من هيرون إلى بيرقدار وغاز المتوسط/ استراتيجية تركيا وإسرائيل المشتركة
دمشق-سوريا-26-6-2020
مع توجه تركيا في منتصف تسعينيات القرن الماضي للقضاء على مقاتلي حزب العمال الكردستاني في المناطق الجبلية الوعرة، لجأت أنقرة إلى حليفتها التاريخية “إسرائيل” بطلب شراء طائرات من دون طيار “هيرون”، التي كانت تستخدمها الأخيرة في جنوب لبنان وقطاع غزة.
وعقدت تركيا مع إسرائيل سلسلة اتفاقيات عسكرية عام 1996، حصلت “إسرائيل” بموجبها على امتيازات عسكرية وأمنية واسعة، وصلت إلى حد إقامة قواعد ومصانع عسكرية تابعة لقوات الإحتلال على الأراضي التركية، وتحديدا في محافظة أزمير.
ومن رحم هذه الإتفاقيات جاءت اتفاقية شراء تركيا 6 طائرات هيرون عام 2006 التي دخلت إلى الخدمة فعليا عام 2009، ولكن سرعان ما اكتشفت تركيا أن هذه الطائرات مهمتها هي التصوير والحصول على معطيات ميدانية دون التسليح والقدرة على تنفيذ المهام القتالية، لتتوجه بعد ذلك إلى التفكير بتسليح هذه الطائرات.
وتأسيسا على ذلك جاءت طائرات بيرقدار المعروفة تي بي 2، وقد سميت “ببيرقدار” نسبة إلى سلجوق بيرقدار، زوج سمية ابنة أردوغان، ولعل هذا ما دفع بأردوغان إلى إعطاء أهمية قصوى لهذه الطائرة، ولاسيما بعد تسلمه رئاسة مجلس إدارة الصناعات العسكرية، حيث بات يوقع على بعض هذه الطائرات قبل انطلاقها إلى العمليات الحربية.
مع استخدام تركيا هذه الطائرات بكثافة ضد المقاتلين الأكراد في المناطق الجبلية داخل تركيا وفي جبال قنديل بكردستان العراق، توجهت لاحقا إلى استخدامها بقوة في مناطق شمال سوريا وشرقها،ثم خلال المعارك الأخيرة في إدلب ضد الجيش السوري، وأخيرا في ليبيا ضد الجيش الوطني حيث باتت طائرات بيرقدار سلاح أردوغان الأقوى في تهديد أمن دول المنطقة.
وكثيرا ما تردد السؤال على ألسنة الخبراء: هل سرقت تركيا تكنولوجيا طائرة هيرون الإسرائيلية ؟ أم أن ذلك جرى بالإتفاق بين الجانبين ؟ مع أن الإجابة على هذا السؤال تحتمل الإحتمالين إلا أن فرضية الاتفاق بين الجانبين تبقى هي الأرجح، نظرا لحجم التعاون العسكري بينهما الذي وصل إلى حد وصف البعض له بالعشق السري وبغرام الأفاعي، خاصة في ظل تقارير تحدثت عن أن مصنع طائرات بيرقدار في أزمير هو إنتاج تركي – إسرائيلي مشترك وعلى أساس مناصفة بين الطرفين.
وثمة من يتحدث عن اصطناع الطرفين(التركي والإسرائيلي) لمعارك وهمية بينهما للتغطية على الكثير من الأسرار والسياسات والأهداف، برغم تظاهر أردوغان بالخلاف مع “إسرائيل” على أساس مناصرة القضية الفلسطينية، والتي يعرف الجميع أنها ليست سوى قنابل صوتية، تستخدم لأغراض سياسية وفي إطار استغلاله لجماعات الإسلام السياسي ولاسيما “الإخوان” في العالم العربي من جهة، ولزيادة شعبيته في الداخل التركي من جهة ثانية.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي مصلحة”إسرائيل” في ذلك ؟.. في الواقع، ثمة قاعدة إسرائيلية قديمة، تتعلق بالتحالف مع دول الجوار العربي ولاسيما تركيا وإثيوبيا بغية إضعاف الدول العربية وتفتتيها، وإذا كانت أثيوبيا مارست هذا الدور من بوابة مياه نهر النيل في التعامل مع مصر والسودان، فإن تركيا مارست هذا الدور أمنيا وعسكريا ومائيا ضد دول عربية ولاسيما سوريا والعراق وحديثا ليبيا ومصر ودول الخليج العربي.
بمعنى آخر تريد “إسرائيل” تحقيق أهدافها الإقليمية من خلال الدور الذي تقوم بها الدولتان، ومثل هذا الدور تجيده تركيا جيدا وتمارسه منذ عقود، وعليه لا يمكن النظر إلى ما تقوم بها تركيا اليوم في سوريا والعراق وليبيا، من دون وجود بعد إسرائيلي يتعلق باستنزاف هذه الدول، وإلا كيف يمكن تفسير صمت إسرائيل على ما تقوم بها تركيا في المتوسط ولاسيما لجهة القيام بعمليات تنقيب عن الغاز دون أي اتفاق مع الأطراف المعنية؟
وتركيا أردوغان تفعل ذلك على أمل أن تتقاسم معها في المستقبل المشاريع الإقليمية الكبرى على مستوى الغاز والمياه والنقل والكهرباء في إطار مشاريع الهيمنة على المنطقة.
*خورشيد دلي- كاتب سوري