وانتشار الفساد على نطاق واسع إلى درجة أن يوسف الشاهد بعد تعيينه أدرك حجم المخاطر قائلا:”إن محاربة الفساد أصعب من محاربة الإرهاب”،هذا فضلا عن احتقان اجتماعي متصاعد وارتفاع كبير في نسبة البطالة ما دفع عشرات الآلاف من المواطنين إلى المجازفة بحياتهم عبر سفن الموت في البحر المتوسط للوصول إلى أوروبا،علاوة على تصاعد خطير في نسب الجرائم والعنف والحرابة..
تونس بعد أحداث 2011 تصنف أيضا بأنها من بين أكبر مصدري العناصر الإرهابية عبر تسفير الشباب إلى بؤر القتال حتى أصبح التونسي محل شبهة أينما حل!ناهيك عن الدبلوماسية التونسية التي افتقدت كثيرا من إشعاعها وحضورها الإيجابي عربيا وقاريا وعالميا..
وحدهم الإنتهازيون والسماسرة ومن ركبوا الموجة والساعون وراء المغانم يحاولون المتاجرة بتلك الأحداث في حين يتهمون كل من يقول لهم لا، ولو بأدب، بل وصل الأمر إلى الإغتيالات السياسية التي يعرفها الجميع.
هنا تحديدا وجب التأكيد والإشادة بهبة الشعب التونسي الذي انطلق في انتفاضته عام 2011 بوعي وإرادة على التغيير وإنهاء الدكتاتورية والقهر والإستغلال،مدفوعا بإرث نضالي وتراكم كفاحي كبير،ورفع شعار الحرية والكرامة..وأفشل بدم أبنائه وإصراره مخططات المتربصين بتونس في الداخل والخارج، ليجعل من البلاد فعلا استثناءً،إلا أن الذين كلفوا بأمانة تسيير دواليب الحكم –وأغلبهم لم يشاركوا في الهبة الشعبية-جيروا زخم الإنجاز التاريخي وفقا لأجنداتهم وقناعاتهم الإيديولوجية..
ولعل ما افتقرت إليه الثورة التونسية هو عدم وجود قاعدة فكرية واضحة أوقادة يوجهون مسيرتها نحو الطريق القويم،وهو الوضع الذي مكن بعض القوى من الركوب والإلتفاف على أهدافها،لنصل اليوم إلى وضع أنتج هذا البرلمان الفسيفسائي المتناقض الأهواء والذي فشل في كثير من المسارات العملية في ترجمة تطلعات الشعب مبادئ الحرية والكرامة التي ضحى من أجلها.
وما عاشته البلاد منذ الإنتخابات الأولى عام 2011 وصولا إلى انتخابات 2019 خير دليل على ذلك.
وحتى لا نطيل، لعل رفض مشروع لائحة بعدم تدخل تونس في الصراعات الخارجية قد يكون “منطقيا” نتيجة سيطرة تحالف قوى معروفة داخل البرلمان.. أما أن يتعنت نواب ويصرون على عدم مناهضة جعل تونس قاعدة لوجستية ومنطلقا للعدوان على الأشقاء فذلك هو العجب العجاب والسقوط التاريخي المر!
إلا أن ما يبعث على الأمل والطمأنينة هو الصحوة المتصاعدة والوعي المتنامي في الأوساط الشعبية،وقد رأينا ذلك في مواقف الوطنيين الأحرار في مجلس نواب الشعب وفي الشارع والأقلام الصحفية الجريئة.