تسليم البغدادي المحمودي لعنة تطارد مرتكبي الخطيئة
تونس-08 مارس 2021
أكّد مدير الديوان الرئاسي سابقا والقيادي السابق في حزب “تونس الإرادة”عدنان منصر، خلال استضافته في برنامج على أمواج إذاعة” موزاييك آف آم” أمس الأحد، أنّ حركة النهضة سلّمت رئيس وزراء ليبيا سابقا البغدادي المحمودي إلى السلطات الليبية بعد التنسيق مع الجنرال رشيد عمار ووزير العدل نزر الدين البحيري، ووزير الداخلية علي العريض ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، دون علم رئاسة الجمهورية.
وكشف عدنان منصر أنّ الطائرة الليبية التي قدمت لتتسلّم المحمودي، حطّت في القاعدة العسكرية بالعوينة.
ونفى علم رئيس الجمهورية المؤقت، محمد المنصف المرزوقي بكلّ ذلك، قائلا “عملية التسليم جرت دون علمه، وشارك فيها وخطط لها شركاء في الحكم آنذاك”.”.
وأكّد أنّ الرئاسة حاولت الاتصال بالبغدادي المحمودي، إلاّ أنّها عجزت عن ذلك بسبب تعليمات عدم تمرير أيّ مكالمة قبل وصول الطائرة الليبية، مضيفا أنّ “وزير الدفاع ورئيس الأركان هما القادران على إصدار مثل هذه التعليمات”.
وأفاد بأنّ رئيس الحكومة حمادي الجبالي أيضا كان على علم بهذه العملية، حتّى أنّه أصدر أمر إتمام هذه العملية، بعد التأكّد من سفر رئيس الجمهورية إلى جنوب البلاد لإحياء ذكرى تأسيس الجيش.
لكن،بالعودة بالتاريخِ إلى الوراءِ قليلاً…وتحديدًا إلى يوم 23 مايو 2012، صرّح البحيري، بأن قرار تسليم المحمودي وقع اتخاذهُ، ليخرج عدنان منصر، الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية، بتصريحٍ مضاد جاء فيه أن “تونس لن تسلّم المحمودي إلى السلطات الليبية إذا لم يوفّر الجانب الليبي ضمانات المحاكمة العادلة وإذا استشعرت وجود خطر على حياته”.
ويبدو أن الخلاف الوحيد كان وقتها حول “الطريقة” التي يتم من خلالها التسليم.
وأثبتت شهادات محامي البغدادي المحمودي، الأستاذ البشير الصيد، وكذلك من جهات ليبية أن عملية التسليم كانت ضمن “صفقة” تمت بين جهات ليبية من جهة وبين رئاستي الحكومة والجمهوريّة من جهة أخرى تتحصّل بمقتضاها تونس على جملة من القروض.
وكان المرزوقي في سنة 2014 قد اتهم سابقا رئيس الحكومة الأسبق، حمادي الجبالي، بتسليم البغدادي المحمودي دون العودة إليه، وأنّه وقع استغلال وجودهِ في رمادة، وفي غياب وسيلة اتصال هاتفيّة، لتسليم رئيس الوزراء الليبي، الذي يعتبرُ “سجينا سياسيا” وفق المعايير الدوليّة.
وردّ عليه الجبالي على ذلك قائلاً إنّ :” الرئيس المؤقت منصف المرزوقي كان على علم مسبق بتسليم الوزير الأول الليبي السابق البغدادي المحمودي” مشيرًا الى أنه”لم يكن على علم بتوقيت تسليمه والذي تم بالتنسيق مع الجانب الليبي”.
وأعرب الجبالي عن ارتياحه لقرار التسليم، ضاربا عرض الحائط بالقوانين الدولية،في وقت كان يشهد تغولا للميليشيات المسلحة التي ظلت لسنوات طويلة تنكل بالمساجين السياسيين وبعض المفكرين وأساتذة الجامعات على غرار الدكتور رجب بو دبوس وأحمد إبراهيم، برغم مرور أكثر من عشر سنوات على احتجازهم بدون محاكمة أو أبسط الحقوق الإنسانية.
وفي وضع هذا التغول،كانت محكمة جنايات طرابلس قد أصدرت حكما بالإعدام بالرصاص ضد تسعة من كبار المسؤولين في حكم الراحل معمر القذافي من بينهم نجله سيف الإسلام القذافي ومدير المخابرات عبدالله السنوسي ورئيس الوزراء السابق البغدادي المحمودي.
وكانت وثيقة عبارة عن نص لرسالة أرسلها البغدادي المحمودي آخر أمين للجنة الشعبية العامة في نظام العقيد معمر القذافي بتاريخ 16 مايو 2012 الى الرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي، أوضح فيها المحمودي عملية الابتزاز التي تعرّض لها في سجنه بالمرناقية، وعن الخطوط العريضة لصفقة تحرّكها قيادات من حركة النهضة بالتعاون مع أطراف ليبية بهدف دفعه الى الكشف عن الأرقام السرية للحسابات البنكية للدولة الليبية. .
وتحدثت تقارير عن أن سيناريو المرزوقي تبلور تدريجيا إلى ما يشبه القرار بعدم تسليم المحمودي ووضعه في المقابل تحت الإقامة الجبرية، من خلال كراء منزل لإقامته في جهة قرطاج (بمبلغ 3 الاف دينار) ، إلا أن ذاك السيناريو كشفته بعض الأطراف الحكومية ما ساهم في تسريع مجريات عملية التسليم، لتنسف بذلك مشروع المرزوقي الهادف الى حماية المحمودي وإلى الانتصار لنفسه، من جهة، والنأي بنفسه عن الصورة التي ستلصق به،حسب ما أوردته صحيفة(المغرب).
تمت عملية التسليم إذن، وبدا حمادي الجبالي على ما يبدو”فخورا بأنه كان من مهندسي ذاك القرار الذي سيبقى وصمة عار على جبين حكومته، وعلى جبين كل من شارك في نسجه”، الأمر الذي ألحق ضررا كبيرا بسمعة تونس التي سبق أن التجأ إليها على سبيل المثال رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق،بتينو كراكسي، الذي أقام بمدينة الحمامات إلى أن توفي،ولم يسلمه نظام بن علي إلى إيطاليا..
وكان ثلاثة محامين، قد وجهوا رسالة إلى الرئيس المؤقت آذاك، بعد أن تلقوها من المحمودي، 40 يوما قبل تسليمه إلى السلطات الليبية..وجاء فيها:
فخامة رئيس الجمهورية التونسية الدكتور محمد المنصف المرزوقي
تحية الاحترام والأخوة،
أما بعد يشرفنا أن نرفع إلى سامي معاليكم رسالة شخصية من الدكتور البغدادي المحمودي تم عرضها علينا شفويا لتبليغها إليكم تتمثل في ما يلي:
تحية العروبة والإسلام
أتمنى لكم الصحة والعافية والسلامة
يؤسفني أن أزعج فخامتكم بموضوع سجني في تونس، ولكن أردت إعلامكم بما جرى في الأيام الأخيرة.
لقد قابلني مبعوث من وزارة العدل السيد (س) الذي أفادني أنه اجتمع مع محاميّ الفرنسي ومع شخص تونسي ومع آخر ليبي، وأعلمني أنه بعد بذل العديد من المجهودات توصلنا إلى إقناع الجانب الليبي بضرورة تغيير إقامتي من السجن إلى إقامة جبرية خارج السجن، وقد طلب مني هذا المبعوث أن أقدم دعوة إلى الشخص الليبي للحضور إلى تونس لمقابلتي وأن أدعو محاميّ الفرنسي من باريس، كما أبلغني بأن هناك اتفاقا على اقتسام المبالغ المالية التي أعرف مكان وجودها وذلك بين الجهة الليبية التي ستحصل على حصة، قائلا كذلك بالحرف الواحد “لا تنسوا نصيب الأطراف التونسية”.
وقد أكد لي أن هذا هو الحل الوحيد لخروجي من السجن وأن قرار فخامتكم لا جدوى منه، وطلب مني الإسراع في التعاون معهم، ثم حذرني من البوح بهذه التفاصيل لأي كان لا للمحامين التونسيين ولا حتى للمحامي الفرنسي وأن الجهة الليبية التي على الخط هي أكثر تشددا من القذافي وليس لهم أية مشكلة في اتخاذ قرار تصفيتي حتى داخل السجن.
لقد دامت هذه المقابلة أكثر من 40 دقيقة مع العلم أنه سبق أن زارني المبعوث المشار إليه صحبة أحد مستشاري وزارة العدل السيد (م) وبين أنه قادر على معالجة الوضعية مع الجهة التي يعمل معها.
فخامة الرئيس لم أطق سماع هذا الكلام فلقد دخل علي وأنا معتقل في غرفة السجن متقدم في السن مريض وعاجز، مظلوم ومقهور، ليساومني في حريتي التي سلبت مني دون وجه حق مقابل أن أعطيهم خيرات وطني وشعبي بطريقة مشبوهة، ولقد قلت وقتها ” ليتني متّ قبل هذا وكنت نىسيا منسيا”.
وعليه فإن الصورة اتضحت فبقائي في السجن مرتبط حسب هذه الجهة بإبرام صفقة مالية وكأن الأمر يتعلق بقسمة مسروق، وهو ما جعلني انهار وأحاول الانتحار لولا تدخل أعوان السجن لأنني والله حمّلت ما لا طاقة لي به.
لقد دخلت تونس بالطريقة القانونية المعترف بها في زمن كانت فيه بلدي ليبيا ولا زالت تعيش ظرفا أمنيا خطيرا، فوجدت نفسي في السجن دون جرم أو ذنب، وها أنا اليوم موضوع مساومات.
لقد التزمت بالتعاون مع فخامتكم وأنا متمسك بمواصلة هذا التعاون، أولا لثقتي بكم وكذلك احتراما للقانون التونسي والليبي الذيْن يجعلان من رئيس الجمهورية التونسية ورئيس المجلس الإنتقالي المسؤوليْن الوحيديْن عن ملفي.
إلا أنه ومع الأسف الشديد تدخلت في الملف أطراف أخرى ذات نوايا غير وطنية، وها أنا لازلت أقبع في السجن لا أعرف لماذا وبأي ذنب وإلى متى، وكأني أقضي عقوبة لا أعرف نهايتها.
أقسم بالله العظيم أنني صادق في كل ما قلته، وأنا اليوم أعاني من المعاناة أقساها ومن الصدمة النفسية أقصاها خاصة بعد مقابلة مبعوث وزارة العدل المشار إليها.
والأمل في الله وفي فخامتكم في نصرة مظلوم استجار بكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته