الصين بعين تونسية :عشرة أيام في رحاب الصين
بقلم الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية
ليست المرة الأولى التي أزور فيها الصين،هذه القوة الخارقة،قوة الثروة البشرية وقوة الحضارة وقوة التقدم والتطور والتكنولوجيا..
ومنذ الزيارة الأولى التي أردتها أن تكون ثقافية وحضارية لفهم سر هذا التقدم الكبير وهذه القفزة النوعية فكانت زيارة لكل المعالم التاريخية، وجدتني أسبح في عمق التاريخ والحضارة وأنا في عمق الحاضر التكنولوجي والتقدم،أدركت أن هذا”التنين” سوف يكون قوة عظيمة لحفظ السلام العالمي والإستقرار الإستراتيجي. لكن هذه المرة في زيارتي الرابعة للصين، كانت جد مختلفة..
زيارة دامت عشرة أيام تعرفت فيها على الوجه الثاني المشرق لهذا البلد الذي يراهن على العقل الصيني، هذ البلد العظيم الذي يراهن على موارده البشرية والطاقية والطبيعية، ليُحكم استغلالها منطلقين من سؤالهم الشهير:”هل العقل الصيني أقل من العقل الأمريكي أو الأوربي” وكان حينها الجواب:لا يوجد عقل أفضل من عقل في العالم، لكن الحكمة في الحوكمة الرشيدة التي تؤطر العقل والمجتمع وتقضي على كل الهوامش التي تؤدي إلى التخلف والتبعية.
رأيتني وأنا بالسيارة من المطار إلى الفندق أنظر إلى نظافة الشوارع التي تعكس نظافة العقل البشري ..أنظر إلى الوجوه تسير على الإقدام أو على الدراجات الخفيفة أو في وسائل النقل الجماعي أو الخاصة، كل الوجوه تراها سعيدة مرتاحة نفسانيا، لا ترى التعاسة تعلو المحيّا بل تشاهد الإبتسامة والهدوء..شعب مرتاح يسير نحو الشغل والعمل وكله ثقة بأن حياته مؤمّنة وأنه بأمان وأمن.. في كل مكان هناك كاميرات مراقبة ولا أحد ينظر إليها ولا يبحث كيف يتحيّل عليها.
لا تسمع ضجيجا ولا أصوات غريبة ولا نظرات سخيفة حاقدة .. تلاحظ التسامح والسلام في نظرة الكبير والصغير. أنظر إليهم وأبحث عن سرهم لكي أنقل التجربة إلى وطني وشعبي عسانا نصلح ما أفسده الدهر فينا. رأيت نظاما واحتراما للطرقات وإشارات المرور..
فعلا هناك ازدحام ولكن الإزدحام منظم والكل يسير لا تعقيد ولا وقوف.. تتحرك السيارات وكأنها مسطرة وتقف والخط المرسوم لها.. قمة الإنضباط والنظام، وقمة النظافة والإحترام.. هذه بيكين، هذه هي العاصمة الصينية.
وفي نفس الزيارة تجولنا في مناطق مختلفة من الصين عبر الطائرة والقطار السريع والحافلة،لكل مكان خصوصيته لكن العقل والإنسان الصيني هو نفسه: النظافة -الهدوء -الكرم -الإبتسامة التي لا تفارقه.. شعب سعيد راض بما لديه همه الوحيد العمل والتألق والتقدم.
ما لفت انتباهي،زيارتنا إلى منطقة جبلية كانت معقلا للجريمة والإرهاب، وأصبحت فضاءً واسعا للنظافة والثقافة والسياحة الداخلية ببرنامج جد متميز، فضاء للجمال والعروض الثقافية..
والملفت للإنتباه مكان للمتطوعين الذين يؤمنون بالعمل التطوعي يأتون كل يومي سبت وأحد للعمل التطوعي للقيام باعمال التنظيف وزرع الورود والأشجار، وغيرها من الأعمال التطوعية..
الغريب أنه لا يوجد أي شرطي أو حارس سوى المتقاعدين من الجيش والأمن الذين يقيمون هناك معانقين الطبيعة بعيدا عن التلوث والحياة المدنية والإكتضاض كانت الدعوة هذه المرة غير كل الدعوات، هي الزيارة الأطول في الأيام تراوح عبقها ما بين الفكر والسياحة والزيارات..
كانت الأجمل وقد وعدت بأن أحمل هذه التجربة الناجحة والإيجابية إلى وطني العزيز تونس.
الحزام والطريق، نظرية الرابح رابح، وطريق الحرير، سيخلصنا من الهيمنة ويساهم بفاعلية في مسيرة السلام العالمي، فالصين هي القوة الصاعدة وهي الحافظة لكرامة الإنسان بالفعل وليس بالشعارات المسقطة والمفروضة..
الصين اليوم هي القوة الثالثة والأهم في التوازن العالمي ومن أجل الإستقرار الإستراتيجي لحفظ السلام.