هل من مبرّر لحراك 25 يوليو بتونس؟
تونس-24-7-2021
يجمع المراقبون المتابعون للشأن المحلي على أن تونس دخلت عشرية سوداء من الصراعات والفساد وتغول جماعة”الإسلام السياسي” وإغراق البلاد في التبعية والمديونية منذ 2011 وكانت النتيجة هذا الإنهيار المتواصل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وصحيا..
لكن إرادة المقاومة والتصدي لهذا الواقع المرير لم تخبُ لدى الشعب، وظلت الأصوات تتعالى والمواقف تتصلب لتغيير هذا الواقع..
وتعيش تونس منذ أيام على وقع نداء لحراك شعبي أطلق عليه “حراك 25 جويلية”تزامنا مع ذكرى إعلان الجمهورية في تونس عام 1957.
بين متحمس لهذا الحراك وبين متردد ومشكك، إلا أن القناعة السائدة لدى التونسيين اليوم هي ضرورة “كنس” المنظومة السياسية الحاكمة التي أوصلت البلاد إلى مرحلة التسول على أعتاب البيوتات المالية والصحية العالمية..
ويبدو أن جيل الغضب من شباب تونس قد تصدر هذه المرة المبادرة لإنقاذ البلاد بعيدا عن انتهازية النخب المرتهنة للخارج وعن حسابات الأحزاب المستفيدة أصلا من واقع الجمود الحالي..
ما مدى تلاقي الحراك مع موقف الرئيس سعيد الذي ظل يفضح السقوط الأخلاقي للمنظومة الحاكمة؟
وهل تسمح القبضة الحديدية لهذا الحراك بالتعبير عن طموحاته؟
وهل تقر الأحزاب الحاكمة والمعارضة على حد سواء اهتراءها وفشلها لتستمع إلى صوت الجموع الرافضة لوجودها.؟
وبغض النظر عمن حشد ويحشد لهذا الحراك فإن الواقع لم يعد يحتمل المزيد من العبث بمقدرات
الشعب، وكل المبررات أصبحت مواتية للإنقاذ، برحيل المنظومة الحالية التي تغذّت من آلام الشعب وجوعه ومرضه، والتي تسيّر البلاد وفقا لمصالحها السياسية الضيقة ولأجندات خارجية داعمة لها.. .
الغضب الشعبي الذي تعبر عنه قوى شبابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لم يكن إلا نتيجة لسلسلة من الإنكسارات التي عاشها التونسي بسبب السياسات الفاشلة للقوى الحاكمة التي تكريس كل أجهزة الدولة لخدمة مصالحها وغرس عروقها في مفاصل الدولة ومراكز السيادة، حيث انتدبت حركة”النهضة” عشرات الآلاف من أتباعها في الوظائف العمومية، وقد كشفت دراسة نشرها المعهد الوطني للإحصاء في شهر أغسطس عام 2014 بعنوان “خصائص أعوان الوظيفة العمومية وأجورهم لسنوات 2010-2014” أن عدد الموظفين سنة 2010 كان 435.487 ليقفز الى 591.174 موظفا سنة 2014، أي بزايدة صافية تقارب 160 ألف موظف خلال أربع سنوات فقط..
شهد حكم المنظومة العرجاء اغتيالين سياسيين كبيرين في البلاد، حيث اغتيل المناضلان شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي، حيث اتهمت القوى التقدمية اليمين المتطرف بالوقوف وراء الحدث الشنيع الذي اهتزت له تونس حينها والى اليوم بعد عدم التوصّل إلى القاتل الحقيقي برغم كل الأدلة التي قدّمتها هيئة الدفاع عن الشهيدين التي بيّنت ظلوع قيادات “إسلامية” وجهازهم السري في الاغتيالات السياسية التي مهّدت طريق تغلغل الإرهاب في البلاد حيث عاشت تونس أكبر ثلاث عمليات إرهابية، في سوسة ومتحف باردو وتفجير حافلة الأمن الرئاسي، ولم تقف سفينة القتل والدم عند هذا الحد، بل واصلت لتصنّف تونس كواجهة مصدرة للإرهابيين..
يكاد يتفق الجميع في تونس على أن الحكومة الحالية أصبحت غير قادرة على مواجهة المخاطر الحقيقية في البلاد وعلى رأسها الوضع الوبائي..
تونس سُحبت إلى وحل ساحة الصراع السياسي والإنحدار الأخلاقي لدى النخبة الحاكمة.
أما على الاقتصاد فحدّث ولاحرج فقد بلغ الإنحدار مستويات خطيرة حيث كشف مراقبون ان الاقتصاد التونسي كان يسجل نموا بنسبة 1 و2 بالمائة والذي كان بداية مؤشر الخطر لهذا التراجع الذي تعيشه البلاد اليوم، ليصبح الوضع على ما هو عليه اليوم حيث بلغ مؤشر النمو الاقتصادي أرقاما محبطة بلغت-8 و -10 بالمائة.
وتحدّثت الأرقام الرسمية عن انخفاض عام في الإنتاج ومصادر التمويل خاصة عائدات القطاع السياحي التي انخفضت بنسبة 55 بالمائة خلال الأشهر الأربع الأولى لسنة 2021 والتي من أهم مصادر النقد الأجنبي وتمثّل 8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وطالما حذّر الخبراء من تفاقم نسبة المديونية والعجز الحاد غير مسبوق في الميزانية ما جعل الدولة عاجزة عن تسديد القروض والفوائد دون اللجوء إلى قروض جديدة في 2021
وبلغت قيمة خدمة الديون الواجب تسديدها 4.5 مليار دولار، وفي المقابل ارتفعت الديون الخارجية المتراكمة للبلاد 30 مليار يورو في حين قدرت احتياطات تونس ب 7 مليار يورو حسب نشرة الغرف الاقتصادية النمساوية.
ويقول حسين الديماسي الخبير في الشأن الاقتصادي، ان تونس تعيش وضعا اقتصاديا لم تعرف له البلاد مثيلا حتى في أحلك الأزمات التي شهدتها في سنوات الاحتلال الفرنسي وسنوات 1978 و 1986.
وأدخلت الأزمة الاقتصادية تونس في دائرة التهديد بالإفلاس التام وجعلت حكومة هشام المشيشي تتفاوض مع بنك النقد الدولي للحصول على أكبر قرض في تاريخ البلاد قدر ب 4 مليار دولار، وهو الرابع من نوعه الذي تحصلت تونس عليه منذ الاستقلال .
ودفع الإضطراب السياسي بتعميق الأزمة الاقتصادية وخلق احتقان شعبي غير مسبوق مع ارتفاع نسبة البطالة إلى 30 بالمائة في 2021 وهجرة قرابة 16 ألف تونسي بطرق غير شرعية حسب إحصائيات رسمية عام 2020.
أما على الجانب الاجتماعي فمأساة لا تُغفر لمن أوصل البلاد لهذا الحال، فقد أثبتت معظم الإحصائيات و الدراسات ان عدم الاستقرار السياسي كانت تداعياته كارثية على المجتمع التونسي التي زادت أوضاعه ترديا العشر سنوات الأخيرة .
حيث أشار المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية الى ان التحركات الاجتماعية و الاحتجاجات قاربت 8759 تحركا في عام 2020 ، منها 5727 احتجاجا عشوائيا، بينما بلغت 9091 احتجاجا في عام 2019 و 9365 في عام 2018 ، أمّا في 2017 فقد ناهزت 10452 احتجاجا .
وأضاف المنتدى التونسي ، أن معظم هذه التحركات كان أغلبها ذو طابع اجتماعي بنسبة 40% ، و ذلك نتيجة الارتفاع المهول لنسبة البطالة في تونس بعد عام 2011 لتصل الى نسبة 17.4% في الربع الرابع من 2020 ، و 16.2 % في الربع الثالث من نفس العام .
وفيما يتعلّق بمدى نجاح هذا التحركات الاجتماعية و فشلها ، فقد تراوحت الاستراتيجيات السياسية بين تشتيتها وتحييدها عن مسارها أو تشويهها و ذلك لضمان عدم مساسها بمصالح السياسيين و الحد من نفوذهم .
من جهة أخرى ، يعود تردي الاوضاع الاجتماعية في تونس إلى ارتفاع نسبة الجريمة في تونس وقد لفتت الدراسات الى أنّ معدل الجريمة بعد الثورة بلغ 25 جريمة كل ساعة.
و بناءا على تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية فقد تجاوزت نسبة الجريمة المنظمة في الفضاءات العامة 52% من مجموع حالات العنف المرصودة ، كما أشار التقرير الى تنوّع هذه الجرائم من سرقة و قتل و اغتصاب …
ويرجع المختصون ذلك إلى غياب الرقابة و استراتيجيات سياسية ناجعة في الحد من استهلاك هذه المواد و الحد من الجريمة بصفة عامة .
و يمكننا القول أن العديد من الأطراف ذات النفوذ تستفيد من ارتفاع نسبة الجريمة في تونس و تساهم في توتير الأوضاع في الاوقات التي ترا انها مناسبة و هو ما يبرر الجرائم الارهابية و الجرائم الاخرى التي تثير الرأي العام من حين الى اخر.
أليس كل هذا الوضع المتردي في تونس على كل المستويات مبررا كافيا لكي يمسك الشعب مصيره بيديه بعد أن أفلس السياسي والمسؤول؟