أخبار العالمإفريقيا

مأزق أطفال داعش وصعوبة إعادة تأهيلهم

الدكتورة بدرة قعلول: رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس


أطرح دائما نفس السؤال: عندما تكون الأم إرهابية وتحمل الفكر المتطرف فماذا ستنجب للمجتمعات والأجيال القادمة؟
ثم ما هو ذنب الطفل الذي يجد نفسه ينشأ ويكبر ويتربى ضمن عائلة إرهابية ؟
وهل يمكن إعادة تأهيل الأطفال وإنقادهم من براثن التنشئة الإجتماعية المتطرفة؟
الكثير من الأسئلة تطرح وبحرقة عن أجيال تربت على التطرف والإرهاب، فكيف لطفل يتشبع بثقافة الدم والقتل والحقد والكراهية أن يكبر ويندمج في مجتمعه الأم الذي لا ينتمي إليه بل يكفّره ويعتبر “دمه حلال”؟ ماذا عن أطفال تدربوا على القتل والدم والسلاح ؟
في عام 2016 طرح المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية موضوع استقطاب النساء داخل التنظيمات الإرهابية، وأصدر دراسة حول انخراط المرأة داخل التنظيمات الإرهابية ودور الأمومة التي يعوّل عليها كثيرا التنظيم الإرهابي “داعش” لأنه يريد أن يبني مجتمعا يتواصل في المكان والزمان ويخلق لنفسه حواضن في كل مكان من الأرض.
عندما كان المختصون يطنبون الحديث عن الرجال وجهاد النكاح كنا نرى أن هذا التنظيم الخبيث أعطى لمجتمعاتنا العربية طعما اسمه جهاد النكاح وأبعدنا عن الأدوار الحقيقية للمرأة.. نعم هي امرأة إرهابية بأتم معنى الكلمة وأخطر مما نتوقع.. إنها تعيد إنتاج الإرهاب عبر أطفالها، ربما في وقت ما كانت المرأة مفعولا بها إلى أن أصبحت فاعلة تنجب الأطفال لتزرع فيهم سموم تطرفها وإرهابها.
في هذا البحث نتطرق إلى موضوع هؤلاء الأطفال عقب هزيمة التنظيم في سوريا والعراق وتشتت “المجتمع الإرهابي”.. فبعد أن كانوا منحصرين في مناطق معينة نجدهم اليوم في كل مكان في العالم تقريبا: في ليبيا، في الصومال، في تركيا، في دول الغرب الإفريقي، في مخيمات اللاجئين، ونجد المجتمع الدولي يطالب بإرجاعهم إلى مجتمعاهم الأم ليكبروا وفيهم بذرة الشر والإرهاب، أمّا الحقوقيون و”سفراء الإنسانية” فيرفعون شعارا إنسانيا رحيما: “ما ذنبهم؟” ولم يرفعوا في يوم ما شعار”ما ذنب أطفال العراق أو سوريا؟” ..فعلا ما ذنب هؤلاء الأطفال؟ وفي نفس الوقت ما ذنب المجتمعات والإنسانية وأنتم تحضّرون لهم جيلا من الإرهابيين؟
أطفال التنظيمات الإرهابية هل هم ضحايا أم مجرمون؟
كما سبق وأشرنا عملت التنظيمات الإرهابية التي تجاوزت تنظيم القاعدة على تأسيس اجتماعي جديد وبرؤية استراتجية عبر مخطط التواصل، وتنشئة أطفال متشبعة بالفكر المتطرف والدمغجة التلقينية المقيتة كأرضية نفسية بشرية وبعدها دربتهم على القتل والعنف وسفك الدماء.. أطفال ذنبهم الوحيد أن أمهاتهم و آباءهم إرهابيون.. طفل الخامسة والسادسة يتم تلقينه الفكر المتطرف ويتلقى أقسى التدريبات العسكرية والإرهابية، هذا الطفل تُنزع منه براءة الأطفال ويُزرع فيه الإرهاب لأن مخطط التنظيمات المتطرقة التي أشرفت دوائر غربية وإقليمية على تكوينها واحتضانها ودعمها،ترمي إلى إنشاء أجيال إرهابية،بعدها مباشرة تتدخل البوارج الحربية والدبابات والسلاح الخفيف والثقيل لمكافحة الإرهاب..قمة الغطرسة الإنسانية وقمة الإرهاب ممن يحارب الإرهاب!
فداعش منذ بداياتها قد استثمرت في الأطفال بشتى الوسائل ورصدت أموالا طائلة لتكوين جيل جديد من الإرهابيين فزرعت فيهم معتقدات جديدة ورسخت داخلهم سلوكيات العنف والإرهاب وسخرت وسائل الإعلام وسياسة التثقيف والتعبئة للوصول إلى أهدافها.
وكان من أخطر أساليب استقطاب الأطفال هو الفيديوهات الإستعراضية التي تُظهر أطفالا يقومون بتقديم البيعة إلى التنظيم الإرهابي علنا بوجوه مكشوفة وهم يرددون عبارات لا يفقهونها لا من الناحية اللغوية ولا من الناحية الشرعية أو الفقهية.
ومنذ عام 2014 استُعمل الأطفال داخل التنظيم فكانت الكثير من عمليات التفجير والأحزمة الناسفة استُغل فيها الأطفال الذين لا يمكن أن يتفطن إليهم الناس باعتبارهم أطفالا أبرياء أعمارهم لا تتجاوز 12 سنة.
وحسب وزارة الداخلية العراقية عندما احتلت داعش مدينة الموصل تم القبض على 500 طفل متهمين بقضايا إرهاب، هؤلاء الأطفال قد شاركوا فعلا في كثير من التصفيات بناء على أفلام نشرتها القاعدة وتنظيم داعش.
في سنة 2014 استقطبت داعش المجموعة الأولى من الأطفال الأيتام واللقطاء وخريجي السجون وأبناء المتطوعين ولقبوهم بأشبال الخلافة مع اسم حركي وسخرت جهود التنظيم لتجنيد المزيد.

استغلت داعش الأطفال الذين ليس لهم نسب أو أباء، واستغلت ثغرة مهمة هي احتقار المجتمعات الشرقية لهم، فأعطتهم ما ينقصهم أي المكانة الإجتماعية وسمتهم قادة،لذلك تَدَافَع الأطفال إلى الإنخراط في داعش ودافعوا عنها بأرواحهم وأصبحوا أشرس من الشباب والكهول.
أغلب الأطفال من عمر 6 الى 16 تم تدريبهم بدورات عسكرية مكثفة ثم توزيعهم ما بين فصيل الإنتحاريين،الإنغماس أو الإقتحاميين.
كما تم تدريب الأطفال من أجل استقطاب وتجنيد أطفال آخرين وجلبهم إلى معسكرات الإرهاب بطريقة ممنهجة وحتى وصل الأمر إلى افتكاك الأطفال من عائلاتهم بسياسة الترغيب والترهيب. وعمد تنظيم داعش إلى فصل الأطفال عن عائلاتهم تماما من أجل “بتر” الطفل عن مرجعيته العائلية والمجتمعية والقيمية.
كذلك هناك عائلات قد أعطت طفلها طواعية للتنظيم وذلك مقابل رواتب وغنائم وبعض المشتقات النفطية لكن لم تتخيل هذه العائلات أن ينقلب عليها طفلها ويشي بها إلى التنظيم أو حتى هو نفسه يقوم بعقاب أهله فيقتل أمه أو أباه أو اخته ..على سبيل المثال طفل مُنح لقب أمير بعد أن أوشى بعائلته وطالب بقتلهم على قصور بحق الله ودولة الخلافة أو أنهم تقاعسوا عن أداء واجب ديني.
وباسم الشهادة والموت في سبيل الله والآخرة، يتم تدريب الأطفال الأبرياء فيصبح التسارع والمنافسة بين الأطفال في مخيماتهم العسكرية على الموت و”الجنة”، وتُزرع فيهم ثقافة الموت التي يطلق عليها: “الشهادة” في سبيل الله ولقاء الرسول والصحابة والجواري وحور العين وما إلى ذلك من استغلال التسميات الشرعية ضمن ثقافة الموت و القتل.
وبعد أن يتشبع الطفل بالتدريب الفقهي بمرجعيات متطرفة يتم تشجعه على سفك الدم واستباحة دماء “المختلفين” والذين لا ينتمون إلى هذا التيار، ويتتلمذ هؤلاء الأطفال على كتب غاية في الإرهاب مثل إدارة التوحش، وفقه الدماء،وتأسيسا على ذلك يصبح مناديا بقتل كل مسلم غير “مستور”، وهو في الحقيقة يدعو إلى إهدار دم من لم يعطِ البيعة ومن لم يكن معهم وضمن التنظيم.. بعد أن تنتهي الدورة الدينية تصبح عقيدة وشعار “الشبل” كالتالي: اجعل حياتك أقصر ما يمكن أن تكون وأكثر فعالية. فيتنافس الأطفال من أجل تسجيل أسمائهم ضمن قائمات الإنتحاريين.. وأصبح يُعرف في مدن الإرهاب كالموصل والرقة وحلب وإدلب، أن الطفل حين يوزع الحلويات بين الناس فهو قد تم اختياره ليقوم بعملية إرهابية ويفجر نفسه وأنه “محظوظ” قد تم اختياره للذهاب إلى”الجنة”،كذلك يحظى بالثقة من رجال “الدولة الإرهابية”.
هؤلاء الأطفال أصبحوا كالروبوتات يُتحَكَّم فيهم عن بعد من خلال كودات ثقافية وسمعية بصرية مثل نشيد “صليل الصوارم” الذي كان ينشد يوميا وبحماسة عند الأطفال حتى يصبحوا مبرمجين آليا من دون تفكير للقيام بعملية إرهابية.
كما يمكن تقسيم الأطفال المنتمين إلى داعش إلى خمسة أصناف وهي كالتالي:
1- أبناء الإرهابيين أنفسهم سواء أكانوا أجانب أو مهاجرين.
2- الذين ولدوا داخل بيئات حاضنة لـ”داعش”
3- أطفال دور أيتام التي سيطرت عليهم “داعش”.
4- الأطفال المسلوبون قهرا من أسرهم.
5- الأطفال الذين انضموا طواعية إلى التنظيم.
أطفال الدواعش بعد سوريا والعراق أين هم؟
سؤال جوهري يجب أن يطرح ..أين هو الآن هذا الجيل المدرب عسكريا وعقائديا؟ تقول سيدة عراقية مديرة مركز تأهيل لأطفال “داعش” ببغداد: إن هناك 500 طفل يتيم وليست لهم هوية سواء أنهم كانوا ينتمون إلى التنظيم يعاد تأهيلهم وتكوينهم والإحاطة بهم حتى يتخلوا عن هذا الفكر، إلاّ أن أغلب هؤلاء الأطفال لا يريدون التخلي عن فكرهم، وأعطت مثلا لطفل عمره 6 سنوات قال لها ” عندما أكبر سأنتقم منكم لأنكم تنكرون شرع الله و ما أوصى به رب العالمين، ثم إنكم قتلتم أبي و أمي، وأنا سأثار لهم وسوف أقتلكم جميعا”.. كانت السيدة تروي القصة بمرارة وتقول إن أمثال هذا الطفل كثر. كما أكّدت أن الأطفال يعانون من أزمات نفسية وكثيرا منهم يحتاجون فعلا إلى علاج نفسي كبير وإمكانيات كبيرة وبخاصة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6 سنوات و15 سنة، فهم شرسون جدا وتتنوع أزماتهم النفسية بين العصبية والعنف والعزلة والكوابيس والكثير من الأعراض الجانبية
هؤلاء الأطفال يمثلون خطرا كبيرا على الإنسانية لأنه قد تم بناء القاعدة الإيديولوجية والنفسية فيهم وترسيخها عبر عملية تدريبية ممنهجة إذ اعتمد التنظيم على ثلاثة مراحل لتدريب هؤلاء الأطفال وهي كالتالي:
1- التدريب الدينيّ، حيث يتمّ تلقين الطفل مناهج “داعش” ودمغجته المرتكزة على الكراهية والحقد ورفض الآخر والإستعداد للإنتحار.
2- التدريب العسكري حيث يتمّ إخضاع الطفل إلى تدريبات جسديّة قاسية، وتعليمه استخدام مختلف أنواع الأسلحة.
3- التدريب النفسي حيث يتمّ زجّ الطفل في الميادين العامّة وإشراكه في عمليّات ذبح أو تقديمه في مقدّمة مفارز الحسبة أو منحه خطبة في أحد المساجد، لدعم قدرته على القيادة وتعميق غروره وتفوّقه على المجتمع.
إذن.. هذا الجيل من الإرهابيين يشكل خطورة كبرى على الأجيال القادمة وعلى الإنسانية، وقد لاتنتهي دوامة الإرهاب عند هذا الحد بل إن هناك عملا على إعادة إنتاج الإرهاب عبر ضحايا وأيتام “أطفال الشوارع”، يعني وجود جيل من الإرهابيين يحملون عقدا نفسية كبرى سيكونون الأعنف والأشرس،والسيناريو الأقرب قد يشكلون تنظيما إرهابيا مدمرا في المستقبل.
أما بالنسبة للأرقام فقد تضاربت اأعداد “أطفال الإرهاب”،وقد صدرت دراسة للمركز الدولي لدراسات التطرف في جامعة “كينغز كوليدج” في لندن في شهر يوليو 2019 جاء فيها بأن هناك على الأراضي السورية والعراقية، نحو واحد وأربعين ألف إرهابي ينتمون إلى 80 دولة، والرقم المخيف الذي أعطته الدراسة هو أنه يوجد 4640 طفلا أعمارهم لا تتجاوز 17 سنة إلى جانب رقم آخر يتمثل في اكثر من 760 طفلاً قد ولدوا ما بين سوريا والعراق.
كما نشرت صحيفة الحياة في تقرير لها صدر في 19 فبراير 2019 ذكر أن”الأكراد يطالبون الأوروبيين بتحمل مسؤوليتهم تجاه قنابل داعش الموقوتة”.
وقد أعطى عبد الكريم عمر، أرقاما مفزعة وهو أحد المسؤولين عن الشؤون الخارجية في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد،مشيرا إلى أن نحو 800 إرهابي أجنبي محتجزون في السجون،وقال إن هناك 700 امرأة وأطفالا يفوق عددهم 1500 في مخيمات النازحين.
وتشير التقارير الأممية إلى رقم آخر مخيف جدا وهو أكثر من 2500 طفل مازالوا عالقين في سوريا.
وفي مؤشر آخر، أفادت “ميشيل باشليه” مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يوم 24 يونيو 2019 بوجود 29 ألف طفل لا يزالون معتقلين معظمهم لا تتجاوز أعمارهم 12 سنة.
بهذه الأرقام وغيرها أصبحت الصورة واضحة وأصبح المجتمع الدولي والدول الغنية ودول الأم لهؤلاء الأطفال مطالبين بإيجاد حلول قبل كل شيء حيث إن تركهم في المخيمات أو في السجون مع أمهاتهم وضع لا يمكن أن يتحمله طفل ناشئ.
فهؤلاء الأطفال بعد ماعاشوه من فضاعات “داعش” يجدون أنفسهم يتحملون وزرا ليس لهم فيه ذنب، ثم إن تركهم في ظروف سيئة من شأنه أن يزيد في تدهور حالاتهم النفسية ويزيد من حقدهم وكراهيتهم ليبقى التطرف مغروسا داخلهم.
ويعد ملف أطفال “داعش” وعودتهم إلى بلدانهم تحدياً جديداً يواجه المجتمع الدولي وحكومات الدول، خاصة أن أغلبهم لا تتجاوز أعمارهم 18 سنة.
أن أغلب أطفال “داعش” أصبحوا يمثلون مأزقا ومشكلا كبيرا لبلدانهم ومهمة صعبة جدا خاصة ما بين تأكيد الهوية لهؤلاء الأطفال وبين برنامج تأهيلي كبير يعتمد على موارد بشرية وأخرى لوجستية ومادية،إلى جانب ما يمكن أن يمثله هؤلاء الأطفال من تهديد خاصة وأنهم نشأوا في رحم أفكار متطرفة.. وتحريرهم من تأثير الأفكار المتطرفة والبيئة التي تربوا فيها سيكون مهمة صعبة حتى لا نقول شبه مستحيلة.. لذلك يجب التحرك السريع وانتشال هؤلاء الأطفال من هذه البؤر وضرورة اتخاذ خطوات جادة لإعادة تأهيلهم و إدماجهم داخل المجتمع.

إن هذا الجيل من الإرهابيين الأطفال أصبح يمثل تهديدا للأمن والسلام في العالم، وإذا لم تبذل العديد من الجهود المحلية والدولية لتأهيلهم. فسيواجهون تحديات كبرى في الحصول على الخدمات الأساسية بما يعني إحياء نزعة الإنتقام لديهم.
ومما لاشك فيه أن أكبر مشكلة يمكن أن تواجه هؤلاء الأطفال هي الصورة الذهنية المشوهة المرسومة في رؤوسهم، فهناك احتمال كبير أن يتظاهر الأطفال بتفاعلهم الإيجابي مع مدربيهم وزملائهم وبأن سلوكهم قد تغير ولكن هذا ليس حقيقة، وهذا ما يؤكد اهمية المشرفين والأخصائيين النفسيين، إذ ليس مستبعدا أنه تم تدريب هؤلاء الأطفال من قبل “داعش” عليى كيفية خداع من يتعاملون معهم فكريا،واستخدام لغة الجسد بطريقه متقنه. لهذا يجب متابعتهم نفسيا حتى بعد تعافيهم وخروجهم إلى المجتمع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق