أخبار العالمبحوث ودراسات

غرب افريقيا : الصراع الدائم  بين القوى العالمية على الثروات

زينب قرفال-متربّصة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية بتونس

    تعد افريقيا منطقة غنية بالموارد الطبيعية وتكمن هذه الثروات اساسا  في  الغابات، الأراضي الصالحة للزراعة، النفط، الغاز الطبيعي، المعادن، الغابات، والحياة البرية.

 وتحتوي القارة على القدر الاكبر من الموارد الطبيعية المتواجدة في العالم، سواء كانت من مصادر الطاقة المتجددة أو غير المتجددة، دفع ذلك القوى العالمية الكبرى الى التنافس حول بسط النفوذ للاستحواذ على هذه الثروات مستغلّة ضعف الحكومات المركزية وخضوعها لهذه القوى رغم الاستقلال المزعوم.

لا شك  في انّ التنافس للحصول على الموارد الافريقية  هو السبب الرئيسي  للصراع بين القوى العالمية لكن هل يمكن القول بأنّه يشكّل الدّافع الوحيد لذلك ام انه وسيلة  لتحقيق اهداف اخرى ؟

 ثروات غرب افريقيا

تضمّ غرب افريقيا كل من بنين ،موريتانيا، نيجريا ،النيجر، مالي ،بوركينا فاسو، كوت ديفوار، غينيا، موريتانيا، الكاميرون ،ساحل العاج، السنغال ،توغو، ليبريا، غامبيا والراس الاخضر، فمنذ القدم تُعرف هذه المنطقة بانّها موطن المعادن النّفيسة والخيرات التي يمكن حصر اهمها في :

الذّهب                                                  

تصدّرت  “مالي” المرتبة الرابعة عالميا ضمن قائمة الدول الست الاكثر انتاجا للذهب  بإجمالي  انتاج 49 طنا، تلتها” غينيا” مباشرة بإنتاج 47 طنا،  ثم تصدرت ” بوركينا فاسو ” المرتبة السادسة بإنتاج بلغ 44 طنا و ذلك سنة 2018.

الذهب الاسود

 للنفط الافريقي ميزات كثيرة تميّزه عن نفط الدول الاخرى  المنتجة له؛ ويمكن حصر هذه الميزات في أنّ الاولى تتمثّل  في  انّه  أسهل استخراجًا وتكريرًا من خام الشرق الأوسط “الثقيل”  وثانيا في أنّه يتواجد خاصة في المناطق البحرية ؛ مما يسهّل عملية  نقله عبر السفن إلى الموانئ، فيصعب بذلك  سرقته واخيرا في انه من النوع “الخفيف”.

 وقد حققت  نيجريا  متوسط إنتاج بلغ 1.27 مليون برميل يوميًا من النفط  وفقا لشركة بيانات السوق والمستهلكين « statista » فتصدرت  بذلك قائمة اكبر الدول المنتجة للنفط الخام في افريقيا .

المعادن الاستراتيجية

تشمل:

  • –         ” الكوبالت” الذي يتم استخدامه بشكل كبير في صناعة  السيارات الكهربائية  والاجهزة الالكترونية ويتم استخدامه ايضا  في صناعة بطاريات الهواتف الذكية في مجال الطب لعلاج مرض السرطان.
  • “النحاس” و”المنغنيز”، تُستخدم  كذلك في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية.
  •  “البوكسيت” وفقًا لتقرير نشره البنك الدولي يوم السبت 28 نوفمبر 2020 حلت غينيا محل أستراليا لتصبح أكبر مورد للبوكسيت في العالم إلى الصين وتعد بذلك ثاني اكبر منتج للبوكسيت عالميا. ويتم استخدام هذا الاخير  في تطبيقات مختلفة كصناعة الطائرات والأجهزة المنزلية، ونظرا لأهميته يعد من الضروري  تأمين البوكسيت كمصدر دائم  .
  • الليثيوم هو أحد أكثر المعادن التي يكثر عليها الطلب في تصنيع السيارات الكهربائية؛ وهو بذلك مادة خام حيوية مطلوبة في الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر.

وتُستخدم بطاريات الليثيوم  بشكل شائع في تصنيع الأجهزة الكهربائية، والألواح الشمسية لتخزين الطاقة الشمسية الزائدة و في تصنيع السيارات الكهربائية. يتواجد “الليثيوم” بكميات هامة  في منطقة “بوغوني” بمالي بغرب افريقيا

  • الكولتان اكتشف في” نيجريا” ويُعد هام في صناعة الاجهزة الحديثة، صُنّف من المعادن الاستراتيجية عالية الاهمية حيث يُستخدم في الكثير من الصّناعات الامنية والعسكرية ويستخدم كذلك لصناعة عوادم الطائرات والصواريخ ومراوح الطائرات والاسلحة الحديثة والمركّبات الفضائية والاقمار الصناعية.

التنافس الدولي و تداعياته على استقرار غرب افريقيا

   من اهم اسباب التنافس بين عمالقة التكنولوجيا ان لم يكن السبب الرئيسي هي المعادن الاستراتيجية الضرورية التي تستخدمها اهم الشركات العالمية مثل شركة “غوغل” Google ” و” ابل  Apple “، “فايسبوك Facebook ” “امازون Amazon”و الشركات الصينية  “علي بابا Ali Baba” “بايدوBaidu ” “تنسنت Tencent ” ،”سياومي Xiaomi” و”هواويHuawei ” و الشركتين الفرنسيتين “ويكو و اكو Echo” و  شركة “ياندكس  Yandex” الروسية  وغيرها.    حيث تستخدم الشركات السابق ذكرها  ما بين  60% و70٪ من المعادن الاستراتيجية الضرورية والتي تقوم باستيرادها من إفريقيا.

فرنسا

يعود تاريخيا ، جذور التنافس الاوروبي على معادن افريقيا ككل  إلى اواخر القرن التاسع عشر، فمع سقوط جدار برلين وتفكُّك الاتحاد السوفياتي الذي لعب دورا كبيرا آنذاك في دعم حركات التحرر الافريقية المناهضة للاستعمار .عادت “فرنسا “للانفراد بالعلاقات الاقتصادية والسياسية مع مستعمراتها القديمة.  فقد عادت  “فرنسا” لتضمن نفوذها ومكانتها في إفريقيا عبر ابرام اتفاقيات تعاون تربوية  اقتصادية، سياسية وعسكرية ملزمة، من ابرزها التي تتعلق بالنظام التعليمي الفرنسي  وبالعملة الاستعمارية الفرنسية (الفرنك الإفريقي)، وكذلك بالعلاقات العسكرية والتجارية.

      وبصرف النظر عن “فرنسا” ، فقد عبّرت عدة دول عن رغبتها  في تعزيز وتمتين علاقتها مع افريقيا  مثل تركيا   والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وروسيا ،  وذلك من خلال تنظيم قمم ” مشتركة، وقد كانت فرصة مناسبة لإبرام  اتفاقيات تمويل هامّة. مع انتشار “المبادرات” الخيرية الأجنبية مثل “بروسبر أفريكا” (الولايات المتحدة الأمريكية) ، “مبادرة الحزام والطريق” (الصين) أو “البوابة العالمية لأفريقيا”، أصبحت القارة مرة أخرى مسرحًا لحرب نفوذ بين القوى العالمية التي لن تكون مصالحها الأساسية بالضرورة مصالح البلدان الأفريقية.

الصين

 تنجذب الصين وبشكل متزايد نحو افريقيا وذلك من اجل تنويع مواردها، لذلك أبرمت “الصين ” اتفاقيات مع افريقيا في مجال الاستثمار مقابل البنية التحتية واسناد قروض مقابل تزويدها بالمعادن والمواد الخام.

لا شك أن الحصول على الموارد يعد السبب الرئيسي في مشاركة الصين الاقتصادية في إفريقيا، ولكنه ليس بالسبب الوحيد لعلاقاتها مع المنطقة، إذ أنّ لها اهداف جيوسياسية دبلوماسية تشمل عزل “تايوان” من ناحية، وكسب حلفاء للحصول على الدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية، وزيادة القوة الداعمة للصين في المنطقة من ناحية اخرى وكذلك كسب حلفاء في المحافل الدولية وذلك من اجل الحصول عل الدعم الدبلوماسي.

روسيا

اكّد الرئيس الروسي ”  فلاديمر بوتين – خلال مقابلة له مع وكالة أنباء روسية: “إنه ليس من قبيل الصدفة اتجاهنا نحو إفريقيا؛ فقد أصبحت بشكل متزايد قارة للفرص، وتمتلك موارد هائلة وجاذبية اقتصادية محتملة لمنتجاتنا”.فقد عزّزت ، “روسيا” علاقاتها في غرب افريقيا وعززت وجودها في عدد من دول هذه المنطقة، حيث أصبح لها وجود وتأثير ونفوذ في كل من “مالي ” و”غينيا ” خاصّة، وقد مكّنها تدخّلها ذلك من لعب دور كبير في توحيد المعارضة وتوفير التدريب لقواتها، كما مكّنها من الدّخول في مجالات الاستثمار المختلفة.

وعلى صعيد العلاقات العسكرية، عززت روسيا  وجودها وعلاقاتها في عدد من دول منطقة غرب افريقيا  مكّنها من تحقيق  نفوذ كبير، فهناك  منها من تربطه علاقات عسكرية متينة” بروسيا”؛ سواء من خلال  ابرام عقود واتفاقيات التعاون العسكري والاستخباري، الاستشارات  ولتدريب العسكري  لقواتها، او من خلال ابرام اتفاقيات استيراد المعدات العسكرية والأسلحة، منها اتفاقات تصدير طائرات مقاتلة و طائرات هليكوبتر للنقل والقتال وصواريخ مضادة للدبابات ومحرّكات للطائرات المقاتلة  مع كل من “أنغولا” و”نيجيريا” و”مالي” و”بوركينا فاسو “وغينيا الاستوائية” وذلك خلال عامي 2017 و 2018. وقامت روسيا مؤخرا في ابريل الماضي بعد العمليات العسكرية الروسية في اوكرانيا بتوقيع اتفاقية عسكرية استراتيجية مع الكاميرون تهدف الى مساعدة الاخيرة على تدريب قواتها على مكافحة الارهاب وعلى مكافحة القرصنة.

وبذلك تُعد أفريقيا من اكبر مستوردي الاسلحة الروسية، حيث تصدّرت المرتبة الثانية (بعد آسيا) وبلغت نحو 17 في المئة من واردات هذا الإقليم من الأسلحة.

     بذلت روسيا جهوداً كبيرة داخل غرب افريقيا في الفترة السابقة مكّنتها من تحقيق وجود هام ومعتبر، وقد توجّت قمة الروسية الافريقية المنعقدة في “سوتشي” في 23 و24 من تشرين الاول من سنة 2019 هذه الجهود.  فخلال “قمة سوتشي الاولى ” توافق قادة الدولة الروسية وقادة الدول الافريقية على أهداف التعاون بين دولهم لتطوير العلاقات الروسية الأفريقية في كل من المجال السياسي، الأمني، الاقتصادي، والثقافي، وقد شهدت القمة توقيع عدد من الاتفاقيات والمذكرات والعقود.  وخلال القمة وقع تحديد إطار جديد لعقد المشاورات السياسية بين وزراء الخارجية كل سنة، ووقع أيضا عقد قمة بين الطرفين للحوار كل ثلاث سنوات.

 الا ان “روسيا” قامت مؤخرا من اجل احياء الحضور الروسي الذي كان شبه غائب في ” مالي” بانتهاز فرصة التّغلغل على حساب “فرنسا” (الذي كان حضورها طاغيا هناك) بعد اخفاقها في ايجاد حلول سياسية وامنية معها بإبرام اتفاقيات عسكرية أثارت مخاوف “فرنسا”.

   ان سباق القوى العالمية على غرب افريقيا خاصة; لا يقتصر على الأسباب الاقتصادية فقط، بل يشمل في المقام الاول أسبابًا سياسية واستراتيجية؛ إذ تعتبر إفريقيا شريكا محتمًلا رئيسيًّا. فالحراك المتنامي على غرب افريقيا ككل  يثير تساؤلات مهمة بشأن المسارات المحتملة لخريطة  النفوذ والتوازنات في المنطقة،  مما سيساهم   في تشكيل تغييرات جديدة  ستساهم بدورها  في+ إعادة هيكلة موازين القوى هناك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق