أخبار العالمأنشطة المركز

تأثير جائحة كورونا على العلاقات الاجتماعية

اعداد : الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنيةو العسكرية- تونس

مداخلة في ندوة عن بعد حول: التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية للدول المغاربية في ظل أزمة كورونا

1- تداعيات جائحة كورونا على العلاقات الاجتماعية


كان العالم يتوقع بأن تكون سنة 2020 هي سنة التميز على جميع الاصعدة و خاصة على الصعيد الاجتماعي، و قد اتخذت أغلب دول العالم و متخذي القرارات السياسيين بأن هذه السنة هي سنة العمل من أجل تطوير العلاقات المجتمعية، التي أصبحت تشكوا من وهن كبير بسبب الرأسمالية المتوحشة التي تهمل الجانب الانساني ضمن العلاقات البشرية، و تنفي الجانب الاجتماعي كذاك، بسبب الحروب و الصراعات الاهلية و الاضطرابات في بعض الدول العالم.

كذلك راهن العديد من قادة الدول على عنصر مهم هو تحقيق المساوات بين الجنسين، المرأة و الرجل و تطوير قطاع الصحة و التعليم لكن ما وقع هو عكس ما توقعنا هجم وباء كورونا على العالم فدمر كل المؤشرات في جميع المجالات.

وفي هذه المداخلة اخترناللحديث على عنصرين هامين وخطيرين و تأثيراهما كبير على المدى الاني و المدى المتوسط و المدى الطويل، هما الجانب العلائقي المجتمعي و الجناب السياسي و الأنشطة السياسية.

مع جائحة كورونا باتت حتى المكاسب المحدودة التي تحققت في العقود الماضية معرضة لخطر الانتكاس، و فعلا في تونس مثلا منذ شهر مارس 2020 و الشعب التونسي يعيش أزمة حقيقة على جميع الاصعدة، يعيش أزمة تواصل و تعايش في كل نشاطاته الاجتماعية وبدأ يخسر شيء فشيء مكتسباته.

فهذه الجائحة قد عمّقت أوجه عدم المساواة في المجتمع سواء ما بين الطبقات الاجتماعية أو ما بين الرجل و المرأة التي هي قائمة من قبل و لكن الفوارق لم تكن كبيرة أو لنقل لم تكن ملحوظة، و الوباء قد كشف ما يشوب النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من مواطن للضعف الذي قد تزيد بدورها من آثار الجائحة.

و من أهم القطاعات التي ظهر عليها الضعف و الوهن هي الصحة،التعليم، الاقتصاد، الأمن الشامل بجميع قطاعاته، ومن الأمن إلى الحماية الاجتماعية، تتفاقم آثار جائحة كوفيد-19 بالنسبة للفئات المتوسطة و الضعيفة و الفقيرة في المجتمع:

فمثلا الطبقات الاجتماعية الفقيرة و محدودة الدخل و حتى الفئات المتوسطة أصبحت تعاني من آثار سلبية مضاعفة على الصعيد الاقتصادي الذي يمس مباشرة بالعلاقات الاجتماعية، لأن الدخل العام ضعيف بصفة عامة و غير قار و بالتالي الادّخار يكون أقل ان لم نقل غير موجود، كذلك أغلبهم لا يشغلون وظائف آمنة و لا قارة و هذا في المستوى العادي يعشون بنمط حياة معين، و بوضعية شبه فقر، فماذا لو انقطعت موارد رزقهم بسبب الحجر الصحي؟ و ماذا لو انقطع عن العمل و لا يقدر أن يوفر أبسط مستويات العيش لعائلته و ابناءه؟

طبعا هذا ستكون له تداعيات خطيرة جدا على مستوى العلاقات الاسرية و المجتمعية و التعاملات مع الوضع الاجتماعي و ربما سيجعله يذهب الى الانحراف السلوكي و يعيش الضغط النفسي الذي سيؤثر مباشرة على سلوكه و على علاقاته الاجتماعية الضيقة و المتوسطة و الموسعة.

فحسب منظمة الصحة العالمية تشير الى أن نسبة الوفيات بسبب الجائحة كورونا قد مست الرجال، و أغلب الاعداد الوفيات هم رجال،وهذا قد أثر مباشرة على العائلة و خاصة على التماسك العائلي و كذلك على الصحة النفسية للمرأة، و ذلك بسبب اعادة تخصيص الموارد و الاولويات بما فيها الخدمات الصحة الجنسية و الانجابية.

و اسوق مثالا بالنسبة الى تونس فلقد ازداد عبء عمل الرعاية العمومية يعني الرعاية غير المدفوعة الأجر نتيجة لبقاء الأطفال خارج مدارسهم، وزيادة حاجة كبار السن إلى الرعاية، وكون الجهات المعنية بتقديم الخدمات الصحية منهكة بحمل يفوق طاقتها و لم تعد قادرة على توفير ابسط المتطلبات بل و حتى الضروريات.

فالحجر الصحي و التزام البيوت و تقييد التجول و فرض العزلة الاجتماعية تسبب في الكثير من المشاكل، بل و قد ازداد الضغط الاقتصادي والاجتماعي.

كذلك الحجر الصحي حسب التقارير و الاحصائيات كان و لا يزال مسببا رئيسيا للعنف الجنسي و تصاعد التوتر العائلي، و الضغط النفسي، و قد أصدرت الكثير من التقارير الصحة النفسية حول موضوع العنف و التوتر و الضغط النفسي العائلي، الى أن أصبح اللجوء الى العنف المادي يصل الى حدود الذهاب الى المستشفى و حتى القتل.

فمع الغلق الصحي يُجبر المسلط عليهم العنف أن يلتزمون بيوتهم و يتعيشوا مع مضطهديهم و معنفيهم لأنه ليس لديهم خيار أو مكان يلتجؤون اليه، في وقتٍ أصبحت خدمات دعم الضحايا العنف و مراكز الشرطة العدلية و الاسرية شبه معطلة أو بات الوصول إليها متعذراً و شبه مستحيل و حتى الوصول الى المستشفيات صعب جدا.

ففي تونس و حسب الديوان الوطني للأسرةو العمران البشري قد أكد في تقاريره على تضخم جميع هذه الآثار أكثر فأكثر في سياقات غياب مراكز النزاعات والطوارئ، حيث يكون التماسك الاجتماعي قد تَقوَّض بالفعل، وحيث تكون القدرات والخدمات المؤسسية العمومية و الخاصة قد باتت محدودة و لم تعد تسطيع التدخل.

و نفسهم اطارات و اعوان المندوبيات الجهوية لحماية الطفولة و الاسرة و اعوان و اطارات الديوان الاسرة و العمران البشري، نفسه و غيرها من مؤسسات الحماية يرفضون التدخل و حل المشاكل الاسرية و الطفولة خوفا من العدوى و كذلك بسبب اغلاق مؤسساتهم و أصبح التدخل عبر الهاتف أو الانترنات، و هذه الخدمات ليست ناجعة بل أنها في أغلب الاحيان فاشلة مما يزيد في التباعد الاجتماعي و يحدث اضرارا كبيرة بالعلاقات الاسرية.

و تبين بالوقت أن الجائحة لا تمثل رهانا و تحديا لمستوى النظام الصحة العالمية فحسب بل انها تحديا سياسيا واقتصادياواجتماعيا بالأساس، و ان وصل العالم للقاح و التعافي من هذه الجائحة فيجب أن يعيد النظر في الكثير من الملفات و على رأسها الملف الاجتماعي.

و لسنا من محبي تبني نظرية المؤامرات و لكننا يمكن أن نجزم بأن هذا الوباء بفعل فاعل و ليس طبيعي، و أريد منه أعادة النظر في أوراق العلاقات الدولية و التركيز الاكبر على النظام العالمي الرأسمالي و خاصة الرأسمالية المتوحشة التي تعتمد اليوم على العلاقات الالكترونية و نظام “الروبوتيزم” الرجل الالي المنتج فقط و ليست له اية حقوق انسانية و بعيدا عن العلاقات الانسانية و الروابط و الحقوق بل يبقى مصطلح الواجبات و الانتاج هو سيد الموقف.

و فعلا فقد بدأت تنجح هذه الاستراتيجية لأن التباعد الانساني و الضغط المادي يجعل من الانسان بلا مشاعر و الحياة الحميمية أصبحت لا معنى لها و تحكمها المادة.

ثم أن رقمة العالم و رقمنه العمل و التواصل البشري يقلص من التواصل المباشر الذي لم يعد له أهمية و هذا يعتبر خطير جدا على الانسانية في المستقبل، صحيح أننا نرى تقدما تكنولوجي رهيب و الذكاء الاصطناعي و لكن الذكاء البشري هو الاساس و لا يمكن أن نتخلى على العقل و الحس و المشاعر و الروابط الانسانية، فهذه الجائحة هي اختبار لروحنا البشرية.


الحلول :


يجب اعادة التفكير بعد زوال هذه الجائحة في مستوى النشاط البشري و العلاقات الاجتماعية و كذلك على علماء الاجتماع و علماء النفس الاجتماعي اعادة التفكير في نظرياتهم و ايجاد الحلول لعالم أكثر مساواة و أكثر قدرة على التكيف مع الازمات في المستقبل خاصة فيما يتعلق بسد الثغرات في المجال الصحي و الاقتصادي و الاجتماعي حتى تخفف من آثار الوباء، كذلك اعادة النظر في “السيستام” الداخلي لكل بلد و الاستحقاقات الوطنية و كيفية الاستجابة لها، خاصة فيما يتعلق بالاندماج الاجتماعي و الحقوق و الواجبات و تحقيق نتائج اجتماعية و اقتصادية محلية تعتمد على خصوصية كل بلد لتحقيق نتائج المساوات و الحماية و الاعتماد على المنتوجات المحلية و عدم الاعتماد على الخارج، و بذلك يمكن بناء محيط اجتماعي محلي أكثر عدلا و قدرة على التكيف.

2- التداعيات السياسية لوباء كورونا

ونحن لا نزال نعاني من جائحة كورنا و الاغلاق و محدودية التنقلات نجد أنفسنا أمام قرار اعادة توزيع السلطات السياسية و كأننا أمام سلطة و قوى سياسية لم تعد و تتخذ فيها القرارات السرية السياسة اليوم مفتوحة فلم يعد هناك الجلسات المغلقة كل شيء أصبح مكشوف و مخترق فهما كانت الحصانة الرقمية تبقى دائما هناك احتمالات الاختراق كبيرة جدا. فهذا الوباء قد فرض زيادة كبيرة في القيود على حرية تنقل الأشخاص في جميع أنحاء العالم، وإلى ورود تقارير مثيرة للقلق عن إساءة استخدام تدابير الطوارئ للإمعان في تقويض حقوق الإنسان وسيادة القانون، فلم يعد هناك نشاطات سياسية تعتمد على المقابلات المباشرة و النقاش المباشر و سرية النقاشات بل كل شيء أصبح مفتوح و كذلك تأخر المقابلات و النشاطات لتصبح أهم قرارات المسؤولين تتداول على الفيسبوك و تويتر و وسائل التواصل الاجتماعي و يتكلم فيها الكل.

فيمكن أن تنظم تحرك شعبي “فيسبوكي” مثلا بألاف و الملايين التفاعلات و التعليقات و تتأثر العقول بمجرد واحد أورد خبر اذ بها تقلب سياسة دولة كاملة.

كذلك الحملات الانتخابية فيكفي مثلا لمترشح برلماني أو حتى مرشح لرئاسة الجمهورية أن ينزّل على الفيسبوكتدوينات و يعمل مجموعات مسوقة له و تبيّض حملته اذ يجد الكل يصوت له و تجربة الرئيس قيس سعيد في تونس خير مثال على ذلك و قد نجحت فهو لم تكن حملته الانتخابية كلاسكية أنما فيسبوكية.

و من الاثار الجد سلبية لهذا الوباء و تغيير نمط الانشطة السياسية و الاجتماعية هي محدودية التحركات السياسية في الحيز المدني وعلى قدرة المجتمعات المحلية والأفراد على ممارسة حقهم في التجمع السلمي وحرية التعبير و حرية الاختيار و الاعتماد على ما يكتب و ما يقال في وسائل التواصل الاجتماعي حتى أن هذه الاداة هي من أصبح المدد للاختيارات و توجهات المواطن.

ولا يزال القيادات السياسية والناشطين يتحملون وطأة المضايقة والاعتداءات على الإنترنت وخارج الإنترنت فأصبحت الحملات المغرضة و المسيئة هي المهيمن الاساسي على تحركات السياسيين و العمل السياسي الى أن وصل “الفيسبوك” هو المحدد لبقاء أو ازاحة وزير أو رئيس من منصبه و كورونا زادت الامر تعقيدا و أصبحت اجتماعات الرؤساء و الوزراء عبر الأنترانت التي يمكن أن تخترق و تسمع فيها كل المناقشات فيستغلها مجموعات معينة و تساعد على عدم الاستقرار السياسي و الحكومي.


الخـــــــــاتمة


و في الختام نقول أن أثر جائحة كورونا كبير جدا على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية و السياسية مما سبب أزمة عالمية لا مثيل لها في تاريخ البشرية و تاريخ الأمم المتحدة التي تحاول أن تجد مخرجا ضمن التزاماتها العالمية كما أن هذه الازمة الصحية هي أزمة تتطلب استجابة المجتمع بأسره لتتناسب مع حجمها وتعقيدها، فالحلول بالأساس محلية و تتطلب من كل دولة أن تجد مخرجا أو أن تخفف من حجم الخسائر و التداعيات و ذلك بالرجوع الى خصوصية كل بلد.

ولكن مهما كانت الحلول و التعايش مع هذه الازمة الوبائية سواء على الصعيد الوطني أو الدولي، لن تكون ناجعة و فعّلة إذا لم تأخذ في الحسبان كيف أن أوجه عدم المساواة بين الطبقات المجتمعية قد تجعلنا جميعا أكثر ضعفا في وجه تأثيرات الأزمة.

ثم على السياسيين أن يعيدوا التفكير في سياساتهم الفاشلة لأن تكرارها سوف توقع بهم و بالدولة الوطنية اذ يجب عليهم أن يستغلون هذه الظرفية العالمية لإعادة بناء مجتمعات أكثر مساواة وشمولا وقدرة على التكيف و التعويل على الكفاءات و القدرات المحلية و كذلك الاعتماد على المنتوجات الوطنية و الابتعاد على القطاعات الهشة في بناء اقتصاديات و سياسات الدولة نحن نعتبر وباء كورونا درسا يجب أن تتعظ به كل المجتمعات و الدول خاصة الفقيرة و النامية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق