“فيتو” جديد يرفعه سعيّد أمام “الإملاءات الخارجية” ويتحدى صندوق النقد الدولي
إعداد قسم البحوث والدرات الإستراتجية والعلاقات الدولية
تونس 28-12-2023
السيادة الوطنية شعار المرحلة في تونس ولكن قبل الدخول في أي تحدي مع أي جهة سواء داخلية أو خارجية يجب علينا أن تكون لنا إستراتجية واضحة المعالم لفك الإرتباط والهيمنة… ويجب أن تكون لنا رزنامة حلول من خارج الصندوق التقليدي ومن ثمة سنربح التحدي…
رفع قيس سعيد “الفيتو” أمام ما يصفه بـ”الإملاءات الخارجية” لصندوق النقد الدولي ودول الغرب، بعد أن تمسك بعدم التفويت في المؤسسات العمومية.
وهذا هو “الفيتو” الثاني الذي يرفعه سعيد ضد إجراءات الصندوق الذي يشترط تنفيذ حزمة من الإصلاحات تشمل رفع الدعم وخفض الأجور وبيع مؤسسات عمومية، لتسريح قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، المهين لتونس وللسيادة التونسية.
وخلال زيارة أداها، الثلاثاء، إلى مصنع الفولاذ بمحافظة بنزرت، أكد سعيّد أنه لا مجال للتفويت في المؤسسات العمومية التي تواجه صعوبات مالية، معتبرا أن هذه المؤسسات هي جزء من ثروات تونس.
وانتقد قيس سعيد سعي الحكومات المتعاقبة إلى بيع عدد من المنشآت العمومية لفائدة الخواص والتفويت فيها إلى الأجانب، مشيرا إلى وجود شبهات فساد في هذا الملف.
وأضاف: “من يتحدث عن الإنقاذ عليه أن ينقذ مؤسساتنا ومنشآتنا العمومية لا أن يقف أمام المسرح ويتحدث”.
مضيفا: “الدولة يجب أن تكون اجتماعية ومؤسساتنا ليست للتفريط”.
وفي يونيو الماضي، عبّر قيس سعيد عن رفض بلاده لشروط صندوق النقد الدولي، التي قال إنها بمثابة “عود ثقاب يشتعل إلى جانب مواد شديدة الانفجار”، وأنها “ستمس بالسلم الأهلي الذي ليس له ثمن”.
وقبل ذلك، رفض سعيد رفع الدعم الذي يعد من أبرز مطالب صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن بلاده ترفض “الخضوع لأي إملاءات خارجية”.
ويرى بعض المنحازين للهيمنة الغربية ولصندوق النقد الدولي، أن هذا الرفض يجدد القطيعة بين تونس وصندوق النقد الدولي ويزيد من ارتفاع جبل الجليد بينهما ويعزز فرضية عدم حصول تونس على حزمة إنقاذ مالية متعثرة منذ أكثر من عام.
وفي المقابل يرى خبراء إقتصاد تونسين أن رئيس الجمهورية محق في عدم التفويت في المؤسسات العمومية رغم الصعوبات المالية التي تواجهها، البلاد والتضييقات و”المؤامرات” التي تريد تركيع الإقتصاد التونسي والضغط على القرارات السيادية لتونس.
وبالنسبة الى الشركات العمومية التي يتمّ التآمر عليها فيمكن لمشروع وطني سيادي أن ينقذها بل وتصبح مصدر ثروة وطنية، وذلك من خلال عقد شراكات مع قطاعات خارجية قادرة على إحيائها.
كما أن الرفض لهيمنة وشروط صندوق النقد الدولي قد فتح قطيعة جديدة مع الصندوق ومع المانحين الدوليين الذين طالبوا بالتفويت في هذه المؤسسات كشرط أساسي لتقديم تمويل لتونس بقيمة 1.9 مليار دولار، إلى جانب شروط أخرى.
والإشكالية التي تطرح اليوم لماذا يتعامل صندوق النقد الدولي مع تونس بهذا الشكل المذل و”المتغطرس”؟
أن أساس دور الصندوق هو تعديل الوضعية الاقتصادية للبلدان التي تواجه صعوبات مالية وتباطؤ في تحقيق النمو، وليس إكراهها على تنفيذ إجراءات بضريبة اجتماعية قاسية.
كما أن الاقتراض من صندوق النقد الدولي بنسبة فائدة في حدود 1 في المائة هو يعتبر حل من الحلول، ولكن “الشروط التقليدية” التي يفرضها أثبتت فشلها الذريع في العديد من البلدان، على غرار لبنان الذي تفاقمت هشاشته الاقتصادية بل هذا الصندوق قد تسبب في إفلاس الكثير من الدول وإدخالها في أزمات إجتماعية وهذا ما يريده الصندوق والمتحكمين فيه… فهم يريدون إخضاع تونس لإملاءاتهم وخاصة إخضاع القرار السياسي اليهم وإلى محورهم الأمريكي الغربي وهذا ما يعرفه ويدركه جيدا الرئيس سعيد ولهذا فهو يرفض تلك الشروط المجحفة في حق الشعب التونسي.
بل تحولت العلاقة بين تونس وصندوق النقد الدولي إلى علاقة غير متعادلة ويطغى عليها الابتزاز ومقايضة الإصلاحات بالدعم المالي.
ويقر الكثير من خبراء الإقتصاد اليوم أن المؤسسات الدولة التونسية التي تمّ إفلاسها عمدا أصبحت تشكل عبئا على ميزانية الدولة التونسية، إن لم يتم إيجاد حلول عملية لها وإخراجها من الوضع القاسي التي تعيشه هذه المؤسسات وبالتالي ترجع الى الدورة الإقتصادية وتصبح مساهمة في الدورة الإقتصادية التونسية.
و من بين الأسباب التي أوصلت إلى إفلاس هذه المؤسسات الكبرى هو سوء التصرف في المال العام من خلال حجم الانتدابات المهول الذي يفوق طاقتها التشغيلية في العشرية السوداء وكأنها كانت تغرق هذه المؤسسات عمدا حتى تلبي رغابات جهات أجنبية تريد السيطرة على تونس… وتونس اليوم تخوض حروبا كبرى من إستعمار جديد يريد وضع اليد على البلاد ومصير الأجيال القادمة.
كذلك تضخم الامتيازات التي يحصل عليها الموظفون بدفع نقابي زاد من تعقيد الوضع، والذي يجب أن يعالج بطريقة ذكية جدا ولا تسبب أزمة أخرى ونحن نرى بأن الحلول التكتيكية يجب أن تفرض حالا وبالتوازي الحلول الإستراتجية… فلا يمكن حلّ المشكلة الحالية في تونس إلا بعملية جراحية دقيقة ومؤكد نجاحها توقف النزيف وبعدها تأتي الحلول من خارج الصندوق…
والإشكال المطروح هو كيفية الحفاظ على هذه المؤسسات التي يواجه أغلبها شبح الإفلاس، بعيدا عن فكرة التفويت.
ويشير التقرير السنوي الأخير للبنك الأفريقي للتنمية الصادر في شهر يونيو الماضي، إلى أن ديون المؤسسات العمومية التونسية تجاه الدولة قد وصلت إلى 9.8 مليار دينار سنة 2021، مقابل 6 مليار دينار سنة 2019.