حرب الجنرالات …لماذا السودان وكيف تخطط إسرائيل ؟
تقرير فاتن جباري
تقديم
ما تنفك وسائل الاعلام المحلية و الدولية عن محاولة تأمين التغطية المستمرة لما يحصل في العاصمة السودانية الخرطوم بعد ضرب مقر التلفزيون السوداني اما مواقف دولية جد متصدعة ومتضاربة بينما الخاسر الاكبر في هذه الخرب هو الشعب السوداني الذي يواجه مصيره بنفسه … السودان ك ثالث بلد عربي واقع على افريقيا باحتياطي زراعي هام مشرف على نهر النيل وموانئ النفط العملاقة بالبحر الاحمر يتحول اليوم مركز تكالب القوى والكل يريد قطعة منه.. دور كبير للإمارات و السعودية و اسرائيل وروسيا في حين بقي الموقف المصري متأرجحا رغم العمق الجيواستراتيجي بين البلدين …
وحتى اليوم تتواصل نيران الحرب المشتعلة بين الجنرالات والميليشيات المتقاتلة وراء اصطفاف اقليمي ودولي يسعى الى جذب طرف الخيط فكانت بمثابة حرب الوكالة بين عنصرين رئيسيين اي بين الجيش النظامي بقيادة عبد الفتاح” البرهان” وبين قوات الدعم السريع “حميدتي ” حيث المشاهد التي تصف الدمار المسلح و الاستعمال المتوحش للسلاح حتى داخل الاحياء السكنية و القرى و المقرات القنصلية المستشفيات و وسط خروقات لاتفاقيات الهدنة لفسح ممرات انسانية لتقديم المساعدات و اجلاء المتضررين من النساء و الاطفال و الجرحى الامر الذي ادى الى وضع انساني كارثي تجرمه القوانين الدولية ومبادئ حقوق الانسان لأنها من قبيل جرائم الحرب و الابادة الجماعية و الجرائم ضد الانسانية … ووسط تطور المشهد واحتدام الصراع تطرح تساؤلات كثيرة ماهي اسباب الصراع الكامنة وراء الحرب في السودان وماهو المخطط الخارجي الذي يرمي الى تفتيت السودان و عرقلة تقدمها او انتقالها الديمقراطي منذ 2019 و الى اين تتجه الحرب وماهو دور المجتمع الدولي و المجتمع الاقليمي في إدارة الازمة السودانية ؟.
اولا – أسباب الصراع في السودان من يقف ورائه ؟
لماذا السودان ؟
السودان قطرٌ شاسع وموقع استراتيجي هام تغطي مساحته قرابة 1,861 كيلومتر مربع مما يجعله ثالث أكبر دولة من حيث المساحة في أفريقيا وفي العالم العربي قبل انفصال جنوب السودان سنة 2011 يقسم نهر النيل أراضي السودان إلى شطرين شرق وغرب وتقع العاصمة الخرطوم عند ملتقى النيلين الأزرق الأبيض رافدا النيل وهو عامل طبيعي جغرافي مميز جدا كما تزخر بمخزون طبيعي هام جدا . هذه الدولة العربية التي تقع في شمال شرق أفريقيا تحدها 9 دول كاملة و هي كل من مصر من الشمال وليبيا من الشمال الغربي وتشاد من الغرب وجمهورية أفريقيا الوسطى من الجنوب الغربي وجنوب السودان من الجنوب وإثيوبيا وأريتريا من الشرق والبحر الأحمر … وحيال الوضع الراهن أسئلة عديدة تثار بشأن موقع السودان الجغرافي والسياسي فأطماع دول كبرى وإقليمية في بلد غني مثل السودان جعلته مركز صراع بين هذه القوى المختلفة ومن هنا، يتداخل البعدان الدولي والإقليمي مع البعد المحلي في الصراع الدائر، بينما يتم إغفال الجانب القبلي الحاضر بقوة في هذا الصراع، والذي قد يقود إلى حربٍ أهلية، ويؤدّي إلى تفكّك السودان، وهو ما ستكون له تداعياته الكبرى على المنطقة، وخصوصا على دول الجوار، ولا سيما مصر.
من هي قوات الدعم السريع ؟
قوات الدعم السريع هي مليشيا شبه عسكرية مشكّلة ومكوّنة من مليشيات” الجنجويد “التي كانت تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية خلال الحرب في دارفور. تُدير قوات الدعم السريع من قِبل جهاز المخابرات والأمن الوطني وهذا الأخير يقبعُ تحت قيادة القوات المسلحة السودانية. تأتمرُ قوات الدعم السريع بأمرِ محمد حمدان دقلو المعروف أيضًا باسمِ حميدتي الذي برزَ بعدَ سقوط نظام البشير وصارَ في وقتٍ لاحقٍ نائب رئيس المجلس العسكري الذي ينوي قيادة البلاد في الفترة الانتقاليّة اما عددها فبحسب تقديرات الرسمية فيتجاوز عشرات الألاف .
وظفتها الحكومة السودانية ابان حكم البشير في محاولاتها لمحاربة التمرد المناهض للحكومة و حماية الحدود و حفظ النظام خلال الحرب في دارفور. حيث شهدت السودان لسنوات مضت احداث عنف اثنية ، دينية ، وعرقية بين جماعات متمردة ومسلحة و شُكّلت قوات الدعم السريع رسميًا في 2013 بعدما تمّت إعادة هيكلتها فأصبحت تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني وذلك في أعقاب إعادة تنشيط ميليشيات” الجنجويد” من أجل محاربة الجماعات المتمردة في إقليم دارفور وجنوب كردفان وولاية النيل الأزرق في أعقاب الهجمات المشتركة من قبل متمردي الجبهة الثورية السودانية في شمال وجنوب كردفان في2013 بالإضافة إلى دورها في دارفور؛ عادةً ما يتمّ نشرُ قوات الدعم السريع أيضاً للقيام بدوريات على الحدود مع ليبيا ولجمع اللاجئين الإريتريين والإثيوبيين وذلك في إطار تنفيذ بنود مبادرة مشتركة بين الدول الأوروبية والأفريقية بما في ذلك السودان لوقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا لذاك فهي تحظى الان بدعم غربي على مستوى التسليح كما شاركت قوات الدعم السريع في الحرب الأهلية اليمنية؛ حيثُ انخرطت عسكريًا – رفقة قوات الأمن السودانية الأخرى في التدخل الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن وتعرّضت لانتقادات عدّة بسببِ هذه المُشاركة في ظل تدهور أوضاع اليمن بسبب الحرب التي سببها الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران الحوثي .
الأزمة الخلافية بين الجيش النظامي و قوات الدعم السريع
منذ 2019 بدأت السودان مرحلة انتقالية على اساس اجراء انتخابات ومن ثمت يقع الاتفاق على تقاسم السلطة بين الجيش النظامي و القوى المدنية و كذلك يقع دمج قوات الدعم السريع في ضل اصلاح امني شامل الا وان ذلك سرعان ما تحول الى حرب بين الجنرالات … خلافات عديدة تسببت في توتر حاد بين الطرفين، أبرزها عدم التوصل الى تفاهم تام حول الاتفاق الإطاري الذي يقضي بدمج قوات الدعم السريع مع الجيش النظامي السوداني، بموجب خطة انتقالية تفضي إلى انتخابات جديدة ويُعتبر دمج قوات “الدعم السريع” في القوات المسلحة إحدى نقاط الخلاف الأساسية التي أدت إلى حدوث صدام عسكري بسبب وجهات النظر المتباينة بين الطرفين اهمها توحيد المؤسسة العسكرية وقيادة القوات المسلحة ومراجعة رتب الضباط والفترات الزمنية لدمج التشكيلات في جيش مهني واحد
وصلت العلاقة بين جناحي المكون العسكري في السودان إلى مستوى غير مسبوق من التوتر ادى الى مواجهة مسلحة مباشرة، حيث حذر الجيش من أن البلاد تمر بـ”منعطف خطير” بعد انتشار قوات الدعم السريع المسلحة في الخرطوم ومدن رئيسية وهنا يصبح الأمر خارجا عن السيطرة ويتحوّل السودان إلى منطلق ومركز للجماعات الإرهابية، ما يهدّد بصورة مباشرة الحالة السياسية والأمنية على الصعيدين الدولي والإقليمي.
ثانيا – دور السياسة الخارجية و الأطراف الإقليمية في إدارة الأزمة بالسودان
شكّلت إدارة الملفات الخارجية تحدياً كبيراً للجانبين ذلك أنَّ أبرز القضايا الخلافية في هذا الملف تتمثل في العلاقات بين السودان وإسرائيل وروسيا إلى جانب العلاقات مع الدول المجاورة ويتهم الجيش، حميدتي، بالسعي لخلق علاقات دبلوماسية موازية للدولة مشيراً بذلك إلى زياراته لدول عدة سبق أن زارها البرهان مما يعطي إيحاءً بأنَّ هناك قائدين للبلاد.
ومن بين أهم اللاعبين في السودان، هي الإمارات والتي وسّعت حضورها في السنوات الأخيرة في القرن الأفريقي ويعود اهتمامها اولا وبالذات بمجال الاستثمارات الزراعية و التجارية الضخمة لدبي حيث سعى ملوك ابو ضبي الى تمويلات مالية وعسكرية لفائدة حميدتي الذي استخدمته الامارات سابقا في عمليات عسكرية كبيرة في اليمن وليبيا ودارفور
مخاطر انجرار مصر للحرب لا تزال قائمة بحسب خبراء دوليين : فالتموقع الاستراتيجي للسودان بالنسبة لمصر و التي تعتبرها الحديقة الخلفية لها الى جانب حماية مصالحها المركزية المهددة بالسودان… مصر التي غابت عن عمقها الأفريقي تاركتا فراغا لصالح الدول الخليجية وأصبحت المنافسة السعودية والإماراتية واضحة وقوية على ثروات السودان وسواحله وهنا يطرح السؤال هل أصبحت مصر رجل المنطقة المريض الذي فقد قدرته على التأثير في عمقه الاستراتيجي، وأصبح منهمكا في شؤونه الداخلية و الاقتصادية، وتراجعت أهميته بالمنطقة كمؤثر اقليمي فاتصال وزير الخارجية الأميركي بوزيري خارجيتي السعودية والإمارات لإيجاد حلّ للصراع المتفجّر في السودان دلالة واضحة على تراجع دور مصر التي لم تعد حاضرة في المشهد ولم تعد اللاعب الأساسي في المنطقة مثلما كانت ابان الحرب الدائرة في ليبيا كوسيط استراتيجي في النزاع .
وينظر الاتحاد الأوروبي باهتمامٍ كبيرٍ إلى تطوّرات الوضع في السودان خشية حصول موجة هجرة جديدة مصدرها السودان والقارّة الأفريقية حيث كانت قوات الدعم السريع خصوصًا تضطلع بدور كبير في الحدّ من تدفق الهجرة عبر الصحراء بين ليبيا وتشاد والسودان في مقابل مساعدات مالية
وفي ظل ضعف الولايات المتحدة وتراجع نفوذها في المنطقة يحاول الفاغنر الروسي الحصول على موطئ قدم بحري له في الموانئ السودانية على البحر الأحمر، حيث قدمت شركة فاغنر عربات قتالية وتدريبات لقوات الدعم السريع مقابل تنازلات مربحة في مجال التنقيب عن الذهب . التعاون الكبير بين قوات الدعم السريع ومجموعة فاغنر من خلال تمويل قوات الدعم وتأمين تدفّق كميات كبيرة من الذهب واليورانيوم من السودان لدعم مساعي روسيا القائم على بناء احتياطيات ضخمة من الذهب والمعادن في وجه العقوبات الغربية إضافة إلى محاولاتها إقامة قاعدة عسكرية في البحر الأحمر وهو المشروع الذي قوبل برفض غربي كبير.
3- الأطماع الإسرائيلية نحو التوغل بالسودان و غزو إفريقيا
على وقع الأطماع “الإسرائيلية” في السودان، عرض العدو الاسرائيلي وساطته بشكل رسمي لحل الأزمة بين طرفي النزاع للتظاهر بعمق علاقته مع هذا البلد في محاولة للإيحاء بأنّ علاقات التطبيع ناجحة بعد الصفعات التي تلقاها الكيان مؤخرًا داخليًا جراء الاحتجاجات الواسعة، وخارجيًا مع الاتفاق الإيراني السعودي
“و مما لا شك فيه و ان الاهتمام الإسرائيلي بمصادر المياه عموما وبحوض النيل على وجه الخصوص يقع في قلب الفكر الاستراتيجي الصهيوني هذا الفكر الذي يسعى الى تنفيذ عقيدته المسمومة في كل مكان سواء عن طريق بث الفتن وهو ما تظهره المواجهات المسلحة والميليشيات وحرب الشوارع في الوطن الواحد الذي انقسم الى نصفين … معلوم مصدرها كصنيعة وتقنية اجرامية صهيونية مستعملة دوليا …”
حددت إسرائيل 4 مصالح أساسية واضحة للتطبيع مع السودان تتلخص في الوصول الى مصادر المياه الزراعة الأمن والهجرة والسياحة و وتطمح الى تحقيقها، من خلال الاستثمار بهذا البلد الذي يتشارك حدوديا مع 7 دول أفريقية، وربطه بالطرق ويستخدم ميناء بورتسودان لإيصال المنتجات الزراعية، في وقت وصفت تل أبيب السودان بأنه “سلة غذائية” للقارة الأفريقية. حيث تسابق تل أبيب الزمن للهيمنة على مقدرات الخرطوم، وهو ما تجلى بزيارة وزير المخابرات الإسرائيلية، إيلي كوهين، للسودان، مؤخرا، والذي كشف عن المصالح والأطماع الإسرائيلية، عبر الاستثمار بالقطاعات التجارية والصناعية والزراعية، وإنشاء مصنع للأسمدة والكيماويات بالخرطوم، ليكون أول مصنع إسرائيلي يقام بدولة عربية أو إسلامية.
تنظر تل أبيب إلى الخرطوم على أنها بوابة إسرائيل إلى أفريقيا، خصوصا حيال مايشهده الكيان من اضطرابات داخلية … مركزة خطواتها نحو استغلال الموارد الزراعية والطبيعية لتوسيع نشاط الشركات الإسرائيلية في القارة، ولتضع موطئ قدم لها بأفريقيا وعلى البحر الأحمر منافسة لأي محاولات استثمارية للسعودية ومواجهة النفوذ والاستثمار التركي. كما تطمع الشركات الإسرائيلية ورجال الأعمال اليهود الى التوغل بالسودان من خلال الاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة والصحة والطيران والزراعة، حيث تشجع المؤسسة الإسرائيلية ولإحكام سيطرتها على السودان الشركات اليهودية على تنفيذ هذه المشاريع من قبل مبادرات وشركات قطاع التجارة والأعمال الخاصة.
أبرز مايميز السودان ثرائه بالموارد الطبيعية والحيوانية، والمعدنية، والنباتية والاعتماد الرئيسي للسودان على مجال الزراعة إذ تحتل نسبة 80٪ من النشاط الحيوي بالبلاد علاوة على الانتاج النفطي في موانئ البحر الاحمر وقربها جغرافيا من سد النهضة في المقابل يعاني هذا البلد الغني بالثروات من الصراعات الاهلية و النزاعات من قبيل الجماعات الإرهابية المتطرفة و المتنافسة من اجل هذه الموارد لتصبح السودان محلا للأطماع الخارجية بامتياز ،وخاصة منها شركات الاستثمار الاسرائيلية بما مرده و ان اتفاقية التطبيع الاسرائيلية مع السودان ترمي اولا و بالذات الى الاستحواذ على ثروات السودان .
الاهتمام الاسرائيلي بمصادر المياه و بحوض النيل و بموانئ النفط في البحر الاحمر و المخزون الهائل الذي تكتنزه السودان من القمح و التي جعلتها في قلب الفكر الاستراتيجي الصهيوني… فالسودان في نظر اسرائيل هي جزء افريقي هام هي مخازن الحبوب و قطاع الماشية وسلة الغذاء و ارباح اقتصادية هامة وهذا ما يفسر الدعم المسلح و اللوجستي من انظمة وتقنيات تجسس واسلحة متطورة التي منحتها اسرائيل لفصائل و لقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي من أجل السيطرة على اهم المرافق الحيوية و المواقع الاستراتيجية بالسودان …
سوف تكون لهذا الصراع على الأرجح تداعيات كبرى خصوصا إذا طال، وتدخّلت أطراف إقليمية ودولية لدعم أحد الطرفين ما يهدّد بتفكك البلد وانهيار السلطة المركزية التي تواجه اضطراباتٍ واحتقانًا قبَليًا وإثنيًا ، هذا في ظل إصطفاف اقليمي و دولي داع كل الاطراف الى الجلوس على طاولة المفاوضات واستئناف المسار الانتقالي واستبعاد كل تدخل عسكري اجنبي متنافس لأجل الحصول على مناطق نفوذ واسعة النطاق في إفريقيا الا وان ذلك يبقى امرا جد مستبعد …