أخبار العالمإفريقيا

تركيا تنعش اقتصادها على رماد الدمار في ليبيا

أنقرة-تركيا-30-7-2020
تبدو المبرّرات المتداولة حول التدخّل التركي في ليبيا مختلطة، والعديد من الروايات المتعلّقة به غير قابلة للتصديق، فالحديث عن أمن قومي تركي على مسافة 2186 كم يجعل هذا الإحتمال غير قابل للتطبيق، كما أنّ تدخلاً محموماً إلى هذا الحدّ لا يمكن اختصاره في دعم خيار سياسيّ (إيديولوجيّ)، وهو المشروع الإخواني.


ربما تبدو المبررات الإقتصادية في تركيا الأكثر قبولاً لفهم حماسة هذا التدخّل.ويشكّل قطاع الخدمات الحصة الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي للدولة التركية (بنسبة 54.26%)، في حين تشكل الزراعة 5.82%، والصناعة 29.47% (حسب مؤشرات 2018).

ويعاني الإقتصاد التركي بشكل عام من مشكلتين مزمنتين، الأولى هي الإعتماد الكبير على قطاعات غير استراتيجية مثل السياحة والخدمات، والثانية تشابك الإقتصاد التركي بدرجة كبيرة مع الإقتصاد العالمي (الإعتماد الكبير على الإستثمار الخارجي وأسواق المال…).

ولذلك، فإنَّه لا يشبه الإقتصاد الكوري الجنوبي، مثلاً، في تصنيعه السيارات، وإنما يحتضن مصانع تجميع لعدد كبير من شركات السيارات، ولا يشبه الإقتصاد الإيراني من الناحية المعرفية في القدرة على بناء أجهزة طرد مركزي للطاقة النووية مثلاً، إنما يستورد البناء والكفاءات التشغيلية من الخارج في حال المضي في أي مشروع نووي، وهو ليس اقتصاد طاقة، إنما تحتاج تركيا إلى 40 مليار دولار سنوياً كواردات طاقة لتشغيل قطاعاتها الإقتصادية في مصانع الألبسة والحديد والكيماويات وغيرها،واعتبار الإقتصاد التركي اقتصاداً نشطاً لا يعني أنه اقتصاد إنتاجي مستقل أو قادر على اللعب خارج شروط القوى المهيمنة على الإقتصاد العالمي، ولذلك، يشهد اضطرابات سريعة ومتكررة من حين إلى آخر، سواء في أسعار عملته، أو احتياطاته النقدية، أو نسب البطالة التي ارتفعت من 8% في العام 2012 إلى 13.5% في العام 2019.

هذه الوضعية من الإقتصاد ليست مستقرَّة في كل الأحوال، لأنَّ عناصر الإستقلالية الذاتية فيها محدودة، الأمر الذي يفسّر بحث الدولة عن مصادر أكثر ديمومة للدخل (خطّ السيل الجنوبي للغاز مع روسيا مثلاً).

وهنا يمكن قراءة التدخل في ليبيا من هذه الزاوية، الأمر الَّذي يجعل القراءة أكثر واقعية من روايات الأمن القومي التركي، أو الفزعة الإيديولوجية لتيار سياسي ما (حكومة الوفاق التي تؤدي دور الأداة هنا ليس أكثر) بعد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المثيرة للجدل بين تركيا والسراج، والتي تضمن أن تكون شركة البترول التركية (حتى لو لم تمتلك الخبرات التقنية اللازمة كافة) المتعاقد الأول مع ليبيا للتنقيب عن الغاز والنفط من جهة، وتوسيع نفوذها الإقتصادي في البحر من جهة


ثانية، وأداء دور رئيسي لأي خطّ غاز مستقبلي في شرق المتوسط من جهة ثالثة.


إضافةً إلى كلّ ذلك، تطمح تركيا إلى تحريك شركات البناء التركية في مشاريع إعادة الإعمار في ليبيا (تحاول هذه الشركات إعادة إنتاج الطفرة الإقتصادية في تركيا، وتراهن على 120 مليار دولار من العقود في ليبيا قريباً، بحسب مجلس الأعمال التركي الليبي)، وتطمح كذلك إلى السيطرة على قطاعات البنية التحتية للكهرباء والمياه (الأمر الذي يضمن عقوداً طويلة الأجل للصيانة والتوسعة)، إضافةً إلى صفقات كبرى أخرى، كنقل الأسلحة والتدريب الأمني.
إنَّ توظيف نظرية اقتصاد الكوارث يبدو فعالاً بالنسبة إلى أنقرة، كي ينتعش اقتصادها على رماد الدمار في ليبيا.
محمد فرج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق