أخبار العالمالشرق الأوسط

سياسة الانتقام الوحشي الأمريكية للفتك بأكثر من دولة عربية

بيروت-لبنان-28-12-2022
العميد د. أمين محمد حطيط*
عندما أطلقت أمريكا أكذوبة «الربيع العربي» مستندة إلى مكونات محلية وإقليمية ودولية عميلة أو جاهلة، ومحشدة العصابات والزمر والجماعات الإرهابية للفتك بأكثر من دولة عربية، عندما أطلقت هذا «الربيع المزيّف الكاذب» الذي جاء في حقيقته حريقاً وتدميراً لتلك الدول، كانت تتوخى استكمال تنفيذ المخطط الاستراتيجي الأساس الذي يقوم على تدمير 6 دول عربية وتفكيك أو تحييد جيوشها لتؤمن لـ «إسرائيل» البقاء المستقر الآمن وللغرب بقيادة أمريكية السيطرة الاستعمارية المطبقة والمحكمة على كامل المنطقة وشعوبها ولنهب خيراتها وثرواتها.
وقد نجحت أمريكا في ليبيا وتعثرت في اليمن واستمرت في كيدها التدميريّ في العراق لكنها فشلت في سورية فأجلت ملف الجزائر لفرصة تراها مواتية لها بشكل أفضل. بيد أن سورية في تصديها للمشروع الاستعماري التدميري وإفشاله راكمت انتصارات محور المقاومة التي بدأت في العام 2000 وتعززت في العام 2005 ثم 2006 وأكدت أن بمقدورها إبقاء الباب مفتوحاً امام جهد إقليمي ودولي منسق لمواجهة الخطط الغربية بقيادة أمريكية لمنع تثبيت دعائم النظام العالمي الأحادي القطبية الذي تسعى أمريكا إليه منذ تفكك الاتحاد السوفياتي في العام 1991، وقد كان واضحاً أن الرحم السوري يحتضن جنين النظام العالمي المتعدد الأقطاب المناقض للطموح الأمريكي القائم على التفرد والأحادية والاستئثار.
وبعد عقد من الحرب الكونية الإرهابية تيقنت أمريكا أن سورية دافعت وصمدت وشكلت العائق الرئيسي أمام تحقيق أهدافها وطموحاتها، وتيقنت أكثر من أن مختلف أساليب الحرب العسكرية الميدانية بالحديد والنار وكل فنون الإرهاب لم ولن تتمكن من لي الذراع السوري ولن تحقق لأمريكا أهدافها الاستراتيجية النهائية أو الوسيطة، ما جعلها تنقلب الى اعتماد استراتيجية تدمير وإبادة وحشية ضد سورية تمثلت بحرب اقتصادية في منتهى القسوة والوحشية وضعت لها تشريعاً أمريكياً أسمته قانون قيصر شرعت لنفسها فيه حصار سورية بشكل محكم يصل إلى حد حرمان الشعب السوري من معظم مستلزمات الحياة ويترافق مع نهب أمريكا لخيرات سورية النفطية والزراعية وحرمان شعبها من ثرواتها الطبيعية.
لقد أطلقت أميركا قانون قيصر في العام 2019 مباشرة بعد أن أيقنت من فشلها الميداني ورأت فيه طريقاً للانتقام الوحشي من النجاح السوري في المواجهة، وحتى تكون مفاعيله شاملة وعميقة أرفقته بخطة بومبيو في لبنان التي هدفت إلى تدمير لبنان اقتصاداً ومجتمعاً وأمناً، لمنعه من توفير المتنفس للاقتصاد السوري أو ليكون تضييقاً إضافياً على الاقتصاد السوري. وفي التطبيق حقق قانون قيصر وخطة بومبيو معظم ما أرادته أمريكا من إفقار الشعب ومعاناته وأنتجت بيئة يمكن وصفها بأنها نوع من بيئة الإبادة الجماعية في الأبواب المعيشية والاقتصادية، إلا أنه لم يحقق الهدف الرئيس الذي توخته أمريكا والذي هو بكل وضوح استسلام سورية وتحقيق أهداف «الربيع العربي» الكاذب.
فسورية التي صمدت في الميدان بوجه 85 دولة شاركت في العدوان عليها بشكل مباشر أو غير مباشر، وسورية التي واجهت أكثر من 360 ألف إرهابي حشدوا من أربع رياح الأرض، وسورية التي استعادت السيطرة على أكثر من 4/3 أرضها التي تمكّن الإرهابيون من إفساد الأمن فيها، سورية المنتصرة في الميدان العسكري هذه أغاضت أمريكا التي تمارس سياسة الاستعلاء والهيمنة والسيطرة على الشعوب، وبدل أن تسلم بحقائق الميدان ومقتضيات حقوق الآخرين فإنها انقلبت إلى سياسة الانتقام الوحشي ووضعت لذلك استراتيجية مطورة تقوم على أركان ثلاثة:
الأول يتمثل في إطالة أمد الصراع ومنع سورية من استثمار إنجازاتها الميدانية ومنعها من العودة إلى الحياة الطبيعية وإطلاق عملية إعادة البناء واستعادة السوريين النازحين الى دول الجوار.
الثاني احتضان ودعم المشروع الانفصالي الكردي في الشمال الشرقي السوري ورعاية الجماعات الإرهابية التي تتوزّع على عناوين مختلفة من «داعش» الى «نصرة» الى «تحرير الشام» إلى… إلى.. لإبقاء الميدان ملتهباً بوجه الدولة السورية.
الثالث تشديد الحرب الاقتصادية مع تطوّرها إلى شكل من أشكال الإبادة الجماعية، وهي الحرب التي بدأت بقانون قيصر /2019 مع ما تضمنه من تدابير وإجراءات وحشية رمت إلى تجويع الشعب السوري، ولما لم يؤد المطلوب أمريكياً جاءت أمريكا اليوم بما هو أفظع مادياً ومعنوياً واعتمدت تشريعاً جديداً أسمته «قانون التصدّي للأسد في ترويجه ومتاجرته بالمخدرات» (كابتغون) وهي الأحرف الأولى لعنوان القانون بالإنكليزية:
« Countering Assad’s Proliferation Trafficking And Garnering Of Narcotics»
إن الاستراتيجية الأمريكية المعتمدة حالياً ضد سورية وبخاصة في فصولها الأخيرة تعتبر من أبشع أنواع العدوان والإجرام الدولي بحق الدول والشعوب. وهي لا تتوقف عند عمل في الميدان أو تضييق في الاقتصاد بل إنها تتوسّع لتشمل مواطن مادية ومعنوية من شأنها تجويع الشعب وحرمانه من أبسط مقوّمات العيش خاصة من مصادر الطاقة والغذاء والدواء، ومؤخراً أدخلت عاملاً جديداً عليها وهو الإساءة المعنوية والأخلاقية للدولة باتهامها بأنها تصنّع وتكدّس وتروّج وتهرّب المخدرات في المنطقة، وهي افتراءات كاذبة وادعاءات ترمي أمريكا من خلالها إلى التعتيم على حقيقة سورية وحجب مواطن العنفوان والقوة والوطنية والبطولة السورية في مواجهة العدوان والتصدّي للإرهاب وإظهارها بأنها عبارة عن جماعات إجرامية خارجة على القانون تفسد المجتمعات من خلال ترويج المخدرات.
إن الفصل الأخير من كتاب العدوان الأمريكي علي سورية ومع ما تضمنه من فجور إجرامي وكيدي وتحريضي تفرض على الجميع في المنطقة عرباً وأصدقاء للعرب، مسلمين وأصدقاء للمسلمين، وكل إنسان حر وشريف، تفرض عليهم الوقوف كلٌّ في دائرة فعله وتحركه ونشاطه وتأثيره، الوقوف في مواجهة هذا العدوان الإجرامي اللئيم.

  • أستاذ جامعي ـ خبير استراتيجي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق