أخبار العالم

مشكلة الغنوشي..كلما فتح فمه كلما ألحق الضرر بنفسه

لندن-بريطانيا-26-4-2023

إذا كان مشروع “الإخوان المسلمين”هو من الأساس، مشروع حرب أهلية، فإن راشد الغنوشي لا يأتي بجديد عندما يهدد البلاد التي تأويه بحرب أهلية.

مشكلة الغنوشي، زعيم حركة “النهضة” في تونس، هي أنه لا يُسائل نفسه ولا يخجل، وحتى عندما تحولت مناهضة بقائه إلى حركة داخل الحركة، تمسك بأن الدكان دكانه، وأنه لن يتزحزح من مكانه، برغم كل ما صنعه من فشل.

الفشل داخل حركة النهضة قد يتعلق بتفسيرات مختلفة حول السبب الذي أدى إلى انهيار مكانتها في تونس، إلا أنه يظل بمثابة تصورات مختلفة حول كيف تصنع حربا أهلية، تقسّم المجتمع، وتكفّر أجزاء منه، وتحول مؤسسة الدولة إلى شاهد زور، بعد التمكن فيها.

التونسيون حتى وإن أحيطوا علما مبكرا بهذا المنحى، فإن ما كان يشغلهم هو حقيقة أن هذه الحركة تولت السلطة، بصفة مباشرة وغير مباشرة، لنحو 11 عاما فقادت البلاد الى حافة الهاوية، بما صنعته من فوضى داخل البرلمان، وبما جعلت من حكومات البلاد مجرد صفقات فساد بين أحزاب، كان الفساد هو العامل المشترك الرئيسي فيما بينها.

وانتهى الجميع إلى عجز اقتصادي متفاقم، لم تعد تنفع معه الهبات ولا القروض، لأنه أوقف عجلات الإنتاج وفاقم ظاهرة البطالة المقنعة، وبدد الموارد..

كما نبت الارهاب على ذراع “النهضة” ومن تحت أنفها، ليشن هجمات دموية أسقطت العشرات من الضحايا..

لم يسأل الغنوشي نفسه شيئا.. كان مشغولا بحياكة حبائله الداخلية، وبتحالفات شراء الضمائر وتوزيع المناصب في الحكومة، وذلك من قبل أن يتحول البرلمان، تحت رئاسته الى حلبة ملاكمة، يضرب فيها النواب نوابا آخرين، وتحولت مناقشاتهم إلى صراعات مورست بلغة عنف، قبل أن يتحول العنف إلى ظاهرة عامة.

تلك كانت هي بدايته”الناجحة” لصنع حرب أهلية، فلما تم إحباطها في الانتخابات التي جاءت بالرئيس قيس سعيد في أكتوبر 2019، ظل شاغله هو كيف يُبقي على مسارات الفوضى، فاشترى ضمائر وباع غيرها، وحوّل رئاسة الحكومة، من مؤسسة عمل لمواجهة الأزمة الاقتصادية، إلى منصة صراع مع قصر قرطاج، وكأن البلاد كانت بحاجة الى المزيد من أدوات الصراع!

ولم تفلح الإصلاحات التي قادها الرئيس سعيد في دفعه إلى الاستدراك على الأقل، إذ لم يعط لتلك الإصلاحات الفرصة من أجل أن توقف التردي وتسوي حسابات الفشل.. ومثلما كان الغنوشي يقود جبهة للفوضى داخل البرلمان، فقد صنع جبهة للفوضى خارجه ردا عليها.

الأصول الديمقراطية، في كل مكان في العالم، تقتضي احترام إدارة الناخبين، ثم تقتضي منح الرئيس المنتخب الفرصة لكي يعمل، فحتى ولو كنت خصما له أو لبرنامجه، فإن آخر ما تريده هو أن تحوّل الخصومة إلى ضرر عام.

فاز الرئيس سعيد بأصوات نحو ثلاثة أرباع الناخبين، كان ذلك بمفرده مؤشرا يستدعي التوقف عنده واحترامه، ومن ما أحد إلا وكان يتوجب عليه مواجهة نفسه بالسؤال: لماذا جاءت النتيجة لتبدو وكأنها صفعة على الوجه لكل أحزاب الفوضى والخصومات؟

لم تقدم هذه الأحزاب جوابا موضوعيا، ولا هي آثرت الاستدراك.. الغنوشي قادها من جديد لكي تمارس الفوضى باعتبار أنها هي الجواب، ولكن ليس الفوضى وحدها، وإنما الأحقاد والرغبة في الانتقام، وكأن حلبة الملاكمة التي قادها في البرلمان يجب أن تصبح هي صورة تونس وممثلا للديمقراطية كما يفهمها!

حتى الاتهامات التي بقيت تلاحقه في قضايا التنظيم السري” وحملة التسفير للشباب لأجل الالتحاق بتنظيمات الإرهاب في سوريا، والتمويلات غير المشروعة، لم تقنعه بأن الوقت قد حان ليكف عن التحريض حتى انتهى به الأمر الى أن هدد، جهارا نهارا، باندلاع حرب أهلية، ما لم يَعُد الإسلام السياسي إلى سابق دوره.

لم يكفِه عقد من الزمن من تلك الحرب ضد الاقتصاد وضد الاستقرار، وإذ لم يجد من يتلاكم معه، فقد صار يتلاكم مع طواحين الهواء، إنما ليتأكد الغنوشي بنفسه، أنه كلما فتح فمه، كلما ألحق الضرر بالغنوشي!

*علي الصراف- كاتب عراقي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق