أخبار العالمبحوث ودراسات

خمس خرافات حول الاستراتيجية

 نشهد في حياتنا الأكاذيب الصغيرة، ونشهد الأكاذيب الكبيرة أيضاً، وقد نشهد الخرافات. وتعتبر الخرافات أسوأ أنواع الأكاذيب، فما هي أبرز الخرافات حول الاستراتيجية في عالم الأعمال؟

من السهل اكتشاف الأكاذيب ما لم تعزل نفسك في غرفة بعيدا عن صدى وسائل التواصل الاجتماعي لترديد قناعاتك مع أشخاص يشابهونك.

باستثناء عندما تكون الكذبة كبيرة، حيث تُثير الكذبة الكبيرة الريبة في نفوس الأفراد عند سماعها أو قراءتها وتدفعهم للتساؤل حول حقيقة فهمهم للأمور. وهذا السبب الذي يدفع السياسيين والمروجين للدعاية إلى رواية الأكاذيب الكبرى.

إنهم لا يحاولون تأكيد الحقيقة بقدر رغبتهم في زرع الشك والريبة حول ما هو صحيح.

وهذا أمر سيئ، لكن بإمكان الشخص الفطِن مقاومة كذبة كبيرة من خلال النظر في الأدلة المتاحة في متناول يده.

في المقابل، تُمثّل الخرافات حول الاستراتيجية فخاً مختلفاً وأكثر دهاء، وهو ما يجعل الأشخاص الأذكياء ينخدعون بها. وعادة ما تستند الخرافات إلى نصف حقيقة معقولة، ولا تؤدي إلى ضلالك على الفور عند بدئك العمل بموجبها.

وستدرك مع مرور الوقت فقط ارتكابك لخطأ ما، إلا أنه سيكون من الصعب التراجع عن اختياراتك الخاطئة لأن الضرر حينها يكون قد وقع.

نواجه الخرافات في معظم مجالات المسعى البشري، ولا يمثّل مجال التفكير الإستراتيجي استثناء. 

وفيما يلي خمسة من أكثر الخرافات خبثاً التي واجهتها خلال مسيرة مهنية طويلة درست في غضونها الاستراتيجية وقدمت للشركات المشورة حولها:

قد يبقى أساس المنافسة في بعض الصناعات دون تغيير عدة عقود، ويتميّز القادة الذين يلتزمون باستراتيجياتهم خلال فترات الركود وفترات الانتعاش ويتجاهلون ضوضاء السطح بممارسة أعمالهم بشكل جيد.

تحدث التغييرات الاستراتيجية تحديداً عند تحدي الافتراضات القديمة القائمة حول صناعة ما، فعندئذ، أنت تحتاج إلى إجراء تلك التغييرات بسرعة كبيرة. 

وقد يعميك التفكير في الاستراتيجية كنوع من الالتزام طويل الأجل عن تلك الحاجة.

وفي الواقع، لا يكمن دور الاستراتيجية في الالتزام على المدى الطويل أو القصير، وإنما يدور حول أساسيات كيفية عمل الشركة المتمثّلة في مصادر خلق القيمة، والعوامل الرئيسة وراء التكاليف لخلق تلك القيمة، وأساس المنافسة.

ولسنا بحاجة إلى إطالة الأفق الزمني لتفكيرنا من أجل إحكام السيطرة على الاستراتيجية، وإنما نحتاج إلى عمق التفكير، إذ تدور الاستراتيجية حول ما سنفعله الآن من أجل تشكيل المستقبل لصالحنا، وهي بعيدة كل البعد عن أن تكون حول المهام التي سننجزها في المستقبل.

يبدو وكأن أمازون وعمالقة المنصات الاجتماعية مثل جوجل وفيسبوك يواصلون تغيير الاستراتيجية، بسبب توظيفهم مبالغ نقدية ضخمة لصالح الابتكار وتقديم منتجات وخدمات جديدة كل عام.

ومن السهل الخلط بين الابتكار والتغيير في الاتجاه الإستراتيجي، وقد يتسبب الابتكار أحياناً في حدوث هذا التغيير بالفعل.

تعكس معظم المنتجات والخدمات الجديدة والمبتكرة في حالة أمازون وباقي الشركات التكنولوجية الكبرى استراتيجية واحدة متسقة ومألوفة لدى رجال الأعمال منذ الستينيات على الأقل. حيث لاحظ بروس هيندرسون مؤسس “بوسطن كونسلتينغ جروب” (BCG) انخفاض التكاليف بمقدار يمكن التنبؤ به مع كل مضاعفة للحجم التراكمي في العديد من الشركات.

ويُستدل من ذلك أن التسعير مقدماً تحسباً لانخفاض هذه التكاليف قد يجعل الشركة تضحي بالهوامش الحالية بغية كسب حصة، وتحقيق الريادة في السوق ومن ثم جني المكاسب.

وما سوّغ هذه الاستراتيجية هو الحاجة الماسة: “لخفض الأسعار وإضافة السعة”.

وهذا ما تقوم به شركات المنصات اليوم أساساً، على الرغم من استخدامها مفردات أكثر حداثة مثل: “الزيادة الهائلة”، أو “تضخم النمو”، وإضافتها بعض التحسينات.

على سبيل المثال، يمكن التعبير عن استراتيجية الحاجة الملحة بالنسبة لمنصات الأعمال اليوم بمبدأ “طرح الخدمة وإضافة مستخدمين”. لكنها مجرد نسخة أكثر جذرية لاستراتيجية عمرها أكثر من نصف قرن.

هناك دليل على أن الفترة الزمنية لاستدامة الميزة التنافسية أخذة في الانخفاض، مما يوحي بأن تحقيق القابلية للاستدامة أصبحت أصعب، مما يعني بدوره أن الحواجز أصبحت أكثر هشاشة ومن السهل تجاوزها.

ولاحظ أحد المراقبين في السوق أن متوسط مدة استدامة الميزة قد انخفض من 33 عاماً في عام 1964 إلى 24 عاماً في عام 2016 وفق مؤشر “إس آند بي 500”.

تعتبر تقارير موت الميزة التنافسية مبالغ فيها إلى حد بعيد. فالمزايا التنافسية لشركات أمازون وألفابت وآبل وفيسبوك ومايكروسوفت هائلة للغاية، كما أن العقبات التي تحول دون التغلب عليها كبيرة جداً، لدرجة أن تدور المناقشة العامة حول استخدام القانون لتذليل هذه العقبات وتقليل قوتها، إذ أصبح من الصعب في وقت قصير للغاية تخيل إمكانية ترويض قوى السوق وحدها لهذه العقبات.

لا تكمن الحقيقة الكاملة في موت الميزة التنافسية، وإنما في الاعتماد على مزايا متعددة بدلاً من ميزة وحيدة.

وجزء من سبب صعوبة الإطاحة بشركة “أمازون آند كو” هو إدراكها لهذه الاستراتيجية.

إذ لا تراهن الشركة على بناء جدار كبير واحد، وإنما على بناء الكثير من الجُدُر الأصغر.

تعمل الشركات الرشيقة، وخاصة الشركات الناشئة على المناورة دائماً، ولا يبدو أنها تتبع أي خطة استراتيجية.

من السهل إذن افتراض أن ما تقوم به الشركة الرشيقة هو العمل بسرعة عالية، والحفاظ على وتيرة عمل عالية، وقدرتها على الاستجابة السريعة.

الرشاقة ليست استراتيجية، بل هي قدرة ذات قيمة كبيرة وفوائد تشغيلية فورية.

لكن لا يمكن للرشاقة أن تؤثر بشكل دائم على المركز التنافسي للشركة ما لم يكن هناك استراتيجي يتخذ القرارات الصحيحة بشأن مكان توجيه تلك القدرة.

كما أن الغياب الواضح للخطة لا يعني عدم امتلاك الشركات الناشئة الناجحة أي إستراتيجيات.

الاستراتيجية ليست خطة، بل هي إطار لاتخاذ القرارات، وهي مجموعة من المبادئ التوجيهية التي يمكن تطبيقها مع تطور الأوضاع.

وتفشل معظم الشركات الناشئة في إدراك أن القدرة على المناورة لا تعني العمل في الاتجاه الصحيح.

بل تقوم الشركات الناشئة الناجحة بالفعل بالكثير من التفكير الجاد حول الأساسيات، والتشكيك في الافتراضات الأساسية واختبارها بدقة شديدة من شأنها أن تحاكي الشركات الراسخة بالفعل.

وهذا ما يتعين على الشركات الناشئة تحقيقه لأن مواردها نادرة للغاية. حيث ستتخذ الشركات الناشئة قرارات سيئة لتخصيص الموارد إذا لم يكن لديها استراتيجية متماسكة، ولا يعني هذا انخفاضاً في الأرباح بالنسبة لها، وإنما يعني الموت.

التكنولوجيا الرقمية هي وسيلة لجمع المعلومات وتخزينها واستخدامها، والمعلومات متاحة في كل مكان اليوم. مكّنتنا التكنولوجيا الرقمية في مراحلها المبكرة من فعل ما حققناه بالفعل بشكل أفضل إلى حد ما.

ثم مكنتنا من القيام بذلك بشكل أفضل بكثير.

ومن ثم القيام بأشياء لم نقم بها من قبل. والاحتمالات مبهجة اليوم ولكنها مربكة أيضاً. وعندما يشعر الأفراد بالارتباك، يبحثون عن طريقة لتنظيم الأشياء وإدراكها وتحديد ما يجب فعله. ومن هنا كانت الدعوة لضرورة وجود استراتيجية رقمية.

الشركة عبارة عن كائن حي، وإذا حاولت تحسين الأطراف، سيتوجب عليك تحسين الجسد بأكمله.

أنت لست بحاجة إلى استراتيجية للرقمنة أو لتقنية معلومات أو للتمويل أو للموارد بشرية أو أي شيء آخر، ما تحتاجه هو مجرد استراتيجية للعمل. 

لذلك لا تتخيل إمكانية تطوير استراتيجية للجزء الرقمي من عملك وإهمال باقي الجوانب.

تعمل التكنولوجيا الرقمية والتقنيات الأكثر تحديداً التي نشأت عنها بشكل أساسي على تغيير مصادر قيمة الزبون وتكلفة عرضها. وتتمثل طريقة التعامل مع التكنولوجيا الرقمية في التفكير في جميع الافتراضات الأساسية التي لديك حول كيفية عمل شركتك والتساؤل حول صلاحيتها.

وهذا ما انطوت عليه الاستراتيجية على الدوام.

وفي نهاية الحديث عن الخرافات حول الاستراتيجية في الشركات، تتغير الأساسيات في عالمنا الذي يعوزه اليقين، لذلك نحتاج إلى التفكير في هذه الأساسيات، سواء أكانت صالحة في المدى القصير أم الطويل:

  • فكر في كيفية توظيف القدرات التي لديك وبناء قدرات جديدة تحتاجها للدفاع عن وضعك التنافسي.
  • عزز هذه القدرات لإنشاء الحواجز. وكن واضحاً بشأن ما سيُحدث فرقاً حتى تتمكن من اتخاذ قرارات تخصيص الموارد بسرعة.
  • إبق على اطلاع بظهور أحداث غير متوقعة في واجهة الزبون تشير إلى الفرص التي يمكن استغلالها عمداً.
  • إسع للفوز بالأهداف قصيرة الأمد التي ستمكنك من الانتصار في الأهداف طويلة الأمد.
  • فكر بعمق من أجل التصرف بسرعة.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق