أخبار العالمأمريكا

نيويوركر:الترامبية موروث خطير وإيديولوجية لليمين المتطرف

نيويورك-الولايات المتحدة-28-01-2021


قالت سوزان غلاسر، في صحيفة نيويوركر:”إن انتهاك ترامب المستمر للمؤسّسات الأساسية لحكومتنا ونظامنا الإنتخابي قد أدى الآن إلى النتيجة الحتمية، وهي أننا أصبحنا قوة عظمى ممزقة من الداخل”.

وذكرت أن ترامب منذ حملته الإنتخابية في عام 2016، أنشأ طرقاً للتعامل مع المعارضين السياسيين (السخرية والتشهير)، واتجاه وسائل الإعلام الصحفية (التي يتمّ التعامل معها على أنها خصوم سياسيون متحيّزون) والتي تتعارض مع معايير الإحترام بين الخصوم وحرية التعبير.

واستشهد العديد من المحلّلين السياسيين بتشويهه للواقع (مثل الحديث عن “النجاح” في مكافحة الوباء في اليوم الذي وصلت فيه الإصابات في الولايات المتحدة إلى 11 مليوناً و251 ألف حالة وفاة) ووصفوا تلك الأرقام بأنها نوادر أو شذوذ.

في غضون ذلك، كان ترامب وفريقه من المتعاونين والإيديولوجيين (بما في ذلك المدّعي العام الإستبدادي ويليام بار، ومستشار الهجرة المتطرف ستيفن ميللر، ومروّج التحالف الدولي اليميني المتطرف ستيف بانون يسيطرون على الدولة من الداخل، ويحاولون تدمير مؤسساتها والعبث بالنظام الفيدرالي.

وعلى مدار أربع سنوات، قيل إن ترامب براغماتي أناني وليس لديه أيديولوجية ثابتة، ووفقاً لمعلق نيويورك تايمز، ديفيد بروكس، على سبيل المثال، لم يقسم ترامب العالم إلى يمين ويسار بل إلى رابحين وخاسرين. إن ماضيه قد ساعد في توليد سوء الفهم، مما أدى إلى توقعات برئاسة بلا هدف.

لكن هذا كان خطأ واسع النطاق في التحليل، انطلاقاً من ركيزتين قويتين في الثقافة الشعبية الأمريكية، الفردانية العصامية والتلفزيون، حيث وجد ترامب مكانه حين تصرف بثبات كسياسي استبدادي يميني متطرف في سياق الأزمة متعدّدة الأبعاد التي تجتاح أمريكا.

وكتب البروفيسور كريستوفر براونينغ أن ترامب أنشأ “تحالفاً من الساخطين” مثل أدولف هتلر.

كانت هناك أربع سنوات من السجال الأكاديمي حول ما إذا كان ترامب زعيماً فاشياً، حيث يتفق الخبراء على أن حياته المهنية لا تحتوي على كل الخصائص، لكنها تحوّلت إلى اتباع سياسات خطيرة شديدة الإستبدادية وغير ديمقراطية وتشجّع على العنف.

من خلال سياساته، أوجد ترامب نموذجاً وإطاراً أيديولوجياً يمينياً متطرفاً يمثّل، في الوقت نفسه، جزءً من اتجاه استبدادي عالمي في تشويه سمعة الديمقراطية.

الآن يبدو أن معظم أعضاء الكونغرس الجمهوريين ممزقون بين الإعتراف بخسارة ترامب في الإنتخابات وإرضاء 72 مليون ناخب يعتقدون أنه فاز، لكن ربما تكون هذه معضلة مؤقتة، وما يحدث هو أن الحزب الجمهوري أصبح جزءً من حركة اجتماعية يمينية متطرفة في طور التكوين.

في كتاب “الخطر الخامس”، يوضح مايكل لويس أنه خلال إدارة ترامب، تمّ ببساطة القضاء على ملايين البيانات التي كانت لدى الدولة بشأن تغيّر المناخ أو جرائم العنف. المستفيدون هم شركات الفحم وكبار منتجي اللحوم وتجار الأسلحة. في الوقت نفسه، تآكلت مؤسسات الدولة وأُفرغت جزئياً من المحتوى، في حين تمّ تغيير عشرات القوانين والإجراءات التقدمية في مجالات متنوعة مثل البيئة والتعليم واندماج الأعراق المختلفة.

ومنذ سبعينيات القرن الماضي، كان اليمين المتطرف والإيديولوجيون يروّجون للحاجة إلى رئاسة قوية لمواجهة الأجندة التقدمية في مجالات مثل العرق والحريات المدنية. وبالنسبة للداعين لنظام رئاسي استبدادي شبه ملكي للولايات المتحدة مع سلطة تشريعية ضعيفة، مثّل ترامب، بشعبيته التي اكتسبها أملاً بدعم هذا الإتجاه.

وعجّل ترامب بتدمير احتكار استخدام القوة من قبل الدولة الديمقراطية من خلال تشجيع أفعال الجماعات اليمينية المتطرفة الموالية للنازية، والميليشيات والجماعات شبه العسكرية، بينما رفض إجراء إصلاحات عاجلة للحدّ من إجراءات الشرطة الوحشية ضد المواطنين الأمريكيين من أصل إفريقي. وطمأن الجمعية الوطنية للبنادق بأنه سيعرقل أي إجراء يتخذه الكونغرس ضد حيازة المدنيين أسلحة الحرب. وإذا دعت الحاجة إلى الفوضى، فهذه الميليشيات هي طليعة مسلحة سيتمّ نشرها في أية لحظة.

وقدّم ترامب تطمينات للإنجيليين القوميين اليمينيين بأنه سيتبنى أجندتهم بالرغم من أنهم يقدمون أنفسهم على أنهم حركة دينية، إلا أنهم يدعمون تعزيز نظام رئاسي قوي ويمثلون ثورة شديدة المحافظة ضد الإعتراف القانوني بالزواج المثلي، أو تنوع الهويات، أو الحق في الإجهاض، وضد المحكمة العليا التي لها اختصاص في النزاعات المتعلقة بحقوق العمل. وبالمثل، فإنهم يعارضون مساواة المرأة ويطالبون بالسيطرة الذكورية في المجالين الخاص والعام.

وتوضح الباحثة كاثرين ستيوارت، أن القادة الإنجيليين “أعلنوا حرباً مقدسة جديدة ضد الديمقراطية المتنوعة عرقياً ودينياً” في كلّ من الولايات المتحدة والعالم. كما عيّن ترامب أيضاً قاضيين محافظين للغاية في المحكمة العليا القوية وأكثر من مائة قاضٍ محافظ في ولايات مختلفة لعرقلة الإجراءات الأكثر تقدمية التي قد ترغب إدارة جو بايدن في تبنيها.

كانت إدارة ترامب عنصرية بشكل علني في الردّ على تحركات الأمريكيين الأفارقة (والبيض الذين يدعمونهم) وعارضت بشدة الهجرة، مع تدابير مثل فصل الآباء المهاجرين عن أطفالهم، وطرد أحفاد المهاجرين المولودين في الولايات المتحدة، وحظر دخول المواطنين المسلمين.

وهكذا، يترك ترامب العديد من الموروثات الخطيرة للديمقراطية وراءه في الولايات المتحدة وبقية العالم:
أولاً: أظهر أنه من الممكن الوصول إلى السلطة بوسائل انتخابية ديمقراطية ثم تقويض الدولة من الداخل، كما يفعل حكام آخرون في أوروبا الشرقية وتركيا والبرازيل، في الوقت نفسه، أثبت أنه من أجل البقاء في السلطة، يمكن نزع الشرعية عن الإنتخابات من خلال الأكاذيب والأخبار الكاذبة واستخدام الشبكات الإجتماعية الموالية، مع إلقاء اللوم على الصحافة، وحشد القوات شبه العسكرية في الشوارع.

ثانياً: روّج للفكرة القائلة بأنه من أجل تحقيق النجاح اقتصادياً (باتباع النموذج الذي مثله)، يجب إلغاء جميع أنظمة الدولة، وتجاهل الأنظمة الموجودة، والقيام في الواقع بإلغاء تجريم الفساد.

ثالثاً: لقد عملت الترامبية على تطبيع العنصرية والتمييز على أساس الجنس وازدراء اليسار والمدافعين عن البيئة وجميع أولئك الذين يمثلون الأجندة الليبرالية للتنوع وحقوق الإنسان التي نشأت منذ الستينيات.

لقد أكدت الترامبية علناً رفض المهاجرين وطالبي اللجوء الذي كان الناس يمتنعون في السابق عن التعبير عنه، وتحدث ترامب وشوّه سمعة هؤلاء المطالبين علانية.
رابعاً: أعاد التأكيد على شرعية الجماعات الموالية للنازية والميليشيات المتطرفة والجماعات المتآمرة المسلحة والمنظمة ضد الدولة. أدى تمسكه بنظريات المؤامرة إلى تأجيج هذه الجماعات في حماستها لحمل السلاح لفرض فكرتها عن أمريكا.

خامساً: منذ تفشي جائحة كوفيد -19، دأب ترامب على تشويه سمعة العلم، وروّج بدلاً من ذلك لتفسيرات المؤامرة والخرافية بشكل خطير.

سادساً: تحاول الترامبية تسخير فكرة الأمة لأغراض طائفية ومناهضة للديمقراطية وحصرية.

سابعاً: روّج ترامب لمفهوم سياسي وقومي للدين من خلال تحالفه مع الإنجيليين، وبهذه الطريقة نجح في التراجع عن الفصل بين الدولة والدين عبر قرون.

ثامناً: أشار إلى أنه في السياسة الخارجية يجب على كل دولة أن تدافع عن مصالحها بأساليب أنانية، والإبتعاد عن أي سياسة تعاونية، واحتقار النظام التعدّدي وإضعافه، بدءً باتفاقيات وقرارات الأمم المتحدة.

قد لا يخوض ترامب انتخابات عام 2024، لكن بعض الشخصيات السياسية تلوح في الأفق بالفعل كمرشحين محتملين، ولاسيما سيناتور أركنساس توم كوتون، الذي يتخذ مواقف متشدّدة للغاية بشأن الهجرة والصين…

وأياً كان وريثه السياسي، إذا كان سيتمّ الحفاظ على الديمقراطية وتحسينها، وإذا كان سيتمّ الدفاع عن الأجندة التقدمية في الولايات المتحدة وفي أي مكان آخر، فسيكون من الضروري التفكير والعمل السياسي في جميع المجالات التي ترك فيها ترامب إرثه، لأن العالم لم يعد كما هو، بعد أن كان دونالد ترامب رئيساً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق