سوريا في مواجهة مؤامرة دولية لإسقاط الدولة
تونس في 28-11-2020
نظّم المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس، الجمعة 27 نوفمبر2020، ورشة عمل عن بعد، تمحورت حول الوضع السياسي والأمني والإقتصادي في سوريا، في إطار أنشطة المركز المتنوعة .
وأثث اللقاء عن بعد مجموعة من الباحثات بالمركز والناشطة السياسية السورية والمثقفة ميس الكريدي، حيث تناول اللقاء مواضيع مهمة تصب صلب الأزمة التي تعيشها سوريا منذ2011، حين حاولت أطراف كثيرة الإطاحة بدولة سوريا.
ماذا حدث في سوريا منذ 2011؟
واستأنفت الناشطة السياسية حديثها بالحديث على متانة العلاقة بين الجمهورية العربية السورية والجمهورية التونسية وعن عراقة العلاقات التاريخية التي تجمع بين الشعبين، مشيرة إلى أزمة المرأة السورية المغيَبة عن المنابر الإعلامية و عدم قدرتها على إبلاغ صوتها نظرا لانتشار الأفكار الرجعية والإقصائية، مبدية إعجابها بالتجربة التونسية و دور الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة في إقرار منظومة تشريعية و دستورية حفظت مكانة المرأة ومكَنتها من أخذ حقوقها و حمايتها وهو أمر سابق للتجربة التونسية مقارنة مع الدول العربية الأخرى .
ودعت الكريدي، في معرض حديثها، إلى ضرورة حماية المرأة من خلال إرساء منظومة تشريعية قوية والعمل على تطوير البنى الدستورية، وهو ما تعمل على تحقيقه من خلال دورها ضمن اللجنة الدستورية السورية.
وأثناء حديثها عن المشهد السوري، إعتبرت الباحثة السورية، أن سوريا تعرضت لمؤامرة، لافتة إلى ان المشكل ليس في مبدأ المؤامرة بل في الدول التي تتآمر على بعضها البعض.
وأشارت ضيفتنا، إلى أهمية الصمود في مواجهة هذه المؤامرات، والعمل على كيفية التعامل معها والذي لن يكون إلا بتحكيم عقل المصالحة بين الانفعالات و ردود الأفعال لتجاوز الأزمات، قائلة، “القناعات الوطنية لا تتبدَل لكن المقاربات هي التي تتغيَر”.
وبخصوص الوضع الإقليمي، أفادت ميس الكريدي أنَ كل الأنظمة تعمل على تثبيت واقع فيه تقاطع مع موقفها، و ليس هنالك مجال للحديث عن توافق مع هذه الأنظمة بل صار الحديث عن تقاطع في الرغبة لحماية الدولة الذي تعتبره شعارها الذي لا تتخلى عنه.
وأكّدت الناشطة السياسية السورية، أنَ مختلف الأطراف في سوريا ليست في وضع يسمح لها بتوزيع شهادات وطنية و إنَما يتوجَب التوافق على عنوان الوطنية وهو بناء الدولة خاصة و أنَ المنطقة العربية لم ينضج فيها مفهوم الدولة بع، وفق تعبيرها..
وأرجعت الكريدي ذلك لأسباب تاريخية منها بقاء سوريا لفترة طويلة تحت تأثير الدولة العثمانية، وبعد خروجها وقعت ضمن الصراعات الدولية و مخططات التقسيم مثل مخطط سايكس بيكو و المخططات البريطانية ثم في مرحلة لاحقة مرت في الحرب الباردة بتيارات مختلفة للقطبية التي حكمت في تلك الفترة، مردفة، “هذا الخليط السياسي أثَر في أفكار النخبة المتمدرسة في الدول الأجنبية والتي تأثَرت بالتجارب الحداثية الأجنبية، في المقابل نجد تيارات مناهضة لهذا الفكر الحداثي، كل هذا الاختلاف الفكري لم ينضج حسب الباحثة في إطار الدولة و هو ما زاد من صعوبة التوصّل إلى اتفاقات و تقارب بين وجهات النظر تراعي خصائص الدولة”.
شرعية النظام السوري
وإعتبرت الباحثة السورية، أنَ النظام السوري هو السلطة الشرعية الحالية في البلاد، مبرزة أهمية التفاوض معه كجهة أساسية في الأزمة السورية،قائلة، ” لا يجوز بمزاج سياسي الإنقلاب على مؤسسات الدولة التي نقاتل دفاعا عنها،أما التيارات التي ترفض التفاوض مع النظام فلا يمكن اعتبارها معارضة سياسية و إنَما معارضة كيدية و حقدية غالبا ما تكون مستقطبة من قبل أجندات خارجية مؤكدة أنَه لا يمكن التوصل إلى أي اتفاق دون التفاهم مع النظام السوري”.
ملامح المشهد الحالي في سوريا؟
وغير بعيد عن نفس السياق،وصفت ميس الكريدي، المشهد السياسي الحالي في سوريا، بالصعب ، في ظل التدخلات الأجنبية والظروف الاجتماعية والاقتصادية المأساوية، لافتة إلى ان البلاد تعيش أيضا في ظلَ تمدَد و انتشار واسع للجماعات الإرهابية، إلى جانب فوضى السلاح، داعية إلى ضرورة تفعيل قوة الجيش لتطهير البلاد من الإرهاب و فوضى الأسلحة كضرورة ملَحة لاي سوري.
وأردفت الباحثة السورية، أنه برغم من ان الهدف الرئيسي هو تحقيق الديمقراطية إلا أن الوضع الراهن يتطلب وجود سلطة مركزية قوية تقضي على التيارات المتطرفة بالمنطقة .
وأعربت المتحدثة، عن تفاؤلها للوصول إلى حلّ سياسي ينهي الصراع الدائر منذ سنوات برغم كل العقبات التي تواجهها دمشق اليوم، مشددة على أن النخبة السورية قادرة اليوم على التوصّل إلى حلَ عن طريق حوار سوري-سوري، يقصي كافة الأطراف الأجنبية التي لا تطرح حلولا و إنما خرائط لاستنزاف الشعوب ،وفق قولها.
وقالت الكريدي ، “إن البيئة اليوم في سوريا ملائمة لبسط جماعة الإخوان أفكارها ونفوذها، مصرحة، ” في معتقداتنا الشعب المظلوم سيكون ملجأه الوحيد الله وهذا ما تبني عليه جماعة الإخوان فكرة الاستقطاب لتأتي هذه الأخيرة في ثوب الله، لكن في الحقيقة هي وسيلة للاستثمار و المتاجرة بمآسي هؤلاء الناس”.
وإعتبرت أن الكلّ يحمل على عاتقه مسؤولية ما وصلت إليه سوريا اليوم “معارضة وشعبا”.
أما بخصوص القرار الأممي2254، والذي تعلّق عليه المعارضة أفق الحلّ السياسي، قالت الكريدي إنّ القرار يتعلَق بوحدة سوريا و سيادتها أرضا و شعبا، وبالنسبة للمعارضة التي وظّفت لخدمة مصالح دول بعينها من ذلك (هيئة الرياض، منصة القاهرة، منصة موسكو وغيرهم…) لم تركّز مع الهدف الحقيقي و الأساسي لهذا القرار بل تنشغل بالانتقال السياسي الذي يشير له القرار المذكور آنفا، على الرغم من أن الأولية هي إنقاذ الشعب لا تعميق أزمته .
المعارضة في سوريا : بين حضن جماعة الإخوان والارتزاق
أما بخصوص دور المعارضة للوصول إلى حلّ سياسي سلمي يرضي مختلف الأطراف المتصارعة، أفادت الباحثة أن هناك نوعين من المعارضة في سوريا، أولهما تختبأ وراء الإخوان و التي تسعى لتقسيم الدولة، و أخرى “معارضة المرتزقة” كما سمَتها و التي تتّبع تيّارات تتلقى دعما دوليا، من بينها من تسعى إلى إنشاء إمارة إسلامية في إدلب لتمرير لتحقيق نفس المطامع وهي تقسيم سوريا، متابعة، ” لكنَ الوضع متأزم في هذه الحال فتقسيم سوريا هو دمار لهذه الفئة التي يحرّك أوصالها حزب العمّال الكردستاني بدعم تركي، فالحلّ الوحيد هنا هو تفاهم تركي- سوري بدل تقسيم الدولة”.
اللجنة الدستورية: بين التسويف والتعطيل
وأعادت ميس الكريدي التعطيلات التي حالت دون تحقيق اللجنة الدستورية هدفها باستكمال صياغة الدستور، إلى غياب حوار وطني سوري- سوري، لافتة إلى ان التعطيل سياسي بالأسا و ليس قانونيا، قائلة، ” ليس من المعقول قبول حوار سوري-سوري مع من يحمل راية أخرى غير علم سوريا.”
ووفق الكريدي، يجب ان يأخذ الحوار السوري -السوري شكل الإصلاح القانوني والتطوير من بنى الدولة لصالح الشعب السوري، وليس بتغيير ثوابت يمكن تغيرها ببساطة و ليس في ظرف استثنائي ( العلم، اسم الدولة، نشيد الوطن) هذا ما يجعل من الأمر مدعاةً لانعدام الثقة ويذهب إلى التسليم بوقوف أجندات دولية ورائه.
المخاطر الناجمة عن التدخلات التركية شمال سوريا
ترى الباحثة السورية أنَ التدخل التركي له أبعاد تاريخية قديمة، إضافة إلى الارتباط الحدودي الذي يمتد إلى 800 كيلومتر في منطقة شمالي سوريا، وبخصوص فرض اللغة التركية في الإقليم و تغيير أسماء بعض شوارعه لارتباطات مع الموروث التركي علّقت المتحدثة انه واجهة لحقيقة أدهى وهي تصدير المرتزقة إلى ليبيا اذربيجان وغيرهما ومعسكرات التدريب إلى العالم، مؤكدة ان تركيا تسعى إلى الحفاظ على تموقعها بسوريا والذي ينبع من إيمانها في إنهاء مشكلة حزب العمال الكردستاني والتي تعلم جيدا أنها أرضية خصبة لتطبيع الإسلام بكافة المنطقة .
قانون قيصر:تجويع وتركيع للسوريين
وفي سؤال المركز الدولي للدراسات الأمنية والعسكرية بتونس، عن تداعيات “قانون قيصر” على الشعب السوري، ردّت الكريدي عن تعرضها للنقد و لهجوم عنيف من المعارضات باختلاف أصنافها لموقفها الواضح و الصريح بخصوص القانون ، معتبرة ان القانون هدفه تركيع الشعب السوري و تجويعه .
وأضافت، “الكل يعلم تاريخ هذا النوع من العقوبات ،فهو يؤدي إلى خلل في التوازن الصحي والبيئي و الاقتصادي لأي بلد كما حدث من قبل مع الشعب العراقي’، داعية إلى مناهضة هذا القانون للمعرفة الأكيدة لغاياته ألا وهي إرهاق الدولة وإضعافها والقضاء عليها ، موجهة دعوة لكل النشطاء الأحرار في العالم لمناهضة هذا القانون .
وبدورها، تحدثت رئيسة المركز الدكتورة بدرة قعلول، عن أهمية الوجود الجيو-استراتيجي لسوريا ماجعلها محل أطماع خارجية كبيرة.
وأفادت قعلول، إن سوريا تتعرّض لمؤامرة دولية كبيرة،داعيا القادة العرب إلى السعي جماعيا للتصدّي لها ، قائلا” ما يمسّ سوريا يضرّ الجسم العربي الكبير”.