كيف تعمل واشنطن على تطويق بحر الصين الجنوبي لتجريد بكين من حلفائها في الإندو-باسيفيك؟
فاتن جباري قسم العلاقات الدواية والشؤون الاستراتيجية 09-05-2024
تقديم :
على مدى العقود القليلة الماضية شهدت القوة البحرية للصين نموا غير مسبوق أذ تحتل الصين المرتبة القيادية عالميا من حيث عدد أسطولها البحري، ومن المتوقع أن يصل أسطولها من الطائرات المقاتلة التابعة لقواتها البحرية، إلى 400 مقاتلة سطحية بحلول عام 2025.
أثارت تحركات الصين البحرية في مياه منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ذعر جيرانها في المنطقة، ممن يصفون مطالبتها بالسيادة على المنطقة الغنية بالموارد والتي تشكل ممرا دوليا عائما بمخطط توسعي في حين أن هذه القضية المعقدة حسمها قانون البحار، تبدو واضحة من منظور القانون الدولي حيث تقر تايوان من خلال الدستور التايواني بسيادة الصين على تايوان، ورغم اعترافها الضمني تتعهّد “واشنطن وطوكيو وسيدني” بالدفاع عن جزيرةٍ يحيط بها الإبهام من كل جهة.
من منظور قانوني بحت وبعيدا عن أي جذب اقتصادي عسكري تايوان ليست دولةً مستقلة، ولم تطالب يوماً بالاستقلال لأن جزءاً كبيراً من مضيق تايوان يقع داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة للصين، بما فيها تايوان ما يجعلها تتمتّع بالسيادة والولاية القضائية على مياهه، ضمن اعتراف القانون الدولي الواردة بالاتفاقية الدولية لقانون البحار بأحقية الصين على بحر الصين الجنوبي حيث تقول هذه الدول مجتمعة أن “تايوان هي الصين” فيما لا تعترف واشنطن بذلك.
البحرية الأمريكية في مواجهة الصين
القائد العسكري في البحرية الأميركية ومدير المركز الأمني الامريكي، اعتبر أنه على الولايات المتحدة استخدام “العدوان البحري الصيني” لتعزيز العلاقات مع جيران بكين في المنطقة، وذلك بحسب ما ذكره موقع “Breaking Defense”
موقع ” Breaking Defense”، المهتم بالشؤون العسكرية قدم تقريرا قال من خلاله “إنه بينما تتطور القوة البحرية الصينية، يزداد انتهاكها للقانون الدولي المعترف به، كما حددته اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ( (UNCLOS مشيرا إلى أن الصين تتجاهل بشكل واضح التعاون الدولي في المياه وحولها، ليس فقط في المحيط الهادئ ولكن في جميع أنحاء العالم.
تايوان جزء من الصين وواشنطن تنتهك القانون الدولي
في الآونة الأخيرة، بدأ التوتر بين الصين وأميركا وحلفائها الإقليميين يتّخذ شكل نزاع بشأن مضيق تايوان، إذ تُشدّد الصين على سيادتها على المضيق، وعلى كون ممرّه المائي الذي يستقبل ثلث التجارة البحرية العالمية يقع داخل المياه الإقليمية الصينية والمنطقة الاقتصادية الخالصة على النحو المحدّد في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)التي تحدّد الإطار القانوني المتكامل لآلية الاستفادة من مياه البحار والمحيطات في العالم.
في المقابل، تصرّ كل من واشنطن وسيدني وطوكيو على أن معظم مجال مضيق تايوان يشكل “مياهاً دولية”، وأنهم يرسلون سفناً بحرية عبره كجزء من تدريبات حرية الملاحة فيها، وتدعم هذا الموقف مجموعة السبع التي أصدر وزراء خارجيتها قبل بضعة أيام بياناً “يؤكّد التزامهم الحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد والسلام والاستقرار عبر مضيق تايوان وخارجه”.
في ظل سياسة نظام القطب الواحد منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، تدهورت سيادة القانون الدولي، لتفسح المجال أمام قواعد هيمنة أحادية تسعى واشنطن لفرضها عبر العالم، بقوة السلاح الاقتصادي والعسكري إذا اقتضى الأمر.
فعبارة “المياه الدولية” التي يردّدها الغرب غير واردة في اتفاقية قانون البحار الدولية التي ترفض واشنطن الانضمام إليها، ولا أساس لها إلا في قواعد واشنطن وحلفائها.
فالقانون الدولي يزكّي موقف بكين القانوني، لأن جزءاً كبيراً من مضيق تايوان يقع داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة للصين، بما فيها تايوان، ما يجعلها تتمتّع بالسيادة والولاية القضائية على مياهه، مع احترام الحقوق المشروعة والمحدودة للدول الأخرى في هذه المياه.
واشنطن تريد بناء كتلة جيوسياسية ضد ” الصين”
تمثل التحركات الصينية في المياه الدولية فرصة للولايات المتحدة لتعزيز علاقاتها مع الدول الأخرى في سعيها لبناء كتلة جيوسياسية ضد ما وصفه موقع الشؤون العسكرية بـ”التوسعية الصينية”.
ويبدو أن واشنطن تسلك هذا الاتجاه بالفعل، خاصة بعد عقد القمة الثلاثية الاخيرة ومن ثمة “المناورات المشتركة” التي جمعت بين الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس الابن، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، والرئيس الأميركي جو بايدن، فضلاً عن مناورات باليكاتان بقيادة البنتاغون وهي إجراءات أساسية تعمل على “تعزيز المعايير الدولية وتطويرها، مع تعزيز التحالفات الأميركية”.
هذا وتسعى الولايات المتحدة إلى بناء شراكات مماثلة مع الدول التي ترغب في تحقيق هذا “الاقتحام العسكري والاقتصادي” الغير المشروع في مختلف أنحاء المنطقة .
خلاصة
حين لا يخدم القانون الدولي مساعي الغرب “المتأمرك” ستعمل واشنطن كل ما في وسعها لقطع الطريق على صعود الصين وإن اقتضى الأمر فرض عقوباتٍ اقتصادية تضرّ العالم بأسره، والتنظير ل”قواعد دولية تضليلية كاذبة” ورغم ذلك سعت بكين خلال العقدين الماضيين، إلى زيادة قدرتها على العمل في المياه القريبة والبعيدة وما أزمة تايوان إلا بداية مواجهة بلا رحمة بين التنّين وواشنطن.