الدكتورة بدرة قعلول:رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس
هناك الكثير من الأدلة والوقائع التي تفضح الدور التركي في ليبيا وخاصة بعلاقته بالفتن بين الليبيين وإسقاط الدولة، ودعم” الإخوان المسلمين” في المنطقة ،في ظل الطموح الأردوغاني إلى السيطرة الإقليمية عن طريق ليبيا.
وهناك قراءات كثيرة حول النفوذ الظاهر والخفي المشبوه للنظام التركي في الغرب الليبي، ودعمه الكبير للميلشيات المسلحة التي يستقوي بها”الإسلام السياسي”على الأراضي الليبية، ومن بينها ميليشيات مصراتة التي يفوق عددها 216 مليشيا.
صرّح أردوغان بشعبويته المعتادة بعد الإنتخابات البرلمانية في ليبيا في يوليو 2014 وهزيمة”الإخوان المسلمين”، قائلا :”أساسا لا يمكن القبول باجتماع البرلمان الليبي في طبرق”، زاعما أن هذا خطأ كبير وجدّي…لماذا يجتمع البرلمان في طبرق وليس في العاصمة الليبية طرابلس، نحن لا نقبل بهذا أصلا..نحن في مواجهة وضع غير صحيح، ولهذا فإن ما حصل في طبرق هو عملية نزوح وتشريد للبرلمان” حسب ادعائه.
هذا التصريح العنيف -حسب المراقبين والمحللين- “يعبر عن عدم قبول أردوغان بنتائج الإنتخابات الشرعية، كما أنه يريد التدخل من أجل إجبار البرلمان الليبي الشرعي المنتخب على العمل في طرابلس التي تعج بالإخوان وميليشياتهم ومن هناك من السهولة بمكان أن يتم السطو على البرلمان وقراراته بقوة السلاح”.
وقد جاء الرد من البرلمان على تصريحات أردوغان، بالتأكيد أن البرلمان لن يقبل بمثل هذه التصريحات وطلب من تركيا تقديم اعتذار،إلا أنه وكما كان متوقعا، استمر النظام التركي في عنجهيته المعهودة ولم يقدم أي توضيحات حول الموضوع. احتدت التصريحات الليبية باتهام تركيا بأنها هي المسؤول الرئيسي عما وصلت إليه ليبيا وبأن”الإسلام السياسي” المدعوم من تركيا هو من أوصل إلى اشتداد حدّة الفوضى والنهب وسرقات الخزينة العامة الليبية، حيث تم تحويل جزء كبير من الأموال إلى تركيا، وقد استغل أردوغان الساحة الليبية للقيام بحرب بالوكالة هناك واستهداف المنطقة بشكل عام ومصر بشكل خاص. واتهم عديد الخبراء والسياسيين الليبيين تركيا بأنها تريد إرباك المشهد في مصر من خلال ليبيا، وبذلك تلعب نفس الدور الذي لعبته في سوريا والعراق وتتعاون مع المجموعات الإرهابية وتسهل تنقلاتهم تحت زعم دعم المعارضة “المعتدلة”.
وكانت الإستخبارات العسكرية الليبية قد أفادت على لسان أحد ضباطها بالجيش الليبي بأن مقاتلات تركية هي التي شنت عدة غارات منتصف شهر أغسطس 2013 على طرابلس وضواحيها، لمساندة ميليشيات “فجر ليبيا” التابعة لتنظيم الإخوان، لفرض السيطرة الكاملة على طرابلس وتدعيم حكم الإخوان الموالي لها، بترهيب الشعب الليبي.
كما سبق للرائد مسعود أبوبكر، بالقوات الخاصة الليبية،أن كشف عن أن”طائرات حربية تركية هبطت في مطار معيتيقة، الذي كانت تسيطر عليه جماعة الليبية المقاتلة وأنصار الشريعة، بحجة نقل عمال أتراك إلى إسطنبول، لكن في حقيقة الأمر تمت سرقة كميات كبيرة من الذهب الليبي ونقلها عبر طائرة عسكرية تركية،وقد حدثت في تلك الأثناء، مشادات بين أمن مطار معيتيقة والقوات الخاصة التركية عندما تفطن أعوان المطار إلى صناديق معبأة بالذهب الليبي المسروق،إلا أن ميليشيا عبد الحكيم بالحاج والوحدات الخاصة التركية كانت لهم الغلبة وأقلعت الطائرة محملة بالذهب الليبي..حدث ذلك سنة 2013.
في المقابل تم إنزال كميات كبيرة من السلاح والمعدات الحربية التركية إلى فجر ليبيا التي تتعامل مباشرة مع حكومة أردوغان عبر عديد الأشخاص المعروفين بولائهم الكامل لتركيا مثل عبد الحكيم بالحاج، وخالد الشريف، وعلي الصلابي، والمفتي الإخواني الصادق الغرياني، وعبد الرحمان السويحلي وغيرهم ممّن بعتبرون رجال تركيا في ليبيا .
وبالرجوع إلى وقائع الأحداث،لم يكن الموقف التركي حيال التدخل العسكري الغربي في ليبيا عام 2011 نابعاً من فراغ، فالدولة العثمانية الحديثة التي تعيش أزمة اقتصادية وسياسية داخلية خانقة ارتأت أن الحل يكمن في استغلال التحولات الجيوسياسية الإقليمية وبلدان الجوار والمنطقة ، فسعت بكل ما لها من خبث إلى تسفير المشاكل إلى دول الجوار وهي السياسة الكلاسكية المعروفة عبر التاريخ وخاصة ببلدان الشرق الأوسط، لكن المثير للإنتباه في تلك الفترة هو أن أنقرة كانت تربطها مصالح عميقة مع العقيد معمر القذافي ومع الجماهيرية العربيّة،الغنية با
لنفط،..إلى جانب ذلك حضر أردوغان في نهاية 2010 إلى طرابلس خصيصا لاستلام جائزة القذافي الدولية لحقوق الإنسان، في حفل كبير أقيم له بطرابلس،ولم يحضره العقيد معمر القذافي.
بدأ التدخل التركي من خلال”مساعدات إنسانية” ومبادرات سياسية ومشاركة عسكرية للمراقبة البحرية في بداية الأحداث الليبية 2011، لكن أنقرة في الوقت نفسه، لعبت بتوازن أيضاً بين متطلبات شعبها في الداخل، ودورها الإقليمي بوصفها قوة لا يُستهان بها اقتصادياً وعسكريّاً بالرغم من المشاكل الداخلية الكبرى التي تسوقها نحو الخارج وخاصة إلى البلدان العربية، لا سيما أن تركيا هي الدولة الثانية من حيث حجم القوة البرية في حلف شمالي الأطلسي. موقف نشأ من اعتبارات اقتصادية وأمنية، حيث يعمل في ليبيا في ذلك الوقت أكثر من 25 ألف تركي، إضافة إلى شركات تعمل ضمن عقود في البناء والنفط .
وتطور هذا الموقف حسب مجريات الأزمة ليصل إلى إغراء وتوريط أنقرة من قبل حلف شمال الأطلسي بحصة الأسد في المراقبة البحرية، لمنع دخول السلاح إلى قوات القذافي، مع استمرار موقفها الرافض للغارات الجوية، وحفاظها على شعرة معاوية مع النظام الليبي.
وبدت أنقرة حريصة على عدم تعرض جاليتها ومصالحها في ليبيا للخطر، فكان موقفها المتأني نابعاً من هذا الحرص الذي سرعان ما تبلور في موقف آخر بعد إجلاء معظم الأتراك من منطقة النزاع، .
كانت المعارضة التركية في الداخل تضغط على الحكومة لعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان. وحاولت تركيا عدم إغضاب النظام والمتمردين في ليبيا، في نفس الوقت، حيث باتت عالقة بين مصالحها الإقتصادية الكبيرة في ليبيا، وضغوط حلفائها في حلف شمال الأطلسي لمشاركتها في الخيار العسكري وإسقاط نظام معمر القذافي.
لكن الحكومة ذات التوجه الإسلامي أذعنت أخيراً للقرار الدولي بالمشاركة، حيث “لم يكن هناك مهرب من انخراطها في العملية العسكرية ضد ليبيا”. وسارعت بعد ذلك إلى إرسال أربع فرقاطات وسفينتين وغواصة، من أصل 16 قطعة بحرية شاركت بها دول متعددة لمراقبة السواحل الليبية. حرصت تركيا منذ البداية على عدم الدخول في شبهة المشاركة بعمل وصفه رئيس الحكومة رجب أردوغان بـ”حملة صليبية” في البداية ليتحول بعدها إلى”حملة إنسانية” ضد “الدكتاتورية” وهذا التحول في الخطاب الأردوغاني سهلٌ عليه بالنسبة إليه، فهو دائما تحت الطلب وحسب الظرفية.
بيد أن تركيا برّرت مشاركتها في المراقبة البحرية بأنها تدخل ضمن آليات القرار الدولي الصادر عن مجلس الأمن رقم 1973، الذي يعطي الغطاء”الشرعي” لأية مشاركة من هذا النوع العسكري، وحرصت في الوقت نفسه على أن تبدو حريصة على ثروات دولة إسلامية، كانت تاريخياً في كنف الدولة العثمانية، معرّضة للفوضى والنهب الدولي مثل العراق وأفغانستان؛ فهي تعارض بوضوح “تدخلاً أجنبياً في ليبيا، الدولة الصديقة والشقيقة” حسب تعبير أردوغان في سنة 2011 في بداية الأحداث في ليبيا.
وذهب الرئيس التركي، عبد الله غول، أبعد من ذلك، حين قال إنه يتشكك في أن بعض حكومات التحالف لديها دوافع خفية وإن ليبيا قد “تُنهب” كما حدث مع العراق، فيما قال في مناسبة أخرى:”أتمنى ممن لا يرون سوى النفط ومناجم الذهب والكنوز الموجودة تحت الأرض حين ينظرون إلى هذا الإتجاه، أن ينظروا إلى المنطقة من خلال الضمير من الآن فصاعدا”.
وكان عبد الله غول من خلال هذا الموقف يرد على وزير الداخلية الفرنسي، كلود غيون، الذي أعلن أن الرئيس نيكولا ساركوزي “تصدّر حملة صليبية لحشد دعم مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية والإتحاد الإفريقي لإسقاط نظام القذافي ولمنع ارتكاب مذابح في ليبيا والحفاظ على حقوق الإنسان التي تنتهك من قبل النظام وكتائب معمر القذافي”.
قد يكون هذا السياق الذي سارت فيه السياسة الخارجية التركية في بداية الأحداث الليبية ضمن مبادرة لحل الأزمة، لحرص أنقرة على حفظ مكاسبها في الجماهيرية وخاصة عقود الشركات الكبرى المبرمة مع نظام القذافي.، علما أن شركات البناء التركية العاملة في ليبيا منذ فترة طويلة، تملك استثمارات بقيمة 15 مليار دولار، حسب ما أشارت البيانات الإقتصادية في أنقرة،وهي مكاسب، بدا الحفاظ عليها ملحّاً لدى المسؤولين الأتراك خوفا من أن العمليات العسكرية في ليبيا تؤثر سلباً علىها،إذ كانت تركيا تخطط لاستثمار مبالغ ضخمة تقدر بـ 35 مليار يورو في البنى التحتية الليبية مع نهاية 2011 وبداية 2012.
وقُدرت الإستثمارات التركية في ليبيا، وتحديداً في شركات الإنشاءات، بمبلغ يتراوح بين 8 و13 مليار دولار. وجاء في تقرير لمؤسسة (جايمس تاون)، أن شركات الإنشاء التركية تغلغلت في السوق الليبية، ووقِّعت عقودا ضخمة منذ عام 1970.
وبعد وقف العقوبات الدولية على ليبيا في عام 2000، ازدهرت المصانع لخلق فرص عمل جديدة. ولم يقتصر الإستثمار التركي على العمل في البنى التحتية وبعض المجالات النفطية، بل تعداه إلى تسلم موظفين أتراك أسواقا ليبية ضخمة.
عبّر عن ذلك أحد المستثمرين الأتراك بقوله: “أتينا إلى ليبيا أولاً مقاولين، والآن نحاول إحضار تجار تجزئة أتراك إلى البلد للعمل في المراكز التجارية الكبرى في المدن الليبية”.
ومنذ سنة 2007 ارتفعت صادرات تركيا إلى ليبيا لتبلغ ملياري دولار في عام 2010،حسب ما أوردت (سي إن إن تورك). وعلى المستوى الزراعي، كان لتركيا دور واضح في تطوير حقول زراعية ، حيث منحت ليبيا 60 ألف هكتار من الأراضي للمستثمرين الأتراك.
وكان هذا النوع من التعاون مدار نقاش عميق بين وزير الزراعة والشؤون القروية التركي، مهدي إكر، وأمين اللجنة العامة الشعبية الليبي لشؤون الملاحة والمصادر الحيوانية، أبو بكر مبارك، في طرابلس في شهر يناير 2011.
بمعنى آخر، لا تريد تركيا قطع روابطها مع المعارضة الليبية ولا مع نظام القذافي، وفي الوقت نفسه تعلن أنها ضد العقوبات وضد منطقة فرض حظر جوي أو أي تدخل عسكري في ليبيا،إلا أنها في الأخير حسمت أمرها وعرفت أن نظام القدافي بدأ يتهاوى فدخلت مع الشق الآخر القريب منها إيديولوجيا الذي ربما سيعطيها ويوفر لها أكثر مما تريد، و يحافظ لها على عقودها المبرمة، ليكون لها أكثر امتيازات مع صعود”الإخوان المسلمين”إلى الحكم في طرابلس بعد سقوط معمر القذافي.
وفعلا كان لها الكثير من الإمتيازات خاصة من ذهب البنك المركز الليبي والنقود والنفط، بَيْدَ أن ازدياد الأوضاع في ليبيا تعقيدا وصولا إلى انتخابات 2014 أدخل العلاقات والخطط التركية منعرجا آخر في التعامل مع الحكومات الضعيفة.
في 10 أغسطس 2016 زار السفير التركي السابق لدى ليبيا طرابلس والتقى بالعديد من المسؤولين في حكومة الوفاق، وأثارت هذه الزيارة العديد من التساؤلات وعلامات الإستفهام لدى الليبيين خاصة أن لقاءات سرية جرت مع بعض قادة الميليشيات الموالية لتركيا و”الإخوان المسلمين”.
وأقامت تركيا العديد من الدورات التدريبية الأمنية للضباط والجنود الليبيين ودربت 804 ضابط في 2012 وتخرجوا بعد 8 أشهر حيث انخرط أغلبهم ضمن الميليشيات، خاصة ميليشيات عبد الحكيم بالحاج وميلشيات مصراتة، كما تم في شهر فبراير 2013 تدريب 296 جنديا لمدة 14 أسبوعا ليرجعوا وينصهروا ضمن قيادات كتائب ليبية مسلحة..
كذلك في بداية سنة 2014 قامت تركيا بتدريب عدد كبير من العناصر والإطارات الأمنية على أساس تحضيرهم للإنتخابات وهم يمثلون الجناح العسكري والأمني المدرب لميليشيات الإخوان التي حرصت تركيا على تأطيرهم.
لكن مع هزيمة الإخوان في الإنتخابات تم إيقاف هذه الدورات التدريبية،إلا أنه سرعان ما عادت تركيا إلى تدريب القوات الأمنية والعسكرية،ضمن خطة إعادة تأهيل وإدماج شباب الميليشيات داخل إطار المؤسسات الرسمية من دون معاقبة من ارتكب الفظاعات والجرائم والخطف والنهب، ليصبح الجيش الليبي يعج بالمجرمين.
واستمرت الإتهامات الموجهة إلى تركيا بأنها تتحمل المسؤولية عمّا يجري في ليبيا.. وقال أحد أبرز النشطاء السياسيين في بنغازي إن “أنصار الشريعة في ليبيا،إحدى الفصائل الموالية للقاعدة، قامت بأعمال عنفٍ ممولة جزئيًا من قبل “رجال أعمالٍ تربطهم علاقاتٌ تجارية بتركيا،كما تنسق الحكومة التركية مع المافيا التركية والليبية والعالمية لبيع السلاح وتجارة البشر في مقابل شحن النفط المسروق”..
وأفادت العديد من التقارير الإستخباراتية بأن الدور التركي في ليبيا مريب في دعم الإرهابيين مباشرة، وتصل الذخيرة والأسلحة إلى الميليشيات من تركيا عبر العديد من الطرق. وعندما أوردت صحيفة “حريات” التركية أن السلطات اليونانية عثرت على أسلحةً تركية على متن سفينةٍ كانت متجهة إلى ليبيا بعد توقفها في اليونان بسبب سوء الأحوال الجوية،كان ذلك دليلا قاطعا بالنسبة لليبيين على تورط أنقرة في تسليح الميليشيات..
كذلك اعترضت إدارة الجمارك المصرية في شهر ديسمبر 2013 أربع حاوياتٍ من الأسلحة قادمة من تركيا وكانت في طريقها إلى مدينة درنة التي كانت معقل أنصار داعش.
وحسب جهات مطلعة تعمل بالخطوط الإفريقية ، تحط الطائرات التركية بمطار مصراتة محملة بالسلاح وهي تأتي على أساس أنها طائرات مسافرين مدنيين ، وبيّنت كذلك أن المسافرين القادمين من تركيا هم بالأساس قيادات وعناصر داعش وبخاصة قيادات إرهابية قادمة من سوريا والعراق لأجل التدريب والتنسيق مع الإرهابيين المتواجدين في ليبيا وتكوين قيادات موالية لتنظيم داعش.
وفي شهر ديسمبر 2014 اعترضت السلطات الليبية باخرةً كورية كانت في طريقها إلى مدينة مصراتة الساحلية ،وحسب التقرير الأمني لتلك السلطات انطلقت الباخرة من تركيا وكانت محملةً بحاويات الأسلحة والذخائر الموجهة إلى الميليشيات في طرابلس ومصراتة.
وفي يناير2015 قال مسؤول بالجيش الليبي إنه حسب المعلومات الإستخباراتية المتوفرة لديه قامت تركيا وقطر بتزويد عناصر وقيادات”فجر ليبيا” بالأسلحة عبر السودان، لذلك اتخذت الحكومة الليبية المؤقتة قرارا بعدم إفساح المجال الجوي للطائرات التركية وكذلك منع الطائرات السودانية.
وكان التقرير الأممي الصادر عن لجنة المتابعة للشأن الليبي قد دعّم الإتهامات الموجهة من الليبيين إلى تركيا بإرسال السلاح منذ سنة 2013، وتضمن إدانة لتركيا التي اخترقت حظر السلاح المفروض على ليبيا.
وأوضح التقرير أن تركيا كانت ضمن إحدى عشرة دولة منها بيلاروسيا واليونان والمجر وأوكرانيا قد تورطت في إرسال أطنانٍ من الذخيرة إلى الفصائل الليبية المتناحرة برغم الحظر.
وأشار التقرير إلى أن خرق الحظر لا يهدد الأمن الليبي فقط، وإنما يمثل أيضًا “تحديًا أمنيًا كبيرًا لدول المنطقة الأخرى، لاسيما من منظور مكافحة الإرهاب.”
وجاءت تصريحات مسؤولين أمريكيين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات لتؤكد أن الدور الذي تلعبه تركيا خطير جدا في ليبيا ويتعدى معونات عابرة أو بسيطة بل أصبح يمثل مصدر قلق حقيقيا، كما أشاروا إلى تدفق الدعم العسكري التركي إلى الفصائل الليبية الإسلامية المتطرفة،في حين يبدو أن تركيا لا تأبه كثيرا بتقارير الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات كما تحصلت تركيا على الكثير من الإمتيازات والصفاقات التجارية،وقُدر حجم العلاقات التجارية التركية في ليبيا في 2014 بـ 2 ,3 ميليار دولار، طبعا هذا المعلن لكن الصفقات الأمنية والعسكرية والسلاح تعتبر من الأرقام السوداء التي لا يمكن الكشف عنها أو تقدير قيمتها الحقيقية.
وفي تقرير عام 2017 للجنة حظر السلاح الأممية تم التأكيد على أن تركيا هى المصدر الأول للسلاح للتنظيمات الإرهابية على الأراضى الليبية.
وبالرجوع إلى الباخرة التركية التي تم احتجازها من قبل قوات خفر السواحل اليونانية تعززت الإتهامات الموجهة إلى أردوغان وحكومته بدعم الإرهاب في ليبيا، بعد ضبط السفينة التركية «أندروميدا»، وعلى متنها 29 حاوية من مواد تستخدم في القنابل والمتفجرات حتى أن الباخرة سُميت بالقنبلة العائمة، هذه السفينة كانت في طريقها نحو ميناء مدينة مصراتة (غرب ليبيا)، وبالرغم من نفي تركيا وترويجها أن السفينة كانت متجهة إلى إثيوبيا، إلا أن سلطات ميناء «بيرايوس» اليوناني، أعلنت عن اعتراف طاقم السفينة بأن وجهتهم كانت مصراتة الليبية ..
وفي شهر أغسطس سنة 2014، ورد أن القائد العسكري لعملية الكرامة المؤيدة لحكومة طبرق خليفة حفتر، أمر قواته بقصف سفينة متجهة إلى ميناء درنة الليبي كانت محملة بأسلحةٍ قادمة من تركيا، وقد تم اعتراض السفينة التي بدلت وجهتها إلى السواحل الغربية الليبية..
وعلى ذكر السواحل الغربية لليبيا،تجد السفن التركية مجالا أوسع آمنيا لها هناك حيث لا يوجد من يتعقبها أو يكشفها، لذلك تتجه أغلب سفن الشحن إلى ميناءيْ زوارة ومصراتة. وفي شهر نوفمبر 2014 أعادت تركيا الكرّة بإرسال السلاح إلى إرهابيي درنة، وذكرت وسائل الإعلام التركية آنذاك أن السلطات اليونانية عثرت على 20 ألف قطعة كلاشنيكوف (AK-47) على متن سفينة قادمة من أوكرانيا متجهة إلى ليبيا. وقال الربان التركي إن السفينة كانت متجهة إلى ميناء هطاي جنوبي تركيا، لكن السلطات الليبية قالت إن بيانات حركة المرور البحرية أشارت إلى أن اتجاهها الحقيقي كان ليبيا وبالتحديد ميناء زوارة.
وكما أشرنا سابقا فإن المافيا العالمية وتجار السلاح يتعاونون فيما بينهم وتتولى الحكومة التركية-حسب بيانات إستخباراتية ليبية ومصرية- تسهيل الطريق لإدخال السلاح إلى المجموعات الإرهابية في ليبيا تحت رقابتها وبمعرفتها.
كما كانت تركيا تستقبل الإرهابيين المدربين في ليبيا للعبور إلى سوريا، ومنذ بداية 2017 تورطت من جديد في ملف الإرهابيين الفارين من سوريا والعراق لتعيدهم إلى ليبيا حتى لا تبقيهم على أراضيها خوفا من أن يستقروا بها ويصبحوا ناشطين هناك، لذلك تقوم بتزييف أوراقهم الشخصية وتعطيهم عقود عمل وشهادات الدراسة وحتى بطاقات أعداد جامعية ومدرسية وما إلى ذلك من أوراق تبييض ملفاتهم ليرجعوا إلى بلدانهم وكأنهم لم يكونوا بسوريا أو العراق.
وتأسيسا على كل ما تقدّم، يمكن القول إن ما تدعيه تركيا من القيام بدور في حل الصراع الليبي هو كذبة كبرى، فهي لا تريد أن يحل الصراع في ليبيا لأن الوضع الحالي يخدم مصالحها الإيديولوجية والإقتصادية وتجارتها ومصالحها السياسية ونفوذها في المنطقة.
علما أن أغلب العلاقات التركية تقام مع مدينة مصراتة لعلاقتها مع بعض الميليشيات التي تحمل مرجعية وإيديولوجيا دينية على غرار ميليشيا الفاروق وميليشيا حطين، وهذه المليشيات هي أعين تركيا في ليبيا وهي التي تحمي القنصلية التركية والمصالح التركية في ليبيا.
كما تعد مدينة مصراتة أكبر داعم للإسلاميين في الغرب الليبي ومن خلالها تمت الكثير من الصفقات والمفاوضات مع الجانب التركي، إلى حدود شهر يناير 2017 حين أعادت فتح سفارتها في طرابلس،في دعم سياسي واضح لحكومة الوفاق الليبية.
لكن يبقى السؤال: لماذا هذا السكوت الدولي تجاه ما تفعله تركيا في ليبيا؟
ولماذا تدعم تركيا ميليشيات مصراتة وخاصة عسكريا؟ طبعا هناك محركات لذلك، تجعل أردوغان يتجاوز الخطوط الحمراء ويقف وراء الميليشيات إذ أن تطوير دفاعات ميليشيات مصراتة وتقوية بنيتها العسكرية، يعني تعزيز دورها ومن ثم التحضير لإمكانية الدخول في صراع محتمل مع الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر الذي يقف شوكة في خاصرة الدور التركي ليبيّا وإقليميا.
فكيف ستتعامل تركيا أردوغان مع ليبيا في المستقبل وهي المتهمة بدورها الكبير في استثمار الفوضى وزرع الفتن بين الليبيين ودعم الإرهاب لتحقيق مصالحها؟