إفريقيا

صفحات من جرائم العثمانيين في الوطن العربي

طرابلس – ليبيا – 06-01-2020

من أكبر مشكلات العرب مع التاريخ العثماني أن كثيراً منهم تعامل معه بعاطفته، بعيداً عن الموضوعية العلمية، وراحوا يتهمون كل من يطمح لكشف حقيقة العثمانيين بالتأثر بالنظرة الأوروبية.
ويحاول البعض الخروج من ساحة التاريخ إلى ساحات الدين والسياسة لتبرير الإحتلال التركي.
بداية النهاية للحكم العربي، ومنه توقفت الحضارة العربية وتأخرت، مقارنة بالتطور العالمي.
ضاقت على العثمانيين التوسعات في أوروبا، وانهزموا أمام النمسا وروسيا، فاتجهوا مطلع القرن السادس عشر إلى بلاد العرب التي ظلت تحت سيطرتهم أربعة قرون.
العثمانيون جاءوا إلى الوطن العربي محاولين تدجين الجنس العربي وإرهابه، وجعله تابعاً..فبماذا يبشر أردوغان ليبيا والعرب من خلال تجريد حملته العسكرية على ليبيا؟
سؤال ستجيب عنه الأيام والشهور القادمة، لكن حسبنا أن نخصص هذه المساحة للتاريخ كي يروي صفحات موثقة من الإحتلال العثماني للوطن العربي طيلة أربعة قرون من الزمن.
كتاب “بدائع الزهور في وقائع الدهور” لمحمد بن إياس (المتوفى سنة 929هـ-1523م) الذي عاصر أحداث دخول سليم الأول إلى مصر، أعطى الصورة الحقيقية لهذا السلطان وذكر كمية المآسي التي مر بها المصريون في أثناء دخوله مصر، من قتلِ الشيوخ والأطفال، وسبي النساء، واسترقاق المسلمين منهم قبل غيرهم، ومجاهرة الجنود العثمانيين بشرب الخمر في نهار رمضان، وارتكاب الجرائم العظيمة، ناهيك عن أنه سعى إلى تدمير البنية الإقتصادية المصرية، حين اقتاد أصحاب الصناعات والحرفيين إلى إسطنبول.
وأورد ابن طولون عمليات القتل واستباحة الشام التي قام بها سليمان القانوني وتحويل كثير من أهاليها إلى رقيق، واقتياد كثيرين منهم عبيداً إلى إسطنبول.

وبقول الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر:
“إن العثمانيين ليسوا سوى غزاة ومستعمرين احتلوا بلاد العرب أربعة قرون، مثلهم مثل الإستعمار الفرنسي والبريطاني، واستنزفوا ثروات العرب وأورثوهم الضعف والتخلف”. ويرفض الدسوقي الرأي الذي يصف العثمانيين بالفاتحين، فبرأيه لا يجوز وصف دخول شعب مسلم لأرض شعب مسلم آخر بالفتح، مشدداً على أن ذلك منافٍ للعلم والتاريخ. ويعتبر أن الحديث عن الفتح العثماني وعظمة الدولة العثمانية قائم على العاطفة والحماسة الدينية.


يقول المؤرخ المصري محمد ابن إياس في كتابه (بدائع الزهور في وقائع الدهور) “إن ابن عثمان انتهك حرمة مصر وما خرج منها حتى غنم أموالها وقتل أبطالها ويتّم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها، أكثر من 50 ألف قتيل مصري”.
ويروي المؤرخ آيات وقصص الظلم الذي وقع وأصاب المصريين من العثمانيين فى مواضع عدة من كتابه، حيث وصل الأمر إلى سقوط 10 آلاف من عوام المصريين قتلى فى يوم واحد، وحسب وصف ابن إياس لهذا اليوم المشئوم “فالعثمانية طفشت فى العوام والغلمان والزعر ولعبوا فيهم بالسيف وراح الصالح بالطالح، فصارت جثثهم مرمية على الطرقات من باب زويلة.. ولولا لطف الله لكان لعب السيف في أهل مصر قاطبة”.

كما أن حملات التهجير التي قام بها العثمانيون في تلك الفترة، أضرت بسكان المدينة المنورة بالجزيرة العربية،وغيرت ديموغرافيتها، ما أدى إلى دفع السكان إلى أكل الحشائش لعدم توفر الطعام، وكانت كارثة التهجير الجماعي والقسري التي اشتهرت في الحجاز بـ”سفر برلك”، تلك الجريمة النكراء التي وقعت في المدينة المنورة باقتحام جنود فخري باشا البيوتَ الآمنة، وكسر أبوابها عنوة، وتفريق الأسر، وخطف الأطفال والنساء من الطرقات بدون رحمة، وجرهم معًا أو متفرقين إلى عربات قطار الحجاز ليتمَّ إلقاؤهم عشوائيًا بعد رحلة طويلة من العذابات في تركيا والأردن وسوريا.

وبسبب الحرب العالمية الأولى كانوا يأخذون الرجال والشباب القادرين على حمل السلاح، ليجهزوهم للجبهات والقتال باسم الدولة العثمانية على يد فخري باشا الذي تمَّ تعيينه حاكمًا عسكريًا للمدينة المنورة، فأخضعها لحكم عسكري قاس، وكان أكثر الحكام الأتراك تسلطًا ودموية وضيق أفق.
كما سرق الأتراك أغلب مخطوطات المكتبة المحمودية بالمدينة وأرسلوها إلى تركيا.
من ضمن المتجبرين العثمانيين، القائد الشهير بالسفاح، وبالداغستاني، وبالكبير، أحمد جمال باشا (1873 – 1923) الذي عين حاكمًا على سوريا وبلاد الشام عام 1915 وفرض سلطانه على بلاد الشام وأصبح الحاكم المطلق فيها، وهو من زعماء “جمعية الاتحاد والترقي” وقاتل البلغار في مقدونيا، واشترك في الإنقلاب على السلطان عبدالحميد.
قبض جمال باشا على زمام السلطة في سوريا، واعتمد على الإرهاب والبطش، وعزز سلطته وبسط سيطرته بالقتل والتشريد.
وفي سلسلة الجرائم العثمانية، تلك التي وقعت بحق بلدة عراق الكرك إحدى البلدات الأردنية، نتيجة انتفاضة أهلها على الجور العثماني، إذ قامت القوات العثمانية باتخاذ الأطفال والنساء دروعاً بشرية داخل احدى المضافات؛ لإرغام الفرسان على تسليم أنفسهم، ثم جمعت فرسان عشيرة المواجدة بالإضافة إلى كل ذكر من العشيرة، بمن فيهم أطفال، دون أية محاكمة مدنية أو عسكرية، وربطتهم إلى بعضهم وقتلتهم، وتم إلقاء جثثهم في كهف لا يزال قائماً، دون السماح بدفن جثامينهم، فيما أُلقي شيخ المواجدة ومرافقته من أعلى القلعة، وكان العثمانيون يقيدون كل اثنين من فرسان المواجدة معاً ويلقونهم أو يربطون رقابهم إلى حجر كبير ويلقونهم من أعلى أسوار القلعة.

كما قام العثمانيون بحصار وتجويع لبنان وإخضاعه عام 1917، خوفاً من إنزال قوات الحلفاء فيه، أي أن القوات العثمانية قامت بحرب استباقية على الشعب اللبناني (مسلمين ومسيحيين)، أدّت إلى وفاة عشرات الآلاف من أصل 400 ألف هم سكان المنطقة. وتذهب تقديرات الإستخبارات الفرنسية إلى أن مجملّ الضحايا بلغ 110 آلاف لبناني في أربع مناطق فقط، فيما ترتفع التقديرات الألمانية إلى 200 ألف في سورية ولبنان. أما تقديرات الصليب الأحمر الأمريكي فقد جاوزت 250 ألفا.
ابتكر العثمانيون عقوبات غاية في الوحشية مثل الإعدام بالتوسيط أو على الخازوق.

تم استخدام الخازوق على نطاق واسع من قبل العثمانيين في مصر والشام، وقد تفنن الأتراك في صنع الخازوق، وأجروا العديد من الدراسات حول استخدامه، وكانت الدولة العثمانية تدفع المكافآت للجلاد الماهر الذي يستطيع أن يطيل عمر الضحية على الخازوق لأطول فترة ممكنة تصل إلى يوم كامل، حيث يتم إدخال الخازوق من فتحة الشرج ليخرج من أعلى الكتف الأيمن.

أما فرق الإنكشارية التي وصلت الجزائر لدعم القراصنة،فقد اتخذت من المدن مقرا لها، وقضت على النخبة المحلية، وصادرت الأراضي الزراعية، وقسمت الشعب إلى طبقات، واستغلت طبقة منها للسيطرة على الآخرين.

الزراعة دُمرت والتجارة صارت بيد اليهود، وانعدم الأمن، وانتشر الفقر والأمراض والمجاعات، وهرب الفلاحون من الأراضي، وبعد أن استنفذ العثمانيون خيرات البلد، سلموها فريسة سهلة للفرنسيين، دون مقاومة تذكر.

وفي تونس سجلت فظائع سليم الثاني والصدر الأعظم سنان باشا انتهاج سياسة تعسفية تجاه أراضي القبائل البدوية.. اغتصبوها واعتبروها أميرية تابعة للدولة العثمانية.

ورصدت الكتب أحداث أول يوم للغزو العثماني لأراضي تونس فتقول :”ولما دخل العثمانيون بلاد تونس هجموا على الأسواق، وأخذوا ما فيها من المتعة، وقتلوا أهلها، وسلبوا خلقا كثيرا، وفر الناس بعيالهم وهربوا ناحية زغوان”.

وعانت تونس من همجية فرق الإنكشارية وجرائمهم البشعة طوال السنوات الأولى للغزو العثماني.
كما رصدت مقررات المناهج التعليمية مأساة التونسيين مع سياسات المحتل التركي “أهمل العثمانيون شؤون الحكم والرعية وحفظ الأمن والخدمات، وبات على التونسيين دفع الضرائب تحت إرهاب السيوف والبنادق، حتى إن معظم الفلاحين قد هجروا حقولهم وقراهم هربا من كثرة الضرائب الباهظة، وأصيبت الأحوال الإقتصادية من زراعة وصناعة وتجارة بالإنحطاط والتأخر، واتسمت الحياة الاجتماعية بالجمود والتخلف” فانتشر الفقر والمجاعات.

“آل عثمان تفننوا في فرض الضرائب لبناء القصور، وقتلوا الأبرياء ذبحا بالسيف ومثلوا بجثثهم، وانتهكوا حرمة شهر رمضان، وهاجموا المصلين في المساجد”.. بهذه الكلمات يصف المؤرخ أحمد بن أبي الضياف تاريخ العثمانيين في تونس، التي عانت من مذابح مروعة.

وفي ليبيا،لعل من أهم و أكبر المذابح والجرائم التي قام بها العثمانيون والإنكشارية: (مذبحة الجوازي ) وهي تسمية تطلق على مذبحة شهيرة ارتكبت ضد قبيلة الجوازي في مدينة بنغازي وذلك في سنة 1816، قتل فيها أكثر من عشرة آلاف شخص من قبيلة واحدة.
طرابلس أفلست على أيدي الأتراك بسبب النهب المنظم لخيراتها عبر فرض الضرائب الظالمة -حتى على المتسولين- بالإضافة إلى السرقة العلنية، وفي النهاية سلموا البلاد إلى بنك روما الذي سلب الأهالي الأراضي والأموال ومهد الطريق أمام الغزو الإيطالي، برعاية كاملة من السلطة المركزية في إسطنبول.
ما إن قصف الأسطول الإيطالي ليبيا عام 1911، حتى لاذ العثمانيون بالفرار، لتقف القبائل الليبية وحيدة في وجه المحتل المدجج بأسلحة عصرية، فيما طعنهم الأتراك في الظهر بتوقيع الصلح في العام التالي مع روما، وبموجبه انسحبوا نهائيا من كل المناطق الليبية، وتركوا أهلها لمصيرهم.
مجددا يعود وارث سياسات السلطنة البائدة إردوغان إلى ليبيا حاملا الدم والخراب إلى الشعب المسالم، محاولا تكريس مشروع العثمانيين الجدد عن طريق حلفائه من جماعات الإرهاب والإخوان وميليشيات التطرف..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق